الفصل السادس

عُقِدت جلسة التحقيق في كينجز آرمز في حجرةٍ كبيرة بُنيت خلف الحانة قبل ثماني سنواتٍ مضَت من أجل توفير مكانٍ للمناسبات العامة المحلية، بما في ذلك مناسبات الرقص العارضة التي تنال التوقيرَ دائمًا بإضفاء اسمِ حفلٍ راقص عليها. وكان الحماس المبدئيُّ والزَّهوُ بين المحليِّين هو ما ضمِن نجاحَها مبكرًا، لكن في أوقات الحرب والعوَز العصيبة هذه لم يكن هناك مالٌ أو ميلٌ نحوَ إتيان الأفعال العابثة، والحجرة التي تُستخدم الآن في أغلب الأحيان لعقدِ الاجتماعات الرسمية كانت نادرًا ما تمتلئ عن آخرها، وكانت تبدو بمظهرٍ كئيب ومهمَل بعضَ الشيء كأيِّ مكان آخر كان فيما مضى مخصَّصًا للأنشطة المجتمعية. كان صاحب الحانة — ويُدعى توماس سيمبكنز — وزوجته قد قاما بالتحضير المعتاد لحدثٍ كانا يعلمان أنه سيستقطب ولا شكَّ عددًا كبيرًا من الحضور؛ ومن ثم سيُدِر الربح على الحانة. وعلى يمين باب الحجرة كانت هناك منصةٌ كبيرة بما يكفي لتسعَ فرقةَ أوركيسترا صغيرةً لعزف الموسيقى الراقصة، وعلى تلك المنصة وُضِع كرسيٌّ خشبي كبير ذو ذراعَين كان قد أُخذ من الحانة، وعلى جانبيه وُضعت أربعة كراسيَّ صغيرة، فكان اثنان على كل جانب من جوانبه، وكانت تلك الكراسيُّ من أجل قضاةِ كتَبة العدل أو أصحاب المناصب المحليِّين الآخَرين الذين اختاروا حضورَ الجلسة. وأُحضِرت كلُّ الكراسيِّ المتاحة في الحانة، كما أشارت مجموعاتُ الكراسي ذات الأشكال المختلفة والمتعددة إلى أن الجيران قد أسهَموا بكراسيَّ من عندهم أيضًا. وكان من المتوقَّع أن يقف مَن يَصِلون متأخرين.

عرَف دارسي أن قاضيَ التحقيق كانت لديه رؤيةٌ مفخَّمة عن مكانته ومسئولياته، وسيكون مسرورًا لرؤية مالك بيمبرلي وهو يأتي بعربته الكبيرة في أبهة. وكان دارسي نفسه ليُفضِّل ركوب صهوة جواده، وهذا كما اقترح الكولونيل وألفيستون، لكنه توصَّل إلى تسويةٍ، وهي الذَّهاب في عربةٍ صغيرة. وحين دخل الغرفة وجد أنها كانت ممتلئةً بالفعل عن آخرِها، وكانت هناك المحادثات المعتادة والمتوقَّعة التي بدَت لدارسي خافتةً أكثرَ من المتوقَّع. ولدى ظهورِه توقفَت تلك المحادثات، وسادت مَظاهر لمسِ شعر النواصي وغمغمات التحية. ولم يأتِ أحدٌ إليه — ليس حتى من المستأجرين لديه — ليدعوَه إلى الجلوس كما كانوا يفعلون في الظروف العادية، لكنه رأى أن ذلك كان لشعورٍ منهم أن مِن دواعي امتيازه أن يهمَّ هو بالخطوة الأولى وليس إهانةً له.

نظر دارسي حوله ليرى ما إن كان هناك كرسيٌّ شاغر في مكانٍ ما في آخر الغرفة، ومن الأفضل لو كان هناك كراسيُّ أخرى شاغرة ليحجزها للكولونيل وألفيستون، لكن في تلك اللحظة صارت جلَبة عند الباب، وكان هناك كرسي مُدَولب كبير من الخيزران بعجلتَين صغيرتَين في مقدمته وأُخريَين أكبرَ منهما في الخلف يُدفَع بصعوبة عبر الباب. وكان الدكتور جوسايا كليثرو يجلس في الكرسي وساقه اليمنى مدعَّمة بلوحٍ خشبي بارز، وقدمه ملفوفة بضمادة من الكتان الأبيض وبها جرح كبير. وسرعان ما قام مَن كانوا يجلسون في المقدمة، ودُفِع الدكتور كليثرو عبْر الغرفة، وقد وُجد في دفعه بالكرسيِّ شيءٌ من الصعوبة؛ ذلك أن العجلات الصغيرة كانت عصيَّة على السير، فكانت تتلوَّى بشدة. وفي الحال، فرغ الكرسيَّان الموجودان على جانبَيه، فوضع قبَّعته الطويلة على أحدهما ودعا دارسي لكي يجلسَ على الآخر. أصبحت الآن دائرة الكراسي حولهما فارغة، وكانت هناك على الأقل فرصةٌ لتبادل أطراف الحديث بشكل شخصي.

قال الدكتور كليثرو: «لا أعتقد أن هذا الأمر سيستغرق اليوم بطولِه. سيُبقي جوناه ميكبيس كلَّ شيء تحت السيطرة. الأمرُ صعبٌ عليك يا دارسي، وعلى السيدة دارسي بالطبع. أثقُ في أنها بحالة جيدة.»

«هي كذلك يا سيدي، ويُسعدني قول هذا.»

«من الواضح أنك لا يُمكنك أن تضطلعَ بأيِّ دور في التحقيق بشأن هذه القضية، لكن لا شك أن هاردكاسل أبقاك مطَّلعًا على المستجِدَّات.»

قال دارسي: «لقد ذكر منها بقدْرِ ما يجد أنَّ مِن الحكمة والحصافة الكشفَ عنه. فموقفه صعبٌ إلى حدٍّ ما.»

«في الواقع، هو ليس في حاجةٍ إلى أن يُبالغ في حذره. فواجبُه يُلزِمه بإبقاء المسئول الأعلى مطلعًا، وسيستشيرني أيضًا متى كان ذلك ضروريًّا، رغم أنني أشك في قدرتي على تقديمِ الكثيرِ من العون. لكن يبدو أنه وآمر البلدة براونريج والضابط ميسون مسيطرون على الأمور. فهمتُ أنهم تحدَّثوا إلى كل شخص في بيمبرلي وأنهم توصَّلوا إلى أنكم جميعًا لديكم حُججُ غياب، وهذا يكاد يُثير الدهشة؛ ففي الليلة السابقة لحفل الليدي آن هناك الكثيرُ من الأشياء التي يكون القيام بها أفضلَ من التسلل عبر غابة بيمبرلي بنيَّة القتل. وقد أُخبِرت أن اللورد هارتليب أيضًا لديه حُجة غياب؛ لذا يُمكنكما على الأقل أنت وهو أن تحطَّا عنكما عناء القلق. وحيث إنه لم يُصبح بعدُ من أفراد طبقة النبلاء، فسيكون من غير الضروريِّ أن يُحاكَم في مجلس اللوردات — إذا ما اتُّهِم — فهذا إجراءٌ مبهرج لكنه مكلِّف. وستشعر بقدرٍ كبير من الراحة أيضًا حين تعلم أن هاردكاسل تتبَّع أقربَ أقرباء ديني من خلال الفوج العسكري الخاصِّ بالكولونيل. ويبدو أن لديه قريبًا واحدًا فقط على قيد الحياة، وهي عمَّةٌ عجوزٌ له، تسكن في كينسنجتون لم يزُرها ديني إلا نادرًا، لكنها تُمثِّل له دعمًا ماديًّا منتظمًا. لقد قاربَت تلك المرأةُ على بلوغ التسعين من عمرها، وهي طاعنةٌ في السنِّ كثيرًا، وأضعفُ من أن تكون لها مصلحةٌ شخصية في تلك الأحداث، لكنها طلبت أن تُرسَل جثة ديني — التي أفرج عنها قاضي التحقيق الآن — إلى كينسنجتون من أجل دفنها.»

قال دارسي: «إن كان ديني قد قُتل في الغابة بيدِ أحد من الأشخاص المعروفين أو عن طريقِ الخطأ، فسيكون من الصواب لي وللسيدة دارسي أن نُرسل لها خطابَ تعزية، لكن في ظل الظروف الحاليَّة قد يكون هذا تصرُّفًا غيرَ حكيم، بل وحتى غيرَ مرحَّب به. من الغريب كيف أنه حتى أفظع الأحداث وأغربها يحمل في طيَّاته آثارًا اجتماعية، ومن الجيد منك أن تُخبرني بهذه المعلومة التي أثقُ بأنها ستكون مصدرَ راحةٍ للسيدة دارسي. وماذا عن المستأجرين في العزبة؟ إنني لا أريد أن أسأل هاردكاسل بصورةٍ مباشرة؛ هل بُرِّئت ساحتهم جميعًا؟»

«أجل، أعتقد ذلك. كان معظمهم في منازلهم، وأولئك الذين لا يستطيعون مقاومة الخروج في ليلةٍ عاصفة ليحتَموا في الحانة المحلية قدَّموا الكثير من الشهود، الذين كان بعضُهم متزنًا حين استُجوِب ويُمكن اعتبارهم موثوقين. ومن الواضح أن أحدًا لم يسمع بوجود أيِّ شخص غريب في الجوار. وأنت تعلم بالطبع أن فتاتَين ساذَجتَين تعملان في منزل بيمبرلي قصَّتا قصةً عن رؤيةِ شبحِ السيدة رايلي يهيم في الغابة؛ وذلك حين زار هاردكاسل بيمبرلي. ويبدو أن السيدة رايلي تختارُ إظهار نفسها على النحو الملائم في ليلة تمام القمر.»

قال دارسي: «تلك قصة خرافية قديمة. من الواضح أن الفتاتَين — كما سمعنا فيما بعد — كانتا في الغابة بسبب تحدٍّ ما، ولم يأخذ هاردكاسل الأمر على محمل الجِد. كنت أظن حينها أنهما كانتا تقولان الصِّدق، وأن من المحتمل أنه كانت هناك امرأةٌ في الغابة تلك الليلة.»

قال كليثرو: «لقد تحدَّث إليهم آمرُ البلدة براونريج في حضور السيدة رينولدز. وكان من الواضح إصرارُهما على أنهما رأَتا شبحَ امرأةٍ في الغابة قبل يومين من وقوع الجريمة، وعلى أنه قد صدرت عنها إشارةٌ تنم عن التهديد قبل أن تختفيَ بين الأشجار. كما أصرَّتا على أن ذلك الشبح لم يكن لأيٍّ من المرأتَين اللتين تسكنان كوخ الغابة، رغم أن من الصعب فَهْمَ كيف يمكن لهما أن تُؤكِّدا ذلك بهذا القدر من الثقة؛ حيث إن المرأة كانت ترتدي ثيابًا سوداء، كما أنها اختفت بمجردِ أن صرخَت إحداهما. لو كانت هناك امرأةٌ في الغابة فإن هذا لا يعني الكثير من الأهمية. فهذه الجريمة ليست جريمةً ترتكبها امرأة.»

سأله دارسي: «وهل يتعاون ويكهام مع هاردكاسل والشرطة؟»

«أرى أنه متقلِّب؛ ففي بعض الأحيان يُجيب عن الأسئلة بمنطقية، وفي أحيانٍ أخرى يحتجُّ بأن الشرطة تُضايقه وتزعجه رغم أنه بريء. وأنت تعلم بالطبع أن هناك ٣٠ جنيهًا وُجدت في جيب معطفه؛ وهو لا يزال متحفِّظًا تمامًا بشأن كيفية حصوله على هذا المبلغ، عدا قوله إن هذا المال كان قرضًا ليُمكِّنه من سَداد دَين في عنقه، وقد أقسم على ألا يبوحَ بأي شيء أكثرَ من ذلك. وكما هو متوقَّع، ظنَّ هاردكاسل أن ويكهام ربما يكون قد سرق المالَ من جثة الكابتن ديني، لكن في تلك الحالة لم يكن المال ليخلوَ من بقع الدماء، وذلك بأخذ الدماء التي كانت على يدِ ويكهام في عين الاعتبار، وأتخيَّل أن المال أيضًا لم يكن ليُوضع في محفظته مطويًّا بعنايةٍ بهذا الشكل. لقد اطلعت على المال، ووجدت أنه عملاتٌ ورقية مطبوعة حديثًا. ومن الواضح أن الكابتن ديني أخبر مالك المنزل بأنه لم يكن يمتلكُ مالًا.»

ثم مرَّت لحظةٌ لم يتحدَّث فيها أيٌّ منهما، ثم نطق كليثرو قائلًا: «أتفهَّم أن هاردكاسل يشعر بشيء من التردُّد حيالَ مشاركتك المعلومات، وذلك حماية لك بقدْر ما هو حمايةٌ له نفسه، لكن وحيث إنه مقتنع بأن كل العائلة والزُّوار والخَدَم في منزل بيمبرلي يمتلكون حُججَ غيابٍ مقنعةً، فقد يبدو التحفُّظُ بشأنِ إطلاعك على المستجِدَّات المهمة غيرَ مبرَّر ولا داعي له. ولذا، فعليَّ أن أُخبرك أن الشرطة وجدت سلاحَ الجريمة، وهو بلاطة حجرية كبيرة مصقولةُ الحواف اكتُشِفت تحتَ بعض أوراق الأشجار على بُعد ٥٠ ياردة تقريبًا من الفُرجة التي اكتُشِفت فيها جثةُ ديني.»

تمكَّن دارسي من إخفاء دهشته وقال بصوتٍ خفيض وهو ينظر أمامه مباشرة. «ما هو الدليل على أن هذا هو في الواقع سلاح الجريمة؟»

«لا شيء محدَّد؛ حيث لا يوجد عليه أيُّ علامة من علامات التجريم كالدماء أو الشعر، لكن الأمر لا يُثير الكثيرَ من الدهشة. ففي وقتٍ لاحقٍ من تلك الليلة، تلَت الأمطارُ الغزيرة الرياحَ التي كانت تهبُّ، ولا بد أن الأرض وأوراق الشجر تخضَّلَت بالماء، لكنني رأيت البلاطة الحجرية، ولا شك أنها بالحجم والشكل اللذَين يمكن أن يكونا قد تسبَّبا في إحداث الجرح.»

أبقى دارسي على صوتِه خفيضًا. وقال: «حُظِرت الغابة على أيِّ أحدٍ من بيمبرلي، لكنني أعرف أن الشرطة كانت تجِدُّ في البحث عن سلاح الجريمة. أتعرف الضابطَ الذي وجده؟»

«ليس براونريج ولا ميسون. فقد احتاجت الشرطة إلى مساعدة إضافية؛ ومن ثَم أُشرِك ضبَّاطٌ آخَرون من الأبرشية التالية، وكان بينهم جوزيف جوزيف. من الواضح أن والديه كانا متيَّمَين بلقَب عائلتهما فأطلقا عليه اللقب نفسَه كاسمٍ له في المعمودية. ويبدو الرجل حيَّ الضمير وجديرًا بالثقة، لكنني أُخمِّن أنه ليس ذكيًّا. كان ينبغي عليه أن يترك الحجَر في مكانه ويستدعيَ رجال الشرطة الآخرين كشهود. ولكنه بدلًا من ذلك حمله إلى آمر البلدة براونريج مبتهجًا.»

«إذن لا يوجد أيُّ إثبات على أنه كان في المكان الذي قال إنه قد وجده فيه؟»

«لا، لا أتصوَّر ذلك. ولكنني أُخبرت بأنَّ هناك عددًا من الأحجار المختلفةِ الحجم في المكان الذي وُجد فيه، وكلها تكاد تكون مدفونةً في التربة، لكن لا يوجد دليلٌ على أن ذلك الحجر كان بينها. يمكن أن أحدهم قلب كومةً من الأحجار أو أنها انقلبَت منه عرَضًا قبل سنوات، ربما في الوقت نفسِه الذي كان جَدُّك الأكبر يبني فيه كوخَ الغابة، حيث كانت موادُّ البناء تُنقل عبر الغابة.»

«هل سيقوم هاردكاسل أو الشرطة بتقديم البلاطة الحجرية هذا الصباحَ؟»

«فهمتُ أن هذا لن يحدث. فميكبيس يُصر على أنه لا ينبغي تقديمُه كجزء من الأدلة، فإثبات أن هذا الحجرَ هو سلاحُ الجريمة غيرُ ممكن. غاية ما هنالك ستُخبَر هيئةُ المحلَّفين بأن حجرًا قد وُجد، بل لا يمكن ذكرُ هذا الأمر حتى؛ فميكبيس حريص على ألا يتحوَّل الأمر إلى محاكمة. سيجعل ميكبيس مهمةَ هيئة المحلَّفين بسيطة، ولن تشتمل على التعدِّي على اختصاصات محكمة الجنايات.»

«إذن أتعتقد أنهم سيتَّهمونه بالجريمة؟»

«لا شك في ذلك، بالنظر إلى ما يرون أنه اعتراف من جانبه. سيكون من اللافت للنظر ألا يفعَلوا. هاك، أرى أن السيد ويكهام وصل، ويبدو متهلِّلَ الوجه بشكلٍ مثير للدهشة بالنسبة إلى رجل في موقفه.»

لاحظَ دارسي أن هناك ثلاثةَ كراسيَّ فارغةٍ يحرسها ضباطُ شرطة بالقرب من المنصة، واصطُحِب ويكهام — الذي كان يسير بين اثنين من ضباط السجن مكبَّلًا بالقيود — إلى الكرسي الأوسط بينهم، فجلس فيه، وأخذ الحارسان مكانهما إلى جواره. وبلغَت رِباطةُ جأشه درجةَ اللامبالاة بينما كان يمر بعينه على جمهوره المحتمل بقليلٍ من الاهتمام، ولم يُثبِّت نظره على وجهِ واحدٍ منهم. وأُحضِرت الحقيبةُ التي تحتوي على ملابسه إلى السجن بعد أن أفرج عنها هاردكاسل، وكان ويكهام يرتدي ما بدا أنه أفضلُ معطفٍ لديه، بينما دلَّت ملابسه المصنوعة من الكتان على مهارةِ خادمة غسل الملابس في هايمارتن وحِرصها في عملها. ثم التفت ويكهام إلى أحدِ ضباط السجن مبتسمًا واستجاب الأخير له بإيماءة. وحين رمَقه دارسي بنظرةٍ سريعة، رأى دارسي أنه ينظر إلى شيءٍ من ذلك الضابطِ الشابِّ الفاتن الذي سحرَ فتيات ميريتون اليافعات.

هنا صاح أحدُهم بأمرٍ ما، فسكتَت الثرثرة ودخل القاضي جوناه ميكبيس مع السير سيلوين هاردكاسل، وبعد أن انحنَيا أمام هيئة المحلَّفين أخذ القاضي مقعده، ودعا السير سيلوين هاردكاسل ليجلس في الكرسيِّ عن يمينه. كان ميكبيس رجلًا نحيلًا بوجهٍ أبيضَ كالشمع، وقد يُعتقد أن بياض وجهه هذا دلَّ لدى الآخرين على اعتلالٍ ما. كان ميكبيس الآن قد خدم كقاضٍ للتحقيقات مدة ٢٠ سنة، وكان من دواعي فخرِه الآن وهو في الستين من عمره أنه ترأَّس كلَّ تحقيق جرى في لامتون أو في كينجز آرمز. وكان لميكبيس أنفٌ طويل رفيع وفمٌ ذو شكل يُثير الفضول، فكانت شفتُه العليا ممتلئةً للغاية وعيناه اللتان تقَعان تحت حاجبَين نحيلَين وكأنهما مرسومان بقلمٍ من الرصاص كانتا حادَّتَين وقويتين وكأنه في العشرين من عمره. وكان الجميع يُكبِرونه كمحامٍ صاحبِ مكتبِ محاماةٍ ناجحٍ في لامتون وخارجها، وبازدهارٍ متزايدٍ وموكلِين شخصيِّين ينتظرون مشورتَه، لم يكن يتساهل قط مع الشهود الذين لا يُقدِّمون شهاداتهم بدقَّةٍ ووضوح. وفي آخرِ الحجرة كانت هناك ساعةُ حائط وجَّه لها ميكبيس نظرةً طويلة تنطوي على الترهيب.

وبدخول ميكبيس نهض الجميع واقفين، ثم جلسوا حين جلس في كرسيِّه. كان هاردكاسل عن يمينه والضابطان اللذان يجلسان في الصف الأمامي تحت المنصة. أما هيئة المحلَّفين الذين كانوا يتحدَّثون فيما بينهم فقد أخَذوا مجالسهم ثم نهضوا في الحال. وكان دارسي قد حضر عددًا من التحقيقات بصفته قاضيًا ورأى أن مجموعة الشخصيات المحلِّية المعتادة قد اجتمعت من أجل تشكيل هيئة المحلَّفين؛ فكانت تتكوَّن من الصيدلي جورج وينرايت، وفرانك ستيرلنج صاحب المتجر العمومي في لامتون، والحدَّاد بيل مولينز من قرية بيمبرلي، وجون سيمبسون متعهد دفن الموتى، وكان الأخير يرتدي بزَّة جنائزية سوداء يُقال إنه ورِثها من أبيه. وبقية هيئة المحلَّفين كانت من المزارعين الذين وصَلوا في اللحظات الأخيرة ويبدو عليهم أنهم كانوا مرتبكين ومتوتِّرين للغاية. فلم يكن الوقت مناسبًا إطلاقًا لمغادرتهم مزارعهم.

التفت قاضي التحقيق إلى ضابط السجن. وقال: «يُمكنك أن تنزع القيود عن السيد ويكهام. فلم يهرُب أيُّ سجين قط تحت سُلطتي القضائية.»

فُعِل ذلك في صمت، وبعد أن دلَّك ويكهام رسغَيه وقف في هدوءٍ وكان يمسح بعينَيه الغرفة بين الحينِ والآخر وكأنه يبحث عن وجهٍ مألوف. حُلِفت اليمين، وأثناء ذلك كان ميكبيس ينظر إلى هيئةِ المحلَّفين بنظراتٍ يملؤها الشكُّ وكأنه رجلٌ يتفحَّص جوادًا ليشتريَه وكأنَّ هذا الجواد مثيرٌ للشك، وذلك قبل أن يُدليَ بتصريحه المبدئي المعتاد. «أيها السادة، لقد التقينا من قبل، وأعتقد أنكم تعرفون مهمَّتكم. وهي الاستماع إلى الشهادات بإمعانٍ وتحديد سبب وفاة الكابتن مارتن ديني، الذي وُجدت جثتُه في غابة بيمبرلي في غضون الساعة العاشرة من ليل يوم الجمعة الموافق ١٤ أكتوبر. أنتم لستم هنا من أجل المشاركة في محاكمةٍ جنائية، ولا من أجل تعليم الشرطة كيف تُجري تحقيقاتها. ومن الخيارات المطروحة أمامكم، اعلموا أنكم لا يمكن لكم أن تُقرِّروا أن الوفاة كانت نِتاجَ حادثة، أو أنها كانت قضاءً وقدَرًا، ولا يمكن لرجل كذلك أن يقتل نفسه بتوجيهِ ضربةٍ شديدة إلى مؤخر رأسه. وقد يقودكم هذا منطقيًّا إلى استنتاجٍ مفادُه أن حالة الوفاة هنا هي جريمة قتل، وحينها سيكون أمامكم حُكمان محتملان. فإن لم يكن هناك أيُّ دليلٍ يشير إلى الشخص المسئول عن هذه الجريمة، فسيكون قراركم هو القتلَ العمد على يدِ شخصٍ مجهول أو مجموعة مجهولة من الأشخاص. لقد وضعت أمامكم الخيارات المتاحة، لكن ينبغي عليَّ أن أؤكد أن قراركم بشأن سبب الوفاة يعود إليكم بشكلٍ كامل. وإن قادتكم الشهادات إلى استنتاجِ أنكم تعرفون هُوية القاتل، فسينبغي عليكم حينَها أن تُعلنوا عن اسمه أو اسمها، وكما هي الحال في كل قضايا الجنايات، سيُحتجز مقترِفُ الجريمة وسيُقدَّم للمحاكمة في محكمة الجنايات التالية في ديربي. وإن كان لديكم أيُّ أسئلة تريدون توجيهها للشهود، فارفعوا أيديَكم فضلًا وتحدَّثوا بشكلٍ واضح. سنبدأ الآن، وسأبدأ باستدعاء ناثانيال بيجوت أولًا، وهو مالك حانة جرين مان، الذي سيُقدِّم شهادته عن بداية آخرِ رحلة لذلك الرجل المأسوف عليه.»

وبعد ذلك ومما أراح دارسي كثيرًا، سار التحقيقُ بوتيرةٍ سريعة إلى حدٍّ كبير. لا شك أن السيد بيجوت تلقَّى نصيحةً بأن من الحكمة في المحكمة أن يتحدَّث قليلًا قدرَ المستطاع، وبعد أن أقسم اليمين، أكَّد فقط أن السيد والسيدة ويكهام والكابتن ديني وصَلوا إلى الحانة بعد ظهر يوم الجمعة في عربةٍ مستأجَرة بعد الرابعة بوقتٍ قصير، وأنهم طلَبوا العربة التي كان يُبقيها هو في الحانة لتُقلَّهم إلى بيمبرلي في ذلك المساء، حيث سيتركون السيدة ويكهام، ثم سيُكمل السيدان طريقهما إلى كينجز آرمز في لامتون. ولم يسمع بيجوت بأيِّ شجار بين ثلاثتهم لا أثناء الظهيرة، ولا حين دلفوا إلى العربة المستأجرة. كان الكابتن ديني هادئًا — فهو يبدو كرجلٍ هادئ دومًا — وكان السيد ويكهام يتناول الشرابَ بانتظام، لكن في رأيه لا يُمكن أن يقول إنه كان مخمورًا وعاجزًا.

ثم تبِعه جورج برات، سائقُ العربة، الذي كان من الواضح أن شهادته منتظَرة بشدة وقد قصَّها هو بشيءٍ من الإسهاب، مشيرًا دائمًا إلى سلوك الحِصانَين بيتي وميلي. كان الحصانان يتصرَّفان بشيء من العقل حتى دخلا الغابة، حيث أصبحا شديدَي التوتر حتى إنه وجد صعوبةً في تحريكهما. كان الفَرسان دائمًا ما يكرهان دخول الغابة حين يكون القمرُ مكتملًا؛ وذلك بسبب شبح السيدة رايلي. وربما كان السيدان يتشاجران داخل العربة، لكنه لم يسمعهما؛ لأنه كان يُحاول السيطرة على الفرَسَين. وكان الكابتن ديني هو مَن أخرج رأسَه من النافذة وأمره أن يتوقَّف ثم غادر هو العربة. وقد سمع الكابتن ديني يقول إن السيد ويكهام أصبح الآن وحده، وأنه لن يُشارك في الأمر؛ قال شيئًا من هذا القبيل. ثم هُرع الكابتن ديني إلى داخل الغابة وفي إثره السيد ويكهام. وبعد ذلك ببرهة قصيرة سمع صوت طلقات النار، لكنه لم يكن واثقًا متى سمِعها بالتحديد، أما السيدة ويكهام التي كانت في حالةٍ جيدة فصرخَت فيه أن يُكمل المسيرة إلى بيمبرلي وهو ما فعله. في تلك الأثناء كان الفرَسان في حالةٍ من الذعر الشديد بحيث أمكنه التحكُّم فيهما بصعوبةٍ وخشي أن تنقلب العربة بهما قبل أن يصل إلى بيمبرلي. ثم وصف ما حدث في رحلة العودة، بما في ذلك توقُّفُ العربة؛ حتى يتمكَّن الكولونيل فيتزويليام من الاطمئنان على الأسرةِ التي تقطن كوخ الغابة. وخمَّن هو أن الكولونيل غاب في ذلك مدةَ ١٠ دقائق.

واكتسب دارسي انطباع أن قصة برات كانت معروفة بالفعل لدى هيئة المحلَّفين ولدى كلِّ مَن في لامتون وقرية بيمبرلي وما يتخطَّاهما، وقد أدلى برات بشهادته في ظلِّ آهاتٍ وتنهداتٍ تنم عن التعاطف، خاصةً حين أسهب في المحنة التي مرَّ بها الفَرسان بيتي وميلي. ولم يكن هناك أيُّ سؤال ليوجَّه إليه.

ثم استُدعي الكولونيل الفيكونت هارتليب بعد ذلك، وأقسم اليمينَ بثباتٍ وثقةٍ مثيرَين للإعجاب. وقصَّ الكولونيل روايته من أحداث المساء باقتضابٍ لكن في شيءٍ من الحزم، واشتملت روايته على إيجاد الجثة، وهي شهادةٌ تكرَّرت فيما بعدُ من دون انفعالٍ أو تنميقٍ للكلام على لسان ألفيستون ودارسي في الأخير. وسأل القاضي ثلاثتَهم ما إن كان ويكهام قد تحدَّث، وكرَّروا جميعًا اعترافَه المدمِّر.

وقبل أن يحظى أيُّ أحدٍ آخر بفرصةِ الحديث، طرح ميكبيس السؤال الأهم. «سيد ويكهام، أنت تُصر على براءتك من قتلِ الكابتن ديني بكلِّ صرامة. إذن لماذا قلتَ أكثر من مرة حين وُجِدت الجثة إنك قتلتَه، وإن مقتله كان خطَأَك؟»

وأتت الإجابة من دون تردُّد. «لأن الكابتن ديني يا سيدي ترك العربة بسبب شعوره بالاشمئزاز من خُطتي لترك السيدة ويكهام في بيمبرلي وهي غير مدعوَّة وزيارتها غير متوقَّعة. كما أنني شعرت أنني كنتُ لأمنعه من مغادرة العربة والدخول إلى الغابة لولا أنني كنتُ مخمورًا.»

فهمس كليثرو إلى دارسي قائلًا: «غير مقنعٍ بالمرة، ذلك الأحمق يُفرِط في الثقة بنفسه. سيحتاج إلى أن يفعل أكثرَ من هذا في محكمة الجنايات إذا ما أراد أن يُنقذ رقبته من المشنقة. وإلى أيِّ درجة كان مخمورًا؟»

لكن لم تُطرح أي أسئلة بعد ذلك، وبدا أن ميكبيس كان قانعًا لأن يترك هيئةَ المحلَّفين تَخلصُ إلى قرارها من دون تعقيبٍ منه، وكان حريصًا على ألا يُحفِّز الشهود إلى التكهُّن مطولًا بما كان يَعنيه ويكهام بالتحديد من كلماته. ثم أتى آمر البلدة براونريج، وكان من الواضح أنه مسرورٌ من أخذِ كلِّ الوقت اللازم ليقصَّ ما قامت به الشرطة، بما في ذلك البحثُ الذي قامت به الشرطة في الغابة. ولم تُتلقَّ أي معلومات عن وجود غرباء في الجوار، وكان لكلِّ قاطني منزل بيمبرلي والأكواخ التي تقع ضمن المنطقة حججُ غياب، وكان التحقيق لا يزال جاريًا. وقدَّم الدكتور بيلشر شهادته بمصطلحاتٍ طبِّية كثيرة، استمع لها الحضور بإكبارٍ وإجلال، وبدا انزعاج القاضي منها واضحًا، بعدها قال رأيه بلُغةٍ واضحة تمامًا أن سبب الوفاة كان ضربةً قوية على مؤخر الرأس، وأن الكابتن ديني لم يكن لينجوَ من ذلك الجرح لأكثرَ من بضع دقائق إن كُتبت له النجاة، رغم أنه من المستحيل تحديدُ وقت الوفاة بالضبط. واكتُشفت بلاطةٌ حجريةٌ ربما استخدمها المعتدي في جريمته، التي — في رأيه — يمكن أن تُسبِّب بفعل حجْمها ووزنها جرحًا مشابهًا إذا ما وُجِّهت الضربةُ بها بقوة، لكن لم يكن هناك دليلٌ يربط هذا الحجر بالتحديد بالجريمة. ولم ترتفع سِوى يدٍ واحدة قبل أن يُغادر الطبيب منصةَ الشهود.

قال ميكبيس: «حسَنٌ يا فرانك ستيرلنج، نحن نسمع منك أنت في الغالب. ماذا تريد أن تسأل؟»

«سؤال واحد يا سيدي. نحن نفهم أن السيدة ويكهام كانت ستُترَك في منزل بيمبرلي لتحضر الحفل في مساء اليوم التالي، لكن ليس في حضور زوجها. وأفهم أن السيد دارسي لم يكن ليستقبلَ السيد ويكهام كنسيب وضيف له.»

«وما هي علاقة قائمة السيدة دارسي للمدعوين لحفل الليدي آن بمقتل الكابتن ديني، أو للشهادة التي قدَّمها الدكتور بيلشر بالأخص؟»

«فقط يا سيدي، لو أن العلاقة بين السيد دارسي والسيد ويكهام كانت سيئةً للغاية، ومن الممكن أن السيد ويكهام لم يكن هو الشخص المناسب ليُستقبَل في منزل بيمبرلي، فربما يكون في هذا من وجهةِ نظري إشارةٌ على نوع شخصيته. إنه لمن الغريب حقًّا أن يحظر رجلٌ منزله على نسيبٍ له إلا إذا كان ذلك النسيب عنيفًا أو معتادًا على الشِّجار.»

وبدا أن ميكبيس يُفكِّر في كلماته في إيجازٍ قبل أن يُجيبه بأن العلاقة بين السيد دارسي والسيد ويكهام — سواءٌ أكانت كأي علاقة عادية بين نسيبَين أم لا — قد لا تكون ذات صلةٍ بمقتل الكابتن ديني. إن القتيل هو الكابتن ديني وليس السيد دارسي. فقال: «لنُحاول الإبقاءَ على الوقائعِ ذاتِ الصلة. كان ينبغي عليك أن تطرح هذا السؤال حيث كان السيد دارسي يُدلي بشهادته إن كنت تظنُّ أنه ذو صلة. لكن، يمكن استدعاء السيد دارسي إلى منصة الشهود وسؤاله إن كان السيد ويكهام رجلًا عنيفًا في العموم.»

وحدَث هذا في الحال، وفي إجابةٍ على سؤال ميكبيس وبعد أن ذُكِّر دارسي بأنه لا يزال تحت وطأة القسم، قال دارسي بأنه على حدِّ علمه لم يكن ويكهام قط معروفًا بتلك الصفة، وأنه لم يرَه شخصيًّا وهو يسلك سلوكًا عنيفًا من قبل. وأنَّهما لم يلتقيا لبضعِ سنوات، لكن في ذلك الوقت كان من المعروف عمومًا عن السيد ويكهام أنه رجلٌ مسالمٌ ولطيفٌ على المستوى الاجتماعي.

«أظنُّ أن هذا يُجيب عن سؤال سيد ستيرلنج. رجلٌ مسالمٌ ولطيفٌ على المستوى الاجتماعي. هل هناك أيُّ أسئلة أخرى؟ لا؟ إذن أقترح أن تنظر هيئة المحلَّفين الآن في قرارها.»

وبعد التشاور رأَت هيئة المحلَّفين أن تنظر في قرارها في شيء من الخصوصية، وبعد أن مُنِعوا من الدخول إلى المكان الذي أرادوا التشاور فيه، وهو المشرب، اختفت المجموعة في الباحة ووقفوا مدة ١٠ دقائق بعيدًا وهم يتهامسون فيما بينهم. ولدى عودتهم سُئلوا بشكلٍ رسمي عن قرارهم. هنا وقف فرانك ستيرلنج وقرأ من دفترٍ صغيرٍ من الواضح أن الهدف منه هو النطقُ بالكلمات بالقدْر الضروري من الثقة والدقة. «نجد يا سيدي أن الكابتن ديني تُوفِّي جرَّاءَ ضربةٍ على مؤخَّر جمجمته، وأن مَن قام بتلك الضربة هو جورج ويكهام، ومن ثَم فإن الكابتن ديني لقي مصرعه على يدِ المذكور جورج ويكهام.»

قال ميكبيس: «وهذا قراركم جميعًا؟»

«هذا صحيحٌ يا سيدي.»

خلع ميكبيس نظارته بعد أن نظر في الساعة ثم وضعَها في حافظتها. وقال: «بعد الإجراءات الرسمية اللازمة سيُخضَع السيد ويكهام للمحاكمة في محكمة الجنايات التالية في ديربي. أشكركم أيها السادة، ويُمكنكم الانصراف.»

فكَّر دارسي مليًّا أن عمليةً كان يتوقَّع أن تكون محفوفةً بالمآزق اللُّغَوية والإحراج قد ثَبَت أنها روتينية كاجتماعات الأبرشية الشهرية. كان هناك اهتمامٌ والتزام، لكن لم تكن هناك إثارةٌ واضحةٌ أو لحظاتٌ دراماتيكية، وكان عليه أن يتقبَّل أن كليثرو كان محقًّا، فنتيجة التحقيق كانت حتميَّة. وحتى لو قرَّرت هيئة المحلَّفين أن جريمة القتل وقعت بيدِ شخص أو أشخاص مجهولين، كان ويكهام ليظلَّ قيد الاحتجازِ كمشتبَهٍ به رئيسي، وكانت تحقيقات الشرطة المركَّزةُ عليه لتستمرَّ بالنتيجةِ نفسِها وبكل تأكيد تقريبًا.

ظهر خادم كليثرو الآن مرةً أخرى ليُحرِّك الكرسيَّ المدولب. وبعد أن نظر في ساعته، قال كليثرو: «ثلاثة أرباع الساعة من بداية التحقيق إلى نهايته. في رأيي أن الأمر سار بالطريقةِ نفسِها التي خطَّط لها ميكبيس بالضبط، وكان من الصعب أن يكون قرارُ هيئة المحلَّفين خلافَ ذلك.»

قال دارسي: «وهل سيكون حكمُ المحكمة مشابهًا؟»

«كلا يا دارسي، إطلاقًا. يُمكنني أن أدفع بدفوعٍ فعَّالة للغاية. وأقترح عليك أن تجد له مُحاميًا ماهرًا وأن تنقل القضية إلى لندن إن أمكن. سيكون هنري ألفيستون قادرًا على إسداء المشورة لك بشأن الإجراءات المناسبة، فمعلوماتي قد عفا عليها الزمنُ على الأرجح. سمعت أن ذلك الشابَّ يتصف بشيءٍ من الراديكالية، رغم كونه وريثًا لبارونية قديمة، لكن لا شك أنه محامٍ ماهرٌ وناجح، مع أن الوقت الآن مناسبٌ ليجد لنفسه زوجةً ويستقرَّ في ملكيته. إن سلام إنجلترا وأمنَها يعتمدان على رجالٍ نبلاء يعيشون في منازلهم أسيادًا صالحين يهتمون لشئون خَدَمِهم ويُحسنون إلى الفقراء ومستعدِّين بصفتهم قضاةَ صلحٍ ليضطَلِعوا بكافة الأدوار التي تهدف إلى تعزيز السلام والنظام في مجتمعاتهم. ولو عاشت الطبقة الأرستقراطية في فرنسا بهذا الشكل لما قامت الثورة. لكنَّ هذه القضية مثيرةً للاهتمام، وستعتمد حصيلتها على إجابة سؤالين اثنين؛ لماذا هُرِع الكابتن ديني إلى داخل الغابة؟ وماذا كان جورج ويكهام يقصد حين قال إن الأمر كان خطؤه؟ سأتحرَّى المستجِدَّات اللاحقةَ بكثيرٍ من الاهتمام. لتأخذ العدالة مجراها حتى ولو فَنِي العالم. أتمنى لك يومًا طيبًا.»

وبهذه الجملة تحرَّك الكرسي المدولب بصعوبةٍ أيضًا عبر الباب حتى اختفى عن الأنظار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤