مأزق خطير

كان ما قاله رجل العصابة صحيحًا، ففي تلك الأثناء شعر الأصدقاء ببطء في سير اللنش، وكانوا يجلسون مع «تختخ» في الكابينة فقال «عاطف»: إنني ألاحظ أن اللنش يبطئ في سيره، فماذا حدث؟ هل فرغ البنزين؟

نظر «تختخ» إلى عدَّاد البنزين ثم قال: أبدًا إن خزان الوقود ما زال عند منتصفه.

محب: إذن ماذا جرى؟

تختخ: قوموا بجولة في اللنش فقد تعثرون على سبب. انتشر الأصدقاء في اللنش وسرعان ما أدركوا الحقيقة … فقد كانت المياه قد تسرَّبت إلى اللنش ووصلت إلى ربع ارتفاعه تقريبًا … ولو ارتفعت أكثر فسوف يتوقَّف الموتور.

أسرع «محب» يُخطر «تختخ» بما حدث، فقال «تختخ»: ابحثوا عن صفائح أو جرادل أو أية آنية، وحاولوا نزح المياه بأسرع ما تستطيعون … لقد اقترب الفجر … وسوف نتبيَّن طريقنا إلى البرج … وقد نصل.

انتشر الأصدقاء في اللنش واستطاع كلٌّ منهم الحصول على إناء لتفريغ الماء، وأخذوا يملئون الآنية ويُلقون بالمياه في البحيرة، في حين كان «زنجر» يقف عند رأس الحارس الأسير يزوم في وحشية كلما تحرَّك الأسير أية حركة.

أبطأت حركة اللنش ولكنه ظل سائرًا والأولاد يقومون بعملية نزح المياه من قاعه في حماسة … ولكن بمُضي الوقت بدءوا يتعبون، وبدأت المياه تتغلَّب عليهم، فأسرع «محب» إلى «تختخ» يُخبره، فطلب منه «تختخ» أن يُمسك هو بعجلة القيادة، وأسرع «تختخ» يُساعد بقية الأصدقاء، وطلب منهم تقسيم أنفسهم إلى فريقَين؛ فريق يعمل والآخر يرتاح.

بدأت الشمس تبزغ في الأفق، وعلى أول ضوء استطاع الأولاد مشاهدة قرية «برج البرلس» من بعيد، وفي الوقت نفسه شاهدوا قاربهم بعيدًا متجهًا نحوهم، فأدركوا أن العصابة قد استطاعت الوصول إليهم وأنها في أثرهم!

كان «تختخ» يعمل في نزح المياه مع «عاطف» و«ناعسة»، في حين «محب» يقود اللنش و«نوسة» ترتاح و«زنجر» يرقب الأسير. وبعد فترة تبادل الأصدقاء العمل بينهم، ولكنهم برغم فترات الراحة قد تعبوا تمامًا … وبدأ اللنش يُبطئ في سيره تدريجيًّا في حين كان القارب الذي يحمل أفراد العصابة يقترب مع ريح قوية تدفعه … وشيئًا فشيئًا استطاع الأصدقاء أن يتبيَّنوا أفراد العصابة في القارب.

قالت «نوسة» وهي تنثني على المياه تنزحها وقد أحسَّت أن كل جزء في جسمها يرتجف من التعب: لقد استطاعوا الانتصار علينا؛ فبعد قليل سوف يصل القارب بهم ولن نستطيع الدفاع عن أنفسنا.

ردَّ «محب» الذي كان يُساعدها: لقد فعلنا كل ما بوسعنا.

نوسة: ألا نستطيع سد الثقوب، لقد كان ذلك صعبًا في الظلام، ولكن الآن قد يكون ممكنًا.

أسرع «محب» يُبلغ «تختخ» بهذا الاقتراح، فنظر «تختخ» إلى القارب الذي كان يشق الماء إليهم مسرعًا ثم قال: أعتقد أننا لن نتمكَّن؛ فلا بد من البحث أولًا عن قطع مناسبة من الخشب لسد الثقوب … ثم البحث عن الثقوب ذاتها … وقد تكون كثيرة، ثم كيف نتغلَّب عن ضغط المياه على جوانب اللنش؟ إنها ستكون أقوى من السدَّادات … إن الموقف يدعو إلى اليأس حقًّا!

اقترب القارب وبدأ رجال العصابة يتصايحون، وقال واحد منهم بصوت مرتفع: من الأفضل لكم أن تستسلموا وإلَّا أطلقنا النار!

قال «عاطف» ما رأيك يا «تختخ»؟ أظن من الأفضل أن نوقف اللنش ونستسلم بدلًا من أن نموت غرقًا أو برصاص هؤلاء الأشرار.

أحسَّ «تختخ» بالحزن واليأس يسيطران عليه؛ لقد كانوا قريبين جدًّا من النجاح ولكن سوء الحظ أضاع كل شيء … ويبدو أن العصابة أرادت إرهابهم حتى يستسلموا، فأطلق أحد الرجال بضع طلقات في الهواء.

وبدأ اللنش يُبطئ الحركة حتى كاد يقف تقريبًا، فقد غمرته المياه إلى منتصفه، في حين القارب يقترب … ولكن في هذه اللحظة حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد شقَّ الصمت على البحيرة صوت موتور قوي … والتفت الأصدقاء، فإذا بلنش كبير يشق طريقه بين الأمواج كالرصاصة … وقد رُفع عليه علم خفر السواحل!

صاحت «نوسة»: لقد أُنقذنا!

قال «تختخ» بفرح: لقد أوقعت العصابة نفسها!

فعندما أطلقوا الرصاص سمعه رجال السواحل فاتجهوا إلى المصدر، ولولا ذلك لوقعنا!

اقترب لنش رجال السواحل مسرعًا، وبدأ الرصاص ينهال … لا على القارب الصغير ولكن على اللنش الذي به الأصدقاء … فقد ظن رجال السواحل أن العصابة في اللنش وليست في القارب … وكان «تختخ» أول من تنبَّه إلى الحقيقة فأخرج منديلًا أبيض من جيبه، وربطه في قطعة من الخشب ثم صعد على الكابينة ولوَّح به للَّنش الذي كان يقترب.

استطاع رجال السواحل أن يتبيَّنوا الحقيقة، خاصةً وأن القارب استدار وحاول رجال العصابة الفرار … ولكن لنش السواحل استطاع في ثوانٍ قليلة أن يلحق به، وفي لحظات كان قد تم القبض على أفراد العصابة.

واقترب لنش السواحل يجر القارب ورجال العصابة فيه … وكم كانت دهشة الأصدقاء وفرحتهم عندما وجدوا «لوزة» تقف على اللنش تبتسم وتُلوِّح بيدها! … إذن فقد كانت «لوزة» هي التي أنقذتهم!

اقترب لنش السواحل حتى التصق باللنش الذي به الأصدقاء، فقفزوا إليه ومعهم الأسير، ولم يكد آخر واحد منهم يقفز إلى اللنش الكبير، حتى كان اللنش المصاب يهوي في الماء غارقًا.

قالت «لوزة» وهي تحتضن الأصدقاء واحدًا واحدًا: عندما تأخرتم في العودة أبلغت رجال الشرطة بذهابكم إلى «برج البرلس»، وأبلغ الشرطة رجال السواحل فخرجوا للبحث عنكم، ورجوتهم أن آتي معهم فوافقوا، وقد بدأنا منذ ساعتَين تقريبًا ولكننا لم نستطِع رؤيتكم في الظلام … ثم سمعنا صوت طلقات الرصاص فاتجهنا إلى مصدرها حيث وجدناكم.

قال «تختخ» وهو يُقبِّلها في حب: هكذا أنت، لا يمكن أن تمر مغامرة إلَّا ولك فيها عمل ممتاز!

•••

عندما عاد الأصدقاء إلى عشتهم في «بلطيم» كانت في انتظارهم مفاجأة … لقد عاد الدكتور «أدهم»، وأخذ الأصدقاء يروون له مغامرتهم الرهيبة من أجل إنقاذ الكراسة الحمراء … فقال الدكتور «أدهم» بأسلوب العلماء الذاهل: ولكن العصابة لم يكن في إمكانها أبدًا الحصول على الكراسة.

قال «تختخ» مندهشًا: كيف؟!

ردَّ «أدهم» في بساطة: لأنني أخذتها معي عند سفري!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤