الفصل الثاني

بعد الغداء بوقتٍ قصير، جاء موظَّفٌ من مكتب ألفيستون ليؤكِّد أن العفو الملكي سيُمنَح لويكهام بحلول ظهيرة اليوم التالي، ولكي يُسلِّم دارسي خطابًا قال بأن ليس من المتوقَّع أن يردَّ عليه في الحال. كان الخطاب من القس صمويل كورنبندر من سجن كولدباث، وجلس دارسي وإليزابيث يقرآنه معًا.

القس صمويل كورنبندر المبجَّل
سجن كولدباث
سيدي

قد تُفاجأ بتلقِّي هذا الخطاب في الوقت الراهن من رجلٍ غريبٍ عنك، رغم أن السيد جاردنر — الذي التقيتُ به — ربما يكون قد تحدَّث عني، وينبغي عليَّ أن أبدأ خِطابي باعتذارٍ عن التطفُّل على خصوصيتك حيث تحتفل أنت وأسرتك بنجاةِ نسيبك من تهمةٍ غيرِ عادلة ومِيتة شائنة. إلا أنك إن قرَّرت أن تقرأ خطابي، فكلي ثقةٌ بأنك ستُوافقني أن الأمر الذي أطرحه مهمٌّ وطارئ بعضَ الشيء، وأنه يؤثِّر عليك وعلى أسرتِك.

لكن ينبغي عليَّ أن أُقدِّم نفسي أولًا. اسمي صمويل كورنبندر وأنا واحدٌ من القساوسة المعيَّنين في سجن كولدباث حيث قضيت آخر تسع سنين في مساعدة المتهَمين الذين ينتظرون محاكماتهم وأولئك الذين أُدينوا بالفعل. وقد أتى في صدارة هؤلاء السيد جورج ويكهام، الذي سرعان ما سيكون معك ليُقدِّم لك تفسيراتٍ بشأن الملابسات التي أدَّت إلى مقتل الكابتن ديني، الذي علمت به بالطبع.

سأضع هذا الخطاب في يدِ المحترم السيد هنري ألفيستون الذي سيُوصِّله إليك رفقة رسالةٍ من السيد ويكهام. لقد أراد السيد ويكهام أن تقرأ تلك الرسالة قبل أن يحضر أمامك لتكونَ على علمٍ بالدور الذي لعبته في خُططه المستقبلية. لقد تحمَّل السيد ويكهام مدةَ حبسه بشجاعةٍ كبيرة، لكن — بصورةٍ غير طبيعية — كان أحيانًا ما تَغلِبه إمكانيةُ إصدار حكمٍ ضده بالإدانة، حينها كان واجبي أن أوجِّه أفكاره للرب الذي يمكن له أن يغفرَ لنا جميعًا كلَّ ما مضى ويُمِدَّنا بالقوة لمواجهةِ ما ينتظرنا. ومن خلال محادثاتنا علمت لا محالةَ بالكثير عن طفولته وحياته فيما بعد. ولا بد لي أن أوضِّح أنني — وكعضوٍ إنجيليٍّ في كنيسة إنجلترا — لا أُومن بالاعتراف السماعي، لكنني أرغب في أن أطمئنك بأن كلَّ الأسرار التي يَبوح لي بها السجناء تظل طيَّ الكتمان. وقد شجَّعت السيد ويكهام أن يأمُل في الحصول على حكمٍ يقضي ببراءته وفي لحظات تفاؤله — التي يسرني أن أقول إنها كانت كثيرة — كان يوجِّه عقله وأفكاره تجاه مستقبله وزوجته.

وقد عبَّر السيد ويكهام عن رغبته القوية في ألا يظلَّ في إنجلترا، وأنه يرغب في تجرِبة حظِّه في العالم الجديد. ولحُسن الحظ أنا في وضعٍ يسمح لي بأن أُساعده على عزمِه ذلك. فقد هاجر أخي التوءم — واسمه جيريميا كورنبندر — قبل خمس سنوات إلى مستعمرة فيرجينيا السابقة حيث أسَّس لعملٍ يقوم على ترويض الخيول وبيعها، وقد ازدهر عملُه كثيرًا، ويرجع سبب ذلك إلى معرفته ومهارته التي يتمتَّع بها. وبسبب توسُّعِ عمله، هو يبحث الآن عن مساعدٍ له؛ رجل يمتلك خبرة مع الجياد، وقبل عام واحد تقريبًا راسلني بخِطاب ليشركني في الأمر، وقال إن أي مرشَّح أوصي به سيستقبله استقبالًا طيبًا وسيُثبِّته في الوظيفة مدةَ ستة أشهر كفترة تجرِبة. وحين جاء السيد ويكهام إلى سجن كولدباث وبدأت زياراتي له، علمت مبكرًا أنه يتمتَّع بخبراتٍ ومهارات تجعل منه مرشحًا مناسبًا للعمل لدى أخي إذا ما وُجد بريئًا من تلك التهمة الجسيمة كما كان يتوقَّع ويأمُل. إن السيد ويكهام راكبٌ ماهر وقد أثبت أنه يتمتَّع بالشجاعة. وقد ناقشت المسألة معه وهو يَتوق لأن يستغلَّ هذه الفرصة، وعلى الرغم من أنني لم أتحدَّث مع السيدة ويكهام، إلا أنه أكَّد لي أنها متحمسة مثله تمامًا لمغادرة إنجلترا واستغلال الفرص المتاحة في العالم الجديد.

لكن، كما تتوقَّع، هناك مشكلة بشأن المال. إن السيد ويكهام يأمُل أنك ستكون طيبًا بما يكفي لتُقدِّم له قرضًا بالمبلغ المطلوب الذي سيشتمل على تَكلِفة الرحلة، وراتبًا يكفي مدة أربعة أسابيع قبل أن يتسلَّم أول راتبٍ له. وسيحصل السيد ويكهام على منزلٍ معفيٍّ من الأجرة، ومزرعة الجياد — وهي التسمية التي يُطلقها أخي على عمله — تقع على بُعد ميلَين من مدينة ويليامزبيرج. ومن ثَمَّ فلن تكون السيدة ويكهام محرومة من الصحبة والتمدُّن اللذين تكون سيدة رفيعة النِّسب مثلها في حاجةٍ إليهما.

فإن قبِلت بهذه الاقتراحات وكنت قادرًا على المساعدة، فسأسرُّ بلقائك في أيِّ وقت وأي مكان مناسبَين لك، وسأُقدِّم لك تفاصيلَ المبلغ المالي المطلوب، والترتيبات التي ستُعرَض عليه، وخطابات التوصية التي ستضمن لك منزلةً كمنزلة أخي في فيرجينيا، تلك المنزلة التي لست في حاجة إلى أن أقول إنها استثنائية. فهو رجلٌ منصِف وربُّ عملٍ عادلٌ، لكنه لا يتساهل مع عديمي النزاهة أو الكُسالى. وإن كان من الممكن للسيد ويكهام أن يتحصَّل على عرضٍ يُظهِر نحوه حماسة، فسيُبعده هذا عن كل المغريات. وتبرئة ساحته من هذه الجريمة وكذلك سجلُّه كجنديٍّ شجاع سيجعلان منه بطلًا قوميًّا، وعلى الرغم من أن شهرته القائمةَ على هذه الأشياء قد لا تدوم طويلًا، فإنني أخشى أن سوء سُمعته ستَحول بينه وبين إصلاح حياته، وهو الأمر الذي يؤكِّد لي ويكهام أنه مصرٌّ على القيام به.

يمكنك يا سيد دارسي أن تُراسلني في أي وقتٍ من النهار أو المساء على العنوان السالفِ ذِكرُه، وأود أن أُطمئنك إلى حُسن نيتي في هذا الصدد ورغبتي في إمدادك بأي معلومات قد تطلبها حيال الموقف المعروض عليك.

المخلص لك بشدة يا سيدي العزيز
صمويل كورنبندر

قرأ دارسي وإليزابيث الخطابَ في صمت، ثم ومن دونِ أن يُضيف تعليقًا، أعطى دارسي الخطاب إلى الكولونيل.

وقال دارسي: «في رأيي أنني ينبغي أن ألتقيَ بذلك القس، وأن نعرفَ أكثر بشأن هذه الخطة قبل أن نرى ويكهام. فإن كان العرض صادقًا فعلًا ومناسبًا كما يبدو، فلا شك أنه سيُمثِّل حلًّا لمشكلتي أنا وبينجلي إن لم تكن مشكلة ويكهام أيضًا. إلا أنني لم أعلم بعدُ بالمبلغ الذي سيتكلَّفه هذا، لكن إن ظل ويكهام وليديا في إنجلترا، فبصعوبةٍ نتوقَّع أن يستطيعا العيش من دون الحصول على المساعدة بصفة منتظمة.»

فردَّ الكولونيل فيتزويليام: «أظن أن السيدة دارسي والسيدة بينجلي كلتَيهما كانت تُسهِم في نفقات ويكهام من مصادرهما الخاصة. ولكي أكونَ صريحًا، سيُشكِّل هذا الأمرُ مصدر راحة من الالتزامات المالية على كِلتا العائلتَين. وفيما يتعلَّق بسلوك ويكهام في المستقبل، أجدُ من الصعب أن أُشارك القس ثقته في انصلاح أحوال ويكهام، لكنني أظن أن جيريميا كورنبندر سيكون كُفئًا فيما يتعلَّق بحُسن سلوك ويكهام في المستقبل أكثرَ من عائلته نفسِها. وسأُسَرُّ بالإسهام في المبلغ المطلوب، الذي أتخيَّل أنه لن يكون مضنيًا.»

فأجابه دارسي: «المسئولية هنا تقع على عاتقي أنا. سأردُّ في الحال على السيد كورنبندر على أملِ أن نتمكنَ من اللقاء في وقتٍ مبكِّر من الغد قبل أن يصل ويكهام وألفيستون.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤