القبض على …

قال «تختخ» بهدوء: من الواضح أن الرجل يُراقب منزلنا فعلًا، ولا بدَّ أنه على صلة بالعصابة … وحتى لا نُثير شكَّه فيهرب … علينا أن نتأكد أولًا أنه يراقبنا فهيا بنا نخرج!

ركب المغامرون الخمسة دراجاتهم، واتجهوا إلى الكورنيش، وكان «تختخ» يسير في نهاية المجموعة يرمق الرجل بطرف عينه، وكما توقع «تختخ» تمامًا. فقد ركب الرجل دراجته وتبعهم.

قال «تختخ» للأصدقاء: سوف نَذهب إلى الكازينو، وعلينا أن نتجه جميعًا إلى هناك أما أنا و«محب» فسوف نترككم في أول الطريق دون أن يَرانا؛ فعندنا خطة للقبض عليه.

اتجه الأصدقاء جميعًا إلى الكازينو، وفي زحمة السيارات في طريق الكورنيش استطاع «تختخ» و«محب» أن يُفلتا من مراقبة الرجل، ويَختفيا وسط الزحام.

تبع الرجل بقية الأصدقاء إلى الكورنيش، في حين أسرع «الصديقان» إلى الشاويش الذي لم يكدْ يراهما حتى صاح هل هناك خطاب آخر؟!

قال «تختخ»: بسرعة، تعال معنا … إن أحد أفراد العصابة يُراقبنا، وفي استطاعتنا — إذا قبضا عليه — أن نصلَ إلى العصابة.

قال الشاويش: أرجو ألا تكون هذه إحدى ألاعيبِكم لإضاعة وقتي!

تختخ: يا حضرة الشاويش، ليس هذا وقت الألاعيب، إن أمامك فرصة ذهبية للقبض على عصابة لغز «٩»!

أسرع الشاويش يملأ مسدَّسه بالرصاص، ثم ركب دراجته، وانطلق مع «تختخ» و«محب» إلى الكورنيش. وفي الطريق قال الشاويش: لا تتدَّخلوا … فهؤلاء المجرمون خَطِرون، وأخشى أن يصيبكم أذى.

تختخ: شكرًا يا حضرة الشاويش … سوف نكتفي بمراقبتكم من بعيد.

عندما وصل الثلاثة إلى الكورنيش، كان الرجل يقف هناك، بينما كان الأصدقاء يجلسون في الكازينو يُراقبونه، ويتظاهرون في الوقت نفسه بأنهم يتحدثون ويضحكون ويتناولون الجيلاتي.

قال الشاويش وهم يقتربون من الكازينو: الآن ابتعدا عنِّي، وسوف أقبض عليه ببساطة!

اتجه «الصديقان» إلى الكازينو، ولكنَّهما لم ينزلا من على دراجتَيهما، لقد خشيا أن يتمكَّن الرجل من الإفلات من الشاويش، فيتمكَّنا هما بدراجتيهما من مطاردته.

راقب الأصدقاء بقلوب راجفة الشاويش وهو يتجه إلى الرجل، ويتظاهر بأنه لا يقصده وأُعجبوا بالشاويش لأنه أتقن دوره جيدًا. وفجأةً أوقف الشاويش دراجته، ثم دار بسرعة وواجه الرجل وهو يَرفع مسدسه في وجهه قائلًا: لا تتحرك من مكانك، أنت مقبوض عليك!

انتظر الأصدقاء ما سيفعله الرجل … هل سيهرب؟ هل سيقاوم؟ هل معه سلاح سوف يشهره في وجه الشاويش؟ ولكن بدلًا من كل هذا بقيَ الرجل في مكانه ينظر إلى الشاويش في ثبات وكأن الأمر لا يعنيه!

عاد الشاويش إلى أمر الرجل قائلًا: ارفع يدَيك إلى فوق … أنت مقبوض عليك باسم القانون!

لم يرد الرجل، ولكنه أشار إلى الشاويش أن يقترب منه، فلم يصدق الشاويش عينيه وصاح فيه: تعال أنت هنا!

لاحظ الأصدقاء كل ما يحدث وهم يرتجفون في انتظار نتيجة الموقف، ولكنهم بدءوا لا يرون شيئًا بعد أن تجمع الناس على منظر المسدس المصوَّب إلى الرجل الذي ظل هادئًا، كأن الأمر لا يعنيه، أو كأن الشاويش يداعبه!

اتجه الشاويش إلى الرجل، وأمسكه من ذراعه، فأسرع الأصدقاء إلى حيث تدور الأحداث، ليروا عن قرب ما يحدث! وكم كانت دهشتهم عندما سمعوا الرجل يقول للشاويش: لا داعيَ لإثارة هذه الضجة أيها الشاويش، فأنا ذاهب معك إلى القسم، لأن لي حديثًا معك.

ظل الشاويش ينظر إلى الرجل وكأنه يرى الشيطان، فعاد الرجل إلى الحديث قائلًا: اطلب من هؤلاء الناس الابتعاد عنا.

لم يَستمِع الشاويش إلى كلام الرجل، بل سحبه من رقبته أمام الناس في الطريق إلى القسم، والمغامرون الخمسة يتبعونه عن قرب، كان الرجل يبدو غاضبًا جدًّا، فقال «تختخ»: أخشى أن نكون قد وقعنا وأوقعنا الشاويش معنا في خطأ كبير.

واقترب من الشاويش وقال: ألا تستمع للرجل لعلَّ عنده شيئًا يقوله؟

توقف الشاويش فقال الرجل: لقد وقعت في خطأ فاحش أيها الشاويش، فأنا لست لصًّا كما تتصوَّر، ولستُ من أفراد عصابة لغز «٩»، إنني الشرطي السري «إسماعيل عبد الغفار» وقد أرسلني المفتش لمراقبة منزل «تختخ» والمحافظة على سلامة «المغامرون الخمسة»!

ثم مد الرجل يده في جيبه وأخرج بطاقته، ولم يكد الشاويش ينظر إليها حتى احمر وجهه كأنما سيَشتعل، وأخذ يتمتم بكلمات الاعتذار … ثم التفت إلى الأصدقاء ليصب عليهم غضبه، ولكنه قبل أن يقول كلمة واحدة، كان الجميع قد ركبوا دراجاتهم وطاروا، وخلفهم كانت تنطلق كلمة الشاويش الخالدة: فرقعوا من وجهي!

ومن بعيد كان عضو العصابة ذو النظارة السوداء يَرقُب كل شيء وقد علت وجهة ابتسامة واسعة، لقد أصبح في إمكانه الآن أن يقف أمام منزل «تختخ» دون أن يشكَّ أحد فيه؛ فسوف يظن الجميع أنه من الشرطة السريِّين! وفعلًا في صباح اليوم التالي كان الرجل ذو النظارة السوداء يقف أمام منزل «تختخ»، وعندما شاهده الأصدقاء الخمسة لم يشك واحد منهم في أنه رجل من رجال الشرطة السريِّين يراقب منزلهم ويعمل على المحافظة عليهم … ولم يخطر ببالهم أبدًا أن هذا الرجل هو أخطر أعدائهم، وأنه واحد من أعضاء العصابة التي حيَّرَت رجال الشرطة بجرائمها.

وفي هذا الصباح أيضًا اكتشف رجال الشرطة أن العصابة ارتكبت جريمتها «٦ / ٩» في الليلة السابقة! كانت جريمة ضخمة؛ فقد استولى اللصوص على كمية كبيرة من الذهب من محل صائغ مشهور يُدعى «أبو الدهب»، بعد أن استطاعت العصابة كسر باب المحل ليلًا وسرقة محتوياته. وقد تمت الجريمة بعد أن تركوا خلفهم البطاقة المعروفة وعليها رقم «٦ / ٩»!

وعندما اجتمع الأصدقاء قال «تختخ»: إننا حتى الآن لم نقابل بقية الضحايا، لقد سرَقَنا الوقت، ونسينا أن بين أيدينا طرف الخط الحقيقي، وهو العلاقة التي تربط الضحايا بعضهم ببعض … ويجب بحثها فورًا.

محب: وماذا نفعل الآن يا «تختخ»؟

«تختخ»: علينا أن نُقسِّم أنفسنا لمقابلة الضحايا والحديث معهم، ونشترك في الوقت نفسه في البحث عن «القرد» النشَّال؛ لأنه عضو العصابة القريب منا، وقد نستطيع بمقابلته الوصول إلى العصابة كلها، وعلينا أن نحصل على أوصافه من الشاويش «فرقع» وفي هذه الحالة سيكون من السهل العثور عليه.

عاطف: إنني كما تعلمون أهوى الرسم، وفي إمكاني إذا حصلت على أوصاف دقيقة أن أرسم لكم «القرد» النشَّال، وسأذهب إلى الشاويش ولعله لا يثور في وجهي كالمعتاد.

تختخ: تستطيع أن تقول له إننا نُنفِّذ تعليمات المفتش.

وهكذا خرج «عاطف» مسرعًا ومعه «نوسة». واتجها إلى القسم، في حين اتفق الأصدقاء على أن يقوموا بزيارة بقية الضحايا للحديث معهم، على أن ينتظروا عودة «عاطف» و«نوسة» أولًا.

لم يَطُل الانتظار بالأصدقاء، فقد عاد «عاطف» و«نوسة» مسرعين وقد استطاع «عاطف» إقناع الشاويش، لا بوصف «القرد» النشال فقط، ولكن الشاويش سمح له أيضًا بمشاهدة صورة النشَّال، وهي ضمن مجموعة من المشبوهين التي يحتفظ بها القسم.

وبسرعة أخذ «عاطف» يرسم وهو يتحدَّث في الوقت نفسه: إن «القرد» النشال يشبه القرد فعلًا؛ فهو مُرتفِع الجبهة، غزير الشعر، بارز الأسنان، طويل الذراعَين، إنه في مجموعه يشبه غوريللا أفريقية.

وبعد بضع دقائق كانت أمام الأصدقاء صورة تقريبية «للقرد النشال» نظروا فيه جميعًا، وأبدوا إعجابهم بدقتها، ثم قال «تختخ»: إن النُّشَّال عادة يقفون في أماكن التجمعات، قرب الأتوبيسات ومحطات السكة الحديد، فعلينا أن نُقسِّم أنفسنا على المكانين.

وهكذا انطلق «تختخ» ومعه «لوزة» إلى محطة المعادي، وكلٌّ منهم يحلم بمغامرة.

كانت الساعة قرب الواحدة ظهرًا، ولم يكن هناك زحام على المحطات، ولكن لم تمض ساعة حتى بدأ خروج الموظفين وعودتهم إلى بيوتهم … وكان استنتاج «تختخ» صحيحًا؛ فقد ظهر «القرد» النشَّال على محطة السكة الحديد، وعرفه «تختخ» من أول نظرة؛ فقد كان قريب الشبه إلى حد بعيد من الصورة.

بدأ النشال يتحرَّك داخل المحطة، وهو ينظر حوله في حذر، فقرَّر «تختخ» أن يختفي هو و«لوزة» وراء أحد الأعمدة حتى لا يراهما النشَّال، ووقفا يراقبانه من بعيد، كان النشال يُحاول الاندساس في الزحام حتى يستطيع أداء عمله دون أن يشتبه فيه أحد. وبينما كان «تختخ» يراقبه، فوجئ بظهور «محب» و«عاطف» و«نوسة» على المحطة فخفق قلبه، وخشي أن يراهم النشال فيفلت منه، ولكنَّهم ساروا دون أن يلفتوا نظره حتى اقتربوا من «تختخ» دون أن يراهم. صفَّر «تختخ» صفيرًا هادئًا خاصًّا. فاقترب الأصدقاء منه، فقال لهم دون أن يلتفت إليهم: لقد عثرتُ على النشال فعودوا أنتم الآن، وعليكم مقابلة الحاج «إبراهيم» مرة أخرى، ثم اذهبوا إلى الأستاذ «كريم» أيضًا لعله عاد من السفر، أما نحن فسوف نُتابع النشال لعله يقودنا إلى مكان العصابة.

انصرف الأصدقاء، وبقي «تختخ» و«لوزة» يراقبان النشال مراقبة دقيقة، فلم يُحسَّا أنهما كانا مراقبَين من رجل آخر هو «ذو النظارة السوداء».

وفجأة حضر القطار الذاهب إلى القاهرة، وكان حافلًا بالعُمال القادمين من حلوان، فقفز فيه النشال، وقفز خلفه «تختخ» و«لوزة» ثم قفز خلفهما الرجل «المجهول».

اختفى النشَّال عن أعين «تختخ» و«لوزة» في الزحام، ولكن «تختخ» تصرف بسرعة وأخذ ينتقل من مكانٍ إلى آخر حتى استطاع في النهاية أن يعثر عليه مندسًّا في الزحام فوقف غير بعيد عنه يراقبه بعد أن أشار إلى «لوزة» أن تقترب منه.

وصل القطار إلى محطة باب اللوق، ونزل النشال، فتبعه كلٌّ من «تختخ» و«لوزة» وفجأة ظهر والد «لوزة». وتعجَّب لمقابلتها في ذلك المكان، وقرَّر أن يصطحبها معه إلى المنزل فورًا ركب النشال أتوبيس رقم «١٧» المتجه إلى إمبابة، فقفز «تختخ» خلفه وانطلق الأتوبيس بهما، وعندما اقترب الأتوبيس من «إمبابة» وهو يجري بسرعة كبيرة، فوجئ «تختخ» بالنشال، يقفز كالبهلوان إلى الشارع، ولم يستطع «تختخ» أن يفعل مثله، وهكذا اختفى من أمامه وهو لا يستطيع شيئًا، وأحس بالضيق الشديد لأنه أضاع وقتًا طويلًا دون جدوى.

نزل «تختخ» من الأتوبيس، وسار قليلًا يفكر، فتذكر «أبو الدهب» الضحية رقم «٦» فقال في نفسه، ما دمت في القاهرة فلْأَذهب لمقابلته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤