الفصل السابع

أناكسجوراس

Anaxagoras
وُلد في كلازوميني Clazomenea، بلد من بلاد آسيا الصغرى نحو سنة ٥٠٠ق.م، من أسرة نبيلة، وقد بسط الله له في الرزق فكان غنيًّا واسع الثراء، ولكن التكاثر لم يلهه عن طلب العلم، فلم يلبث أن خلف وراءه أرض الوطن ينشد الحكمة، ثم قصد إلى أثينا، ولم تكن بعدُ قد فتحت أبوابها لتستقبل الفلسفة، فكان أناكسجوراس أول من غرس بذورها في أرضها، ومنذ ذلك الحين أصبحت أثينا مركزًا للفكر عند اليونان، ولم يمكث أناكسجوراس في هذا البلد طويلًا حتى توثقت أواصر الصلة بينه وبين أعلام الرجال في ذلك الوقت، فكان صديقًا حميمًا لبركليس Pericles، ذلك السياسي العظيم، ويوريبيدس Euripides الشاعر المعروف، وقد كلفته صداقة بركليس ثمنًا غاليًا: ذلك أن حزبًا سياسيًّا قويًّا كان يعارض بركليس ويكيد له ولأصحابه، فمكر — فيمن مكر بهم — بهذا الصديق أناكسجوراس الذي لم تعنه السياسة في كثير ولا قليل، ولكن حسبه جريمة أن يتصل الود بينه وبين بركليس، فرماه رجل ذلك الحزب بالإلحاد، لتحق عليه لعنة الله والناس، ألم يقل أناكسجوراس إن الشمس صخرة ملتهبة، وإن جرم القمر من تربة؟ فيا لها زراية بالشمس والقمر، وهما عند اليونان إلهان ينزلان من قلوبهم أسمى منازل التقديس، حتى أفلاطون وأرسطو كانا يريان أن النجوم كائنات إلهية، وما أسرع ما سيق أناكسجوراس إلى هيئة القضاء لترى رأيها فيه، ولكنه فر من المدينة هاربًا بعون صديقه بركليس، وأخذ سمته نحو وطنه في آسيا الصغرى، حيث استقر في مدينة لامبساكوس Lampsacus، وظل بها حتى فاض روحه بعد أن بلغ من العمر اثنين وسبعين سنة، وقد دوَّن فلسفته في رسالة كانت شائعة متداولة في عهد سقراط، ولم يبقَ لنا منها اليوم إلا أجزاء منثورة.

أقام أناكسجوراس فلسفته على نفس الأساس الذي اتخذه من قبله إِمْبِذُقْلِيس وطائفة الذريين، فأنكر الصيرورة المطلقة التي تذهب إلى تحوُّل الكون تحولًا مستمرًّا من حالة الوجود إلى حالة اللاوجود، ومن حالة اللاوجود إلى حالة الوجود؛ لأنه يعتقد أن المادة لا تنشأ ولا تفنى، فينبغي أن نلتمس علة التحول الذي يطرأ على الأشياء في اتصال أجزاء تلك المادة وانفصالها، يقول أناكسجوراس: «لقد أخطأ اليونان في زعمهم أن الأشياء تحدث وتزول، وليس في حقيقة الأمر نشأة وزوال، إنما هو اتصال وانفصال يطرآن على مادة موجودة فعلًا، وكان أقرب إلى الصواب أن تُسمى هاتان تكوُّنًا وانحلالًا.»

استعرض أناكسجوراس آراء السابقين، فرأى الذريين يزعمون أن عنصر الكون ذرات متجانسة الجوهر مختلفة الصورة، ورأى إمبذوقليس مَن قبلهم يذهب إلى أن أصل العالم عناصر أربعة، فرفض المذهبَيْن جميعًا؛ فليس مصدر الأشياء عنصرًا واحدًا هو الذرات، ولا عناصر أربعة، بل إن أنواع المادة على اختلافها سواء في الأصالة والأولية، فليس ما يبرر أن نلتمس أصل الذهب في التراب أو النار، والخشب في الهواء أو الماء، ولِمَ لا يكون الذهب والتراب والخشب والحديد والنحاس والعظم والشعر والماء إلى آخر هذه المواد التي تصادفنا في الكون أنواعًا أولية وعناصر أساسية لم ينشأ أحدهما من الآخر؟ وإذن ففي الكون من الأصول والعناصر بمقدار ما فيها من مواد، هذا وقد أنكر أناكسجوراس على طائفة الذريين ما زعموه من إمكان تقسيم المادة إلى ذرات لا تقبل التقسيم، وأكد أن المادة تتجرأ إلى ما لا نهاية.

وقصة الكون هي أن تلك الملايين من العناصر المادية كانت في الأزل خليطًا متماسكًا في كتلة تمتد في المكان إلى ما لا نهاية، ثم بدأت المواد سيرها بأن أخذت تنحل وينفصل بعضها عن بعض، ليسعى كل شبيه إلى شبيهه، فذرات الذهب إلى ذرات الذهب، وأجزاء النحاس إلى أجزاء النحاس، والكمال الذي تنشده هو استقلال كل من تلك العناصر استقلالًا لا يشوبه ذرة واحدة من عنصر آخر، ولكن هذه الغاية التي تقصد إليها المادة لا تُدرك في أعوام ولا دهور، كلا بل هي ضرب من المستحيل الذي لن يُدرك إلى أبد الآباد؛ ذلك لأن المادة كما سبق لنا القول ممكنة التقسيم إلى ما لا نهاية له من الذرات، وهذه الذرات اللانهائية لكل عنصر من عناصر المادة منبثة في العناصر الأخرى بحيث يستحيل أن تتجمع كلها في كتلة واحدة، فليس إلى حصر الأجزاء اللانهائية من سبيل؛ وعلى ذلك فلن تخلص مادة من شوائب المواد الأخرى، ولو التمستَ قطعة من مادة خالصة لا تعلق بها ذرات غريبة عنها فلن تظفر بما تريد، وكل ما عساكَ أن تصادفه شيء يقرب مما تبغي، فهذا الذي اصطلحنا على تسميته ذهبًا ليس في حقيقة الأمر ذهبًا خالصًا، إنما هو أقرب المواد إلى الذهب؛ لأن أجزاء الذهب فيه كثرة غالبة، تخالطها قلة من أجزاء المواد الأخرى، وقُلْ مثل ذلك في سائر العناصر.

يتضح من ذلك أن المادة قد دبت فيها الحركة لكي يسعى الشبيه منها إلى شبيهه، ولما كانت هذه الغاية مستحيلة الحصول فستظل الحركة دائبة إلى الأبد، وهنا نقف مع أناكسجوراس كما وقفنا مع إِمْبِذُقْلِيس وجماعة الذريين، نسائله عن تلك القوة التي دفعت المادة إلى الحركة بادئ الأمر، فمن ذا الذي بعث في المادة الميتة السعي والحركة؟ والواقع أن نبوغ أناكسجوراس وعبقريته منحصران في الإجابة عن هذا السؤال، ولولا رأيه في الحركة والقوة الدافعة لما كانت له فلسفة تستحق النظر، فأنت تذكر أن إِمْبِذُقْلِيس قد ذهب إلى أنَّ الحبَّ والنُّفور هما القوتان الدافعتان اللتان تفسران المادة على الاتصال دهرًا والانفصال دهرًا، ثم تبعه الذريون فذهبوا إلى أن مبعث الحركة هو سقوط الذرات المادية سقوطًا آليًّا في الفضاء، فلا تسير على هدى، ولا تقصد إلى غاية كما يقول ديمقريطس، وكلا المذهبين — كما ترى — يتعلق بالمادة ولا يعدو نطاقها، فأجزاء المادة تتدافع أو تتجاذب من تلقاء نفسها دون أن يشرف على سيرها سلطان بصير، أما أناكسجوراس فقد خطا بالفلسفة خطوة جديدة، سَمَتْ بها عن مستوى المادة، فذهب إلى أن القوة التي تدفع المادة وتسيرها على عقل حكيم رشيد، ذكي بصير،١ يولد الحركة في المادة إقبالًا وإدبارًا حتى تتكوّن منها العوالم. لقد بهر أناكسجوراس ما يشمل الكون من نظام وجمال وتناسق، فأدرك على الفور أنه يستحيل على قوة عمياء أن تُخرِج هذا العالم الدقيق الجميل المتناغم، فهو — كما يظهر — لا يخبط في سيره خبط عشواء، بل يقصد إلى غرض محدود، وأن الطبيعة لتضرب الأمثال كل يوم على أن لها فكرة تسعى إلى تحقيقها، وكيف يسيغ العقل أن يكون تناسق الكون وجماله ونظامه من فعل قوة آلية لا تعرف التناسق والنظام؟ وهل تنتج هذه — إذا أطلق لها الأمر — إلا عماء وفوضى؟ فلا يجد أناكسجوراس سبيلًا إلى الشك في أن عقلًا ذكيًّا يدبر المادة ويحكمها، وهو الذي رسم لها خطة السير، ونسق بين أجزائها، وخلع عليها هذا الجمال الفاتن الخلاب.
هذا الإدراك للقوة العاقلة هو انتقال بالفلسفة من طور إلى طور، إذا جرينا مع القائلين بأن أناكسجوراس قد اعتبر ذلك العقل روحًا خالصًا مجردًا ولم يلبسه لباسًا من المادة، وقد حكى عنه هذا القول أرسطو وهو قريب العهد بأناكسجوراس، ويمكن أن يتخذ حجة يعتمد عليها، فهو يشير إشارة واضحة إلى أن أناكسجوراس قد تخلص من المادة حين فكر في ذلك العقل، فجرده عن الأجسام تجريدًا مطلقًا، وقد تبع أرسطو في ذلك طائفة من أبرع كتاب الفلسفة في العصر الحديث، أمثال «زلر Zeller» و«أردمان Erdmann»، إلا أن فريقًا آخر من مؤرخي الفلسفة، أشهرهم الأستاذ «بيرنت Burnet»، يعتقد أنَّ أناكسجوراس كان كسابقيه عاجزًا عن التفكير المجرد الصحيح، فألبس العقل الذي ذهب إلى وجوده صورة مادية، وحجتهم في ذلك أنه أضاف إليه صفات تُوصف بها المادة وحدها، فقال عنه: «إنه أكثر الأشياء دقة ونقاءً»، وإنه «صافٍ لا تشوبه شائبة من العناصر الأخرى.» والدقة والنقاء والصفاء وما إليها هي صور للأجسام المادية، والفكرة المجردة المطلقة لا تعرف شيئًا منها، كذلك يحتج هذا الفريق من الكتاب بأن أناكسجوراس كثيرًا ما تحدث عن العقل بالكبر، وهذا كمٌّ لا ينصب إلا على المادة المحسة وحدها، وخلاصة القول أن هذه الطائفة من المؤرخين لا تميل إلى الأخذ بالرأي القائل بأن أناكسجوراس استطاع أن يدرك عقلًا مجردًا عن الجسم، والأرجح أن أناكسجوراس أدرك القوة العاقلة المجردة، وأن رأي أرسطو فيه أقرب إلى الصحة، وأن الأدلة التي احتج بها بيرنت وأمثاله مردودة، فالصفات المادية ليست قاصرة على المادة وحدها، وكثيرًا ما نطلقها على القوى المجردة، فإذا قلنا إن أرسطو رجل ذو فكر ثاقب وإن أفلاطون ذو بصيرة نافذة، أيكون معنى ذلك أننا نريد حقًّا أن فكر أرسطو يثقب الأجسام كما تثقبها الإبرة؟ وأن بصيرة أفلاطون تنفذ كما ينفذ المسمار؟ لا، بل هي مجازات لغوية كثرت في اللغات كثرة عظيمة بسبب أن اللغة تنشأ في أول عهدها وتدرج بين المحسات، فتكون ألفاظها متعلقة بالأشياء المادية التي تقع تحت الحس، فلما تطور الفكر البشري ووصل إلى مرتبة التجريد، أي التفكير فيما ليس له صور مادية، اضطر اضطرارًا أن يستعير هذه اللغة التي خُلِقَتْ في أولها لما يقع تحت الحواس، ليعبر بها عن معقولاته المجردة، وإذن فمن الغبن أن نستند على الصفات المادية التي أطلقها أناكسجوراس على العقل ونحكم بأنه تصور العقل في صورة مادية.

وأما وصفه العقل بالكبر، وأن يظن لذلك أنه قد تصور العقل مادة تشغل حيزًا، فذلك اعتساف في الحكم؛ لأننا إذا قلنا إن عقل أفلاطون أكبر من عقل فلان، فلا يكون معنى ذلك أن تفكير أفلاطون يشغل حيزًا من المكان أكبر مما يشغله تفكير فلان، إنما هي مقارنة نسبية أجريناها لندرك قوة هذا منسوبة إلى ذاك، ولسنا نشك في أن ذلك ما قصد إليه أناكسجوراس حين قال: إن العقل الذي يحكم الكون متجانس في جوهره، ولكنه يختلف صغرًا وكبرًا باختلاف الأجسام التي يحل فيها، فالعقل الأكبر يدبر العالم بأسره، وهو لا يختلف في طبيعته عن العقل الأصغر الذي يسيِّر الإنسان فالحيوان فالنبات.

والخلاصة أن أناكسجوراس لم يصوِّر لنفسه العقل الذي فرض وجوده في صورة مادية، بل كان أول من ميز تمييزًا واضحًا بين عنصرَي العقل والمادة، بعد أن كانت الفلسفة لا تعترف إلا بالمادة وحدها، وقد بعثه على الاعتقاد بوجود العقل عاملان؛ الأوَّل: ما قدَّمنا من أنه رأى ما في الكون من نظام وتناسق وجمال مما يستلزم قوة مدبرة عاقلة، والثاني: هذه الحركة التي تدب في الأشياء، والتي تسلك في سيرها سبيلًا مستقيمة مؤدِّية إلى غرض مقصود، فذلك العقل هو الذي دفع المادة الأولى التي كانت مزيجًا من أخلاط العناصر المختلفة إلى انحلال التدريجي، وإلى التئام العناصر المتشابهة منها، ولما كان العقل سببًا للحركة، فبدهي أن يكون هو نفسه لا حركة فيه؛ لأنه لو لم يكن كذلك لاستلزم بدوره مُحرِّكًا وهلمَّ جرًّا.

تناسق المادة من ناحية وحركتها من ناحية أخرى كانا إذن مقدمتَيْن خلص منهما أناكسجوراس إلى نتيجة منطقية، هي وجود العقل المدبر الرشيد الذي يعمل على التناسق والجمال بين أجزاء المادة، والذي يبعث المادة على الحركة الدائبة، ومعنى ذلك بعبارة واضحة أن أناكسجوراس لم يستنتج من دقة النظام في الكون وجود القوة الخالقة، بل القوة المنظمة، والفرق واضح بين القولَيْن، فأنت إذا صادفت آثارًا لمدينة قديمة في عرض الصحراء، شُيِّدَتْ دُورُها ونُسِّقَتْ طرقاتُها، سار بك المنطق إلى نتيجة محتومة هي أن عقلًا مدبرًا أشرف على إقامة تلك الدور وتنظيمها، ولكنك تخطئ خطأ واضحًا لو زعمت أن نظام التشييد وجمال تنسيقه دليلان على أن عقلًا خلق المادة التي أُقيمت بها الدور.

إذن فالعقل عند أناكسجوراس لم يخلق المادة من عدم، بل العنصران قديمان أزليان نشأ كلٌّ منهما بذاته، ثم طرأ العقل على المادة فبعث فيها الحركة والنظام بأن اندس في مركز تلك الكتلة المادية الأولى، التي تمتد إلى اللانهاية، والتي امتزجت فيها ألوان المادة امتزاجًا بلغ حد الاندماج، ولما استقر العقل في قلب المادة اضطرب بالحركة، فاهتزت النواة المركزية من المادة، ثم أخذ نطاق الحركة يتسع من تلقاء نفسه، كما تلقي بالحجر في الماء فتحدث موجة دائرية تأخذ في الاتساع تدريجًا حتى تشمل المحيط بأسره، وكانت الحركة كلما انبسط نطاقها تناولت مادة جديدة فدفعت بها إلى الحركة وهلم جرًّا، وسيظل تيار الحركة إلى الأبد يُوسِّع من نطاقه ويتناول جديدًا من المادة، يسعى بدوره إلى التماس أشباهه من المادة ليندمج فيها، فالذهب يعتصم بالذهب، والخشب يلتئم بالخشب، والماء يلتقي بالماء … وأول ما انفصل من الذرات ما توافر فيها الحرارة والجفاف والخفة، فاجتمعت وكونت الأثير أو الهواء العالي، ثم جاء بعد الأجزاء الباردة الرطبة المظلمة فكوَّنت الهواء السافل، ثم دار الهواء السافل حول المركز فنشأت الأرض وانداحت قرصًا مسطوحًا يسبح فوق الهواء، وكل أجرام السماء قِطَعٌ صخرية انتثرت من الأرض نتيجة لدورانها، فالقمر جزء من الأرض يعكس أشعة الشمس فيبدو لسكان الأرض مضيئًا، وقد كان أناكسجوراس بهذا الرأي أول من علل ضوء القمر على الوجه الصحيح، كما أنه أول من فسر الكسوف والخسوف تفسيرًا يتفق مع الرأي الحديث، ولقد كان يعتقد أن هناك كثيرًا من العوالم الأخرى غير عالمنا هذا بشموسها وأقمارها، وأنها جميعًا مأهولة بالسكان، ويذهب إلى أن أصل الحياة جراثيم كانت تسبح في الجو، فساقتها مياه الأمطار إلى الأرض حيث تكاثرت وتنوعت على الوجه الذي نرى.

وصفوة القول: أنَّ لفلسفة أناكسجوراس طابعَيْن مميزَيْن: فهو أول من فصل العقل عن المادة، فاتجهت أنظار الفلاسفة من بعده إلى هذه الناحية الجديدة — العقل — يتخذونها دون ظواهر الطبيعة موضوعًا لدرسهم، وثانيًا: قد حطم النزعة الآلية التي سارت قبل عهده؛ إذ كانت تفسر الأحداث بعللها، أما هو فقد اتجه بتفسير الظواهر إلى أغراضها وغاياتها.

غير أنه بالغ في هذَيْن الاتجاهَيْن حتى كانا موضع خطئه كما أنهما موضوع شهرته، فقد أسرف في فصل المادة عن العقل وجعلهما أزليَيْن أبديَيْن، فكان اثْنِينِيًّا بالغًا، فلا هو فرض المادة أصلًا للكون وفرع عنها العقل فيكون واحديًّا في ماديته، ولا هو اكتفى بأن يكون العقل جوهرًا للكون، وأن تكون المادة من خلقه وإنشائه فيكون واحديًّا في عقليته، ولكنه أثبت كلا العنصري وسلم بهما معًا، هذا وقد أراد أن يجعل العقل أساسًا للحركة حتى تكون الحركة مبصرة في سيرها، ولكن لم يسعفه التطبيق الصحيح، فزعم أن العقل حرك النواة المركزية في المادة، ثم ترك الحركة توسع من دائرتها بطريقة آلية شيئًا فشيئًا، فكأنما انقلب العقل قوة آلية، وكأنه انكفأ بذلك راجعًا إلى حيث كان أسلافه من قبل.

١  يُسمى هذا العقل الحكيم في عرف الفلسفة «نوسا» Nous.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤