خطاب تهديد

كان صباح اليوم التالي صباحًا مثيرًا.

لقد وصل إلى «تختخ» خطاب لم يكد يَفتحه حتى برقت عيناه بالتحدي، ثم أسرع بالاتصال بالأصدقاء، وعندما حضروا جميعًا، مدَّ يده بالخطاب إلى «محب» الذي قرأه بصوت مرتفع:

إننا نَنصحُكَ أنت وزملاءك بالابتعاد عنا، وإلا فسنُوقِع بكم أشد العقاب.

عصابة لغز «٩»

صمت الأصدقاء جميعًا، وأخذوا ينظرون إلى «تختخ» في انتظار أن يتكلم، ولكنه ظل صامتًا وقد احمرَّ وجهُه وبدا كأنه غارق في التفكير.

قالت «لوزة» بصوت مُضطرِب: هذا أول خطاب تهديد يصلنا من أحد، إنه شيء مخيف!

عاطف: أقترح أن تُبعدَ «نوسة» و«لوزة» عن هذه المغامرة؛ فالفتيات لا يجب أن يتدخَّلن في هذه المغامرات العنيفة.

نوسة: إنني أعترض بشدة، فليس هناك فارق بين الفتيات والفتيان.

لوزة: وأنا أيضًا أؤيد وجهة نظر «نوسة».

تختخ: إننا نقبل تحدي العصابة، وسوف نُطاردها ونحل اللغز.

محب: لقد تحدَّثنا طويلًا، والآن يجب علينا أن نتابع هذا الخطاب ونعرف من الذي أرسله.

تختخ: للأسف لقد فحصتُه جيدًا، وهو خطاب عادي ليس به أية إشارة يمكن الاستدلال منها على شيء، الشيء الوحيد أنه أُرسل أمس من المعادي، وهذا يَعني أن العصابة في المعادي، أو على الأقل بعض أفرادها يُقيم في المعادي. ويعني أيضًا أن العصابة قد أحسَّت بأنَّنا بدأنا نتحرَّك منذ فترة قصيرة.

نوسة: لقد اتفقنا على أن نتَّصل بالمفتش «سامي» ونحصل منه على معلمات عن هؤلاء المُشتبَه فيهم … وأعتقد أننا يجب أن نُبلغه بخطاب التهديد أيضًا.

وافق «تختخ» على هذا الرأي، فقام بالاتصال بالمفتش «سامي» الذي استمع باهتمام إلى فكرة «تختخ»، ثم قال له: يُهمُّني أساسًا خطاب التهديد هذا، وسوف أتخذ إجراءات خاصة بخصوصه، لذلك أرجو أن تُسلِّمُوه للشاويش «فرقع» ليُرسلَه لي، وسوف أُعطيه للمعمل الجنائي لعلهم يصلون إلى طريق مُرسِلِه.

قال «تختخ»: وقائمة المشتبه فيهم؟

المفتش: نحتاج لبعض الوقت حتى نستطيع موافاتكم بكل المعلومات اللازمة عنهم … وسوف أتصل بكم اليوم أو غدًا لإبلاغكم … وعليكم من الآن ملاحظة ألا يَسير واحد منكم بمفردِه، ويجب أن يسير كل اثنَين معًا أو أن تكونوا جميعًا معًا، حتى لا تَنفرد العصابة بواحد منكم فتتمكَّن من التغلُّب عليه.

أحسَّ «تختخ» بمسئوليته حيال المغامرين الخمسة؛ فهم مُعرَّضون الآن للخطر بسبب تهديد العصابة، وفجأةً خطر له خاطر، كيف استطاعت العصابة معرفة أنهم بدءوا التدخل في اللغز؟ … لا بد أن أحد أفراد العصابة قريب جدًّا منهم!

أخذ «تختخ» يُفكر بعض الوقت، ثم قرَّر في النهاية أن يذهب لمقابلة الشاويش وتسليمه الخطاب، فطلب من الأصدقاء أن يَنتظروه في البيت لحين عودتِه، ولكن «لوزة» قالت: هل ستخالف تعليمات المفتِّش؟ لقد نصَحَنا بألا يَمشي واحد منا بمفردِه … وأنت تريد أن تذهب وحدك وأنا لا أوافق على ذلك.

ابتسمَ «تختخ» وهو يقول: شكرًا لك يا «لوزة» ومعك حق، سوف آخذ «محب» معي وسنعود فورًا.

كان الشاويش «فرقع» يجلس في مكتبه بالقسم، وعندما وصل «تختخ» و«محب» كان يتحدث في التليفون بصوت مُرتفِع، وحوله عدد من العساكر، وبعض الناس الذين حضروا إلى القسم لقضاء مصالحهم.

عندما رأى الشاويش الولدَين أشار إليهما بالجلوس، ثم أنهى المكالمة التليفونية، ونظر إليهما متسائلًا، فقال «تختخ»: لقد حضرنا كطلب المفتش «سامي»؛ فهناك موضوع خاص بعصابة لغز «٩» نُريد أن نتحدَّث معه فيه.

مد «تختخ» يده بالخطاب إلى الشاويش دون أن يَنطِق بكلمة واحدة، فأمسك الشاويش بالخطاب، فقرأ العنوان أولًا. ثم فتح الخطاب وقرأه وانتظر لحظة ثم لوى شفتَيه وقال: هل تُصدِّق أن هذه العصابة الخطيرة يُمكن أن تهتمَّ بمجموعة من الأطفال؟ … لا بد أن الذي أرسل لكم هذا الخطاب طفل عابث يُريد أن يُضيِّع وقتَه في الهزار معكم!

قال «تختخ»: إذن أنتَ لا تُصدِّق ما جاء في هذا الخطاب؟

الشاويش: ولا كلمة واحدة فيه.

تختخ: لا بأس، سوف نبلغ المفتش «سامي» رأيك؛ فقد طلب منا إبلاغك بالمسألة. أصيب الشاويش بالذُّعر عندما سمع اسم المفتش، وقال: وهل المفتش هو الذي طلب منكما التوجه إليَّ؟

تختخ: لقد قلنا لك هذا الكلام من الدقيقة الأولى، ولكنَّكَ لا تُصدِّق شيئًا!

الشاويش: آسف جدًّا! وفي هذه الحالة لا بدَّ من كتابة محضر، وأخذ أقوالك عن هذا الخطاب … وهل تَشتبِه في أحد؟

تختخ: لا بأس أما المُشتبَه فيهم فهم: «حنفي» قاطع الطريق، والنشال «القرد»، و«كابوريا» الفتوة … و«كورة» المختلس … «كمونة» اللص …

فتح الشاويش فمه غير مُصدِّق وقال: من أين أتيت بكل هذه الأسماء؟ أقصد كيف عرفتها؟

تختخ: إننا لا نُضيِّع وقتنا ولا وقت الناس يا حضرة الشاويش، لقد قمنا بعمل تحريات واسعة … وقد حصرنا شُبهتنا في هؤلاء الخمسة.

الشاويش: إنني أعرف بعضهم.

تختخ: طبعًا، ولعلك تذكر الأستاذ «عثمان غنيمي» الذي كان وكيل نيابة حلوان.

الشاويش: وهل تَعرفونه هو أيضًا.

تختخ: بالطبع وهو الذي أعطانا المعلومات عن هؤلاء … وبالمناسبة يا حضرة الشاويش هل هناك أحد منهم يعيش هنا الآن … في المعادي؟

الشاويش: نعم …

وقبل أن يكمل الشاويش جملته، دق جرس التليفون، وكان المتحدِّث هو المفتش «سامي» الذي لم يَكد الشاويش يسمع صوته حتى هبَّ واقفًا بحكم العادة. ثم تذكر أن المُفتِّش في القاهرة ولا يراه، فعاد إلى الجلوس بعد أن احمرَّ وجهُه خجلًا.

استمع الشاويش إلى كلام المفتِّش «سامي»، ثم أعطى السماعة إلى «تختخ» قائلًا: إن المفتش يريد أن يتحدث معك.

سمع «تختخ» صوت المفتش عبر الأسلاك يقول: لقد حصلت على المعلومات المطلوبة وبدأنا نحن أيضًا البحث عنهم … المهم أن تعلم أن «كورة» المُختلِس قد مات في السجن منذ شهور، فهو يخرج إذن من قائمة المشتبه فيهم، أما «حنفي» قاطع الطريق فقد خرج من السجن منذ سنوات ولا نعرف له مكانًا، وكذلك «القرد» النشال، و«كمونة» اللص، أما «كابوريا» الفتوة فما يزال في السجن وسيُفرَج عنه بعد أيام.

تختخ: شكرًا يا سيدي المفتش إنها معلومات مهمة لنا.

المفتش: خذوا حذركم، ونفذوا التعليمات، وإلى اللقاء.

تختخ: إلى اللقاء يا سيادة المفتش.

عندما وضع «تختخ» سماعة التليفون أخذ الشاويش ينظر إليه باحترام؛ فها هو ذا المفتش يُحدِّثه تليفونيًّا ويُبلغه بالمعلومات … إن هذا يعني أن الولد السمين الذكي موضع تقدير المفتش شخصيًّا.

قال «تختخ» للشاويش: لقد كنتُ أسأل إذا كنت تعرف أحدًا منهم يعيش في المعادي الآن؟

الشاويش: إن «القرد» النشال كان هنا منذ أيام، جاء يُبلغ — ويا للسخرية — عن نشل حافظة نقوده! لقد رأيتُه يتسكع قرب القسم عندما حضرت في الصباح، وعندما سألته عن سبب حضوره، قال إنه يبلغ عن نشل حافظة نقوده في الأتوبيس بين المعادي والقاهرة.

تختخ: طبعًا هذا كلام فارغ.

الشاويش: طبعًا … طبعًا … ولكنِّي كنتُ مضطرًّا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة.

تختخ: إن المجرم يحب دائمًا أن يكون قريبًا من مكان الجريمة ليَعرف اتجاهات التحقيق فيها، ولعله علمَ أننا نَشترك في حلِّ ألغاز هذه الجرائم، فأرسل لنا خطاب التهديد.

انصرف «تختخ» و«محب» بعد أن أدلى «تختخ» بأقواله في محضر رسمي عن خطاب التهديد، وعندما وصَلَ الصديقان إلى منزل «تختخ» وجَدا بقية الأصدقاء في انتظارهما.

قال «تختخ»: لقد أصبحتْ شُبهتنا تنحصر في ثلاثة فقط … ولقد مات «كورة» المختلس، و«كابوريا» الفتوة ما زال في السجن … فليس أمامَنا إلا «حنفي» قاطع الطريق، و«القرد» النشال، و«كمونة» اللص، وسوف نَبدأ بالنشَّال لأنه موجود في المعادي!

كانت «لوزة» تقف بجوار النافذة تنظر إلى الخارج وهي تَستمِع إلى حديث «تختخ» فقالت: إنني أرى شخصًا غريبًا يقف أمام المنزل يا «تختخ» وكأنَّه يراقبنا.

قال «تختخ» دون أن يتحرك من مكانه: لا تجعليه يحسُّ أنك لاحظت وجوده واتركيه يظن أننا لا نُراقبه.

ظلت «لوزة» في مكانها، بينما اقترب «تختخ» من النافذة بجوار الحائط حتى لا يراه أحد من الخارج، ثم أزاح الستار جانبًا ونظر … كان هناك رجل في الخارج فعلًا، يقف تحت إحدى أشجار الطريق، ويتظاهر بأنه يقرأ في جريدة بينما كان يَركن دراجته بجوار الرصيف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤