«جالانيا» … «كالانيا»!

أحدثَ دخول «واتكر» تأثيرًا واضحًا في المجتمعين … سواء بالنسبة لموظفي الشركة، أو للشياطين الثلاثة … فقد وصلوا إليه بأسرع ما يمكن تصوُّره … وعليهم الآن أن يروا كيف يتعاملون معه … إن هدفهم الأساسي ليس القضاء عليه … ولكن الإيقاع بينه وبين «جيمي مانسيني» زعيم «س. ع» أي «سادة العالم» …

كانت حقيبة «أحمد» مفتوحةً أمامه، عندما دخل «واتكر» … لاحظ «أحمد» الضوء الأخضر الخفيف جدًّا، الذي ينبعث من الآلة الحاسبة … وعرَف أن هناك رسالةً من الشياطين … ضغط زر التشغيل … وعلى الشاشة الصغيرة ظهرت كلمات مرَّت بسرعة …

عرفنا مقر «مانسيني» الجديد … إنه عند نهاية خليج «كاليفورنيا» … اسمه «عش النسر» … قد نستطيع الاستفادة من هذه المعلومات.

ضغط «أحمد» زر التشغيل، وتَحوَّلت الشاشة إلى العتَمة، ودقَّ قلبه سريعًا، وإن احتفظ بهدوئه. وقام واقفًا ليضع يده في يد المجرم العريق … يد جافة صُلبة … وثبت «واتكر» عينيه على وجه «أحمد»، الذي بدا هادئًا ومسالمًا … ثم مضى يُسلِّم على «قيس» و«رشيد».

جلس «واتكر» على رأس المائدة، وأشار بيده إلى رجاله أن يستمروا في الحديث، ومضى أحدهم يشرح كيف قامت الشركة بأعمال عظيمة … وعن استعدادها للقيام بالمشروع الذي قدِموا من أجله.

ولم يتركه «واتكر» يُتم كلامه فقد أشار بيده، فسكت الرجل على الفور … وقال «واتكر» في صوت قوي: إنني لا أحب مناقشة المشروعات بهذه الطريقة … إننا عادة نترك التفاصيل للفنيين والمختصين … تعالوا نناقش الفكرة في جو أفضل …

وصمت قليلًا، ثم سرح ببصره من النافذة وقال: إن عندي مجموعة ممتازة من المدعوين على ظهر «كلانيا»، وهو اليخت الذي أحبه أكثر من أي شيء آخر … وإنني أدعو الأصدقاء الثلاثة للانضمام إلينا … سوف يُبحر «كلانيا» بعد ساعة … وسنكون في انتظاركم على رصيف رقم ٩ … وحتى أراكم، أتمنى لكم إقامةً سعيدة في «سان دييجو».

خرج «واتكر» وانفضَّ الاجتماع … وعاد الشياطين الثلاثة إلى الفيلَّا، وقال «أحمد»: لقد وصلتني رسالة من المجموعة «ب» … لقد عثروا على مقر «مانسيني» الجديد. إنه في «خليج كاليفورنيا الجنوبي» … ومن المهم أن تصل هذه المعلومات إلى «واتكر»، مضافًا إليها أن «مانسيني» يسعى إلى تصفيته.

رشيد: رسالة صغيرة، ورقة مطوية تقوم بالمطلوب.

أحمد: قد يعرف أننا الذين فعلنا ذلك.

قيس: إنه يقول إننا ضمن مجموعة من المدعوين، ومن الصعب أن يكتشف الحقيقة.

أحمد: سنرى على كل حال.

استبدل الشياطين ملابسهم التقليدية بملابسَ رياضية تناسب رحلة بحرية، وأخذوا معهم بعض الملابس الأخرى في حقائب خاصة، مجهزة بالأسلحة الخفية، كما هي عادة الشياطين في مثل هذه الحالات.

وفي الموعد المحدد كانوا عند رصيف رقم ٩، وكان في استقبالهم بعض رجال «واتكر» … وصعِدوا إلى القارب «کالانيا» … ولقد كانت كلمة قارب كلمةً متواضعة جدًّا، بالنسبة لِما شاهدوه … لقد كانت سفينة ضخمة، تشبه البارجة … بيضاء … بها أكثر من ٤٠ غرفة نوم، بالإضافة إلى حوض ضخم للسباحة … وقاعة سينما … وكل ما يتصوره المرء من وسائل الراحة والترفيه. وكان ثمة فرقة موسيقية مكونة من خمسة عازفين، تعزف للضيوف الذين تناثروا على المقاعد المريحة، المتناثرة على الجانبين.

كان «واتكر» يرتدي ملابس رياضية، من الفانيلا البيضاء. ورغم تقدُّمه في السن فقد كان ممشوقَ القوام … وقد رحَّب بضيوفه الثلاثة ترحيبًا بالغًا، وأخذ يُقدِّمهم إلى المدعوِّين على أنهم من رجال الأعمال العرب، الذين جاءوا للاستثمار في «كاليفورنيا».

انطلقت السفينة بعد نصف ساعة من وصول الأصدقاء، وظلت الموسيقى تعزف … وانسلَّ «أحمد» بعيدًا عن الضيوف، عند سِياج الباخرة الخلفي وأخذ يفكر … كان قد أعدَّ في جيبه ورقةً بها بضعة سطور موجَّهة إلى «واتكر»، يُحذِّره فيها من «مانسيني» ويحدد مكان «عش النسر»، ولكن ما هي ردود فعل «واتكر» أمام المعلومات؟

ظل ينظر إلى المياه مفكرًا، حتى سمع صوتًا من خلفه يقول: لعل الصديق الشاب غارق في الحب!

التفت «أحمد» خلفه، وشاهد فتاة حسناء، قدَّمت نفسها إليه قائلة: «کلانيا واتكر»!

انحنى «أحمد» باحترام وقال: إنكِ أجمل من السفينة بكثير.

ضحكت «كلانيا» وقالت: إنَّ أبي من أصلٍ يوناني … ولعلك تذكر «جلانيا»، بطلة المسرح الإغريقي … كل ما فعله أبي أن غيَّر الحرف الأول من الاسم.

أحمد: ثم أطلقه عليكِ وعلى السفينة التي يحبها!

کلانيا: تمامًا … إنني ابنته الوحيدة. وأعتقد أنه يحبني أكثر من أي إنسان آخر.

أحمد: هذا طبيعي جدًّا.

وقف «أحمد» مع الفتاة يتحدثان … بينما ذهنه منصرف تمامًا إلى كيفية الاستفادة من هذه المقابلة؛ لتوصيل المعلومات التي يريد تبليغها إلى «واتكر» …

قالت «کلانيا»: هل تلعب «البولنج»؟

أحمد: طبعًا … إنني أجيد عددًا لا بأس به من الألعاب الرياضية.

کلانيا: هذا واضح من جسمك الرياضي.

ثم سارا معًا … كان «أحمد» يقبض على الورقة في جيب البنطلون، وذهنه يعمل بسرعة … وكانت السفينة قد خرجت من الميناء، حيث المياه الهادئة إلى المحيط … وأخذت تصعد وتهبط مع الموج. وكان أحد خدم الباخرة قادمًا، وهو يحمل صينية عليها أكواب المشروبات، محاولًا الاحتفاظ بتوازنه. وعندما مرَّ بجوار «أحمد» والفتاة، تظاهر «أحمد» أنه قد فقدَ توازنه، فاستند على كتف الخادم، الذي فقد توازنه فورًا وسقط، وفي نفس الوقت أمسك «أحمد» بذراع «كلانيا» لكي تسنده، ولكنها وقعت معه على سطح السفينة … وهذا ما كان يريده «أحمد» بالضبط، فقد أخرج الورقة من جيبه وأسقطها خلسةً، ثم وقف مسرعًا وأمسك بِذراع «کلانيا»، وأخذ يعتذر إلى الرجل، ولكن «کلانيا» كانت تضحك وهي تقول: هذا أحد مقالب البحر.

أحمد: آسف جدًّا!

وشاهد الورقة الزرقاء تكاد تطير، وتسقط في البحر، فأشار إليها وقال: ورقة مالية!

کلانيا: لا أظن … إنها ورقة زرقاء تُشبه الرسائل الغرامية.

وانحنت والتقطتها وهي تقول: ألا تعتقد أن من الصعب أن يطَّلع الإنسان على أسرار الآخرين؟

أحمد: طبعًا … ولكن قد لا تكون رسالة غرامية، ولا أي شيء.

وأمسكت «کلانيا» بالورقة وأخذت تقرأ …

«إلى «واتكر» …

إن «مانسيني» يسعى للتخلُّص منك … أمامك سبعة أيام لتهرب، هل تعرف ما هو «عش النسر»؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤