في المصيدة

في الفيلا الموحشة … كان «تختخ» قد أحسَّ بالجوع والعطش، وهو جالس وأمامه «الأخرس» يحمل مسدسًا ضخمًا محشوًّا بالطلقات، ينظر إليه دون أن تطرف له عين.

كان ذهن «تختخ» يَعمل بسرعة … لا بد أن يتصرَّف قبل أن تعود العصابة وإلا انتهى كل شيء، ومن الممكن المُحاولة مع هذا «الأخرس» بطريقة أو بأخرى، ولكن مع عصابة بأكملها فإن هذا مستحيل.

أشار «تختخ» «للأخرس» بيده إلى فمه … يُريد أن يقول له إنه جائع، وفهم «الأخرس» الإشارة فأشار بيده إلى المطبخ، وقام «تختخ» وتبعه «الرجل» كانت هناك ثلاجة كبيرة في أحد الجوانب، ففتحها «تختخ» ورأى أن العصابة كانت تعيش عيشة رفاهية؛ فقد كانت الثلاجة حافلة بالأطعمة الفاخِرة مكدَّسة بأنواع اللحوم والفاكهة، فأخذ بعض أصابع الموز، وزجاجة ماء مثلج، وفجأة وقعت عيناه على باب المطبخ الخارجي الذي يطلُّ على الحديقة، لم يكن مغلقًا بالمفتاح … وكان قريبًا منه إلى حد ما، ولو استطاع أن يقترب أكثر … لأمكنه القفز إلى الشارع في خطوة واحدة … ولكن المسدس المصوب إلى ظهره جعله يُعيد النظر في خطته … ثم وقعت عيناه على مفتاح النور … كان قريبًا من الباب أيضًا … ولو أمكنه أن يطفئ النور بسرعة، فإن «الأخرس» لن يرى شيئًا لفترة قصيرة … ويُمكن القفز إلى الباب وفتحه وإغلاقه، ولكن بدلًا من أن يقفز خارج الباب يبقى داخل الغرفة … وهو ما لا يُدركه الأخرس الذي سيجري خلفه في الشارع متصوِّرًا أنه هرب منه.

أخذ «تختخ» يتكاسَل أمام الثلاجة، وهو يخطو بهدوء ناحية مفتاح النور وباب الحديقة … وفي خطوة خاطفة انقضَّ على مفتاح النور فأطفأه ثم فتح الباب وأغلقه وانزوى داخل الغرفة … وفي الوقت نفسه كان «الأخرس» قد تصرَّف كما تصور «تختخ» تمامًا … فبدلًا من أن يضيء النور ويرى ما حدث … فتح الباب مُسرعًا ثم انطلق إلى الخارج كالصاروخ وبيده المسدس.

ظل «تختخ» ثوانيَ مكانَه، ثم أسرع إلى الباب الأمامي للفيلا … وفتحه في هدوء ثم تسلل إلى الخارج، ولحسن الحظ كانت السماء مظلمة، والمكان بعيد عن العمران، فليس هناك أي ضوء، وهكذا أخذ يجري في أول اتجاه صادفه، وهو لا يُصدق أنه أفلت بحياته.

بعد أن جرى «تختخ» شوطًا طويلًا، توقف كي يمسك أنفاسه اللاهثة وكم كانت فرحته عندما وجد أنه ما زال مُمسكًا بأصبع الموز في يده اليسرى، فنزع قشرته وأكله بنهم ولذة لم يشعر بهما في حياته.

اتجه «تختخ» إلى أقرب نور صادفه، وعلى ضوء الشارع نظر إلى ساعته، كانت الساعة قد اقتربت من التاسعة والنصف ليلًا فأخذ يمدُّ خطوَه مرةً أخرى باحثًا عن تاكسي … وقد قرَّر أن يفحص السائق جيدًا؛ فقد أصبح يشك في كل السائقين بعد الذي حدث.

مضت دقائق قليلة … ووجد تاكسيًا يقترب من الخلف فاختبأ ونظر إلى التاكسي ورأى سائقًا عجوزًا أشيبَ الشعر فاطمأن إليه وطلب منه الاتجاه فورًا إلى المعادي.

نظر السائق إليه في دهشة وقال: ولكن هذا المشوار طويل يا أستاذ … إن العداد سيُسجل نحو جنيه.

قال «تختخ» بمرحٍ وقد أحس بحياته التي عادت إليه، لا بأس … سأدفع لك ما يسجله العداد، المهم الآن أن تُسرع بقدر ما تستطيع.

ألقى «تختخ» بنفسه في المقعد الخلفي، وأرخى أعصابه تمامًا، واستمتع برحلة لطيفة مع هواء الليل المنعش، وطريق المعادي على الكورنيش.

استقبل «زنجر» صديقه «تختخ» بنباح مُرتفِع، ثم أخذ يقفز على صدره فحمله «تختخ» بين ذراعيه، وقبله، ثم أسرع إلى الحمام، ولكنه قبل أن يدخل سمع جرس التليفون يدق … وكانت المتحدِّثة هي «لوزة» التي ما كادت تسمع صوته حتى ارتفع صوت بكائها عبر أسلاك التليفون وهي تقول بصوت متقطع مُنفعِل: هل عدت حقًّا؟ هل أنت سليم؟ ألم تجرح … هل حدث شيء … هل أنت «تختخ»؟

سلسلة من الأسئلة استمع إليها «تختخ» قبل أن يقول: إنني تختخ فعلًا يا «لوزة» ولا داعي للبكاء … كل شيء على ما يرام … اذهبي لتنامي الآن، وكل ما أرجوه أن تتصلي ﺑ «محب» و«نوسة» الآن وتُخبريهما أنني عدت، وأن هناك قصة مثيرة ستسمعونها غدًا صباحًا … تصبحي على خير يا «لوزة» أيتها الصديقة المخلصة. قالت من بين دموعها: تُصبح على خير.

استمتع «تختخ» بحمام دافئ، ثم أسرع إلى التليفون وطلب المفتش «سامي» فعلم أنه خرج على رأس قوة كبيرة للبحث عن صبيٍّ مخطوف، فابتسم «تختخ» فلم يكن هذا الصبي سواه، فقال لمحدثه: أرجو أن تقول له إن الصبي قد عاد إلى البيت، وأن يتصل بي بمجرد عودته.

وقبل أن يذهب إلى غرفته، وقف «تختخ» في نافذة الصالة العليا يراقب الطريق خشية أن يكون أحد أفراد العصابة قد عاد، ولكن الشارع كان خاليًا.

لم يكد «تختخ» يصل إلى فراشه، وقد قرر أن يرتاح بعد تعب اليوم الطويل حتى سمع صوت جرس التليفون يدقُّ مرة أخرى، فلم يشك أنه المفتش «سامي» وفعلًا، كان المفتش هو المتحدث، وأخذ يعاتب «تختخ» عتابًا شديدًا لأنه لم يستمع إلى نصائحه فأخذ «تختخ» يَعتذِر ثم روى للمفتش ما حدث منذ دخل بيت «أبو الدهب» حتى وقوعه في أيدي رجال العصابة، وكيف هرب.

قال المفتش: هل ترى أنَّ اللص أو العصابة من هؤلاء الذين أرسلهم الأستاذ «عثمان غنيمي» إلى السجن؟! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا سرقَتِ العصابة الباقين؟! إن استنتاجاتك يا «تختخ» لا تؤدي للإجابة عن هذا السؤال الهام، فإذا كانت العصابة تريد الانتقام من رئيس النيابة فما دخل الباقين؟

تختخ: سوف أفسِّر لك كل شيء غدًا، المهم الآن أن تقبض على قاطع الطريق «حنفي» والنشَّال «القرد»، واللص «كمونة»، وبين هؤلاء سنجد اللص أو أفراد العصابة.

المفتش: وهل تستطيع أن تتعرف على المكان الذي كنت فيه أمس؟

تختخ: لعلَّني أستطيع بالنهار … أما الآن فلن أستطيع الخروج من البيت من ناحية، ومن ناحية أخرى، فلن أستطيع التعرف على المنزل في الظلام، فإلى اللقاء غدًا.

أغلق «تختخ» التليفون ثم تأكد من إغلاق النوافذ والأبواب، وذهب لينام وقد أحس أنه في أشد الحاجة إلى الراحة.

وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي كان الأصدقاء الأربعة قد وصلوا إلى منزل «تختخ» قبل أن يستيقظ، وأحاطوا بفراشه يتأملون وجهه كأنهم لا يصدقون أنه عاد فعلًا.

وعندما استيقظ «تختخ» ارتفعت أصوات المغامرين وهم يتحدثون ويضحكون، وفي النهاية قال «تختخ»: أظن أن أمامنا حديث هام فما هي معلوماتكم التي جمعتموها أمس؟

لوزة: لن نقول لك حتى تروي لنا قصتك كاملة.

تختخ: إن ذلك يستغرق وقتًا طويلًا … والمهم الآن أن نحل اللغز سريعًا؛ فالعصابة قد قامت بعملية أخرى أمس ليلًا كما فهمت من أحاديثهم … وهذا يكفي حتى الآن، ويجب أن نضع المعلومات كلها متجاورة حتى نصل إلى لغز هذه العصابة المخيفة.

محب: لقد ذهبنا إلى والدة «مؤنس» فقالت لنا إنها تعرف بعض الذين وقعت لهم الحوادث الأخيرة، لقد كان أكثرهم يسكن شارعًا واحدًا منذ أعوام طويلة في المعادي.

تختخ: لقد عرفتُ هذا منذ فترة، وعندما يقبض المفتش «سامي» على «قاطع الطريق» و«القرد» و«كمونة» سوف نجد بينهم بعض أفراد العصابة إن لم يكن كلهم.

في تلك اللحظة دق جرس التليفون وكان المتحدث هو المفتش «سامي» الذي طلب التحدث إلى «تختخ».

أسرع «تختخ» إلى التليفون، فقال المفتش صباح الخير … لعلك نمت جيدًا، أما أنا فلم أنم على الإطلاق، لقد قضيت الليلة الماضية ساهرًا مع رجالي نبحث عن الثلاثة الذين طلبت القبض عليهم، وقد قبضت عليهم جميعًا قبل منتصف الليل وأنا أتحدَّث اليك وهم أمامي … ولكن للأسف الشديد، يبدو أن فكرتك عن حل اللغز ليست صحيحة هذه المرة … فهؤلاء الرجال الثلاثة ينكرون أنهم ارتكبوا أي حادث من هذه الحوادث، وقد استطاعوا أن يُثبتوا انهم كانوا في أماكن أخرى وقت ارتكاب هذه الجرائم، خاصة أمس، فقد تحركت العصابة وقامت بسرقة جديدة في حين كان هؤلاء الثلاثة بين أيدينا.

دهش «تختخ» غاية الدهشة وقال للمفتش: غير معقول … غير ممكن … إنهم يكذبون، خاصة «القرد» فقد كان يتردد على القسم لمعرفة ماذا يحدث …

المفتش: المؤكد أنهم لم يَسرقُوا شيئًا أمس.

تختخ: هل يمكن إحضارهم إلى المعادي لعلَّني أستطيع التعرف على أحد منهم …

المفتش: ممكن جدًّا وسوف أصل بعد ساعة.

بعد ساعة كان قسم الشرطة في المعادي يستقبل الثلاثة «قاطع الطريق» و«اللص» و«النشال» ووصل المغامرون الخمسة بعد دقائق وأخذ «تختخ» ينظر إلى الثلاثة بعين فاحصة ولكنه لم يجد فيهم «الأخرس»، ولا الرجل «ذو النظارة السوداء»، أما «القرد» فقد أنكر أنه على صلة بالعصابة وأنه لم يَنشِل أحدًا ولم يرتكب خطأ …

اندفعت دماء الخجل إلى وجه «تختخ» وهو يرى جهوده كلها قد انتهت إلى لا شيء واستنتاجاته الخاصة بلغز عصابة اﻟ «٩» لا تؤدي إلى نتيجة … فقال بصوت منخفض: آسف جدًّا يا سيادة المفتش … ولكن ذلك شيء مدهش للغاية … لقد كنت أتوقع أن يكون رئيس العصابة من بين هؤلاء الثلاثة … ولكني أخطأت!

استأذن «تختخ» من الأصدقاء، وأخذ معه الكلب «زنجر» ثم ركب مع المفتش سيارته، ومعهم بقية رجال الشرطة في سيارة أخرى وانطلقوا جميعًا إلى القاهرة، وفي الطريق ظل «تختخ» يعتصر رأسه ويعيد التفكير … ولكن الواقع كان ضد فكرته … فاللصوص الثلاثة لم يرتكبوا الجريمة … والمُختلِس مات في السجن … والفتوة «كابوريا» … ما يزال داخل السجن!

ترى هل كان هناك مُجرِم سادس نسيَ أن يذكره وكيل النيابة.

وبعد نحو ساعة وصلوا إلى منطقة «ميت عقبة» حيث نزل «تختخ» وأخذ يسير هنا وهناك باحثًا عن المكان حتى وجد سور المدرسة الذي كان يبحث عنه، وعن طريقه وصل إلى مقر العصابة … وفي لحظات حاصر رجال البوليس الفيلا المهجورة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤