الفصل السادس

استغرقَت الرحلةُ إلى ديربيشاير يومين؛ حيث إن إليزابيث كانت تشعر بإعياءٍ شديد، ولا ترغب في السفر ساعاتٍ طِوالًا على الطريق. وبحلول منتصف صباح يوم الإثنين التالي للمحاكمة أُحضرت العربة عند الباب الأمامي، وبعد أن عبَّر آل دارسي عن شُكرهم الذي كان من الصعب عليهم إيجادُ الكلمات المناسبة له، كانوا في طريقهم إلى المنزل. وكانا غافيَين في معظم أوقات الرحلة، لكنهما كانا مستيقظَين حين عبَرَت العربة حدودَ الريف إلى ديربيشاير، وبسرورٍ بالغ من جانبهما كانت العربة تمر عبر القرى المألوفة لهما، وفي الشوارع التي راحا يتذكَّرانها. كانا يعلمان بالأمس أنهما سعداءُ فقط؛ أما اليوم فأصبحا يشعران بقوة الفرحة وهي تشعُّ من كل خليةٍ في كِيانهما. وما كان وصولهما إلى منزل بيمبرلي ليختلفَ كثيرًا عن رحيلهما عنه. فقد كان الخَدَم بأكملهم مصطفِّين وهم يرتدون زيَّهم الرسمي النظيفَ المكوي من أجل تحيتهم، وكانت عينُ السيدة رينولدز دامعةً حين انحنت لتحيتهم ورحَّبت بإليزابيث في صمتٍ حيث كانت مشاعرها أعمقَ من أن تُوصف بالكلمات.

وكان أول ما زارا هو غرفة الحضانة، حيث حيَّاهما فيتزويليام وتشارلز بصيحاتٍ وقفزات تنمُّ عن الغِبطة، وأمضيا بعض الوقت يسمعان الأخبارَ من السيدة دونوفان. وقد حدث الكثيرُ من الأشياء في أثناء الأسبوع الذي قضَياه في لندن، حتى إن إليزابيث شعرَت وكأنها غابت شهورًا. ثم حان الوقت للسيدة رينولدز لتُقدِّم تقريرها. فقالت: «تأكدي فضلًا يا سيدتي أنني ليس لديَّ أيُّ أخبار محزنة أقولها لك، لكنْ هناك شأنٌ ذو أهمية ينبغي عليَّ أن أتحدَّث إليك به.»

فأشارت إليزابيث إلى أن يذهبا كالمعتاد إلى غرفة جلوسها الخاصة. ودقَّت السيدة رينولدز الجرس ووجَّهت بأن يأتيَهما الشاي، وجلستا أمام النار التي كانت قد أُشعلت من أجلِ أن تبعث المزيدَ من الراحة أكثرَ مما أُشعلت من أجل بثِّ الدفء، وبدأت السيدة رينولدز حديثها.

«لقد سمعنا بالطبع عن اعترافِ ويل فيما يتعلَّق بموت الكابتن ديني، وهناك الكثيرُ من التعاطف مع السيدة بيدويل، رغم أن عددًا من الناس انتقدوا ويل؛ لأنه لم يتحدَّث في وقتٍ مبكرٍ ووفَّر على السيد دارسي وعليكِ والسيد ويكهام الكثيرَ من الكرب والمعاناة. لا شك أنه كان مدفوعًا بحاجته إلى امتلاكِ الوقت؛ لإصلاح العلاقة بينه وبين الرب، لكن البعض يشعرون أن ثَمنَ ذلك كان غاليًا جدًّا. لقد دُفن في باحة الكنيسة؛ وقد تحدَّث السيد أوليفانت عنه بكل صدقٍ، وشعرت السيدة بيدويل بالامتنان لحضور عددٍ كبير من الناس جنازته، وجاء الكثير منهم من لامتون. كانت الأزهار جميلةً للغاية، وجمعتُ والسيد ستاوتن إكليلًا ليُرسَل إلى الكنيسة باسم السيد دارسي واسمِك. فقد كنا واثقَين من أن هذا هو ما ستفعلان. لكنني أريد أن أُحدثك عن لويزا.

لقد جاءتني في اليوم التالي لمقتلِ الكابتن ديني وطلبت مني أن نتحدَّثَ في سريةٍ تامة. فأخذتها إلى غرفة جلوسي حيث انهارت من حزنٍ عظيم يصيبها. وحين تمكَّنت من تهدئتها بعد الكثير من الصبر وبصعوبةٍ كبيرة، أخبرتني بقصتها. لم يكن لديها أدنى فكرة أن والد طفلها كان السيد ويكهام، وذلك حتى زار الكولونيل الكوخَ ليلةَ وقوع المأساة، ويُؤسفني يا سيدتي أنها انخدعَت بشدة بالقصة التي أخبرها هو بها. لم تكن لويزا ترغب في رؤيته مرةً أخرى إطلاقًا، وقد بدأت تكرهُ الطفل. ولم يَعُد السيد سيمبكنز أو أختها يرغبان في تربية الطفل، ولم يكن جوزيف بيلينجز — الذي عرَف بأمر الطفل — مستعدًّا لأن يتزوج بها إن كان هذا يعني أن يتحمَّل مسئوليةَ ابنِ رجلٍ آخر. لقد باحت له بسرِّ عشيقها، لكنها لم تكشف قط اسم السيد ويكهام، ومن رأيي ورأي لويزا أيضًا أنه ينبغي ألا يُكشَف عنه أبدًا من أجل أن ننأى ببيدويل عن الخزي والكرب. كانت لويزا في حاجةٍ ماسة إلى إيجادِ منزلٍ يحتضن جورجي، وكان هذا هو سببَ مجيئها لي، وكنت مسرورةً لمساعدتها. قد تذكرين يا سيدتي أنني تحدثتُ عن أرملةِ أخي — اسمها السيدة جودارد — التي كانت تملك مدرسةً ناجحة لبعض السنوات في هايبيري. وقد تزوجَت إحدى الساكنات عندها وهي الآنسة هاريت سميث من مُزارعٍ محليٍّ اسمه روبرت مارتن، وهما سعيدان معًا. ولهما من البنات ثلاث، ومن الأبناء واحد، لكن الطبيب أخبرها أنَّ من غير المرجَّح أن تُنجب المزيد من الأطفال وهي ترغب بشدة هي وزوجها في الحصول على ابنٍ آخر ليكون رفيقًا لابنهما. والسيد والسيدة نايتلي من دونويل هما أكثرُ الأزواج أهميةً في هايبيري، والسيدة نايتلي صديقةٌ للسيدة مارتن، وكانت دائمًا ما تُبدي اهتمامها وحبَّها لأطفالها. كانت السيدة نايتلي جيدةً بما يكفي لتُرسل لي خطابًا — إضافةً إلى تلك الخطابات التي تلقَّيتها من السيدة مارتن — لتؤكد لي مساعدتها واهتمامها المستمرَّ بجورجي إذا ما أتى إلى هايبيري. وقد بدا لي أن هذا هو أفضلُ مكانٍ يمكن أن يذهب إليه، ومن ثمَّ فقد رتَّبنا أن يعود الطفل إلى السيدة سيمبكنز بأسرعِ ما يمكن حتى يُؤخذَ من بيرمنجهام بدلًا من أن يُؤخذ من بيمبرلي حيث سيُتعرَّف على العربة التي ستُرسلها السيدة نايتلي بكل تأكيد. وقد سارت الأمور كما خطَّطنا لها تمامًا، ثم تلقيت من الخطابات بعد ذلك ما يُؤكِّد استقرار الطفل بأمانٍ وسلام، وأنه سعيد وفاتن وتُحبه العائلة بأكملها حبًّا كبيرًا. وبالطبع، احتفظت بهذه المراسلات لتطَّلعي عليها. وحين علمَت السيدة مارتن بأن جورجي لم يكن معمَّدًا حزنَت كثيرًا، لكنها عمَّدَته الآن في هايبيري تحت اسم جون؛ تيمنًا بوالدها.

إنني آسفة لأنني لم أُخبرك بهذا من قبل، لكنني وعدت لويزا بأن كل هذا سيحدثُ في سريةٍ تامة رغم أنني أوضحتُ لها تمامًا أنني لا بد أن أُخبركِ يا سيدتي. كانت الحقيقة ستُثير حزنَ بيدويل كثيرًا، وهو يعتقد — كما يعتقد الجميعُ في بيمبرلي — أن الطفل جورجي قد عاد إلى أمِّه السيدة سيمبكنز. آمُل أنني فعلتُ الصواب يا سيدتي، لكنني كنت أرى مدى رغبة لويزا الجامحة في ألا يستطيع الوالد إيجادَ طفله مرةً أخرى، وفي أن يكون الطفل في مكانٍ جيد يحظى فيه باهتمامٍ وحبٍّ كبيرَين. ولويزا لا ترغب في أن تراه مرةً أخرى، أو تعرفَ عن التقدُّم الذي يُحرزه، وبالطبع لا تعرف البيت الذي ذهب إليه. كان يكفيها أن تعرفَ أن الطفل سيحظى بالحب والاهتمام.»

فقالت إليزابيث: «لم يكن هناك ما هو أفضلُ من ذلك لتقومي به وسأحترمُ ثقتك هذه بالطبع. وسأكون ممتنَّة كثيرًا لو كان بإمكاني أن أُقرِّر استثناءً واحدًا؛ حيث ينبغي أن يعرف السيد دارسي بذلك. وأنا متأكدة من أن السرَّ لن يخرج من بيننا. فهل استكملت لويزا الآن خِطبتها إلى جوزيف بيلينجز؟»

«فعلَت يا سيدتي، وقد خفَّف السيد ستاوتن من مهام جوزيف بيلينجز من أجل أن يَحْظى بقضاء المزيد من الوقت معها. في رأيي أن السيد ويكهام أصابها بالتشوُّش والقلق، لكن أيًّا كانت ما شعرَت به تجاهه فقد تحوَّلَ الآن إلى كُرهٍ، وتبدو راغبةً الآن في أن تتطلَّع للمستقبل وللحياة التي ستحظى بها وجوزيف معًا في هايمارتن.»

كان ويكهام — بغضِّ النظر عن مساوئه — رجلًا ماهرًا ووسيمًا وجذَّابًا، وتساءلَت إليزابيث ما إن كانت لويزا — وهي تلك الفتاة التي كان القسُّ أوليفانت يَعدُّها على درجةٍ عالية من الذكاء — قد حصلت على لمحةٍ من حياةٍ أكثرَ إثارةً، لكن لا شك أن أفضل ما يمكن أن يحدث قد حدث مع طفلها، وربما معها هي أيضًا. سيكون مستقبلها أن تعمل خادمة صالون في هايمارتن — حيث ستكون زوجةَ كبير الخَدَم — وبمرور الوقت لن يكون ويكهام بالنسبة إليها سوى ذكرى بعيدة. وبدا من غير المنطقيِّ لإليزابيث — بل ومن الغريب — أن تشعر لويزا بشيءٍ من الأسى أو الندم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤