الفصل الثالث

أمضت جين ساعاتٍ من الأرق على الأريكة بجوار فِراش ليديا، وهي التي لم تقضِ ليلةً واحدة بعيدةً عن زوجها منذ تزوَّجَت به، وكانت الأوقات الوجيزةُ من النوم التي حصلَت عليها متقطِّعة بفعل حاجتها إلى التحقُّق من أن ليديا كانت نائمة. وكان العقَّار المهدِّئ الذي أعطاه الدكتور ماكفي لها فعَّالًا، وراحت ليديا في نومٍ عميق، لكنها عند الساعة الخامسة والنصف صباحًا استيقظت، وطالبَت أن تُؤخذَ في الحال إلى زوجها. كان هذا الطلب بالنسبة إلى جين طبيعيًّا ومنطقيًّا، لكنها شعرت أنه من الحكمة أن تُحذِّر ليديا بطريقةٍ لطيفة أن ويكهام لم يستيقظ بعدُ على الأرجح. ولم تكن ليديا مستعدَّةً للانتظار؛ لذا فقد ساعدتها جين على ارتداء ملابسِها — وكانت تلك عمليةً طويلة حيث أصرَّت ليديا على أن تبدوَ في أفضلِ مظهرٍ لها، فاستغرقتا وقتًا طويلًا في البحث في صندوق ملابسها، وفي عرض الثياب المختلفة لتطلبَ رأي جين بها، فسقطَ الكثيرُ من ملابسها على الأرض وراحت تُعدِّل شعرها. وتساءلت جين إن كان هناك مبررٌ لها لتوقظ بينجلي، لكن وبعد أن خرجَت تتسمَّع، لم تجد أيَّ صوت في الحجرة المجاورة وتردَّدَت في أن تُزعجه في نومه. كان وجود أحدٍ مع ليديا لرؤية زوجها، بعد وقوعه في محنته هو عملًا نسائيًّا، ولن تستغلَّ طبيعة بينجلي الطيبة من أجل راحتها. وفي النهاية أصبحَت ليديا راضيةً عن مظهرها، وبعد أن أخذوا الشموعَ المشتعِلة، توجَّهَت السيدتان عبر الرواق المظلم إلى الغرفة التي كان ويكهام فيها.

كان براونريج هو مَن أدخلهما إلى الغرفة، وعند دخولهما فزع ميسون من مكانه حيث كان نائمًا في كرسيِّه. وبعد هذا سادت الفوضى. هُرِعت ليديا إلى الفِراش حيث كان ويكهام لا يزال نائمًا، وألقت بنفسها عليه وكأنه كان ميتًا وراحت تبكي وتنتحبُ غمًّا. مرَّت عدة دقائق قبل أن تتمكَّن جين من إبعادها بلطفٍ عن الفراش، وتُغمغم لها أنه من الأفضل أن تعود في وقتٍ لاحق حيث يكون زوجُها مستيقظًا وقادرًا على الحديث إليها. وبعد نوبةٍ أخيرة من البكاء، سمحَت ليديا لنفسِها أن تقودَها أختُها إلى حجرتها؛ حيث تمكَّنَت جين في النهاية من تهدئتها وطلب إفطار مبكرٍ لهما. وسرعان ما أحضرَت السيدة رينولدز الإفطار، ولم تحضره الخادمة المعتادة، وحين نظرَت ليديا إلى الطعام الشهيِّ المنتقَى بعناية، أدركَت أن الحزن والبكاء جعَلاها جائعةً، فراحت تأكل بنهَم. اندهشَت جين من أن ليديا لم تكن مهتمَّة بما حدث لديني الذي كان مفضَّلًا لديها من بين الضبَّاط المرابطين مع ويكهام في ميريتون، حيث إن أخبار موتِه الوحشيِّ التي نقلَتها إليها جين بلطفٍ قدْر الإمكان بدَت، وكأنها لم تنفُذ إلى فَهمِها.

وبعد أن فرغَتا من طعام الإفطار، تقلَّبَت حالة ليديا المِزاجية بين نوباتٍ من البكاء والشفقة على النفس والخوف مما يُخفيه لها المستقبل ولزوجها العزيز ويكهام، والغضب من إليزابيث. لو دُعيت هي وزوجها إلى الحفل، كما كان ينبغي أن يحدث، لكانا قد وصلا إلى بيمبرلي في الصباح التالي بالشكل المناسب. إن ليديا وزوجها سلكا طريقَ الغابة فقط؛ لأن وصولها كان ينبغي أن يكون مفاجئًا، وإلا لما أدخلتها إليزابيث إلى المنزلِ قط. كان خطأُ إليزابيث هو ما تسبَّب في أن تستأجرَ هي وزوجها عربةً مهترئة وأن يمكثا في فندقِ جرين مان، وهو ليس من نوعية الفنادق التي تُحبِّذها هي أو زوجها. ولو كانت إليزابيث أكثرَ جودًا في مساعدتهما لَتمكَّنا من المكوث ليلةَ الجمعة في كينجز آرمز في لامتون، ولأرسَلَت إليهما إحدى عرَبات بيمبرلي لتأخُذَهما إلى الحفل في اليوم التالي، ولم يكن ديني ليرتحلَ معهما، ولم تكن أيُّ هذه المشكلات لِتَحدث. كان محتَّمًا على جين أن تستمع لكلِّ ذلك متألِّمةً؛ وكما هي الحال دومًا، حاولت جين أن تُخفِّف من غضبِ ليديا وتنصحها بالصبر وتحثَّها على التحلِّي بالأمل، لكن ليديا كانت تستمتع بشَكْواها كثيرًا، فلم تَعُد قادرةً على تغليب صوتِ المنطق أو الترحيبِ بالنُّصح.

ولم يكن أيٌّ من هذا مثيرًا للدهشة. فقد كَرِهَت ليديا أختَها إليزابيث منذ طفولتِهما ولم يكن ليُصبح بين تلك الشخصيتَين المختلفتين أيُّ شيء من التعاطف أو المودَّة الأخوية الوثيقة. كانت ليديا صاخبةً وجامحة وسوقيَّة في حديثها وتصرفاتها، ولا تستجيب لأيِّ محاولة للسيطرة عليها، كما كانت مصدرَ حرجٍ لأختَيها الكبيرتين. وكانت هي الابنةَ المفضَّلة لدى والدتها حيث كانتا في الواقع متشابهتَين كثيرًا، لكن كانت هناك أسبابٌ أخرى للعداء بين إليزابيث وأختِها الصغرى. فقد ظنَّت ليديا — لعدةِ أسباب — أن إليزابيث حاولَت أن تُقنع والدها بأن يمنعها من زيارة برايتون. فقد أبلَغَتها كيتي بأنها رأَت إليزابيث تطرق باب غرفة المكتبة وتدخل إلى خلوةِ والدها — وكان ذلك امتيازًا نادرًا حيث إن السيد بيني كان صارمًا حيال كون المكتبة الغرفةَ الوحيدة التي يأمُل أن يحصل فيها على شيءٍ من العزلة والسلام. كانت محاولةُ حرمان ليديا من أي شيء تُريده تحتلُّ مكانةً عالية على قائمة الأشياء التي تُثير الغضب والانزعاج بين الأختَين، وكان عدمُ نسيان ذلك أو مسامحةُ إليزابيث عليه يُشكِّل مسألةَ مبدأ بالنسبة إلى ليديا.

وكان هناك سببٌ آخر للكُره بين الأختَين يكاد يرتقي إلى درجة العداوة؛ فقد عرَفَت ليديا أن ويكهام اختار أختَها الكبرى لتكونَ هي المفضَّلة لديه. وأثناء إحدى زيارات ليديا إلى هايمارتن، سمعتها جين وهي تتحدَّث إلى مدبِّرة المنزل. كانت تلك هي ليديا نفسها التي تتَّسم بالأنانية والطيش. «لن يتمَّ الترحيب بنا أبدًا أنا والسيد ويكهام إلى منزل بيمبرلي. فالسيدة دارسي تَغار مني وكل فرد في هايمارتن يعرف السبب. فقد كانت مجنونة بويكهام حين عُيِّن في ميريتون، وكانت لتحصل عليه لو أرادت ذلك. لكنه اختارَ غيرها — وذلك من حُسن حظِّي! وعلى أي حال، لم تكن إليزابيث لتُوافق عليه قط، ليس من دون امتلاكه للكثير من المال، لكن لو كان ويكهام ثَريًّا لكانت قد أصبحَت السيدة ويكهام باختيارها. لقد تزوجَت دارسي — ذلك البغيض المتغطرس الحادَّ الطِّباع — فقط من أجل مِلكية بيمبرلي وكلِّ ما يملك من مال. وكلُّ مَن في ميريتون يعرفون ذلك أيضًا.»

وكان إقحامُ مدبِّرة المنزل في تلك الأمور الأُسَرية الخاصة، واختلاقُ الأكاذيب، والسوقيةُ التي كانت تنقل بها ليديا شائعاتِها المستهترة هو ما جعل جين تُعيد التفكيرَ في حَصافة قَبول زيارات أختها المفاجئة والمعتادة بسهولة، وقرَّرَت أن تحدَّ من مثلِ تلك الزيارات في المستقبَل، من أجل مصلحة بينجلي وأطفالها، ومن أجل مصلحتها هي أيضًا. لكن لا بد لها أن تتحمَّل زيارة واحدة أخرى. لقد وعدَت أن تأخذ ليديا إلى هايمارتن حين تُغادر بيمبرلي هي وزوجها بينجلي ظهيرةَ يوم الأحد حسَب الترتيب، وكانت تعلم كم سترتاح إليزابيث من دون وجود ليديا ومُطالبتها المستمرَّة بالتعاطف والاهتمام ونوبات بكائها وشَكْواها المزعجة والمسبِّبة للخلاف. لقد شعرَت جين بالعجز أمام تلك المأساة التي تُخيِّم على بيمبرلي، لكن تلك الخِدمة الصغيرة كانت أقلَّ ما يُمكنها أن تصنع من أجل أختها العزيزة إليزابيث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤