ملحق: الإنجيل بحسب مرقس

الإصحاح الأول

(١) بدء بشارة يسوع المسيح، (٢) كُتب في سفر النبي إشعيا:

«ها أنا ذا أُرسل رسولي قدامك،

ليُعد طريقك،

(٣) صوتُ منادٍ في البرية:

أعدوا طريق الرب،

واجعلوا سبله قويمة.»

(٤) فتم ذلك يوم خرج يوحنا المعمدان في البرية، يعظ بمعمودية التوبة لغفران الخطايا، (٥) وكان يخرج إليه أهل بلاد اليهودية كلها وجميع أهل أورشليم، فيعتمدون على يده في نهر الأردن معترفين بخطاياهم، (٦) وكان يوحنا يلبس من وبر الإبل، ويقتات من الجراد والعسل البري، وكان يعلن فيقول: (٧) «يأتي بعدي من هو أقوى مني، من لست أهلًا لأن أنحني فأحل سير نعليه، (٨) أنا عمَّدتكم في الماء، وأما هو فيعمدكم في الروح القدس.»

اعتماد يسوع

(٩) وفي ذلك الزمان جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد على يد يوحنا في الأردن (١٠) وبينما هو خارج من الماء رأى السموات تنشق، والروح ينزل عليه كأنه حمامة (١١) وإذا صوت من السماء يقول: «أنت ابني الحبيب الذي عنه رضيت.»

يسوع في البرية

(١٢) ومضى به الروح عندئذٍ إلى البرية (١٣) فأقام في البرية أربعين يومًا يجربه الشيطان وكان يصحب الوحوش، وكانت تخدمه الملائكة.

٢

رسالة يسوع في الجليل

رجوع يسوع إلى الجليل

(١٤) وبعدما سُجن يوحنا، جاء يسوع إلى الجليل يعلن بشارة الله، فيقول: (١٥) «حان الوقت واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالبشارة.»

دعوة التلاميذ الأول

(١٦) وكان يسوع سائرًا على شاطئ بحر الجليل، فرأى سمعان وأخاه أندراوس يُلقيان الشبكة في البحر؛ لأنهما كانا صيادين، (١٧) فقال لهما: «اتبعاني أجعلكما صيادي بشر» (١٨) فتركا الشباك من ذلك الحين وتبعاه، (١٩) وتقدم قليلًا فرأى يعقوب بن زبدي وأخاه يوحنا، وهما أيضًا في السفينة يُصلحان الشباك (٢٠) فدعاهما من ساعته فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجراء وتبعاه.

يسوع يعلم في كفر ناحوم ويقهر الشيطان

وجازوا إلى كفر ناحوم فلما أتى السبت دخل المجمع وأخذ يُعلم (٢٢) فدهشوا لتعليمه لأنه كان يعلمهم مثل من له سلطان، لا مثل الكتبة (٢٣) واتفق أنه كان في مجمعهم رجل فيه روح نجس، فأخذ يصيح: (٢٤) «ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟ أجئت لتهلكنا؟ أنا أعرف من أنت: أنت قدوس الله»، (٢٥) فانتهره يسوع قال: «اخرس واخرج منه!» (٢٦) فخبطه الروح النجس، وصرخ صرخةً شديدة، وخرج منه، (٢٧) فدهشوا جميعًا وأخذوا يتساءلون: «ما هذا؟ إنه لتعليم جديد يُلقى بسلطان! حتى الأرواح النجسة يأمرها فتطيعه!» (٢٨) وذاع ذكره بعد ذلك في كل مكان من الجليل.

شفاء حماة بطرس

(٢٩) ولما خرجوا من المجمع جاء إلى دار سمعان وأندراوس يصحبه يعقوب ويوحنا، (٣٠) وكانت حماة سمعان ملقاة على الفراش محمومة، فأطلعوه على حالتها، (٣١) فدنا منها فأخذ بيدها وأقامها، فأقلعت عنها الحمى وأخذت تقوم بضيافتهم.

شفاء من علل كثيرة

(٣٢) وعند المساء بعد غروب الشمس حُمل إليه جميع المرضى والممسوسين (٣٣) واحتشدت المدينة بأجمعها على الباب (٣٤) فشفى مرضى كثيرين على اختلاف العلل، وطرد كثيرًا من الشياطين ولم يدع الشياطين تتكلم لأنها عرفته.

يسوع يخرج من كفر ناحوم ويسير في الجليل

(٣٥) وقام في الصباح مبكرًا، فخرج وذهب إلى مكان قفر، وأخذ يُصلي هناك (٣٦) فانطلق سمعان وأصحابه يبحثون عنه (٣٧) فلما وجدوه قالوا له: «جميع الناس يطلبونك» (٣٨) فقال لهم: «لنذهب إلى مكان آخر، إلى القرى المجاورة لأبشر فيها أيضًا، فإني لهذا خرجت» (٣٩) وسار في الجليل كله، يبشر في مجامعهم ويطرد الشياطين.

شفاء أبرص

(٤٠) وجاءه أبرص يتوسل إليه فجثا وقال له: «إن شئت فأنت قادر على أن تبرئني» (٤١) فأشفق عليه يسوع ومد يده فلمسه وقال له: «قد شئت فابرأ» (٤٢) فزال عنه البرص لوقته وبرئ (٤٣) فصرفه يسوع من ساعته (٤٤) بعد ما أنذره بلهجة شديدة فقال له: «إياك أن تخبر أحدًا بشيء، ولكن اذهب إلى الكاهن فأره نفسك، ثم قَرِّب عن شفائك ما أمر به موسى، شهادة لديهم» (٤٥) أما هو، فانصرف وأخذ يرفع الصوت ويذيع الخبر، فصار يسوع لا يستطيع أن يدخل مدينة علانية، بل كان يقيم في ظاهرها في أماكن مقفرة والناس يأتون من كل مكان.

الإصحاح الثاني

شفاء مقعد في كفر ناحوم

(١) وعاد بعد بضعة أيا إلى كفر ناحوم فسمع الناس أنه في الدار. (٢) فاجتمع منهم عدد كبير، ولم يبقَ موضع لأحد حتى عند الباب، فألقى إليهم كلام الله، (٣) فجيء إليه بمُقعد يحمله أربعة رجال. (٤) فلم يستطيعوا الوصول إليه لكثرة الزحام، فنبشوا عن السقف فوق الموضع الذي هو فيه، ونقبوه ثم دلَّوا الفراش الذي كان عليه المقعد. (٥) فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمُقعد: «يا بني غفرت لك خطاياك.» (٦) وكان بين الحضور هناك بعض الكتبة، فقالوا في أنفسهم: (٧) «ما بال هذا الرجل يتكلم بذلك؟ إنه ليكفر، فمن يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟» (٨) فعلم يسوع في سره ما جال في صدورهم فسألهم: «لماذا تجول هذه الأفكار في صدوركم؟ (٩) أيما أيسر؟ أن يقال للمُقعد: غفرت لك خطاياك، أم أن يقال: قُم فاحمل فراشك وامشِ؟ (١٠) فاعلموا أن ابن الإنسان له سلطان يغفر به الخطايا في الأرض.» (١١) ثم قال للمُقعد: «أقول لك: قم فاحمل فراشك واذهب إلى بيتك.» (١٢) فقام فحمل فراشه، وخرج بمرأى من جميع الناس، حتى دهشوا جميعًا ومجدوا الله وقالوا: «ما رأينا مثل هذا قط!»

دعوة لاوي

(١٣) وخرج أيضًا إلى شاطئ البحر فأتاه الجمع كله، فأخذ يُعلمهم (١٤) ثم رأى وهو سائر لاوي بن حلفي (العشار) جالسًا في بيت الجباية، فقال له: «اتبعني!» فقام فتبعه (١٥) ثم جلس يسوع للطعام عنده، فجلس أيضًا معه ومع تلاميذه كثير من العشارين والخاطئين، وكان تلاميذ كثيرون يتبعونه، (١٦) فلما رأى بعض الكتبة من الفريسيين أنه يؤاكل الخاطئين والعشارين، قالوا لتلاميذه: «لماذا يؤاكل العشارين والخاطئين؟» (١٧) فسمع يسوع كلامهم، فقال لهم: «ليس الأصحاء بمحتاجين إلى طبيب بل المرضى، ما جئت لأدعو الأبرار بل الخاطئين.»

الجديد والقديم

(١٨) وكان تلاميذ يوحنا والفريسيون صائمين، فجاء إليه بعض التلاميذ وقالوا له: «لماذا يصوم تلاميذ يوحنا وتلاميذ الفريسيين، ولا يصوم تلاميذك؟» (١٩) فقال لهم: «أيستطيع أهل العرس أن يصوموا والعريس بينهم؟ فما دام العريس بينهم، لا يستطيعون أن يصوموا، (٢٠) ولكن سيأتي زمن فيه يرفع العريس من بينهم، ففي ذلك اليوم يصومون (٢١) ما من أحد يرقع ثوبًا برقعة من نسيج جديد، مخافة أن تنتزع الرقعة الجديدة شيئًا من الثوب القديم، فيتسع الخرق، (٢٢) وما من أحد يجعل الخمرة الجديدة في زُقاق قديمة، لئلا تشق الخمر الزُّقاق فتتلف الخمر والزُّقاق معًا، ولكن للخمرة الجديدة زُقاق جديدة.»

حادثة السنبل

(٢٣) ومر يسوع في السبت خلال المزارع فأخذ تلاميذه يقطفون السنبل وهم سائرون، (٢٤) فقال له الفريسيون: «انظر! لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل؟» (٢٥) فقال لهم: «أما قرأتم قط ما فعل داود حين احتاج فجاع هو وأصحابه؟ ٢٦ كيف دخل بيت الله على عهد عظيم الأحبار أبياتار، فأكل الخبز المقرب إلى الله، وأعطى منه أصحابه وأكله لا يحل إلا للكهنة» (٢٧) ثم قال لهم: «إن السبت جُعل للإنسان، وما جُعل الإنسان للسبت، (٢٨) فابن الإنسان سيد السبت أيضًا.»

الإصحاح الثالث

شفاء في السبت

(١) ودخل أيضًا بعض المجامع وكان فيه رجل يده شلَّاء (٢) وكان الحاضرون يراقبونه ليروا هل يشفيه في السبت فيستطيعوا أن يشكوه (٣) فقال للأشل: «قُم في حلقة المجمع» (٤) ثم قال لهم: «أَعَمل الصالحات يحل في السبت أم عمل السيئات؟ وتخليص نفس أم إهلاكها؟» فأطرقوا (٥) فأجال طرفه فيهم مغضبًا مغتمًا لعمى قلوبهم، ثم قال للرجل: «امدد يدك» فمدها فعادت يده صحيحة، (٦) فخرج الفريسيون وائتمروا به مع الهيرودوسين ليهلكوه.

موجز أعمال يسوع في الجليل

(٧) فانصرف يسوع إلى البحر يصحبه تلاميذه، وتبعه جمع كبير من الجليل، وجمع كبير من اليهودية (٨) ومن أورشليم وآدوم عبر الأردن ونواحي صور وصيدا، وقد سمعوا بما يصنع فجاءوا إليه، (٩) فأمر تلاميذه بأن يجعلو له زورقًا يلازمه، مخافة أن يضايقه الجمع، (١٠) لأنه شفى كثيرًا من الناس، حتى أصبح كل من به علة يبادر إليه ليلمسه (١١) وكانت الأرواح النجسة، إذا رأته، تسجد له وتصيح: «أنت ابن الله!» (١٢) فكان ينهاها بشدة عن كشف أمره.

يسوع يختار الاثني عشر

ثم صعد الجبل ودعا الذين أرادهم فأقبلوا عليه (١٤) فأقام منهم اثني عشر يصحبونه فيرسلهم مبشرين (١٥) ولهم سلطان يطردون به الشياطين (١٦) فأقام الاثني عشر وهم: سمعان ودعاه صخرًا، (١٧) ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخو يعقوب، وجعل لقبهما بوا نَرْجس، أي ابني الرعد، (١٨) وأندراوس وفيلبس وبرتلماوس، ومتَّى وتوما، ويعقوب بن حلفي وتداوس وسمعان الغيور (القانَوي)، (١٩) يهوذا الإسخريوطي، ذاك الذي أسلمه، (٢٠) ثم رجع إلى الدار، فعاد الجمع إلى الازدحام حتى لم يستطيعوا أن يذوقوا طعامًا.

رأيان في يسوع

(٢١) وبلغ الخبر ذويه فخرجوا ليمسكوه فقد قيل: إنه مُختل (٢٢) وأما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا: «إن به مسًّا من بعل زبول، فهو بسيد الشياطين يطرد الشياطين»، (٢٣) فدعاهم وكلمهم بالأمثال قال: «أنى للشيطان أن يطرد الشيطان؟ فإذا انقسمت مملكة لا تثبت (٢٥) وإذا انقسم بيت لا يثبت (٢٦) وإذا انقض الشيطان على نفسه فانقسم لا يثبت بل يزول (٢٧) ما من أحد يستطيع أن يدخل بيت الرجل القوي وينهب أمتعته، إذا لم يوثق ذلك الرجل القوي أولًا، ثم ينهب بعدئذٍ بيته، (٢٨) الحق أقول لكم: كل شيء يُغفر لبني البشر من خطيئة وكفر مهما بلغ كفرهم (٢٩) وأما من كفر بالروح القدس فلا غفران له أبدًا، بل هو خاطئ خطيئةً أبدية.» (٣٠) قال ذلك ردًّا على زعمهم أن فيه روحًا نجسًا.

أسرة يسوع

(٣١) وجاءت أمه وإخوته فوقفوا في خارج الدار، وأرسلوا إليه من يدعوه (٣٢) وكان قد تحلق حوله جمع كبير فقالوا له: «إن أمك وإخوتك في خارج الدار يطلبونك.» (٣٣) فأجابهم: «من هي أمي ومن هم إخوتي؟» (٣٤) ثم أجال طرفه في المتحلقين حوله وقال: «هؤلاء هم أمي وإخوتي؛ (٣٥) لأن من يعمل بمشيئة الله هو أخي وأختي وأمي.»

الإصحاح الرابع

مثل الزارع

(١) وعاد إلى التعليم بجانب البحر، فازدحم عليه جمع كبير جدًّا، حتى إنه صعد إلى سفينة في البحر وجلس فيها، والجمع كله قائم في البر على ساحل البحر، (٢) فعلمهم بالأمثال أشياء كثيرة، وقال لهم في تعليمه: (٣) «اسمعوا! هو ذا الزارع قد خرج ليزرع (٤) وبينما هو يزرع وقع بعض الحب على جانب الطريق فجاءت الطير فالتقطته، (٥) ووقع بعضه الآخر على أرض حجرة رقيقة التراب، فنبت من وقته لأن ترابه لم يكن عميقًا (٦) فلما أشرقت الشمس احترق، ولم يكن له أصل فيبس (٧) ومنه ما وقع على الأرض الطيبة فنبت ونمى وأخرج ثمرًا، فأثمر بعضه ثلاثين وبعضه ستين وبعضه مائة.» ثم قال: (٩) «من كان له أذنان للسمع فليسمع!»

غاية يسوع من الأمثال

(١٠) فلما اعتزل الجمع سأله أتباعه والاثنا عشر عن مغزى المثل، (١١) فقال لهم: «أما أنتم فقد أُنعم عليكم بسر ملكوت الله، وأما أولئك فكل شيء يلقى إليه بالأمثال، (١٢) لكي ينظروا نظرًا فلا يبصروا،

ويسمعوا سمعًا فلا يفهموا،

لئلا يتوبوا فيغفر لهم.»

(١٣) ثم قال لهم: «أما تفهمون هذا المثل؟ فأنى لكم أن تفهموا سائر الأمثال؟ (١٤) الزارع يزرع كلام الله، (١٥) فمن كانوا بجانب الطريق حيث زُرع الكلام، فهم الذين ما كادوا يسمعونه، حتى أتى الشيطان وذهب بالكلام المزروع فيهم، (١٦) ومن تلقوا الزرع في الأرض الحَجِرة، فهم الذين إذا سمعوا الكلام قبلوه من ساعتهم فرحين، (١٧) ولكن لا أصل لهم في أنفسهم، فلا يثبتون على حالة، فإذا حدث بعد ذلك ضيق أو اضطهاد من أجل الكلام، ارتدوا عنه من ساعتهم (١٨) ومن تلقوا الزرع في الشوك، فهم الذين يسمعون الكلام، (١٩) ولكن هموم الحياة الدنيا وفتنة الغنى وسائر الشهوات تداخلهم فتخنق الكلام، فلا يخرج ثمرًا. (٢٠) ومن تلقوا الزرع في الأرض الطيبة فهم الذين يسمعون الكلام ويقبلونه فيثمرون، فمنهم من يثمر ثلاثين، ومنهم ستين، ومنهم مائة.»

مثل السراج

(٢١) وقال لهم: «أيؤتى بالسراج ليوضع تحت المكيال أو تحت السرير؟ أما يؤتى به ليوضع على المنارة؟ (٢٢) فما من خفي إلا سيظهر ولا من مكتوم إلا سيُعلن (٢٣) من كان له أذنان للسمع فليسمع.»

مثل الكيل

(٢٤) وقال لهم: «انتبهوا لما تسمعون! فبما تكيلون يُكال لكم وتزادون (٢٥) لأن من كان له شيء يُعطى ومن ليس له شيء يُنتزع منه حتى الذي له.»

مثل الزرع الذي ينمي

(٢٦) وقال: «مثل ملكوت الله كمثل رجل يبذر الزرع في الأرض (٢٧) ثم ينام ويقوم ليل نهار، والزرع ينبت وينمي، وهو لا يدري كيف كان ذلك، (٢٨) فالأرض من نفسها تنبت العشب أولًا، ثم السنبل، ثم القمح الذي يملأ السنبل (٢٩) فإذا أدرك الثمر، أعمل فيه المنجل من ساعته لأن الحصاد قد حان.»

مثل حبة الخردل

(٣٠) وقال: «بماذا نشبِّه ملكوت الله، أو بأي مثل نمثله؟ (٣١) إنه مثل حبة من خردل، فهي حين تُزرع في الأرض أصغر سائر الحبوب التي في الأرض، فإذا زُرعت ارتفعت وصارت أكبر البقول كلها، وأرسلت أغصانًا كبيرة، حتى إن طير السماء تستطيع أن تستظل في ظلها.»

يسوع والأمثال

(٣٣) وكان يضرب لهم كثيرًا من هذه الأمثلة ليلقي إليهم كلام الله، على قدر ما كانوا يستطيعون أن يسمعوه. (٣٤) ولم يكلمهم إلا بضرب المثل، فإذا خلا بتلاميذه فسر لهم كل شيء.

يسوع يُسكِّن العاصفة

(٣٥) وفي ذلك اليوم نفسه قال لهم عند المساء: «لنعبر إلى الشاطئ المقابل.» (٣٦) فتركوا الجمع وساروا به على حالته في السفينة وكان معه سفن أخرى، (٣٧) فهبت عاصفة هوجاء وأخذت الأمواج تندفع على السفينة حتى كادت تمتلئ، وكان هو في مؤخرها نائمًا ورأسه على وسادة، فأيقظوه وقالوا له: «يا معلم أما تبالي أننا نهلك؟» (٣٩) فقام وزجر الريح وقال للبحر: «اصمت! اخرس!» فسكنت الريح وعاد هدوء تام، ثم قال لهم: «ما بالكم مضطربين هذا الاضطراب؟ إلى الآن لا إيمان لكم؟» فاستولى عليهم خوف شديد وقال بعضهم لبعض: «من ترى هذا حتى الريح والبحر يطيعانه!»

الإصحاح الخامس

طرد الشيطان عن رجل

(١) ووصلوا إلى الشاطئ الآخر من البحر في ناحية الجدريين (٢) ولما نزل من السفينة إذا رجل فيه رُوح نجس قد خرج من القبور إلى لقائه (٣) وكان يقيم في القبور، ولا يقدر أحد أن يوثقه حتى بسلسلة (٤) فكثيرًا ما كُبل بالقيود والسلاسل فقطع السلاسل وكسر القيود، ولم يكن أحد يقوى على كبحه، (٥) وكان طوال الليل والنهار في القبور والجبال، يصيح ويرضض جسمه بالحجارة (٦) فلما رأى يسوع عن بُعدٍ أسرع إليه وسجد له (٧) وصاح بأعلى صوته: «ما لي ولك، يا يسوع ابن الله العلي؟ أستحلفك بالله لا تُعذبني.» (٨) لأن يسوع قال له: «أيها الروح النجس، اخرج من الرجل.» (٩) فسأله: «ما اسمك؟» فقال له: «اسمي جحفل، لأننا كثيرون.» (١٠) ثم ألح عليه في السؤال ألا يطردهم من الناحية.

(١١) وكان يرعى هناك في سفح الجبل قطيع كبير من الخنازير (١٢) فتوسلت إليه الأرواح النجسة بقولها: «أرسلنا إلى الخنازير فندخل فيها.» (١٣) فأذن لها، فخرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير فوثب القطيع من الجرف إلى البحر، وعدده نحو ألفين، فغرق في البحر. (١٤) فهرب الرعاة ونقلوا الخبر إلى المدينة والمزارع، فجاء الناس ليروا ما جرى. (١٥) فلما وصلوا إلى يسوع شاهدوا الرجل الذي كان ممسوسًا قاعدًا لابسًا صحيح العقل، ذاك الذي كان فيه جحفل من الشياطين، فاستولى عليهم الخوف. (١٦) فأخبرهم الشهود بما جرى للذي كان ممسوسًا وبما أصاب الخنازير. (١٧) فأخذوا يسألون يسوع أن ينصرف عن بلدهم. (١٨) وبينما هو يركب السفينة سأله الذي كان ممسوسًا أن يصحبه، (١٩) فلم يأذن له بل قال له: «اذهب إلى بيتك، وحدث ذويك بما آتاك الرب من رحمته.» (٢٠) فمضى وأخذ ينادي في المدن العشر بما آتاه يسوع، وكان جميع الناس يتعجبون.

شفاء منزوفة وإحياء ابنة يائير

(٢١) ورجع يسوع في السفينة إلى الشاطئ المقابل، فازدحم عليه جمع كبير، وهو ساحل البحر، (٢٢) فجاء رجل من رؤساء المجمع اسمه يائير، فلما رآه ارتمى على قدميه، (٢٣) وألح في السؤال قال: «لي ابنة صغيرة تلفظ أنفاسها، فتعالَ وضع يدك عليها تبرأ وتحيا.» (٢٤) فذهب معه وتبعه جمع كبير يزحمه (٢٥) وكانت هناك امرأة منزوفة منذ اثنتي عشرة سنة (٢٦) قد عانت آلامًا مبرحة من أطباء كثيرين، وأنفقت جميع ما تملك فلم تستفد شيئًا، لا بل صارت من سيئ إلى أسوأ (٢٧) فلما سمعت بأخبار يسوع جاءت بين الجمع من خلف ولمست رداءه (٢٨) لأنها قالت في نفسها: «حسبي أن ألمس ثيابه فأبرأ» (٢٩) فجف مسيل دمها من وقته، وأحست في جسمها أنها شفيت من علتها، (٣٠) وشعر يسوع عند ذاك بالقوة التي خرجت منه، فالتفت إلى الجمع وقال: «من لمس ثيابي؟» (٣١) فقال له تلاميذه: «ترى الجمع يزحمك وتقول: من لمسني؟» (٣٢) فأجال طرفه ليرى التي فعلت ذلك، (٣٣) فخافت المرأة واضطربت لعلمها بما حدث لها، فجاءت وسجدت له واعترفت بالحقيقة كلها، (٣٤) فقال لها: «يا ابنتي أبراك إيمانك، فاذهبي بسلام وتعافي من علتك.» (٣٥) وإنه ليتكلم، إذ وصل أناس من دار رئيس المجمع يقولون: «ماتت ابنتك، فلماذا تكلف المعلم؟» (٣٦) فسمع يسوع كلامهم، فقال لرئيس المجمع: «لا تخف، حسبك أن تؤمن.» (٣٧) ولم يدع أحدًا يصحبه إلا بطرس ويعقوب ويوحنا أخا يعقوب، (٣٨) ولما وصلوا إلى دار رئيس المجمع رأى ضجيجًا وأناسًا يبكون ويعولون فدخل وقال لهم: (٣٩) «لماذا تضجون وتبكون؟ لم تمت الصبية وإنما هي نائمة.» فضحكوا منه (٤٠) فأخرجهم جميعًا ودخل بأبي الصبية (٤١) فأخذ بيد الصبية وقال لها: «طليتا قوم!» (أي يا صبية أقول لك: قومي) (٤٢) فقامت الصبية من ساعتها وأخذت تمشي وكانت ابنة اثنتي عشرة سنة (٤٣) فدهشوا أشد الدهش، فأوصاهم مشددًا عليهم ألا يعلم أحد بما حدث، وأمرهم أن يُطعموها.

الإصحاح السادس

يسوع في وطنه الناصرة

(١) وانصرف من هناك فذهب إلى وطنه يصحبه تلاميذه، (٢) ولما أتى السبت أخذ يعلِّم في المجمع فدهش أكثر الناس حين سمعوه، وقالوا: «من أين له هذا؟ وما هذه الحكمة التي أوتيها وهذه المعجزات المبينة التي تجري على يديه؟ أما هو النجار ابن مريم، أخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوَليست أخواته عندنا ها هنا؟» وأخذتهم الحيرة فيه، فقال لهم يسوع: «لا يُزدرى نبي إلا في وطنه وذوي قرابته وبيته» (٥) ولم يُمكنه أن يجري هناك شيئًا من المعجزات، سوى أنه وضع يديه على بعض المرضى فشفاهم (٦) وكان يتعجب من قلة إيمانهم، ثم سار في القرى المجاورة يُعلِّم.

وصايا يسوع للاثني عشر

(٧) ودعا الاثني عشر وأخذ يرسلهم اثنين اثنين، وأولاهم سلطانًا على الأرواح النجسة (٨) وأوصاهم ألا يأخذوا للطريق شيئًا سوى عصا، لا خبزًا ولا مزودًا ولا نقدًا من نحاس في مناطقهم (٩) بل: «انتعلوا نعلين، ولا تلبسوا ثوبين.» وقال لهم: (١٠) «وحيثما دخلتم بيتًا فأقيموا فيه إلى أن ترحلوا (١١) وإذا لم يقبلكم مكان ولم يُسمع فيه كلامكم، فارحلوا عنه نافضين الغبار من تحت أقدامكم شهادة عليهم.» (١٢) فمضوا يدعون الناس إلى التوبة (١٣) وطردوا كثيرًا من الشياطين، ودهنوا بالزيت كثيرًا من المرضى فشفوهم.

استشهاد يوحنا المعمدان

(١٤) وسمع الملك هيرودس بأخباره لأن اسمه أصبح مشهورًا وكان أناس يقولون: «إن يوحنا المعمدان قام من بين الأموات؛ ولذلك تجري المعجزات على يده» (١٥) وقال آخرون: «إنه إيليا» وقال غيرهم: «إنه نبي كسائر الأنبياء» (١٦) فلما سمع هيرودس بأخباره قال: «هذا يوحنا الذي قطعت أنا رأسه قد قام» (١٧) ذلك بأن هيرودس كان قد أرسل إلى يوحنا من أمسكه وأوثقه في السجن، من أجل هيروديا امرأة أخيه فيلبس لأنه تزوجها (١٨) فكان يوحنا يقول لهيرودس: «لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك» (١٩) وكانت هيروديا ناقمة عليه تريد قتله فلا تستطيع (٢٠) لأن هيرودس كان يهاب يوحنا لعلمه أنه رجل بار قديس، وكان يحميه فإذا استمع إليه، حار فيه كثيرًا، وراقه الإصغاء إليه (٢١) وجاءت يوم مؤاتٍ لها إذ أقام هيرودس في ذكرى مولده مأدبةً للأشراف والقواد وأعيان الجليل (٢٢) فدخلت ابنة هيروديا ورقصت، فأعجبت هيرودس والمدعوين، فقال الملك للفتاة: «سلي ما شئت أعطك» (٢٣) وأقسم لها: «لأعطينك كل ما تطلبين، ولو نصف مملكتي» (٢٤) فخرجت وسألت أمها: «ماذا أطلب؟» فقالت: «رأس يوحنا المعمدان» (٢٥) فبادرت إلى الملك: «أريد أن تعطيني في هذه الساعة على طبق رأس يوحنا المعمدان» (٢٦) فاغتم الملك ولكنه من أجل الأيمان التي أقسهما بمسمع من المدعوين لم يشأ أن يرد طلبها (٢٧) فأرسل للملك من ساعته حاجبًا وأمره بأن يأتي برأسه (٢٨) فمضى وضرب عنقه في السجن، وأتى بالرأس على طبق، فدفعه إلى الفتاة فحملته إلى أمها (٢٩) وبلغ الخبر تلاميذه، فجاءوا فحملوا جثته ودفنوها.

معجزة الخبز والسمك الأولى

(٣٠) واجتمع الرسل عند يسوع، وأخبروه بجميع ما عملوا وعلموا (٣١) فقال لهم: «تعالوا أنتم على حدتكم إلى مكان قفر، واستريحوا قليلًا» لأن القادمين والذاهبين كانوا كثرًا حتى لم يتح لهم فرصة لتناول الطعام (٣٢) فمضوا في السفينة إلى مكان قفر يعتزلون فيه (٣٣) فرآهم الناس ذاهبين، وعلم بالأمر كثير منهم، فأسرعوا سيرًا على الأقدام من جميع المدن وسبقوهم إلى ذلك المكان، (٣٤) فلما نزل إلى البر رأى جمعًا كبيرًا فأخذته الشفقة عليهم؛ لأنهم كانوا كغنم لا راعي لها، وشرع يُعلمهم أشياء كثيرة (٣٥) وفات الوقت فدنا إليه تلاميذه وقالوا: «المكان قفر وقد فات الوقت (٣٦) فاصرفهم ليذهبوا إلى المزارع والقرى المجاورة فيشتروا لهم ما يأكلون» (٣٧) فأجابهم: «أعطوهم أنتم ما يأكلون» فقالوا له: «أنذهب فنشتري خبزًا بمائتي دينار ونعطيهم ليأكلوا؟» فقال لهم: «كم رغيفًا لديكم؟ اذهبوا فانظروا» (٣٨) فتحققوا ما لديهم ثم قالوا: «خمسة وسمكتان» (٣٩) فأمرهم بإقعاد الناس كلهم فئة فئة على العشب الأخضر (٤٠) فقعدوا أفواجًا منها مائة ومنها خمسون (٤١) فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين ورفع عينيه نحو السماء، وبارك وكسر الأرغفة ثم جعل يعطي تلاميذه ليناولوهم، وقسم السمكتين عليهم جميعًا (٤٢) فأكلوا كلهم حتى شبعوا (٤٣) ثم رفعوا اثنتي عشرة قفة ممتلئة من الكسر وفضلات السمكتين (٤٤) وكان الآكلون خمسة آلاف رجل.

يسوع يمشي على الماء

(٤٥) واضطر تلاميذه عندئذٍ أن يركبوا السفينة ويتقدموه إلى الشاطئ المقابل تجاه بيت صيدا حتى يصرف الجمع (٤٦) فلما صرفهم، ذهب إلى الجبل ليصلي (٤٧) وعند المساء كانت السفينة في عرض البحر وهو وحده في البر (٤٨) ورآهم يجهدون في التجديف لأن الريح كانت مخالفة فجاء إليهم نحو الهزيع الرابع من الليل ماشيًا على البحر وكاد يجاوزهم (٤٩) فلما رأوه ماشيًا على البحر ظنوه خيالًا فصرخوا (٥٠) لأنهم رأوه كلهم فاضطربوا، فكلمهم عند ذاك قال لهم: «سكِّنوا روعكم أنا هو لا تخافوا.» (٥١) وصعد السفينة إليهم فسكنت الريح، فداخلهم ما بلغ الغاية من الدهش (٥٢) لأنهم لم يفهموا معجزة الخبز، بل كانت قلوبهم عمية.

يسوع يشفي من أمراض كثيرة

(٥٣) وعبروا حتى بلغوا أرض جناسرت فأرسَوا (٥٤) وما إن نزلوا من السفينة حتى عرفه الناس (٥٥) فطافوا بتلك الناحية كلها، وجعلوا يحملون المرضى على فُرشهم إلى كل مكان يسمعون أنه فيه (٥٦) وحيثما يدخل سواء دخل القرى أو المدن أو المزارع، كانوا يضعون المرضى في الساحات، ويسألونه أن يدعهم يلمسون هُدب ثوبه، فكان الذي يلمسه يبرأ.

الإصحاح السابع

الطاهر والنجس

(١) واجتمع لديه الفريسيون وبعض الكتبة الآتيين من أورشليم (٢) فرأوا بعض تلاميذه يتناولون الطعام بأيدٍ نجسة أي غير مغسولة (٣) (لأن الفريسيين واليهود عامةً لا يأكلون إلا بعد أن يغسلوا أيديهم حتى المرفق، جريًا على سنة الشيوخ (٤) وإذا رجعوا من السوق لا يأكلون إلا بعد أن يغتسلوا وهناك أشياء أخرى فرضت عليهم السنة أن يعملوا بها، كغسل الأكواب والجرار وآنية النحاس). (٥) فسأله الفريسيون والكتبة: «لِمَ لا يجري تلاميذه على سنة الشيوخ، بل يتناولون الطعام بأيدٍ نجسة؟» (٦) فقال لهم: «أيها المراءُون، صدق إشعيا في نبوءته عنكم، كما ورد في الكتاب:

هذا الشعب يكرمني بشفتيه،

وأما قلبه فبعيد مني،

(٧) ويعبدونني بالباطل.

فليس ما يُعلِّمون من المذاهب سوى أحكام بشرية (٨) إنكم تهملون وصية الله وتتمسكون بسنة البشر» (٩) وقال لهم: «ما أقدركم على نقض وصية الله لتقيموا سنتكم! (١٠) فقد قال موسى: «أكرم أباك وأمك، ومن لعن أباه أو أمه فليقتل قتلًا» (١١)، وأما أنتم فتقولون: إذا قال أحد لأبيه أو أمه: جعلت قربانًا كل شيء أبرك به (١٢) فإنه يعفى عندكم من كل مبرة لأبيه أو أمه (١٣) فتنقضون كلام الله بسنة من عندكم وهناك أشياء كثيرة مثل ذلك تفعلون.» (١٤) ثم دعا الجمع وقال لهم: «أصغوا إليَّ كلكم وافهموا: (١٥) ما من شيء خارج عن الإنسان إذا دخل الإنسان ينجسه ولكن ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان (١٦) فمن كان له أذنان للسمع فليسمع.»

ولما رجع إلى الدار مبتعدًا عن الجمع، سأله تلاميذه عن مغزى المثل (١٨) فقال لهم: «أهكذا أنتم أيضًا لا فهم لكم؟ ألا فتفهمون أن ما يدخل الإنسان من الخارج لا يُنجسه، (١٩) لأنه لا يدخل إلى القلب بل إلى الجوف، ثم يذهب في الخلاء.» وفي قوله ذلك جعل الأطعمة كلها طاهرة، (٢٠) ثم قال لهم: «ما يخرج من الإنسان هو الذي يُنجس الإنسان (٢١) لأنه من باطن الناس، من قلوبهم تنبعث مقاصد السوء: الفحش والسرقة والقتل، (٢٢) والزنى والطمع والخبث والغش والفجور والحسد والنميمة والكبرياء والسفه (٢٣) جميع هذه المنكرات تخرج من باطن الإنسان فتحبسه.»

٣

رسالة يسوع خارج الجليل

(٢٤) ثم مضى من هناك، وذهب إلى نواحي صور وصيدا فدخل بيتًا، وكان لا يريد أن يعلم به أحد، فلم يستطع أن يُخفي أمره (٢٥) فقد سمعت به وقتئذ امرأة لها ابنة صغيرة فيها روح نجس، فجاءت وارتمت على قدميه. (٢٦) وكانت المرأة وثنية ترجع إلى أصل سوري فينيقي، فسألته أن يطرد الشيطان عن ابنتها (٢٧) فقال لها: «دعي البنين أولًا يشبعون، فلا يحسن أن يؤخذ خبز البنين، فيلقى إلى جراء الكلاب» (٢٨) فأجابت: «نعم، سيدي، حتى جراء الكلاب تأكل تحت المائدة من فتات البنين.» (٢٩) فقال لها: «اذهبي، من أجل قولك هذا قد خرج الشيطان من ابنتك.» (٣٠) فرجعت إلى بيتها، فوجدت ابنتها على السرير قد أقلع عنها الشيطان.

شفاء أصم

(٣١) ثم عاد من نواحي صور، ومر بصيدا قاصدًا إلى بحر الجليل، في أراضي المدن العشر (٣٢) فجاءُوه بأصم حَصِر، وسألوه أن يضع يده عليه (٣٣) فانفرد به عن الجميع، وجعل إصبعه في أذنيه ثم تفل ولمس لسانه، (٣٤) ورفع عينيه نحو السماء متنهدًا وقال له: «افتح!» (أي انفتح) (٣٥) فانفتح مسمعاه وانحلت عقدة لسانه، فتكلم بلسان طليق (٣٦) وأوصاهم ألا يخبروا أحدًا، فكان كلما أكثر من توصيتهم أكثروا من إذاعة خبره. (٣٧) وكانوا يقولون وهم في غاية الإعجاب: «قد أبدع في أعماله كلها؛ إذ جعل الصم يسمعون والخرس ينطقون!»

الإصحاح الثامن

معجزة الخبز والسمك الأخرى

(١) واحتشد في تلك الأيام جمعٌ كبير، ولم يكن لديهم ما يأكلون، فدعا تلاميذه وقال لهم: (٢) «أُشفق على هذا الجمع، فإنهم منذ ثلاثة أيام يلازموني، وليس لديهم ما يأكلون، (٣) وإن صرفتهم إلى بيوتهم صائمين، خارت قواهم في الطريق، ومنهم من جاء من مكان بعيد» (٤) فأجابه تلاميذه: «أنى لأحد أن يُشبع هؤلاء من الخبز ها هنا في البرية؟» (٥) فسألهم: «كم رغيفًا لديكم؟» قالوا: «سبعة.» (٦) فأمر الجمع بالقعود على الأرض، ثم أخذ الأرغفة السبعة وشكر وكسر، ثم جعل يعطي تلاميذه ليقربوها إلى الجمع، فقربوها إليهم، (٧) وكان لديهم بعض سمكات صغار فباركها وأمر بتقريبها أيضًا، (٨) فأكلوا حتى شبعوا ثم رفعوا مما فضل من الكسر سبع سلال (٩) وكانوا نحو أربعة آلاف فصرفهم. (١٠) ركب السفينة مع تلاميذه، وجاء إلى نواحي دلمانوتا.

الفريسيون يطلبون آية

(١١) فأقبل الفريسيون وأخذوا يجادلونه طالبين آية من السماء ليجربوه (١٢) فتنهد من أعماق نفسه وقال: «ما بال هذا الجيل يطلب آية؟ الحق أقول لكم: لا يجعل لهذا الجيل آية!» (١٣) ثم تركهم وعاد إلى السفينة فركبها، وعبر إلى الشاطئ المقابل.

خمير الفريسيين وهيرودس

(١٤) فنسوا أن يتزودوا من الخبز، ولم يكن لديهم في السفينة سوى رغيف واحد، (١٥) وأخذ يوصيهم فيقول: «تبصروا واحذروا خمير الفريسيين وخمير هيرودس!» (١٦) فقال بعضهم لبعض أن لا خبز لديهم، (١٧) فشعر يسوع بأمرهم فقال لهم: «لماذا تقولون أن لا خبز لديكم؟ ألم تعقلوا حتى الآن وتفهموا؟ (١٨) ألكم قلوب عمية؟ أم لكم عيون ولا تبصرون، وآذان ولا تسمعون؟ (١٩) ألا تذكرون إذ كسرت الخمسة الأرغفة للخمسة الآلاف، فكم قُفة مملوءة كسرًا رفعتم؟» قالوا له: «اثنتي عشرة» (٢٠) «وإذ كسرت الأرغفة السبعة للأربعة الآلاف، فكم سلة من الكسر رفعتم؟» قالوا: «سبعًا» (٢١) فقال لهم: «ألم تفهموا حتى الآن؟»

شفاء أعمى في بيت صيدا

(٢٢) وصلوا إلى بيت صيدا فجاءُوه بأعمى، وسألوه أن يضع يده عليه، (٢٣) فأخذ بيد الأعمى وقاده إلى خارج القرية، ثم تفل في عينيه، ووضع يديه عليه وسأله: «أتبصر شيئًا؟» (٢٤) فأخذ يبصر وقال: «أُبصر الناس وأراهم يمشون كأنهم أشجار.» (٢٥) فوضع يديه مرة أخرى على عينيه، فأبصر وعاد صحيحًا يرى كل شيء واضحًا عن بُعد. (٢٦) فأرسله إلى بيته وقال له: «حتى القرية لا تدخل.»

بطرس يشهد بأن يسوع هو المسيح

(٢٧) ثم ذهب يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصرية فيلبس، فسأل في الطريق تلاميذه: «من أنا على حد قول الناس؟» فأجابوه: «يوحنا المعمدان، (٢٨) وبعضهم يقول: إيليا، وآخرون: أحد الأنبياء.» (٢٩) فسألهم: «ومن أنا على حد قولكم أنتم؟» (٣٠) فأجاب بطرس: «أنت المسيح.» فنهاهم أن يخبروا أحدًا بأمره.

يسوع يُنبئ أول مرة بآلامه وموته وقيامته

(٣١) ثم بدأ يعلمهم أن ابن الإنسان يجب عليه أن يعاني آلامًا شديدة، وأن يرذله الشيوخ والأحبار والكتبة، وأن يُقتل، وأن يقوم في اليوم الثالث. (٣٢) وكان يقول هذا الكلام صراحة، فانفرد به بطرس وأخذ يعاتبه (٣٣) فالتفت فرأى تلاميذه فزجر بطرس قال: «سر خلفي، يا شيطان؛ لأن أفكاري ليست أفكار الله بل أفكار البشر.»

ما يطلب من أتباع يسوع

(٣٤) ثم دعا الجمع وتلاميذه وقال لهم: «من أراد أن يتبعني فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني (٣٥) لأن الذي يريد أن يخلص حياته يفقدها، وأما الذي يفقد حياته في سبيلي وسبيل البشارة فإنه يجدها (٣٦) فماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟ (٣٧) وبماذا يفدي الإنسان نفسه؟ (٣٨) لأن من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، يستحي به ابن الإنسان، متى جاء في مجد أبيه تواكبه الملائكة الأطهار.»

الإصحاح التاسع

(١) ثم قال لهم: «الحق أقول لكم: في جملة الحضور ها هنا من لا يذوقون الموت، حتى يشاهدوا ملكوت الله آتيًا وله العزة.» (٢) وبعد ستة أيام مضى يسوع ببطرس ويعقوب ويوحنا، فانفرد بهم على جبل عالٍ، وتجلى بمرأًى منهم، (٣) فتلألأت ثيابه ناصعة البياض، حتى ليعجز أي قصَّار في الأرض أن يأتي بمثل بياضها (٤) وتراءى لهم إيليا وموسى، وكانا يُكالمان يسوع، (٥) فقال بطرس ليسوع: «رابي (يا معلم) حسن أن نكون ها هنا، فلو نصبنا ثلاث مظال، واحدة لك وواحدة لموسى، وواحدة لإيليا.» (٦) ولم يكن يدري ما يقول لما استولى عليهم من الخوف (٧) وإذا غمامٌ قد ظللهم، وصوتٌ من الغمام يقول: «هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا.»

(٨) فأجالوا الطرف فورًا فيما حولهم، فلم يروا معهم إلا يسوع وحده. (٩) وبينما هم نازلون من الجبل، أوصاهم ألا يخبروا أحدًا بما رأوا، إلا متى قام ابن الإنسان من بين الأموات (١٠) فحفظوا كلمته وأخذوا يتساءلون: «ما معنى قام من بين الأموات؟» (١١) ثم سألوه: «لماذا يقول الكتبة إنه يجب أن يأتي إيليا أولًا؟» (١٢) فقال لهم: «أجل، يأتي إيليا أولًا ويصلح كل شيء، فكيف كُتب في مصير ابن الإنسان، إنه سيعاني آلامًا شديدة ويُزدَرى؟ (١٣) على أني أقول لكم: إن إيليا قد أتى، وفعلوا به على هواهم كما كُتب في شأنه.»

طرد الشيطان عن صبي مُصاب بالصرع

(١٤) ولما لحقوا بالتلاميذ، رأوا جمعًا كبيرًا حولهم وبعض الكتبة يجادلونهم (١٥) فما أبصره الجمع حتى دهشوا كلهم وسارعوا إلى السلام عليه. (١٦) فسألهم: «فيمَ تجادلونهم؟» (١٧) فأجابه رجل من الجمع: «يا معلم أتيتك بابني فيه روح أبكم؟ (١٨) حيثما أخذه يصرعه فيزبد الصبي ويصرف بأسنانه ويتشنج وقد سألت تلاميذك أن يطردوه، فلم يستطيعوا.» (١٩) فأجابهم: «أيها الجيل الكافر حتامَ أبقى معكم؟ وإلامَ أحتملكم؟ عليَّ به!» (٢٠) فأتوا به فما إن رآه الروح حتى خبطه، فوقع إلى الأرض يتمرغ ويزبد. (٢١) فسأل أباه: «منذ كم يحدث له هذا؟» قال: «منذ طفولته (٢٢) وكثيرًا ما ألقاه في النار أو في الماء ليهلكه، فإذا كنتَ تستطيع شيئًا فاشفق علينا وأعنَّا.» (٢٣) فقال له يسوع: «أتقول إذا كنت تستطيع؟ إن المؤمن يستطيع كل شيء.» (٢٤) فصاح أبو الصبي من ساعته: «آمنت فشدد إيماني الضعيف!» (٢٥) ورأى يسوع الجمع يزدحمون فانتهر الروح النجس وقال له: «أيها الروح الأخرس الأصم، أنا آمرك، اخرج منه ولا تعد إليه.» (٢٦) فصرخ وخبطه خبطًا عنيفًا وخرج منه، فعاد الصبي كالميت، حتى قال أكثر الناس إنه قد مات. (٢٧) فأخذ يسوع بيده وأنهضه فقام، (٢٨) ولما دخل الدار، خلا به تلاميذه وسألوه: «لماذا لم نستطع نحن أن نطرده؟» (٢٩) فقال لهم: «إن هذا الجنس لا يُطرد إلا بالصلاة.»

يسوع ينبئ مرة ثانية بموته

(٣٠) ومضوا من هناك فمروا بالجليل، ولم يرد أن يعلم به أحد (٣١) لأنه كان يُعلم تلاميذه فيقول لهم: «إن ابن الإنسان سيُسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وبعد قتله بثلاثة أيام يقوم.» (٣٢) فلم يفهموا هذا الكلام، وهابوا أن يسألوه عنه.

الأكبر في ملكوت الله

(٣٣) ثم وصلوا إلى كفر ناحوم فلما دخل الدار سألهم: «فيمَ كنتم تتجادلون في الطريق؟» (٣٤) فأطرقوا لأنهم كانوا في الطريق يتجادلون فيمن هو الأكبر. (٣٥) فجلس ودعا الاثني عشر وقال لهم: «من أراد أن يكون أول القوم، فليكن آخرهم جميعًا وخادمهم.» (٣٦) ثم أخذ بيد طفل فأقامه وسطهم وضمه إلى صدره وقال لهم: (٣٧) «من قَبِل واحدًا من هؤلاء الأطفال إكرامًا لاسمي، فإياي قَبِل، ومن قبلني فما إياي قَبِل، بل الذي أرسلني.»

(٣٨) فقال له يوحنا: «يا معلم رأينا رجلًا يطرد الشياطين باسمك وهو ليس يتبعنا، فمنعناه لأنه لا يتبعنا.» (٣٩) فقال يسوع: «لا تمنعوه فما من أحد يجري معجزة باسمي يسيء بعدها القول فيَّ (٤٠) ومن لم يكن علينا كان معنا.»

المحبة للتلاميذ

(٤١) «ومن سقاكم كوب ماء على أنكم المسيح فإن أجره، الحق أقول لكم، لن يضيع.»

الويل لمسببي الخطايا

(٤٢) «ومن عرَّض هؤلاء الصغار المؤمنين للخطيئة، فأولى به أن تُعلق الرحى في عنقه ويلقى في البحر (٤٣) وإن دعتك يدك إلى الخطيئة فاقطعها، خير لك أن تدخل الحياة وأنت أقطع اليد من أن يكون لك يدان وتذهب إلى جهنم، إلى نار لا تُطفأ. (٤٤) حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ، (٤٥) وإذا دعتك رجلك إلى الخطيئة فاقطعها، خير لك أن تدخل الحياة وأنت أقطع الرجل من أن يكون لك رجلان وتُلقى في جهنم، (٤٦) حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ (٤٧) وإذا دعتك عينك إلى الخطيئة فاقلعها، خير لك أن تدخل ملكوت الله وأنت أعور من أن تكون لك عينان وتلقى في جهنم، (٤٨) حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ، (٤٩) لأن كل امرئ سيملح بالنار، (٥٠) الملح صالح، ولكن إذا فسد الملح فبماذا يملحونه؟ فليكن فيكم ملح وليسالم بعضكم بعضًا.»

الإصحاح العاشر

الزواج والطلاق

(١) ومضى من هناك، فجاء بلاد اليهودية وعبر الأردن، فاحتشدت لديه الجموع وأخذ يعلمهم على عادته، (٢) فدنا بعض الفريسيين وسألوه ليحرجوه: «أيحل للزوج أن يطلق امرأته؟» (٣) فأجابهم: «بماذا أوصاكم موسى؟» (٤) قالوا: «إن موسى رخص أن يكتب لها كتاب طلاق وتسرح.» (٥) فقال لهم يسوع: «من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية فمنذ بدء الخليقة،

(٦) جعلهما الله ذكرًأ وأنثى؛

(٧) ولذلك يترك الرجل أباه وأمه،

(٨) ويصير الاثنان جسدًا واحدًا،

فلا يكونان اثنين بل جسدًا واحدًا (٩) فلا يفرقنَّ الإنسان ما جمعه الله.» (١٠) وسأله التلاميذ في البيت عن ذلك، (١١) فقال لهم: «من طلق امرأته وتزوج غيرها زنى عليها (١٢) وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت غيره زنت.»

يسوع والأطفال

(١٣) وجيء إليه بأطفال ليضع يديه عليهم، فانتهرهم التلاميذ (١٤) ورأى يسوع ذلك فاستاء وقال لهم: «دعوا الأطفال يأتوا إليَّ، لا تمنعوهم فلمثل هؤلاء ملكوت الله. (١٥) الحق أقول لكم: من لم يقبل ملكوت الله كأنه طفل، لا يدخله.» (١٦) ثم قبلهم ووضع يديه عليهم مباركًا.

الشاب الغني

(١٧) ولما خرج إلى الطريق أسرع إليه رجل فجثا له وسأله: «أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟» (١٨) فقال له يسوع: «لِمَ تدعوني صالحًا، ليس أحدٌ صالحًا إلا واحد، وهو الله، (١٩) أنت تعرف الوصايا:

لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تظلم، أكرم أباك.»

(٢٠) فقال له: «يا معلم، هذا كله حفظت منذ صباي.» (٢١) فحدق إليه يسوع فأحبه فقال له: «واحدةٌ تعوزك، اذهب فبع كل شيء تملكه وتصدق بثمنه على الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعالَ فاتبعني».

(٢٢) فاغتم لهذا الكلام ومضى حزينًا؛ لأنه كان ذا مال كثير، (٢٣) فأجال يسوع طرفه وقال لتلاميذه: «ما أعسر دخول ملكوت الله على ذوي المال.» (٢٤) فدهش تلاميذه لكلامه فأعاد يسوع لهم الكلام قال: «يا بني ما أعسر دخول ملكوت الله! (٢٥) لأن يُدخل الجمل في سم الإبرة أيسر من أن يدخل الغني ملكوت الله.» (٢٦) فاشتد دهشم وقال بعضهم لبعض: «من تراه يستطيع أن يَخْلُص إذن؟» (٢٧) فحدَّق إليهم يسوع وقال: «هذا شيءٌ يعجز الناس ولا يعجز الله، إن الله على كل شيء قدير.»

جزاء من يبذل في سبيل يسوع

(٢٨) فأخذ بطرس يقول له: «قد تركنا نحن كل شيء وتبعناك.» (٢٩) فقال يسوع: «الحق أقول لكم: ما من أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أمًّا أو أبًا أو بنين أو حقولًا من أجلي وأجل البشارة، (٣٠) إلا نال في هذه الدنيا مائة ضعف من البيوت والإخوة والأخوات والأمهات والبنين والحقول مع الاضهطادات، وأما في الآخرة فينال الحياة الأبدية، (٣١) وكثير من الأولين يصيرون آخرين، والآخرون يصيرون أولين.»

يسوع ينبئ مرةً ثالثة بموته

(٣٢) وكانوا سائرين في الطريق صاعدين إلى أورشليم، وكان يسوع يتقدمهم، وقد استولى عليهم الدهش، أما الذين يتبعونه فكانوا خائفين، فخلا بالاثني عشر مرة أخرى، وأخذ ينبئهم بما سيحدث له قال: (٣٣) «إنا لصاعدون إلى أورشليم، وسيُسلَّم ابن الإنسان إلى الأحبار والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الوثنيين، (٣٤) فيسخرون منه، ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم.»

طلب ابني زبدي

(٣٥) ودنا إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي، فقالا له: «نسألك حاجة تقضيها لنا.» (٣٦) فقال لهما: «ما حاجتكما إليَّ؟» (٣٧) قالا له: «امنحنا أن يجلس أحدنا عن يمينك والآخر عن شمالك في مجدك.» (٣٨) فقال لهما يسوع: «إنكما لا تدركان ما تسألان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها أو تقبلا المعمودية التي سأقبلها؟» (٣٩) فقالا له: «نستطيع.» فقال لهما يسوع: «أجل، الكأس التي أشربها سوف تشربانها، والمعمودية التي أقبلها سوف تقبلانها. (٤٠) وأما الجلوس عن يميني أو شمالي، فليس لي أن أمنحه، وإنما هو للذين أُعد لهم.»

السلطة خدمة

(٤١) وسمع العشرة ذلك الكلام فاغتاظوا من يعقوب ويوحنا، (٤٢) فدعاهم يسوع وقال لهم: «تعلمون أن الذين يعدون رؤساء الأمم يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها (٤٣) فلا يكن هذا فيكم بل من أراد أن يكون كبيرًا فيكم، فليكن لكم خادمًا (٤٤) ومن أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن للجميع عبدًا.

(٤٥) لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم، وليفدي بنفسه جماعةً كثيرة.»

شفاء أعمى في أريحا

(٤٦) ووصلوا إلى أريحا، وبينما هو خارجٌ من أريحا ومعه تلاميذه وجمع كبير، كان ابن تيماوس (برتيماوس) وهو شحاذ أعمى، جالسًا على جانب الطريق، (٤٧) فلما سمع بأنه يسوع الناصري، أخذ يصيح: «رُحماك يا يسوع ابن داود» (٤٨) فانتهره أناس كثيرون ليسكت فصاح أشد الصياح، «رحماك يا ابن داود» (٤٩) فوقف يسوع وقال: «ادعوه»، فدعوا الأعمى قالوا له: «تشدد وقم فإنه يدعوك.» (٥٠) فألقى عنه رداءه ووثب وجاء إلى يسوع (٥١) فقال له يسوع: «ما حاجتك إليَّ؟» قال له الأعمى: «يا سيدي أن أبصر.» فقال له يسوع: «اذهب! أبرأك إيمانك.» فأبصر من وقته وتبعه في سيره.

الإصحاح الحادي عشر

يسوع في أورشليم

يسوع يدخل أورشليم

(١) ولما قربوا من أورشليم، ووصلوا إلى بيت فاجي وبيت عنيا، عند جبل الزيتون، أرسل اثنين من تلاميذه، (٢) وقال لهما: «اذهبا إلى القرية تجاهكما، فما إن تدخلاها حتى تجدا جحشًا مربوطًا ركبه أحد، فحلا رباطه وائتيا به، (٣) فإن قال لكما قائل: لمَ تفعلان هذا؟ فقولا: السيد محتاج إليه، ثم يعيده إلى هنا.» (٤) فذهبا فوجدا جحشًا مربوطًا عند باب على الطريق فحلَّا رباطه، (٥) فقال لهما بعض الذين كانوا هناك: «ما بالكما تحلان رباط الجحش؟» فقالا لهم كما أمرهم يسوع فتركوهما. (٧) فجاءا بالجحش إلى يسوع ووضعا رداءَيهما عليه فركبه (٨) وبسط كثير من الناس أرديتهم على الطريق وفرش آخرون أغصانًا قطعوها من الحقول. (٩) وكان الذين يتقدمونه والذين يتبعونه يهتفون:

«حيوه!

تبارك الآتي باسم الرب!

(١٠) تباركت المملكة الآتية، مملكة أبينا داود!

هو شعنَّا في العلا!»

(١١) ودخل أورشليم فالهيكل، وتفقد كل شيء فيه، وكان الوقت قد فات، فخرج إلى بيت عنيا يصحبه الاثنا عشر.

يسوع يلعن التينة

(١٢) ولما خرجوا في الغد من بيت عنيا أحس الجوع (١٣) ورأى عن بعد تينة مورقة، فقصدها راجيًا أن يجد عليها ثمرًا، فلما وصل إليها، لم يجد عليها غير الورق؛ لأن وقت التين لم يكن قد حان، (١٤) فخاطبها قال: «لا يأكلن أحدٌ تمرًا منك إلى الأبد!» وسمع تلاميذه ما قال.

طرد الباعة من الهيكل

(١٥) ثم وصلوا إلى أورشليم فدخل الهيكل، وأخذ يطرد الذين يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب مناضد الصيارفة ومقاعد باعة الحمام، (١٦) ولم يدع حامل متاع يمر من داخل الهيكل (١٧) وأخذ يعلمهم فيقول: «ألم يُكتب:

بيتي لجميع الأمم بيت الصلاة يُدعى،

وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.»

(١٨) فسمع الأحبار والكتبة، فجعلوا يبحثون كيف يُهلكونه، وكانوا يخافون لأن الجمع كله كان معجبًا بتعليمه.

قوة الصلاة بإيمان

(١٩) وعند المساء مضى إلى خارج المدينة (٢٠) وبينما هم راجعون في الصباح، رأوا التينة قد يبست من أصلها، (٢١) فتذكر بطرس كلامه فقال له: «رابي، إن التينة التي لعنتها قد يبست.» (٢٢) فقال لهم يسوع: «آمنوا بالله، (٢٣) الحق أقول لكم، من قال لهذا الجبل: قم فاهبط في البحر وهو لا يشك في قلبه، بل يؤمن بأن ما يقوله سيكون، تم له ذلك (٢٤) ولهذا أقول لكم كل شيء تطلبونه في الصلاة، آمنوا بأنكم قد نلتموه، يتم لكم (٢٥) وإذا قمتم للصلاة، وكان لكم شيء على أحد أعفوه منه، لكي يعفو عن زلاتكم أبوكم الذي في السموات (٢٦) وإن لم تغفروا لا يغفر لكم أبوكم الذي في السموات زلاتكم.»

سلطة يسوع

(٢٧) وعادوا إلى أورشليم وبينما هو يسير في الهيكل جاء إليه الأحبار والكتبة والشيوخ (٢٨) فقالوا له: «بأي سلطان تفعل هذا؟ بل من أولاك ذلك السلطان لتفعل هذا؟» (٢٩) فقال لهم يسوع: «أسألكم سؤالًا واحدًا فأجيبوني ثم أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا. (٣٠) أمن السماء جاءت معمودية يوحنا أم من الناس؟» فقالوا في أنفسهم: «إن قلنا من السماء يقول: فلِمَ لم تؤمنوا به؟ (٣٢) أفنقول من الناس؟» وكانوا يخافون الجمع؛ لأن الناس كلهم كانوا يعدون يوحنا نبيًّا حقًّا. (٣٣) فأجابوا يسوع: «لا ندري.» فقال لهم يسوع: «وأنا لا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا.»

الإصحاح الثاني عشر

مَثَل الكرَّامين القتلة

(١) وشرع يضرب لهم الأمثال قال: «غرس رجل كرمًا فسيجه، وحفر فيه معصرة وبنى برجًا، وآجره بعض الكرَّامين ثم سافر، (٢) فلما حان وقت الثمر، أرسل عبدًا إلى الكرَّامين، ليأخذ منهم نصيبه من ثمر الكرم (٣) فأمسكوه وضربوه وأرجعوه فارغ اليدين (٤) فأرسل عبدًا آخر، وهذا أيضًا شجوا رأسه وشتموه، فأرسل آخر وهذا قتلوه (٥) ثم أرسل كثيرين غيرهم، فضربوا فريقًا وفريقًا قتلوا، (٦) فبقي عنده واحد وهو ابنه الحبيب، فأرسله إليهم آخر الأمر وقال: «سيهابون ابني.» (٧) فقال أولئك الكرَّامون بعضهم لبعض: «هو ذا الوارث، هلم نقتله، فيعود الميراث إلينا.» (٨) فأمسكوه وقتلوه وألقوه في خارج الكرم، (٩) فماذا يفعل رب الكرم؟ يأتي ويهلك الكرَّامين ويجعل الكرم لآخرين، (١٠) أوَمَا قرأتم هذه الآية:

«الحجر الذي رذله البناءُون

هو الذي صار رأس الزاوية.

(١١) ذاك صنع ربنا

كان عجبًا لأبصارنا.»

(١٢) فحاولوا أن يمسكوه، ولكنهم خافوا الجمع، وكانوا قد أدركوا أنه يُعرِّض بهم في هذا المثل، فتركوه ومضوا.»

أداء الجزية لقيصر

(١٣) ثم أرسلوا إليه أناسًا من الفريسيين والهيرودسيين ليصطادوه بكلمة، (١٤) فجاءوه وقالوا له: «يا معلم، عهدناك صادقًا لا تبالي أحدًا؛ لأنك لا تراعي مقام العظماء، بل تهدي الناس سبيل الله هداية صدق، أيحِلُّ دفع الجزية إلى قيصر أم لا؟» (١٥) ففطن لريائهم فقال لهم: «لماذا تحاولون إحراجي؟ هاتوا دينارًا لآراه.» (١٦) فأتوا به، فقال لهم: «لمن الصورة هذه؟ والكتابة؟» قالوا: «لقيصر.» (١٧) فقال لهم: «أعطوا لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله.» فدهشوا منه.

قيامة الموتى

(١٨) وجاء إليه بعض الصدوقين وهم الذين ينكرون القيامة، فسألوه: (١٩) «يا معلم إن موسى قد كتب علينا:

«إذا مات لامرئ أخ فترك امرأته ولم يخلف ولدًا، فليأخذ أخوه المرأة ويقم نسلًا لأخيه.» (٢٠) وكان هناك سبعة إخوة، فأخذ الأول امرأة ثم مات ولم يخلف نسلًا، (٢١) فأخذها الثاني ثم مات ولم يخلف نسلًا، ومثلهما الثالث، (٢٢) ولم يخلف أحدٌ من السبعة نسلًا، ثم ماتت المرأة من بعدهم جميعًا (٢٣) فلمن تكون في القيامة المرأة حين يقومون؟ لأنها كانت لكلٍّ من السبعة.»

(٢٤) فقال لهم يسوع: «أنتم في ضلال؛ لأنكم تجهلون الكتب وقدرة الله، (٢٥) فعندما يقومون من بين الأموات لا يتزوج الرجال ولا تزوج النساء، وإنما هم كالملائكة في السموات، (٢٦) وأما أن الأموات يقومون، أفما قرأتم في كتاب موسى عند ذكر العليقة، كيف كلَّمه الله فقال:

أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب.

(٢٧) وما كان إله أموات، بل إله أحياء، فأنتم في ضلالٍ كبير.»

أولى الوصايا

(٢٨) فدنا إليه أحد الكتبة، وكان قد سمعهم يجادلونه ورأى أنه أحسن الرد عليهم، فسأله: «ما هي الوصية الأولى في الوصايا كلها؟» (٢٩) فأجاب يسوع: «الوصية الأولى هي:

«اسمع يا إسرائيل: إن الله ربنا رب أحد، (٣٠) فأحبب الله ربك بجميع قلبك وجميع نفسك وجميع ذهنك وجميع قدرتك.»

(٣١) والثانية هي: «أحبب قريبك حبك لنفسك.»

ولا وصية أخرى أكبر من هاتين.»

(٣٢) فقال له الكاتب: «أحسنت يا معلم، لقد أصبت إذ قلت: إنه الأحد وليس من دونه آخر، (٣٣) وأن يحبه الإنسان بجميع قلبه وجميع ذهنه وقدرته، وأن يحب قريبه حبه لنفسه أفضل من كل محرقة وذبيحة.»

(٣٤) فلما رأى يسوع أنه أجاب بفطنة قال له: «لستَ بعيدًا عن ملكوت الله.» ولم يجرؤ أحدٌ بعدئذٍ أن يسأله عن شيء.

يسوع ابن داود وربه

(٣٥) وتكلم يسوع وهو يعلم في الهيكل قال: «كيف يقول الكتبة إن المسيح هو ابن داود؟ (٣٦) وداود نفسه قال بوحي من الروح: «قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك تحت قدميك.»

(٣٧) فداود نفسه يدعوه ربًّا، فكيف يكون ابنه؟» وكان من الناس جمع كبير يصغي إليه مسرورًا.

يسوع يحذر من الكتبة

(٣٨) وقال في تعليمه: «إياكم والكتبة، يحبون المشي بالجبب، وتَلَقي التحيات في الساحات، وصدور المجالس في المجامع، والمقاعد الأولى في المآدب. (٤٠) يأكلون بيوت الأرامل، وهم يظهرون أنهم يطيلون الصلاة. هؤلاء سينالهم العقاب الأشد.»

الأرملة الفقيرة

(٤١) وقعد يسوع قبالة الخزانة ينظر كيف يُلقي الجمع في الخزانة نقودًا من نحاس، فألقى كثير من الأغنياء شيئًا كثيرًا. (٤٢) ثم جاءت أرملة فقيرة فألقت فلسين (أي ربع آس)، (٤٣) فدعا تلاميذه وقال لهم: «الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة، (٤٤) لأنهم كلهم ألقوا من الفاضل عن حاجاتهم، وأما هي فإنها من حاجتها ألقت كل ما تملك، كل رزقها.»

الإصحاح الثالث عشر

نبوءة يسوع عن خراب الهيكل

(١) ولما خرج من الهيكل قال له أحد التلاميذ: «يا معلم انظر! يا لها من حجارة! ويا لها من أبنية!» (٢) فقال له يسوع: «أترى هذه الأبنية العظيمة؟ لن يبقى منها حجر على حجر، بل يُنقض كله.»

نهاية العالم

(٣) وبينما هو جالسٌ في جبل الزيتون قبالة الهيكل، انفرد به بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس وسألوه: (٤) «قل لنا متى يكون هذا، وما هي العلامة عندما يوشك هذا كله أن يتم؟» (٥) فشرع يسوع يقول لهم: إياكم أن يُضلكم أحد، (٦) فسوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي فيقولون: أنا هو! ويُضلون أناسًا كثيرين، (٧) فإذا سمعتم بالحروب، وبما يُشاع عن الحروب فلا تجزعوا، فإنه لا بد من حدوث ذلك، ولكن ليست هي الآخرة، (٨) ستقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتحدث زلازل هنا وهناك، وتقع مجاعات، وهذا بدء المخاض، (٩) فخذوا حذركم، ستُسلَّمون إلى المجالس وتُجلدون في المجامع وتُساقون إلى الحكام والملوك من أجلي لتشهدوا لديهم، (١٠) ويجب أن تعلن البشارة من قبل إلى جميع الأمم، (١١) فإذا ساقوكم ليُسلموكم، فلا يهمنكم كيف تتكلمون، بل تكلموا بما يلقى إليكم في وقته؛ لأنكم لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس. (١٢) سيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ابنه، ويثور الأبناء لديهم ويقتلونهم، (١٣) ويبغضكم جميع الناس من أجل اسمي، ومن يثبت إلى النهاية فذاك الذي يخلص، (١٤) وإذا رأيتم أشنع الخراب نازلًا حيث لا ينبغي أن يكون، (ليفهم القارئ) فليهرب إلى الجبال من كان يومئذٍ في اليهودية، (١٥) ومن كان على السطح فلا ينزل إلى البيت ليأخذ منه شيئًا، (١٦) ومن كان في الحقل، فلا يرتد إلى الوراء ليأخذ ردءاه، (١٧) الويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام، (١٨) صلوا لئلا يحدث ذلك في الشتاء، (١٩) فستنزل في تلك الأيام نازلة لم يحدث مثلها منذ إنشاء الخليقة إلى اليوم ولن يحدث، (٢٠) ولو لم يجعل الرب تلك الأيام قصيرة، لما نجا أحدٌ من البشر، ولكن من أجل المختارين الذين اصطفاهم قصَّر الأيام، (٢١) فإذا قال لكم قائل: «ها هو ذا المسيح هنا، ها هو ذا هناك!» فلا تصدقوه، (٢٢) فسيظهر مسحاء دجالون وأنبياء كذابون يأتون بآيات وأعاجيب، ولو استطاعوا لأضلوا المختارين، (٢٣) أما أنتم فاحذروا، فقد أنبأتكم كل شيء، (٢٤) وفي تلك الأيام بعد هذه الشدة، تظلم الشمس ويفقد القمر ضوءَه، (٢٥) وتتساقط النجوم من السماء، وتتزعزع الأجرام في السماء، (٢٦) وحينئذٍ يرى الناس ابن الإنسان آتيًّا في الغمام وله العزة والجلال، (٢٧) فيرسل ملائكته ويجمع مختاريه من جهات الرياح الأربع، من أقصى الأرض إلى أقصى السماء.

مثل التينة

(٢٨) خذوا من التينة عبرة: فإذا لانت أغصانها ونبتت أوراقها أدركتم أن الصيف قريب. (٢٩) وكذلك إذا رأيتم هذا كله قد حدث، فاعلموا أنه قريب على الأبواب. (٣٠) الحق أقول لكم: لن يزول هذا الجيل حتى يتم هذا كله. (٣١) السماء والأرض تزولان وكلامي لن يزول.

السهر الدائم

(٣٢) وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فما من أحد يعلمهما: لا الملائكة في السماء، ولا الابن إلا الآب، (٣٣) فاحذروا واسهروا؛ لأنكم لا تعلمون متى تأتي الساعة (٣٤) فمثل ذلك كمثل رجل سافر وترك بيته، وفوَّض الأمر إلى عبيده، كل واحد وعمله، وأوصى البواب بالسهر، (٣٥) فاسهروا إذن، لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أفي المساء أم في منتصف الليل أم عند صياح الديك أم في الصباح، (٣٦) لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا، (٣٧) وما قلته لكم أقوله للناس أجمع، أي اسهروا.

الإصحاح الرابع عشر

آلام يسوع وموته وقيامته

ائتمار الأحبار بيسوع

(١) وكان وقوع الفصح والفطير بعد يومين، وكان الأحبار يتلمسون حيلة يمسكونه بها فيقتلونه؛ (٢) لأنهم قالوا: «لا نفعل ذلك في العيد، مخافة حدوث اضطراب في الشعب.»

دهن يسوع بالطيب في بيت سمعان الأبرص

(٣) وبينما هو في بيت عنيا عند سمعان الأبرص، وقد جلس للطعام، جاءت امرأة بيدها قارورة من طيب الناردين الخالص الثمين، فكسرت القارورة وأفاضته على رأسه، (٤) فداخل الاستياء بعضهم وتهامسوا: «لمَ هذا الإسراف في الطيب؟ (٥) فقد كان يُمكن بيع هذا الطيب بأكثر من ثلاثمائة دينار والتصدق بها على الفقراء.» وأخذوا يؤنبونها، (٦) فقال يسوع: «دعوها، لماذا تُعَنِّتونها؟ فقد عملت لي عملًا صالحًا، (٧) أما الفقراء فهم عندكم دائمًا أبدًا، ومتَّى شئتم، أمكنكم أن تحسنوا إليهم، وأما أنا فلست عندكم دائمًا أبدًا، (٨) وقد عملت لي ما في وسعها، فطيبت جسدي سالفًا للدفن (٩) الحق أقول لكم: حيثما تُعلن هذه البشارة في الأرض كلها، يُحدَّث أيضًا بما صنعت هذه، إحياءً لذكرها.»

(١٠) فذهب يهوذا الإسخريوطي، أحد الاثني عشر، إلى الأحبار ليسلمه إليهم، (١١) ففرحوا لسماع ذلك، ووعدوه بأن يعطوه شيئًا من الفضة، فأخذ يتربص به ليُسلِّمه.

عشاء الفصح

(١٢) وفي أول يوم من الفطير، اليوم الذي تُقرب فيه ذبيحة الفصح، قال له تلاميذه: «إلى أين تريد أن نمضي فنُعدَّ لك عشاء الفصح لتأكله؟» (١٣) فأرسل اثنين من تلاميذه، وقال لهما: «اذهبا إلى المدينة، فيلقاكما رجل يحمل جرة ماء فاتبعاه، (١٤) وقولا لرب البيت حيث يدخل: يقول المعلم: أين غرفتي التي آكل فيها عشاء الفصح مع تلاميذي؟ (١٥) فيريكما عُلِّيَّة كبيرة مفروشة مُهيأة، فأعِدَّاه لنا هناك.» (١٦) فذهب التلميذان وأتيا المدينة، فوجدا كما قال لهما وأعدا عشاء الفصح.

(١٧) ولما كان المساء، جاء مع الاثني عشر (١٨) وبينما هم على الطعام يأكلون، قال يسوع: «الحق أقول لكم: إن واحدًا منكم سيسلمني، وهو يأكل معي.» (١٩) فاستولى عليهم الحزن وأخذ يسأله الواحد بعد الآخر: «أأنا هو؟» (٢٠) فقال لهم: «إنه واحدٌ من الاثني عشر، وهو الذي يغمس يده في القصة معي، (٢١) وابن الإنسان ماضٍ كما كُتب في مصيره، ولكن الويل لذلك الإنسان الذي يُسلم ابن الإنسان، فلو لم يولد ذلك الإنسان لكان خيرًا له.»

تقديس الخبز والخمر

(٢٢) وبينما هم يأكلون، أخذ خبزًا وبارك ثم كسره وناولهم وقال: «خذوا هذا هو جسدي.»

(٢٣) ثم أخذ كأسًا وشكر وناولهم، فشربوا منها كلهم، (٢٤) وقال لهم:

«هذا هو دمي، دم العهد،

يُراق من أجل جماعة كثيرة.

(٢٥) الحق أقول لكم: لا أشرب بعدُ من عصير الكرمة، حتى يأتي يوم فيه أشربه خمرًا جديدًا في ملكوت الله.» (٢٦) ثم سبَّحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون.

يسوع ينبئ بإنكار بطرس

(٢٧) فقال لهم يسوع: «ستشكون فيَّ بأجمعكم في هذه الليلة، لأنه كُتب: «سأضرب الراعي فتتبدد الخراف.»

(٢٨) ولكن، بعد قيامتي، أتقدمكم إلى الجليل.» (٢٩) فقال له بطرس: «لو شكوا بأجمعهم، فأنا لن أشك.»

(٣٠) فقال له يسوع: «الحق أقول لك: اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين، تنكرني ثلاث مرات.» (٣١) فقال مؤكدًا: «لست بناكرك وإن قُضي عليَّ بأن أموت معك.» وهكذا قالوا كلهم.

في بستان الزيتون

(٣٢) ووصلوا إلى ضيعة يقال لها جتسمانية، فقال لتلاميذه: «اقعدوا هنا ريثما أصلي.» (٣٣) ثم مضى ببطرس ويعقوب ويوحنا، وجعل يستشعر رهبة وكُربة، (٣٤) فقال لهم: «نفسي حزينة حتى الموت، امكثوا هنا واسهروا.» (٣٥) ثم ابتعد قليلًا ووقع على الأرض يصلي لتبتعد عنه الساعة، إن أمكن، (٣٦) قال: «يا أبتاه، إنك على كل شيء قدير، فاصرف عني هذه الكأس، ولكن لا كما أنا أشاء بل كما أنت تشاء.» (٣٧) ثم رجع فوجدهم نيامًا، فقال لبطرس: «يا سمعان أتنام ولا تطيق السهر ساعة واحدة؟ (٣٨) اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة، الروح متحمس وأما الجسد فضعيف.» (٣٩) ثم مضى ثانية يصلي فيردد الكلام نفسه، (٤٠) ورجع أيضًا فوجدهم نيامًا؛ لأن النعاس أثقل أعينهم ولم يدروا بماذا يجيبونه، (٤١) ورجع ثالثةً فقال لهم: «ناموا الآن واستريحوا! قُضي الأمر وأتت الساعة، إن ابن الإنسان سيسلم إلى أيدي الخاطئين، (٤٢) قوموا ننطلق، قد اقترب الذي يُسلِّمني.»

(٤٣) وبينما هو يتكلم، إذ وصل يهوذا أحد الاثني عشر على رأس عصابة كثيرة العدد تحمل السيوف والعصي أرسلها الأحبار والكتبة والشيوخ، (٤٤) وكان الذي أسلمه قد جعل لهم علامة إذ قال: «هو ذاك الذي أقبله فأمسكوه وسوقوه محفوظًا.»

(٤٥) وما إن وصل حتى دنا منه فقال له: «رابي!» (يا معلم) وقبَّله، (٤٦) فبسطوا أيديهم إليه وأخذوه، (٤٧) فاستل أحد الحاضرين سيفه، وضرب عبد عظيم الأحبار فقطع أذنه، فقال لهم يسوع: «أعلى لص خرجتم تحملون السيوف والعصي لتأخذوني؟ (٤٩) كنت كل يوم بينكم أعلِّم في الهيكل فلم تأخذوني، وإنما حدث هذا لتتم الكتب.» (٥٠) فتركوه كلهم وهربوا! (٥١) وتبعه شاب ليس عليه غير إزار فأمسكوه (٥٢) فتخلى عن الإزار وهرب عُريانًا.

يسوع في المجلس

فذهبوا بيسوع إلى عظيم الأحبار، فاجتمع الأحبار والشيوخ والكتبة كلهم، (٥٤) وتبعه بطرس عن بُعدٍ إلى دار عظيم الأحبار، وقعد مع الحرس يستدفئ عند النار، (٥٥) وكان الأحبار والمجلس كافة يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا، (٥٦) ذلك بأن أناسًا كثيرين كانوا يشهدون عليه زورًا فلا تتفق شهاداتهم، (٥٧) ثم قام بعضهم وشهدوا عليه زورًا قالوا: (٥٨) «قد سمعناه يقول: سأنقض هذا الهيكل الذي صنعته الأيدي، وأبني في ثلاثة أيام هيكلًا آخر لم تصنعه الأيدي.» (٥٩) وهذا أيضًا لم تتفق عليه شهاداتهم، (٦٠) فقام عظيم الأحبار في وسط المجلس وسأل يسوع: «أما تجيب بشيء؟ ما هذا الذي يشهد به هؤلاء عليك؟» (٦١) فظل صامتًا ولم يجب بشيء، فسأله أيضًا عظيم الأحبار: «أأنت المسيح ابن المبارك؟» (٦٢) فقال يسوع: «أنا هو، وسوف ترون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القدرة، وآتيًا على غمام السماء.»

(٦٣) فشق عظيم الأحبار ثيابه، وقال: «أي حاجة بنا إلى الشهود، (٦٤) وقد سمعتم الكفر؟ فما قولكم؟» فأجمعوا على الحكم بأنه يستوجب الموت، (٦٥) وأخذ بعضهم يبصقون عليه، ويقنِّعون وجهه ويلطمونه ويقولون: «تنبأ!» وانهال الحرس عليه بالضرب.

إنكار بطرس ليسوع

(٦٦) وبينما بطرس في الساحة السفلى من الدار، جاءت جارية من جواري عظيم الأحبار، (٦٧) فرأت بطرس يستدفئ فتفرست فيه وقالت: «أنت أيضًا كنت مع الناصري، مع يسوع» (٦٨) فأنكر قال: «لا أدري ولا أفهم ما تقولين.» وانسل إلى خارج الدار نحو الدهليز، (٦٩) فأبصرته الجارية فأخذت تقول للحاضرين: «هذا منهم!» (٧٠) فأنكر ثانيًا وبعد قليل، قال الحاضرون أيضًا لبطرس: «حقًّا أنت منهم لأنك جليلي.» (٧١) فأخذ يلعن ويحلف «إني لا أعرف هذا الرجل الذي تعنون.» (٧٢) فصاح الديك عندئذٍ مرةً ثانية، فتذكر بطرس قول يسوع: «قبل أن يصيح الديك مرتين، تنكرني ثلاث مرات.» وأخذ يبكي.

الإصحاح الخامس عشر

يسوع عند بيلاطس

(١) وما إن أسفر الصبح حتى اجتمع للشورى الأحبار والشيوخ والكتبة أي المجلس كله، ثم أوثقوا يسوع وساقوه وأسلموه إلى بيلاطس، (٢) فسأله بيلاطس: «أأنت ملك اليهود؟» فأجابه: «أنت تقول.» (٣) وكان الأحبار يتهمونه اتهامات كثيرة، (٤) فسأله بيلاطس ثانية: «أما تجيب بشيء؟ انظر كثرة التهم التي تُلقى عليك.» (٥) ولكن يسوع لم يجب بشيء حتى تعجَّب بيلاطس، (٦) وكان في كل عيد يطلق لهم سجينًا أي واحد طلبوا، (٧) وكان رجل يدعى باراباس مسجونًا مع المشاغبين الذين اجترموا القتل في فتنة، (٨) فصعد الجمع وأخذوا يطلبون ما تعوَّدوا أن يمنحهم، (٩) فأجابهم بيلاطس: «أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود؟» (١٠) لأنه كان يعلم أن الأحبار من حسدهم أسلموه، (١١) فأثار الأحبار الجمع لكي يختاروا إطلاق باراباس، (١٢) فخاطبهم بيلاطس ثانيًا قال: «فماذا أفعل بالذي تدعونه ملك اليهود؟» (١٣) فعادوا للصياح: «اصلبه!» (١٤) فقال لهم بيلاطس: «أية جريمة اقترف؟» فبالغوا في الصياح: «اصلبه!» (١٥) وأراد بيلاطس أن يُرضي الجمع، فأطلق لهم براباس، وبعدما جُلد يسوع أسلمه ليصلب.

إكليل من شوك على رأس يسوع

(١٦) فساقه الجنود إلى دار الحاكم، فألَّبوا عليه السرية كلها، (١٧) وألبسوه أرجوانًا، وكللوه بإكليل ضفروه من الشوك، (١٨) وأخذوا يحيونه فيقولون: «السلام عليك يا ملك اليهود!» (١٩) ويضربونه بقصبة على رأسه ويبصقون عليه، ويجثون له ساجدين، (٢٠) وبعد ما سخروا منه نزعوا عنه الأرجوان، وألبسوه ثيابه وخرجوا به ليصلبوه.

الصلب

(٢١) وسخَّروا لحمل صليبه أحد المارة، سمعان القيريني أبا إسكندر وروفس، وكان راجعًا من الحقل، (٢٢) وساروا به إلى المكان المعروف بالجلجلة، أي مكان الجمجمة، (٢٣) وقدموا إليه خمرًا ممزوجة بمرٍّ فلم يتناولها، (٢٤) ثم صلبوه واقتسموا ثيابه، مقترعين على ما يصيب كلًّا منهم، (٢٥) وكانت الساعة الثالثة حين صلبوه، (٢٦) وكُتب في عنوان الحكم عليه: «ملك اليهود» (٢٧) وصلبوا معه لصين، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، (٢٨) فتمت الآية التي جاء فيها: وأُحصي مع مجرمين، (٢٩) وكان المارة يشتمونه ويهزون رءوسهم ويقولون: «يا أيها الذي ينقض الهيكل ويبنيه في ثلاثة أيام، (٣٠) خلِّص نفسك وانزل عن الصليب.» (٣١) وكان الأحبار والكتبة يسخرون مثلهم فيقول بعضهم لبعض: «خلَّص غيره ولا يقدر أن يخلص نفسه! (٣٢) فلينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصليب لنرى ونؤمن.» وكان اللصان المصلوبان معه هما أيضًا يُعيِّرانه.

موت يسوع

(٣٣) ولما بلغت الساعة السادسة انتشر ظلام على الأرض كلها حتى الساعة التاسعة، (٣٤) وصرخ يسوع في الساعة التاسعة صرخةً شديدة، قال:

ألوي، ألوي، لِما شبقتني؟

(٣٥) (أي إلهي إلهي، لماذا تركتني؟) فسمع بعض الحاضرين فقالوا: «إنه يدعو إيليا!» (٣٦) فأسرع واحد منهم إلى إسفنجة وبللها بالخل وجعلها على طرف قصبة، وقربها ليشرب وهو يقول: «دعونا ننظر هل يأتي إيليا فينزله.» (٣٧) وصرخ يسوع صرخة شديدة ولفظ الروح، (٣٨) فانشق ستار الهيكل شطرين من أعلى إلى أسفل، (٣٩) وأما قائد المائة، وكان واقفًا تجاهه، فإنه لما رآه قد لفظ الروح هكذا، قال: «كان هذا الرجل ابن الله حقًّا!» وكان جماعة من النساء ينظرن عن بعد، فيهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي، وسالومة، (٤١) وهن اللوتي تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل، وغيرهن كثيرات صعدن معه إلى أورشليم.

دفن يسوع

(٤٢) وكان المساء قد أقبل وهو وقت التهيئة أي عشية السبت، (٤٣) فجاء يوسف الرامي، وهو عضو وجيه في المجلس، وكان من الذين ينتظرون ملكوت الله، فحملته الجرأة على أن يدخل إلى بيلاطس ويطلب جسد يسوع، (٤٤) فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعًا، فدعا قائد المائة وسأله: «أوَقد مات؟» (٤٥) فلما تحقق الخبر من القائد، سمح بالجثة ليوسف، (٤٦) فاشترى يوسف كفنًا ثم أنزل يسوع عن الصليب، فكفَّنه ووضعه في قبر كان محفورًا في الصخر، ثم دحرج حجرًا على باب القبر، (٤٧) وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي تنظران أين وضع.

الإصحاح السادس عشر

القيامة

(١) ولما انقضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة طيبًا ليأتين فيُطيبنه، (٢) وفي غداة يوم الأحد جئن إلى القبر وقد طلعت الشمس، (٣) وكان يقول بعضهن لبعض: «من تراه يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟» (٤) فنظرن فرأين أن الحجر قد دُحرج، وكان كبيرًا جدًّا، (٥) فدخلن القبر فأبصرن شابًّا جالسًا عن اليمين عليه حلة بيضاء فارتعبن، (٦) فقال لهن: «لا ترتعبن! أنتن تطلبن يسوع الناصري الذي صُلب، إنه قام وليس هنا، وهذا هو المكان الذي وُضع فيه (٧) فاذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس: إنه يتقدمكم إلى الجليل، فترونه هناك كما أنبأكم.» (٨) فخرجن من القبر هاربات، لما أخذهن من الرعدة والدهش، ولم يخبرن أحدًا بشيء لأنهن كن خائفات.

ترائي يسوع

(٩) قام يسوع صباح الأحد، فتراءى أولًا لمريم المجدلية، تلك التي أخرج منها سبعة شياطين، (١٠) فمضت وأخبرت تلاميذه، وكانوا في مناحة ونحيب، (١١) فلما سمعوا أنه حي وأنها شاهدته لم يصدقوها، (١٢) وتراءى بعد ذلك بهيئة أخرى لاثنين منهم كانا في الطريق، ذاهبين إلى إحدى القرى، (١٣) فرجعا وأخبرا الآخرين فلم يصدقوهما أيضًا، (١٤) وتراءى آخرًا للأحد عشر أنفسهم، وهم على الطعام، فوبخهم بقلة إيمانهم وقساوة قلوبهم؛ لأنهم لم يصدقوا الذين رأوه بعدما قام، (١٥) ثم قال لهم: «اذهبوا في الأرض كلها، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين، (١٦) فمن آمن واعتمد يخلُص، ومن لم يؤمن يُقض عليه، (١٧) والذين يؤمنون تصحبهم هذه الآيات: فباسمي يطردون الشياطين، ويتكلمون بلغات مختلفة، (١٨) ويمسكون بأيديهم الحيات، وإن شربوا شرابًا قاتلًا لا يؤذيهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيتعافون.»

(١٩) وبعدما كلَّمهم الرب يسوع، رُفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله.

(٢٠) فذهب أولئك يُبشرون في كل مكان، والرب يعينهم ويؤيد كلامه بما يصحبه من الآيات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤