عن الكتاب

سرد الحكايات

بقلم سايمون سينج

حين كتب بيير دو فيرما ملاحظتَه الهامشيَّة، لم يكن ليتخيَّل أنها ستشعلُ مسعًى رياضيًّا يستمرُّ على مدى أكثرَ من ثلاثةِ قرون. ربما كان سيُدهش أكثرَ وأكثر بكُتَّاب المسرحيات وكتَّاب السيناريو الذين أصبَحوا مهتمِّين بمبرهنته سيِّئة السمعة بعد أن أثبَتَها أندرو وايلز.

كانت إحدى المراتِ الأولى التي ورَد فيها ذِكرُ برهان أندرو وايلز لمبرهنة فيرما الأخيرة في أحدِ الأعمال الدرامية الشهيرة على لسان شخصية جادزيا داكس في مسلسل «ستار تريك: ديب سبيس ناين» في يونيو ١٩٩٥. وإذا لم تكن من مُشاهدي هذا المسلسل، فداكس هو أحدُ أشكال الحياة التكافلية الذي يَحْيا بتبنِّي مُضيفيه من أشباهِ البشر. ولم تكن جادزيا داكس سوى واحدةٍ من مُضيفيه، وقد استضافه قبل ذلك أشباهُ بشرٍ آخَرون مثل توبِن داكس. وفي حلقة بعُنوان «فاسيتس»، علَّقَت جادزيا بأنَّ توبِن قد توصَّل إلى «الطريقة الأكثر ابتكارًا للبرهان منذ وايلز قبلَ ما يَزيد عن ٣٠٠ عام.»

وكانت تلك على الأرجح محاولةً لتصحيح خطأ ظهرَ في الموسم «ستار تريك: ذا نكست جينيريشن»، حين أعلن الكابتن بيكارد أنَّ مبرهنةَ فيرما الأخيرةَ ظلَّت دون حلٍّ على مدى ٨٠٠ عام. كانت هذه الحلقة، «ذا رويال»، قد أُعِدَّت عام ١٩٨٩، ولم يكن الكُتَّاب يعرفون بالطبع أنَّ وايلز يعمل سرًّا على برهانه.

جاءت إحدى المراتِ الأخرى التي ذُكِرت فيها المبرهنة في فيلم «بيدازِيلد» من إنتاج هوليوود. لعبَت الممثلة إليزابيث هيرلي دورَ الشيطان، وظهرَت في أحد المشاهد بصفتِها مُعلِّمةً تقف أمام سبورة، وتُعلن المهمةَ التالية المنذِرةَ بالسوء: «الواجب المنزلي لليلة: أثبِت أنَّ ، وهي مبرهنة فيرما الأخيرة في شكلها الأكثر تعميمًا.»

لقد أسَرَ نِضالُ أندرو وايلز الاستثنائيُّ خيالَ الجمهور، وقد استجابَ مجالُ صناعةِ الأفلام بإصدار العديد من الأفلام المهمَّة التي تُصوِّر علماء رياضيات في شخصياتها الأساسية. فكُتِب فيلم «جود ويل هانتينج» عقب برهانِ وايلز، وفاز بجائزتَي أوسكار كانت إحداهما لمات ديمون وبين أفليك على نَصِّهما السينمائي. وبعد ذلك في العام ٢٠٠١، جاء فيلم «أبيوتيفول مايند» الذي فاز بأربعِ جوائزِ أوسكار، ليُؤكِّد حبَّ هوليوود للرياضيات المعقَّدة.

بالرغم من ذلك، فحتى الآن لا يوجد فيلم عن أندرو وايلز أو بيير دو فيرما. وتحسُّبًا لأن تُقرِّر إحدى شركاتِ الإنتاج في نهايةِ المطاف تحويلَ مبرهنة فيرما الأخيرة إلى عملٍ كاسح، كنتُ قد أجريتُ مسابقةً ذاتَ يوم أسأل فيها أيُّ الممثِّلين ينبغي أن يؤدِّيَ أيَّ الأدوار. تنوَّعَت الترشيحاتُ بشأنِ الممثِّلين المقترَحين لِدَور بيير دو فيرما بين جون مالكوفيتش وجون جودمان، بينما تضمَّنَت الاقتراحاتُ لدور وايلز، وودي آلان وجون كليز. وقد سألت أيضًا عن اقتراحات للمُمثِّلين في بعض الأدوار الثانوية مثل دور صوفي جيرمان، ومرةً أخرى تنوَّعَت الاقتراحاتُ تنوعًا كبيرًا بين جوليا روبرتس وليلي سوبيسكي.

على عكس موقفِ هوليوود الخَجولِ تجاهَ مبرهنة فيرما الأخيرة، تناول مسرحُ برودواي الموضوعَ بصورةٍ مباشرة في أحد الأعمال الإبداعية التي يُعَدُّ استلهامُها من برهان وايلز أمرًا غريبًا. فقد كتبَت جوان سيدني ليسنر وجوشوا روزينبلوم مسرحيةً موسيقيَّة بعُنوان «فيرماز لاست تانجو» (رقصة التانجو الأخيرة لفيرما)، وتبدأ المسرحية بإعلان البرهان أمامَ الصِّحافة، قبيل أن يتضحَ وجود خطأ في إحدى معادلاته.

بعد ذلك، يرحل العديدُ من علماء الرياضيات القدامى ومنهم بيير دو فيرما، عن النَّعيم الرِّياضي (الذي يُسمَّى في المسرحية «ذا أفتر ماث» (ما بعد الرياضيات).) لمساعدة أندرو وايلز، الذي يُسمَّى لسببٍ مجهول باسم دانييل كيان.

علَّق الناقد المسرحيُّ سيث كريستنفلد أنَّ هذه المسرحية لا بد أن تكونَ هي المناسبةَ الوحيدة التي غُنِّيَت فيها الكلماتُ «حَدْسية تانياما-شيمورا» على مسرحِ برودواي. افتُتِح العرضُ في مسرح نيويورك بمنهاتن في السادس من ديسمبر عام ٢٠٠٠. ومن المؤسف أنه اختُتِم في الحادي والثلاثين من ديسمبر.

ربما يكون العمل الإبداعي المفضَّل لديَّ من بين تلك الأعمالِ المستلهَمة من فيرما، هي قصةَ سيرةٍ ذاتية قصيرة ألَّفَتها أليكس جالت ووردَت في مجموعة قصصية بعنوان «ترو تيلز أوف أمريكان لايف» (قصص حقيقية من الحياة الأمريكية) من تحرير بول أوستر. تشرح جالت علاقتَها الباردة بحبيبها جون وأنهما كانا على وشك الانفصال. كان عيد الميلاد يقترب وبدا أنه سيكون عيدَ الميلادِ الأخيرَ لهما معًا. ذكرَت أنها كانت منغمسةً في كتابٍ عن مبرهنة فيرما الأخيرة (أُحبُّ أن أعتقدَ أنه هذا الكتاب)، وأنها كانت تقرأ منه بعضَ الأجزاء على جون الذي ظلَّ صامتًا وفي عالمه الخاص.

وبينما حلَّ عيد الميلاد وانتهى، بدا أنَّ جون لم يعبَأْ حتى بتقديمِ هديةٍ لها. بعد ذلك، زارَها دون موعدٍ وقدَّم لأليكس مستطيلًا من النَّسيج المحبوكِ يظهر عليه العدَدان: ١٢٤١٥٥ و١٠٠٤٨٥. أوضح جون بفخرٍ أنهما عدَدان متحابَّان: «كتبتُ بَرنامَجًا للكمبيوتر وتركتُه يعمل على مدى اثنتَي عشرة ساعة. كان هذان العددان هما أكبرَ ما وجدت، ثم جدَلتُهما على هذا النسيج مرتين.»

فبينما كانت أليكس تقرأ عن مبرهنة فيرما الأخيرة، ذكرَت أنَّ أزواج الأعداد تُسمَّى أعدادًا متحابَّة إذا كان مجموعُ عوامل العدد الأول يُساوي العددَ الثانيَ، وكان مجموع عواملِ العدد الثاني يُساوي العددَ الأول. فعوامل العدد ٢٢٠ على سبيل المثال هي: (١ و٢ و٤ و٥ و١٠ و١١ و٢٠ و٢٢ و٤٤ و٥٥ و١١٠) ومجموعها ٢٨٤، وعوامل العدد ٢٨٤ هي: (١ و٢ و٤ و٧١ و١٤٢) ومجموعها ٢٢٠. وكان بيير دو فيرما قد اكتشفَ عام ١٦٣٦ عددَين متحابَّين جديدَين؛ هما ١٧٢٩٦ و١٨٤١٦.

الأهمُّ من ذلك أنَّ أليكس قرأَت لجون أنَّ العُرف قد جرى بأن ينقش الأحباءُ عددَين متحابَّين على نِصفَي تفاحة، ويأكلَ كلٌّ منهما نِصفًا ليكونَ ذلك مُقوِّيًا للحب. من الجليِّ أنَّ جون كان منصِتًا وقد استخدم إبرَ الحياكة ليُقدِّم عددَيه المتحابَّين اللذَين اكتشفهما. وبنهاية القصة تُؤكِّد لنا أليكس أنَّ «مُثير العواطف الرِّياضي القديم نجح من جديد.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤