القائمة السوداء

ذهب الأصدقاء جميعًا لتوديع «تختخ» و«محب» على محطة المعادي، وكانوا يتبادلون الأحاديث حول اللغز، خاصة وقد كانت إحدى الجرائد قد أشارت إلى حادث السرقة الأخير في المعادي قائلة: الشاويش «فرقع» يَقبض على عصابة لغز «٩».

ثم تحدَّثت الصحيفة عن قصة اللص الذي قبض عليه الشاويش «فرقع» بعد أن ترك البطاقة وبصماته في مكان الحادث.

قرأ «تختخ» الكلام المكتوب ثم قلب شفتَيه قائلًا: من المُدهِش أن يُصرِّح الشاويش للصحف بهذه المعلومات برغم أننا كشَفنا له أن البطاقة مزورة، ولا علاقة لها بالعصابة الأصلية، على كل حال سوف نذهب إلى «بنها» وقد نعود لكم بالمعلومات المؤدية إلى حل اللغز، والقبض على العصابة.

دار هذا الحديث داخل القطار، وكان أمام الصديقين رجل يقرأ أخبار الحادث في الصحيفة، وقد أخفى وجهَه فيها، فلم يلحظْه الصديقان وهو يُنصِت إليهما بانتباه شديد وقد غطى عينيه بنظارة سوداء كبيرة.

وفي محطة «باب اللوق» حيث يَنتهي خط قطار المعادي استقل الصديقان تاكسيًا إلى محطة باب الحديد، كان «محب» منفعلًا بالرحلة، فقد كانت هذه أول مرة يزور فيها «بنها»، وكان كل شيء يبدو أمامه مثيرًا ورائعًا، فهو يقوم الآن بعمل المخبر السري الحقيقي … وينتقل في التاكسيات وفي القطارات … فلم يبقَ إلا الطائرات ليُصبحَ مخبرًا عالميًّا.

وخلف الصديقين كان الرجل المجهول ذو النظارات السوداء، يستقلُّ تاكسيًا آخر ويتبعهما، وعندما نزلا في محطة باب الحديد نزل، ثم قطع تذكرة إلى «بنها» كما فعلا، وكان حريصًا على أن يختار مقعدًا قريبًا منهما، ومرةً أخرى كان يجلس أمامهما في القطار وهو مُستغرِق في الاستماع إليهما.

أطلق القطار صفارته، ودوَّى جرس المحطة … ثم بدأ القطار يتحرَّك، ونسي «محب» كل شيء وترك نفسه للطبيعة الجميلة على الجانبين.

أخيرًا وصل الصديقان إلى «بنها»، فشقَّا طريقهما في زحام شارع المحطة إلى مبنى المحافظة، وسألا عن الأستاذ «عثمان غنيمي» رئيس النيابة الذي رحَّب بهما عندما علم بصلتهما بالمفتش «سامي».

قال «تختخ»: لقد جئت أتعرَّف بسيادتك أولًا، ثم أُعرِّفك بأننا مجموعة من الأصدقاء نُسمِّي أنفسنا «المغامرون الخمسة»، ونحبُّ عمل الشرطة ونقوم بمساعدة رجال الشرطة في بعض الأعمال، وقد جئنا من المعادي لزيارتك …

قال رئيس النيابة مبتسمًا: لقد عملت فترة طويلة في نيابة حلوان، وسكنتُ في المعادي، لقد قضيت هناك فترة من أسعد أيام حياتي وكيلًا للنيابة، ولم تكن مجموعتكم قد ظهرت بعد، فذلك كان منذ نحو عشر سنوات.

تختخ: إذن فأنت لم تَسمع عنَّا؟

رئيس النيابة: على العكس، لقد سمعتُ عنكم من بعض زملائي الضباط ووكلاء النيابة وهم يُثنون على جهدكم الممتاز في حل الألغاز، ونحن نتمنَّى أن يكون هناك من أمثالكم كثيرون يساعدون رجال الشرطة في أعمالهم.

تختخ: من أجل هذا حضرت لمقابلة سيادتك؛ فنحن الآن نُحاول حل لغز العصابة التي سرقت بيتك، والتي نُطلِق عليها عصابة لغز «٩».

ابتسم رئيس النيابة وهو يقول: أليست هذه مهمة صعبة؟ إنني أعتقد أنها عصابة خطيرة، وإلا لما جَرُؤت أن تَسرِق بيتي أنا شخصيًّا وأنا رئيس النيابة. ولهذا أنصح بأن تبتعدوا عن هذه القضية.

قال «تختخ» بثقة: لقد عالجنا من قبل قضايا صعبة وخطيرة، ولعلك تَذكُر حكاية الأمير المخطوف التي لم يَستطِع رجال الشرطة حلها، وكانت قضية من أخطر القضايا، ولكننا توصلنا في النهاية إلى مكان الأمير قبل تهريبه بساعات.

رئيس النيابة: على كل حال، أنا على استعداد للإجابة عن أية أسئلة.

تختخ: إنني أتحدَّث اليك وفي ذهني فكرة معيَّنة؛ أن هذه العصابة تقوم بسلسلة من الجرائم عددها ٩ جرائم، وأنا أعتقد أن هناك خيطًا يَربِط هذه الجرائم كلها، ولكني لا أدرك ما هو، ولعلك تُساعدنا على الوصول إلى هذا الخيط.

رئيس النيابة: هذه فكرة معقولة، المهم أن تكون صحيحة، فما هو دوري في هذا العمل؟

تختخ: لقد قلتَ الآن إنك عملت فترة في نيابة حلوان التي تتبعها المعادي، فهل تذكر القضايا التي حقَّقتَها هناك؟ إنني أشك أن أحد المجرمين الذين أرسلتَهم إلى السجن وراء هذه الجرائم.

رئيس النيابة: من الصعب جدًّا أن أتذكر كل القضايا؛ فقد انقضى وقت طويل.

تختخ: كيف يُمكن أن نصل إلى هذه القضايا التي حققتها؟

رئيس النيابة: إن ذلك يستدعي إذنًا خاصًّا للاطلاع على ملفات القضايا.

تختخ: ذلك شيء صعب للغاية، ويَقتضي وقتًا طويلًا وسوف نعتمد على ذاكرتك في تذكُّر أهم القضايا التي حققتها.

أسند رئيس النيابة رأسه على كفَّيه وأخذ يتذكر، ثم قال بصوت بطيء: أذكر مثلًا قضية اللص الخطير «حنفي» الذي كوَّن عصابة لقطع الطريق بين المعادي وحلوان، وكان جريئًا لأنه كان يرتكب جرائمه في وضح النهار، ولم نَستطِع القبض عليه إلا بعد أن ارتكب ثلاثين حادثًا أو أكثر، وكان يُخفي وجهه دائمًا خلف قناع، فلما قُبض عليه اتضح أنه عامل بإحدى الشركات … وأذكر أنني طالبت بالحد الأقصى للعقوبة؛ لأنه روع السكان أكثر من سنة كاملة … وأذكر قضية عصابة النشالين التي كان يتزعَّمها «القرد» وهو نشَّالٌ قبيح الشكل يُشبه «القرد» فعلًا، وقد صدر الحكم عليه بالسجن ست سنوات؛ لأنه استعمل سكينًا في تهديد أحد ركاب الأتوبيس … وأذكر «كابوريا»، وهو رجل ضخم الجثة، شديد القوة، يُشبه سمكة «الكابوريا» فعلًا بذراعيه الضخمتين، وقد دق عليهما رسمًا ﻟ «الكابوريا»، وكان رجلًا مروِّعًا وفتوَّة يَفرض الإتاوات على الناس، ولم يُقبض عليه لفترة طويلة؛ لأن الناس كانت تخشى الإدلاء بشهادة ضده، وأذكر «كورة» الموظف الذي اختلس ألوف الجنيهات لأنه كان يكتب كشوف المرتَّبات مرتين، واستطاع تكوين ثروة ضخمة وعندما اكتُشفَ أمره استطاع الهرب، وقد قمت بتحقيق الجريمة فأرسل لي تهديدًا بالقتل إذا أنا لم أتوقَّف عن التحقيق، وقد قام رجال الشرطة بحمايتي حتى تمَّ القبض عليه وهو يُحاول مغادرة البلاد بالطائرة … وأذكر «كمونة» لص البيوت … كان رجلًا ذكيًّا يستطيع سرقة أي منزل دون أن يترك أي أثر خلفه حتى سمَّوه «الظل»؛ لأنه كان كالظل فعلًا، وقد سرق أكثر من عشرين منزلًا بطريقة واحدة، ولم يُقبَض عليه إلا بالصدفة.

سكت رئيس النيابة فترة، وكان «تختخ» يكتب كل كلمة يقولها بسرعة.

قال «تختخ»: هل تذكُر قضايا أخرى؟

رئيس النيابة: هناك قضايا أقل أهمية مثل قضايا الضرب … والنشل البسيط وغيرهما، ولكن هذه أهم القضايا التي أتذكرها في الفترة التي عملت فيها بحلوان.

تختخ: وهل يُمكن معرفة من أُفرجَ عنه من هؤلاء المجرمين؟

رئيس النيابة: من الممكن أن تسأل المفتش «سامي»؛ فرجال المباحث يراقبون المجرمين المفرَج عنهم.

تختخ: والآن نأتي إلى سؤال مهم … هل تعرف أحدًا من هؤلاء: القاضي «العشماوي» … الصراف «منصور» … التاجر الحاج «إبراهيم» … الأستاذ «كريم» المحامي؟

رفع رئيس النيابة حاجبيه ثم قال: نعم … إنني أذكر بعضهم … الأستاذ «سعيد العشماوي» القاضي أعرفه أيام كان مُحاميًا في المعادي … «منصور» الصرَّاف كان طالبًا بكلية التجارة وكنت كثيرًا ما أقابله في قطار «المعادي»، أما الحاج «إبراهيم» فكنت أسكن بجواره في المعادي … وكذلك الأستاذ «كريم».

أحسَّ «تختخ» و«محب» أنهما عثَرا على أول خيط يربط الضحايا بعضهم بعضًا، فقال «تختخ»: إن هؤلاء جميعًا … هم الضحايا الأربعة الأولى … وأنت الضحية الخامسة. وقد كنتُم أصدقاء تعيشون في مكان واحد في فترة من الزمن … وهناك شخص أو أشخاص يُريدون الانتقام منكم … فهل اشتركتم جميعًا في عمل ما ضد شخص يُريد الانتقام بعد مرور هذه السنين؟

رئيس النيابة: لا أذكر شيئًا محددًا … ولعلك لو سألت الباقين ستعثُر على ما تبحث عنه.

وتحدَّث الصديقان مع رئيس النيابة فترة من الوقت، ثم استأذناه وخرَجا إلى الطريق. وفي الخارج كان الرجل ذو النظارة السوداء ما زال يَنتظرهما، وعندما ركبا قطار العودة إلى القاهرة ركب معهما، وسمعهما وهما يتحدثان عن مقابلتهما لرئيس النيابة، والمعلومات التي حصَلا عليها منه.

وصَل الصديقان إلى المعادي وجلس «تختخ» يروي قصة الزيارة لبقية الأصدقاء ثم قال: والآن أيها المغامرون الخمسة أعتقد أن عندنا قائمة بالمشتبه فيهم.

قالت «لوزة»: ولكن يا «تختخ» هل أنت متأكِّد من فكرتك في أن سلسلة الجرائم هذه تتمُّ للانتقام؟

تختخ: إنني في الحقيقة لستُ متأكدًا من شيء، ولكن هذا فرض أو احتمال، فإذا ثبت خطؤه، انتقلتُ إلى احتمال آخر، المُهم أننا وجدنا رابطة بين كل هذه الجرائم.

نوسة: وأين قائمة المشتبَه فيهم؟

تختخ: ها هي ذي … إنها قائمة سوداء؛ فكلُّ مَن فيها مجرمون من أخطر طراز، عندنا — وأرجو أن تنقلوا هذه القائمة — «حنفي» قاطع الطريق، و«القرد» النشال، و«كابوريا» الفتوة، و«كورة» المُختلِس، و«كمونة» اللص، وسوف نحصل من المفتش «سامي» على المعلومات اللازمة عن كلٍّ منهم وسيدلُّنا على من خرج منهم من السجن ونسأل بقية الضحايا عن معلوماتهم عنهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤