بداية لغز جديد

لم يمضِ سوى يوم واحد، حتى انهمك الأصدقاء في لغزٍ جديدٍ مُهم. ففي اليوم التالي اتصل «عاطف» ﺑ «تختخ» تليفونيًّا ليُخبرَه أن سرقة قد وقعت في المنزل الذي يقع في أول شارعهم، وأن الشاويش «فرقع» غير موجود لأنه ذهب في مهمَّة في القاهرة. طلب «تختخ» من الأصدقاء أن يتبعوه إلى مكان السرقة، ثم ركب دراجته. وأسرع إلى هناك.

كان أصحاب الشقة المسروقة في حالة من الاضطراب والحزن تُبيِّن أهمية المسروقات التي كانت مجموعة من الجواهر، ومبلغًا كبيرًا من المال، ولحسن الحظ كان «محب» يعرف ابنهم. فاستطاع الأصدقاء الخمسة الدخول، وتبيَّنَ أن ساكن الشقة واسمه الأستاذ «كريم» قد خرج مع الأسرة إلى سهرة في سينما صيفي، وعندما عادُوا في الساعة الواحدة صباحًا اكتشفوا السرقة.

أخذ «تختخ» يدور في الشقة، يبحث عن الآثار التي تركها اللص أو اللصوص، ولكن لم تكن هناك آثار، حتى الباب كان من الواضح أنه فُتح بمفتاح مُصطنَع فلم يكن هناك أيُّ كسرٍ فيه.

وفجأة وجد «تختخ» كارتًا صغيرًا مُلقًى على الأرض دون أن يلتفت إليه أحد. فالتقطه بسرعة ونظر فيه. كان عليه رقم «٤ / ٩» وتذكر «تختخ» الكارت الذي كان في محل والد «مؤنس» وبسرعة استنتج أن اللص أو اللصوص يقومون بسلسلة من السرقات، يضعون لها أرقامًا، ولكن لماذا هذه الأرقام؟

هذا هو السؤال الذي لم يَجد له «تختخ» إجابة. وكانت الإجابة هي أهم خطوة لحل اللغز.

ترك «تختخ» البطاقة مكانَها، فلم تكن لها أيَّة فائدة له، وقد يحتاج إليها رجال الشرطة عند المعاينة.

وسأل «تختخ» عن العمل الذي يعمل به الأستاذ «كريم»، فعلم أنه محامٍ معروف. وعند هذا الحد أشار إلى الأصدقاء إشارة خاصَّة عرفوا منها أنه يريد الانصراف فانصرفوا جميعًا.

عندما أصبح الأصدقاء الخمسة في الطريق قال «تختخ»: هل لاحظتم شيئًا غير عادي على هذه السرقة؟

محب: ليس هناك شيء غير عادي، فهي سرقة ككل السرقات التي تتمُّ في كل مكان. وسوف تصل الشرطة إلى الفاعل عن طريق البصمات.

تختخ: إنها سرقة عادية فعلًا، ولكنَّ هناك شيئًا مُدهشًا … لقد وجدت بطاقة مثل البطاقة التي وُجدَت في حريق محل والد «مؤنس» … ففي البطاقة البيضاء لم يتغيَّر سوى رقم واحد … أصبح الرقم هو «٤ / ٩» بدلًا من «٣ / ٩».

محب: وهل استنتجتُ أي شيء من هذا الرقم؟

تختخ: لا … ليس عندي أي فكرة … لعلَّكم تَذكُرون في لغزٍ سابق أن الأرقام لعبت دورًا مهمًّا في حل اللغز، فعلينا الآن أن نبحث عن سر هذه الأرقام.

لوزة: هناك ملاحظة … إن رقم «٩» ثابت.

تختخ: هذا صحيح: إنه يُشبه المقام في الكسر الاعتيادي … فالمقام ثابت ولكن البسط مُتغيِّر.

وكان الأصدقاء قد وصلوا إلى منزل «عاطف» فدخلُوا الحديقة، واتَّجهُوا إلى الكشك الخشبي الذي كانوا يَجتمِعون فيه كالمعتاد، فجلسوا هناك. كان الجميع يُفكرون في معنى هذا الرقم عندما قالت «نوسة»: لقد نسينا شيئًا مهمًّا … هو أننا عرفنا الحريق رقم «٣» والسرقة رقم «٤»، فما هي الجريمة رقم «١» والجريمة رقم «٢»؟ إن معرفتَهما سوف تُفيدنا في الوصول إلى حل اللغز.

أبدى الجميع إعجابهم بهذه الفكرة، وقال «تختخ»: إنَّ الوحيد الذي يُمكن أن يكون عنده معلومات هو الشاويش «فرقع»، ولكن كيف يُمكن أن نجعله يقول لنا؟

محب: يُمكِن أن نُفاجئه بأنَّنا نعرف الجريمتَين رقم «٣»، و«٤»، فقد يهتمُّ ويقول لنا عما يعرفه.

تختخ: سوف أتولى أنا هذه المهمة بمجرَّد عودة الشاويش من القاهرة.

وحان وقت الغذاء فتفرَّق الأصدقاء، وذهب كلٌّ منهم إلى منزله، وفي المساء اتصل «تختخ» تليفونيًّا بقسم الشرطة، وعرَفَ أن الشاويش قد عاد فقرَّر زيارته في منزله.

عندما دقَّ جرس الباب في منزل الشاويش، كان يجلس بجوار النافذة يَشرب الشاي ويُفكِّر، فأزعجه الجرس وقام مُتضايقًا ليفتح الباب كان «تختخ» يقف وقد ثبَّت عينَيه على الباب، فلم يكد الباب يفتح حتى التقت عيناه بعيني الشاويش. فاتَّسع عينا الشاويش كأنه يتوقَّع شرًّا، وقبل أن يسمع تحية «تختخ» صاح: ماذا تُريد منِّي؟ هل هناك خطة لمُضايقتي كما تفعلون دائمًا؟

قال «تختخ» بثبات: لقد جئت في عمل يا حضرة الشاويش، ولم أَحضُر للهِزار … فهل تسمح لي بالدخول؟

وقبل أن يتلقَّى أية إجابة شقَّ «تختخ» طريقَه إلى الداخل لدهشة الشاويش واستغرابه الشديد.

لم يَكَد «تختخ» يجلس حتى قال: هل عندك معلومات عن الحريق رقم «٣ / ٩» والسرقة رقم «٤ / ٩»؟

بدا على وجه الشاويش الاستغراب الشديد وهو يسمع هذا الكلام وقال: ما هذا الكلام الفارغ؟ إني لم أسمع عن سرقات وحرائق تتمُّ بالأرقام! هل بدأ خيالُكُم المُضحِك يتدخَّل في العمل أيضًا؟

قال «تختخ» بجدٍّ شديد: لم آتِ في خيالات ولا في أوهام يا حضرة الشاويش؛ فهناك عصابة منظَّمة تقوم بالحرائق والسرقات تحت أرقام معيَّنة، وأنا متأكد مما أقول.

أحس الشاويش بلهجة الجد الخالص التي يتحدث بها «تختخ» فقال: أقسم لك إني لا أعرف هذه الأرقام، ولكن المعادي شهدت هذا الأسبوع حادثَين وراء بعضهما، حريقًا في محل الحاج «إبراهيم»، وسرقة في منزل الأستاذ «كريم» المحامي.

تختخ: وهل قبضتُم على الفاعل أو الفعلة في الجريمتين؟

هرش الشاويش رأسه في ضيق وقال: لا، لم نَقبِض على أحد.

ثم وقف «تختخ» لينصرف فقال الشاويش في استحياء: هل ستَنصرِف؟ إنك لم تقل لي ما هي حكاية الأرقام هذه، وما معناها.

تختخ: للأسف إنني لم أَصِل إلى أي استنتاج حول هذه الأرقام، ولكن في مكان الجريمتين وجدت رقم «٣ / ٩» في الجريمة الأولى، و«٤ / ٩» في الجريمة الثانية، وهذا يعني أنها سلسلة من الجرائم، ولا أحد يعلم أين تَنتهِي السلسلة.

وانصرف «تختخ» وفي ذهنِه خطَّة معينة، فلم يكد يَصِل إلى منزله حتى اتصل بالمفتش «سامي» في القاهرة، وشرح له حكاية الأرقام قائلًا: وأنا أعتقد يا سيدي المفتش أنَّ الجريمة الأولى والثانية ارتُكبتا في مكان آخر غير المعادي؛ فهل هناك حوادث في القاهرة وجدتم فيها هذه الأرقام؟ قال المفتش: ليست عندي معلومات عن هذه الأرقام ولكنَّنا في إدارة البحث الجنائي سنَبحَث هذا الموضوع، سوف أتَّصل بك بعد فترة من الوقت، فلتكن بجوار التليفون بعد نصف ساعة.

أمضى «تختخ» نصف الساعة في كتابة كل المعلومات التي يَعرفها عن الحادثَين وقد كانت معلومات قليلة، ولكن «تختخ» كان مُقتنعًا أن ترتيب المعلومات هو أفضل طريق للوصول إلى حل كل شيء.

بعد نصف ساعة تمامًا دق جرس التليفون، فأسرع «تختخ» إليه، وكان المتحدث هو المفتش «سامي» الذي قال: إنَّ استنتاجاتك صحيحة يا «تختخ»، فيبدو أن هناك سلسلة من الجرائم تُرتكَب بالأرقام؛ فقد سُرقَت سيارة أحد القضاة، ويُدعَى «العشماوي»، وبعد أن جرَّدها الجناة من كل شيء فيها تركوها في مكان مهجور وعليها رقم «١ / ٩»، والمُشكلة أنه كان في السيارة بعض دوسيهات القضايا المهمة ممَّا يُعرِّض القاضي لمسئولية جسيمة، كذلك تمَّت جريمة سرقة خزينة إحدى الشركات وكان بها مرتَّبات الموظَّفين ووجد في داخل الخزينة رقم «٢ / ٩» … وقد قُبض على الصراف ويُدعى «منصور» لحين انتهاء التحقيق، وإن كانت الأدلة كلها تدلُّ على أنه لم يَشترِك في الحادث.

تختخ: إذن فاللص أو العصابة تنوي الاستمرار في الأعمال الإجرامية بسلسلة من الأرقام تنتهي في الغالب بالجريمة رقم «٩».

المفتش: ذلك شيء مُحيِّر فعلًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤