اعترافات مثيرة

لم يكن الشبح سوى «ناعسة» الفتاة الصغيرة الفقيرة … نفس الفتاة التي حملت إليهم إنذار العصابة … أو الشخص المجهول الذي يُهمُّه الاستيلاء على أبحاث الدكتور «أدهم». وأمرها «محب» أن تمشي معه إلى العشة ولكنها رفضت، فجرَّها إلى هناك.

قال «محب» وأنفاسه تتسارع من المجهود الذي بذله: والآن لا بد أن تقولي لنا كل شيء … أين «نوسة» و«زنجر»؟! من هم الأشخاص الذين اختطفوهما؟ ومن الذي أعطاك الخطاب؟ … وكيف دخل اللصوص إلى العشة؟!

لم تردَّ «ناعسة»، بل ظلت واقفةً وقد امتلأت عيناها بالحيرة، فقال «محب» وهو يجذب ذراعها في قسوة: أجيبي فورًا، إن حياة أختي في خطر … وسوف لا أتردَّد في عمل أي شيء لإنقاذها!

ظلت «ناعسة» متردِّدة، فقال «عاطف»: الأفضل أن نُسلِّمها لرجال الشرطة، إنهم سوف يتمكَّنون من استجوابها …

لم تكد «ناعسة» تسمع كلمة الشرطة حتى انتابها ذعرٌ شديدٌ، وأخذت تحاول الهرب صائحة: لا تُسلِّموني للشرطة … إنني لم أفعل شيئًا … إنني مسكينة … إن خالي هو السبب!

تختخ: خالك! ماذا فعل خالك؟

ناعسة: أرجوكم … إنه إذا علم أنني قلت لكم فسوف يضربني … وقد يقتلني … إنه رجل قاسٍ وشرير … إنني أعتقد أنه ليس خالي … ولكني يتيمة وليس لي أم ولا أب … وقد كبرت ووجدت نفسي معه … وقال إنه خالي.

تختخ: قولي لنا ما تعرفين … وسوف لا نُسلِّمك للشرطة، ولن نقول لخالك شيئًا.

ناعسة: سأروي لكم كل شيء … ولكنني جائعة … أريد شيئًا آكله.

قامت «محبوبة» بإعداد بعض الطعام لها، فانقضَّت عليه تأكله في نهمٍ شديد، ثم قالت: سأروي لكم كل شيء من أول يوم … لقد أعطاني خالي قطعة لحم، وطلب مني أن أضعها في طريق «زنجر» ليأكلها … ولم أكن أعرف ماذا فيها … وهكذا حضرت قرب العشة، وانتظرت خروج «نوسة» ومعها «زنجر» ثم وضعت قطعة اللحم في طريقه وجريت …

وسكتت «ناعسة» وهي تلتهم طعامها، ثم مضت تقول: وفي هذه الليلة حضر شخص لا أعرفه إلى خالي. إنه يلبس ملابس أنيقةً مثلكم ويركب سيارة، وطلب مني خالي أن آتي معهما إلى عشتكم — وحضرنا بعد أن نمتم — وأخذ خالي ينظر خلال زجاج النوافذ ليتأكَّد من نومكم جميعًا.

قال «عاطف» معلِّقًا: إن وجهه هو الذي شاهدته «نوسة» في تلك الليلة وظنناها تحلم!

ناعسة: وعندما اطمأنا إلى نومكم جميعًا، أخذاني إلى نافذة المطبخ التي تتركونها مفتوحة دائمًا، واستطعت أن أدخل منها وأفتح لهما الباب.

لوزة: شيء غريب … كيف تستطيعين الدخول من هذه النافذة الصغيرة.

ناعسة: إنني أستطيع الدخول من أضيق ثقب؛ فمنذ كنت طفلةً صغيرةً وأنا معروفة بأن مفاصلي مرنة، وأستطيع القيام بألعاب صعبة كما يفعلون في السيرك.

تختخ: المهم … ماذا حدث بعد ذلك؟

ناعسة: دخلت وفتحت لهما الباب ودخلا، وأخذ هذا الأفندي الذي كان خالي يناديه باسم «موسى بك» يُقلِّب في الأوراق التي في مكتب الدكتور «أدهم» باحثًا عن شيء لا أعرفه … ولكن يبدو أنه لم يجده لأنه كان متضايقًا جدًّا … ثم حاولا فتح الدولاب المغلق، ولكن الباب الخشبي السميك لم يكن من الممكن فتحه إلا إذا كُسر، وخافا أن تستيقظوا فخرجا، وقمت بإغلاق الباب ثم قفزت من النافذة مرةً أخرى، وعدنا إلى الكوخ حيث جلسا يتناقشان فترة، واتفقا على خطف «نوسة» بعد أن أخبرتهما أنها تتنزَّه كل يوم في المساء مع «زنجر».

تختخ: وكيف خطفا «نوسة» و«زنجر»؟

ناعسة: لقد ألقيا عليهما بكيسَين من القماش السميك ثم ألقياهما في السيارة التي انطلقت بهما بعيدًا.

تختخ: أين ذهبا بهما؟

عادت «ناعسة» إلى التردُّد مرةً أخرى … فقال «تختخ»: أجيبي بسرعة، فكل دقيقة لها قيمتها …

ناعسة: لقد سمعت «موسى بك» يقول إنه سيأخذهما معه إلى «برج البرلس».

تختخ: «برج البرلس»! هذه القرية الصغيرة التي يسكنها الصيادون؟

ناعسة: نعم … إن القرية شبه جزيرة يفصلها من البر الغربي البوغاز … ولا أحد يعرف ما في البر الغربي … إنه موحش … وبه قلعة قديمة غمرتها المياه … وقد سمعت من خالي أن هناك أشخاصًا يتردَّدون أحيانًا على هذه القلعة، وأنه يقوم بخدمتهم عن طريق «موسى» ولكن لا أدري أي نوع من الخدمة.

تختخ: وكيف نصل إلى «برج البرلس» بأسرع ما يمكن؟

ناعسة: هناك طريقان … الطريق البري عبر الرمال … وطريق البحر … ومن الأفضل أن نذهب عن طريق البحر … وهناك عشة يملكها «موسى» ويقضي بها بعض الوقت، ولعله يكون قد نقل «نوسة» و«زنجر» إلى هناك.

تختخ: هيا بنا فورًا … وسنستقل القارب وسوف تأتين معنا.

ناعسة: لا أستطيع … فقد يراني خالي، فقد خرج للصيد في البحر وقد نلتقي به في الطريق!

تختخ: ولكننا لا نستطيع أن نذهب وحدنا … فسوف نضل الطريق …

لوزة: في إمكاننا أن نعطي «ناعسة» بعض ملابس «نوسة»، إنهما متماثلتان في الحجم تقريبًا، ولن يعرف أحد — خاصةً من بعيد — أن هذه الفتاة هي «ناعسة».

تختخ: معقول جدًّا.

وأسرعت «ناعسة» مع «لوزة» إلى الداخل، وكان «محب» قد خلع ثياب بائع اللبن، وأعطاها له فخرج الولد بعد أن أخذ عشرة قروش، وهو لا يعرف سر ما حدث؛ فقد أبقاه الأصدقاء في الدور الثاني حتى لا يعرف ما يجري.

مضت ربع ساعة تقريبًا، قامت فيها «ناعسة» بالاستحمام وتغيير ثيابها، ثم عادت وهي تلبس ملابس «نوسة» فكان الأصدقاء أنفسهم لا يعرفونها؛ فقد تبدَّلت الفتاة الممزقة الثياب غير النظيفة إلى فتاة أخرى، خاصةً وقد لبست حذاءً من الكاوتش الأبيض فبدت غايةً في الأناقة.

بدأ الأصدقاء يستعدُّون للخروج فقال «تختخ» ﻟ «لوزة»: أقترح يا «لوزة» أن تبقي أنت هنا؛ فقد تحدث تطوُّرات في غيابنا أو يتصل بنا رجال الشرطة.

قالت «لوزة» وهي تكاد تبكي: إنني لا أحب الانتظار هنا وحدي … في حين أنتم تقومون بالعمل لإنقاذ «نوسة»!

تختخ: إن دورك هنا لا يقل أهميةً عن دورنا هناك، وقد يحدث لنا شيء، فإذا تأخَّرنا فعليك بالاتصال برجال الشرطة.

اضطُرت «لوزة» إلى البقاء في العشة، بينما انطلق «تختخ» و«محب» و«عاطف» و«ناعسة» إلى القارب.

كانت «ناعسة» تشعر أنها قد تبدَّلت تمامًا … وأصبحت الحياة في نظرها أكثر جمالًا، فقالت ﻟ «تختخ»: إذا أنقذتم «نوسة» هل تتركون هذه الثياب لي؟

تختخ: أكثر من هذا … إذا وافقت على الحضور معنا إلى القاهرة؛ فسوف نأخذك لتعيشي معنا هناك … ما دام خالك القاسي يعاملك بهذه الطريقة، خاصةً وأننا إذا نجحنا؛ فسوف يقبض عليه رجال الشرطة ويدخل السجن.

ناعسة: سوف أساعدكم بقدر ما أستطيع … ولقد أصبحت أشعر أنني منكم.

وقفز الجميع إلى القارب، ورفعوا الشراع، وانطلق بهم يشق الأمواج مسرعًا في اتجاه «برج البرلس».

حاول الأصدقاء قدر الإمكان ألَّا يبتعدوا عن الشاطئ، حتى لا يلتقوا بقارب خال «ناعسة» الذي قد يشك فيهم إذا رآهم، واستطاعوا فعلًا أن يتجنَّبوا الالتقاء بأحد في البحر.

مضت ساعة والقارب يقطع الطريق إلى «برج البرلس»، وكانت القرية تبدو لهم من بعيد وكأنها عالم مجهول مملوء بالمغامرة والإثارة.

أخيرًا … رسا القارب بالقرب من البوغاز الذي يربط البحر المتوسط ببحيرة «البرلس» … ونزل الأصدقاء إلى الشاطئ، وقال «تختخ» يسأل «ناعسة»: هل تعرفين أين تقع عشة «موسى»؟

ناعسة: ليس في هذه القرية عشش للمصيف سوى هذه العشة، وسوف نسأل ونعرف.

والتقى الأصدقاء ببعض أولاد الصيادين … وهم يصطادون السمك بالسنانير، فوقفوا معهم يتحدَّثون … ثم سألوهم عن مكان عشة «موسى بك»، فقال الأطفال جميعًا إنهم يعرفونها، وتقدَّم أحدهم ليدلهم على مكانها ثم تقدَّمهم على شاطئ البحيرة حيث اصطفت قوارب الصيد، وجلس الصيادون يرتقبون شباكهم … وقال الصبي: هذا الشاطئ يُسمَّى «القاشة»، حيث تقف جميع المراكب، وحيث تنتشر حلقات السمك.

أخيرًا وصل الأصدقاء إلى طرف القرية … وأشار الولد إلى فيلا صغيرة مبنية بالطوب وقال: هذه هي فيلا «موسى بك» … وهو ليس هناك الآن، ولكن هناك خفيرًا يحرس الفيلا.

شكَر الأصدقاء الولد ثم وقفوا يتشاورون فيما يجب عمله لدخول الفيلا برغم وجود الخفير، فقال «عاطف»: لماذا لا نتصل برجال الشرطة هنا، ونُبلِّغهم ما حدث … وهم يبحثون عن «نوسة» و«زنجر»؟

تختخ: في مثل هذه القرية لا توجد نقطة للشرطة … ولكن بعض الخفراء، وأخشى أن يعتبروا كلامنا غير جاد … أو يعلم «موسى» بما حدث فيُسرع بنقل «نوسة» بعيدًا …

محب: إذن ما هو الحل؟

تختخ: يجب أن نجد طريقةً لإبعاد الخفير عن الفيلا، ولو لدقائق قليلة، حتى نتمكَّن من دخولها.

عاطف: هذه مشكلة!

أخذ «تختخ» ينظر إلى الفيلا بإمعان … كانت تقع بجوار الطاحونة، ولم يكن هناك أحد في هذه الساعة من النهار والشمس صافية، ولاحظ «تختخ» وجود كومة من القش بين الفيلا وبين الطاحونة، فخطر له خاطر مفاجئ وقال: اذهب بسرعة يا «محب» واشترِ علبة كبريت.

محب: كبريت! لماذا؟

تختخ: اذهب بسرعة ولا داعي للأسئلة الآن؟

أسرع «محب» لشراء علبة الكبريت، في حين أخذ «تختخ» يشرح فكرته للأصدقاء: سنقوم بإشعال حريق صغير في كومة القش هذه، وعندما ترتفع ألسنة النار، سنطرق باب الفيلا ونستدعي الخفير … وسيخرج طبعًا مسرعًا ويترك الباب مفتوحًا، وبينما تشتركون معه في إطفاء النار، سأدخل أنا إلى الفيلا وأقوم بتفتيشها.

عاد «محب» بعلبة الكبريت، واقترب الأصدقاء من كومة القش، ونظروا حولهم ولم يكن هناك من يُراقبهم. أخرج «تختخ» عودًا من الكبريت أشعله ثم قرَّبه من القش الجاف فاشتعلت بعض الأعواد، وسرعان ما امتدَّت النار إلى بقية الكومة.

وفي نفَس واحد صاح الأولاد: حريق! … حريق!

ثم أسرعوا إلى الفيلا ودقوا الباب … فتح الخفير الباب وأطل بوجه منزعجًا فقال «عاطف»: هناك حريق خلف الفيلا … أسرع!

وكما توقَّع «تختخ» بالضبط، أسرع الخفير خارجًا دون أن يُغلق الباب، فتسلَّل «تختخ» بسرعة إلى داخل الفيلا … وأخذ ينادي بصوت خافت: «نوسة» … «نوسة» … «نوسة»! ولكن أحدًا لم يرد … فتح «تختخ» الأبواب واحدًا وراء الآخر دون أن يجد شيئا … ولكن في إحدى الغرف لاحظ كتابةً على الحائط فاقترب منها وقرأ كلمة «سنار» … «سنار» … «سنار».

لم يفهم «تختخ» معنًى لهذه الكلمة … وهل المقصود بها السنار الذي يصطاد به الصيادون السمك أم شيء آخر؟ … ولكنه غادر الفيلا بسرعة، وعندما عاد إلى الأصدقاء وجدهم يتعاونون مع الخفير على إطفاء النار، التي استطاعوا فعلًا إخمادها بإلقاء الرمال عليها.

شكَر الخفير الأصدقاء، وعاد إلى الفيلا … بينما اجتمعوا مرةً أخرى للمناقشة.

قال «تختخ»: إنهما ليسا هنا … ولكني وجدت كتابةً على الحائط، كلمة واحدة مكررة … «سنار» … «سنار» … ولست أدري ماذا تعني هذه الكلمة … ولكنها في الأغلب بخط «نوسة».

ردَّت «ناعسة» بسرعة: إنها اسم جزيرة مهجورة في وسط بحيرة «البرلس».

تختخ: إذن فقد نقل «موسى» «نوسة» و«زنجر» إلى هناك … ولا بد أن نذهب لإنقاذهما!

ناعسة: إنني أعرف الطريق إليها، ولكن هذه الجزيرة تُسمَّى الجزيرة الملعونة، وكل الناس يخافون الذهاب إليها.

محب: مهما يكن فلا يمكن أن نترك «نوسة» تلقى مصيرها وحدها، خاصةً إذا اكتشفت العصابة أننا ضلَّلناها، وأرسلنا لها أبحاثًا زائفةً في الكراسة الحمراء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤