التشخيصة …

السلطان : دبَّرني يا وزير … يا وزير … الله فين الوزير؟ … طبعًا لازم يِكُت … ماحدش عايز يتحمَّل المسئولية … تعالى …
بناء : أنا؟
السلطان : أيوه انت … أمَّال خيالك؟ … ما لك؟
البناء : وانا ما لي … ماعملتش حاجة!
السلطان : خايف ليه؟ … تعالى هنا … دانا ح اعملك وزير!
البناء : خبر اسود … أنا ماعرفش أقول إيه بالوزير!
دوَّر على حد يكون بيفهم، أنا ما انفعش!
السلطان : أنا قلت تنفع … كلام السلاطين لا يكب … إنت الوزير وبطَّل مقاوحة … أنا اختارتك لدور سهل … أخف من دور العيا، مطلوب توافقني وترافقني، هيا ورُد قوام لما أقول … (دبَّرني يا وزير.)
الوزير : التدابير لله يا سلطان الزمان.
السلطان : شفت وكأنك مولود ع الكرسي … عليك تدبرني، سايبني وحدي ألوص والحالة بقت زفت … والمدينة منيلة بستين نيلة … اعمل حاجة.
الوزير : أنا لسه متعيِّن حالًا … حتحط كل البلاوي دي على دماغي ليه؟
السلطان : حتقضوا عليَّه وعلى شبابي … هلكتوني ف شغل المملكة وغرقتوني ف شغل البيت … دي عيشة زفت … جتكم نيلة ف بلاويكم إن كانت برة القصر والَّا جواه!

(تدخل الملكة وهي شرسة شلق؛ وهي نفسها زقمانة طبعًا.)

الملكة : عيب على شيبتك … عَمَّال تعدِّد زي الست اللي ضاع خلخالها في المُولد … حتفضحنا قدام الدول!
السلطان : يا فتاح يا عليم، ع الصبح … إنتي سيبتي فَرْشتك ليه يا ست البنات؟ لم تتعبين نفسك وانت مريضة وقد تموتين؟ … قول يا رب!
الملكة : نفسك تقتلني عشان تورث … إيه شغل البيت اللي عملته … شَرَاباتك زي ما هي م الجمعة اللي فاتت تحت العرش … لما كمكمت … فكَّرت تنقعها والَّا ترميها … يا راجل دا الكلب اتسمم عشان كَل واحد منها؛ أُف!
السلطان : طبعًا لكي حق تقولي أكتر من كده … ما دام سلمتك دقني انتِ وابوكي.
الملكة : بفلوسي.
السلطان : كده بتعايريني بالملاطيش اللي سالفهم من ابوكي بالفايظ … ارحمي أعصابي … أنا الآن منعقد مع وزيري تاريخيًّا لبحث أمور خطيرة.
الملكة : أمور خطيرة … من غير شورتي … ماينفعش … بلَّغ بابا يتصرف!
السلطان : يا ستي اهمدي … ده شيء مايخصش باباكي … دي أمور داخلية … وانا مش ح اسمح له يتدخل في شئوني … هُس … اخرسي!
الملكة : بتشخط … على إيه؟ … م الصبح ألِم هدومي واروح على بابا … واخليه يسحب كل جيوشه اللي بتحميك وفلوسه اللي صارفها عليك … ونبقى نشوف حيديرها معاك إزاي الدُّهل اللي انت جايبه م الشارع ده!
الوزير : عيب يا جلالة الملكة … عيب تردحي في قاعة العرش، التاريخ بيسجل … يقول علينا إيه! … وعليكي بالذات يا مدام!
الملكة : والله اتنجَّرنا وعُدنا بنرطن أهه … إيه يا روح امك … لسه يا دوب متعيِّن وحتتدخل في الأمور العليا … لأ، فُوق لاعرفك مقامك واخلي وراك قدامك!
السلطان : إنتي ملكش صالح بيه … سيبيه … ده وزير من قلب الشعب … وناصح … وبيثبت إن الحكم ده مش صنعة … ولا كيميا … أهه … بيزغر وينطر ويحكم … هايل إنت ولد تمام … مع إنك هزأة ومن الدهماء!
الوزير : لأ … يا سي «حيص بيص»، أنا مش هزأة ولا يمكن أتهزأ باسم وزارتك … خد آدي عبايتك مش لاعب.
السلطان : لأ … ماتزعلش يا ولد … أنا باهزر … آهو انت كده يا شعبي الحبيب، مابتعرفش امتى بنهزر وامتى مش بنهزر.
الملكة : سيبه يغور … هو عايز يبقى وزير بلُّوشي!
الوزير : يا ست الكل أنا مش عايز … أنا قبلت أشخَّص معاكم، خدمة عامة يمكن نلاقي حل للمشاكل اللي بتقولوا عليها … خدمة لا أكثر ولا أقل … يا نشتغل صح … يا امشي … لكن أتهزأ … لأ، يفتح الله!
السلطان : هايل … شفتي … صدقتي … اتنوَّرت يا ابني لما استوزرت.
بقيت بتفهم كل حاجة … مشاكلنا طقت في نافوخك وبقيت مسئول! ومفتح مع إنك لسه جديد!
الملكة : اتفتحَت في نافوخك طاقة منك له … ده جديد ده … ماهو شبه اللي قبله وقبل اللي قبله … ويمكن أظرط … (الوزير يحتج.)
السلطان : يا ستي أرجوكي … اذهبي ودعينا الآن كي نُدبر أمور الحكم الشائكة واسكتي خالص … أيتها المماحكة!
الملكة : ماتشخطش، أنا ماينشخطش فيَّه!
السلطان : طب اسكتي … الأحوال عمَّالة تتدهور، وعايزين حل وإلَّا نضيع … واللي زيه فاهم أحوال الرعية … ويقدَر يساعدنا.
الملكة : هو إيه اللي بيتدهور؟ ما انت آكل شارب ونفسك مفتوحة ع الآخر! … ماشفتكش مرة زُورت في أكل لما افتكرت الجعانين … ولا الميه وقفت في زورك عشان الحالة اتنيلت! … قال بيتدهور!
السلطان : أنا مش قصدي أنا … بيت المال قرب يشطَّب … وترع الري مسدودة والأراضي الزراعية باظت وبارت … والناس هجَّت، مابقاش فيه أخلاق … إمبارح اتنكَّرت أشوف أحوال الرعية … سمعت شتيمة عيب قوي بودني دي … وفيَّه أنا … وواحد عمل نفسه مش عارفني … وقعد يديني! فيه حاجة غلط … الناس حتاكل بعض … وحتاكلنا!
الوزير : العسكر … كمان ظلمهم زاد … الضرب ع الفاضي والمليان وخصوصًا إن كنت غلبان … والنهب علنًا صَبَح شرع وقانون … والفقر كأنه أزلي … والجوع … يا مولاي آه … ناس بتبات من غير عشا ليالي طويلة … وفيه اللي بيتعشى لوحده بأكل قبيلة!
الملكة : الله … الله! … سامع! آدي وزير نقاوة ايديك يا ملك الغبرا … ده معاهم والَّا معانا؟!
السلطان : أيوه صحيح! دانت كأنك كنت حتاخدني قلمين … إنت بتدافع عنهم كده ليه؟
أنا جايبك تدبَّرني مش تقطَّمني!
الملكة : نقاوة إيدك.
الوزير : أبدًا يا مولاي، أنا قصدي … كان في نفسي إن أقول لك …

(يغنِّي.)

اللصوص في كل حتة
والهدوم كَلتْها عتة
والولاد مش لاقية حِتة
تريح الجتة عليها … أو سرير
كترت الرِّجل الغريبة
كل شيء أصبح مصيبة
وناس بتلهط لما تشبع في الفطير.
السلطان :
أنا جايبك أشتكي لك
جاي انت تشتكي لي؟!
الملكة :
ده باين مدسوس دسيسة
شوف ملامحه إزاي خسيسة … يا مجير!
الوزير :
يا ملك الأمر باين
المدينة حيصة بيصة.
السلطان : والعمل يا ابن البُريصة؟
الوزير : الحقيقة الوضع أصبح شيء خطير!
الملكة :
غيَّروا اسم المدينة
واقتلوا الناس الحزينة
والحُمار سمُّوه سفينة
والدبَلان اصبغوه … يبقى حرير.

•••

وافرضوا حالًا ضريبة
ع اللي تحصل له مصيبة
واللي يعمل حاجة عيبة
واللي يتجرأ ويشكي ويستجير.
الوزير : لا يا مولاي تمهَّل!
السلطان : أعمل إيه؟
الوزير :
اقتراحاتها غريبة
لو طاوعناها مصيبة
داحنا نرضى بحالنا أحسن
والفرَج ساعته قريبة … يا مجير.
الملكة :
الوزير ده ترفده
وعن القصر ابعده!
السلطان :
اسكتي إنتي إيش فهمك
دي أمور عليا وعويصة
خشي جوه لاخرشمك
إنتِ فاكرة الحكم هيصة
والَّا عرش الملك أصبح كالسرير!
الملكة :
إنت بتلقَّح عليَّه
وابويا اللي حاميك
طب وحق نور عينيَّ
ما انا قاعدة تاني ليك
وانا مالي انشالله تخرب
بكره ح اهرب
ولا ح اسأل تاني فيك (تخرج).
الملك : يالَّلا فكر يا وزير سيبنا منها.
الوزير : روح صالِحها، الصُّلح خير.
الملك :
انتهينا … قول لي كيف الآن ح نخرج
من مرار داهيتنا ديه
يالَّلا دبَّرني وفكر!
الوزير : التدابير للإله … الله أكبر … وانت بعد الله تفكر.
الملك :
أيوه، لكن الوضع يوم عن يوم بيخطر
الرشاوي ف كل حتة – م المسافر خانة للسلخانة للسوق الكبير
والفساد ما خلَّا جتة
والعقول … زي ما تكون اتحشت بصل وفول
الحيطان شُقع بُقع
والبنايات بتُقع
والخيام بقت رُقع … أعمل إيه؟ قول ودبَّر يا وزير
إنت راجل عشت وسط الناس كتير.
الوزير (يلتفت نحو المخبرين) :
التدابير للإله
وانت عارف … أصل أنا ما عندي خبرة
وبلدكم غير بلدنا … ده كلام مزبوط ويدِّي الخَلق عبرة
إحنا غيركم — حلوة دي — وف بلدنا حكمة قالت
الحمد لرب مقتدر
خلق الجِمَّيز على الشجر
فأكلنا منه وشبعنا … ورمينا الباقي للبقر.
الملك :
هو أنا جايبك تعايرني … وبأي كلام تنطق وتقول
والَّا انت جاي تدبَّرني … هيَّ كلمة واحدة بس
فيه تلات تيام قصادك … مهلة فيها تلاقي حل
وان ماجيتليش قبل وقتك
وف ايديك حل المشاكل … كلها ح اقطع رقبتك!

(أثناء المنظر الماضي يُتابع الحشَّاش المنظر ويختار لنفسه موضعًا يرصُّ فيه أدواته ويتأمَّل … ومع انتهائه يراه بوضوح في عالمه الخاص مع صوت الجوزة والدخان … منفصلًا عمَّا يجري بعد أن يبدي سخريته من كلِّ ما جرى.)

الحشاش : شِد وكركر … خلِّي الليلة تفوت عنَّابي … واوعى تفكر … راح تتعكر … مشوراك دايمًا كعَّابي … ده … لازم يكون نشيد كفر حماقة القومي … أيوه كركر … عمرك ما حترتاح … سرقوا الصندوق يا ابو صلاح … لكن العبرة في المفتاح … والمفتاح عند الحداد، والحداد عايز بيضة، والبيضة صبحت سودة، سودة زي الفحمة عايزة لحمة، واللحمة أكلتها القطة … يا خرابي فُوق يا حشنيش، الدور جاي عليك حيسألوك تاني. لأ أنا ما اتسألش، اللي ينضرب مايتسألش لأنه مايعرفش إن الفرخة عايزة قمحة … والقمحة عند التاجر عايز فلوس … والفلوس عند الصرِّيف … والصريف سرق الصندوق … هأوه … ما كنا حلوين نرقَّع هنا ونلزق هناك، وكانت بتتنيل أكتر … لكن مالناش دعوة دلوقتي عملنا معلمين وفاهمين الفولة … خطفتها الغولة … لأ برده انت ابن بلد حتى بعد ما انضربت بالجزمة لك لازمة ما دام ده فوق دماغك … حيجيب داغك … ها … كحح كح آه … يا خرابي … معايا … آه يا دماغي … دماغ الواحد منَّا … جوزة هند … أيوه لو تفضل على طول مقفولة … تاخدها الريح … يحدفها التيار للبحر … تعوم … وتقب … تتخبط في الصخر وترجع … تتهبد وتترزع … لكن أكيد في يوم معلوم … راح ترسي على بر أمين … تتغرز في الطين … تنبت … تطلع شجرة … ويمكن تطرح … ياكلها غيرك آه … لكن لو انكسرت … هع … حتاكلها … وترمي القشر أو تشربها وتتروي بيها … وبعدين ح تجوع تاني وتاني ح تعطش.
أنا بقى لما الدماغ … قصدي الجوزة تتخرم … حتصهرج فوقها النار … دخان … أحلام … وتكركركر … يبقى أحسن تسيبها والَّا تكسرها … أجدع من ده ومن ده تخرمها … خير الأمور الوسط … عشان تكركر وتصهرج زي نافوخي … تقدر تطلع من مناخيرك … وتقدر … تكتم … تكتم … اكتم.

(يدور الوزير حائرًا … ثم يحاول أن يسأله عندما يقترب منه.)

الحشاش : اكتم … انسد واكتم، إيه ده؟ بيعيط! … إنت بتعيط؟ حد ضربك من عيلتهم؟ عيلة كبيرة قوي … شايف قفايا …
طب عيَّط على كتف اخوك … عيب … الدموع غالية … أوه … ده اسمه كلام؟!

ده حيفوقنا … يا عم انت بتشتغل إيه؟
الوزير : وزير.
الحشاش : لأ … بسيطة! … إيه؟ يا خبر اسود الحقونا … طفِّي النار يا ولد كبسة!
الوزير : ماتخافش … وانا وزير تشخيص … شخصوني.
الحشاش : إنت بتضحك عليَّه؟
الوزير : لا أبدًا … دانا وزير كده وكده … ما انت شايف الحكاية من أولها.
الحشاش : شايفها وعارفها … بس بقى مافيش أعز م الأم … كان لازم أعمل كده … مهما كانت الزراير … آه … اوعى تكون وزير العسس؟
الوزير : لأ.
الحشاش : الحمد لله، أمال وزير إيه؟
الوزير : ماقاليش … هو نده لي وقال: روح تبقى وزير … وصرفولي الملابس دي … لكن زعل تاني وقال حيقطع رقبتي ساعة المغرب!
الحشاش : عادي جدًّا … ما دام عيَّنك يبقى من حقه يقطع … على كلٍّ ماتزعلش … ضمنت معاش كبير لأولادك … ريَّحت قلبي يا شيخ … عشان مش وزير العسس … أصل الأمر مايسلمش برده … خد … شم دي وماتقولش لحد.
الوزير : ماليش نفس … وماتخافش منِّي أنا أصلي خلاص فنش … وانا اللي جيبته لنفسي … كروتوني وقالوا تمثيل وتشخيص، بس برده أنا طمعت واستاهل … حيشنقوني المغرب.
الحشاش : طمنتني يا شيخ … قبل ما يطيروا الكرسيين اللي معمَّرين النافوخ.
يبقى أنت بقى الوزير الهزأة اللي اتفرجنا عليه من شوية والمَلك عمَّال يهزأ فيه ويقوله حل … حلها … ويهزَّأك!
الوزير : أنا … هزَّأني … لأ.
الحشاش : ماتتحمقش قوي كده … كل الناس شايفين مراته وهيَّ بتمرمط بيك الأرض!
إشمعنى يعني القلم لما ينزل من فوق ماتزعلوش!

كلامنا احنا اللي دمه تقيل … روح يا شيخ وانت عامل زي الست أم رجل ف مناخيرها.
الوزير : أنا ما اسمحش انك تشتمني!
الحشاش : إيشمعنى قبلت منه هو … هه … ما احنا برده معلمين … خلاص شوف بقى مين حيحل المشكلة، وابقى قابلني لما يعلَّقوك تتمرجح واحنا نتمزج ونسقف!
الوزير : تقدر تساعدني؟
الحشاش : المساعد ربنا … واحنا راضيين بالمكتوب.
الوزير : دول حيقطعوا رقبتي!
الحشاش : أمر الله … كلنا لها … كل شيء بأوان، ولكل وقت أدان … والحيطان لها ودان.
الوزير : حرام عليك … أنا دُخت السبع دوخات!
الحشاش : وانا دخت م القعدة.
الوزير : اعمل معروف … دلني على حل المشكلة دي.
الحشاش : ده عزرائيل نفسه لو سألوه … عن حلها … يعيط.
الوزير : رقبتي ح تطير … يرضيك ده!
الحشاش : اللي يرضي الملك يرضيني … (يبكي) الله! ده بيعيط! … يا عم روَّق ماتندمجش قوي … واحنا معمرين دماغنا، إحنا ناقصين؟ وانا بصراحة بقى مالياش في السياسة … تُبت … خُد وشِد، ده أحسن حاجة بدل الدماغ ما تنكسر … تنخرم … وتبقى عال!
الوزير : ماليش نِفس.
الحشاش : ومين اللي له … خُد يا راجل، ماهي بايظة من زمان … هو انت يعني كتافك اللي حتشيل وحدها … ماتعتلش هم.
الوزير : لكن ده حيقطع رقبتي!
الحشاش : آه … خايف على نفسك بقى!
الوزير : يعني؟ … لكن خايف أكتر إنهم مايلاقوش حل بعد مايدبحوني!
الحشاش : مش حتبقى مشكلتك، حتبقى خرجت لباب الكريم … وسيب كلابها على ديابها … اشرب … بس اكتم … فيك من يكتم السِّر؟
الوزير : في بير …
الحشاش : ح اصدَّقك … هُمه قالوا لي بصراحة كده … أفكر وأقول لك الحل.
الوزير : صحيح … الله يخليك … اوعى تكون بتكدب!
الحشاش : الحشاش عمره ما يكدب … وخصوصًا وهو تحت السلاح.

(يسير بخطوةٍ عسكريةٍ رافعًا الجوزة.)

الوزير : وحتقولي الحل؟ هه؟
الحشاش : كله بأوان، ملهوف على إيه؟ … أصل احنا يا صنف الحشاشة ماتفرقش معانا … أحمد زي ازدحمد … لأننا مابنفهمش في أموركم دي … عشان احنا أجدع من يفهم فيها … بس مابنقولش … بنكتم … برَّق عينك … وبص لي زي الاهبل بقى، وكأنك لاول مرة بتسمع الكلام ده … تقولي ازاي … أقولك … صلي ع اللي ح يشفع فيك … يا بني الدنيا المكلبشة المغبشة المدغمشة المنعكشة … ماتفهمهاش إلا الدماغ المحششة … خدلك نَفس يمكن تفهم … إنت مش أصلًا «بنَّا» … م اللي بيبنوا المحطة … خلاص … في إيدك صنعة بتكسب دهب حتى لو الملك ده شنقك.
الوزير : إزاي بس … إنت ح تخرَّف؟!
الحشاش : الله يسامحك … فيه حشاش في الدنيا يخرَّف؟ … دي مسئولية كبيرة.
الوزير : وعشان كده أرجوك قول لي الحل … انقذني!
الحشاش : اسأل الملقِّن.
الوزير : مافيش ملقِّن … ودوري ماكانش مكتوب.
الحشاش : خلاص مش حنحط العقدة قدام المنشار … زي مايعمل الملك السلطان الأونطجي بتاعك ده … كل الحكاية احنا بنتسلى وبنحتفل بنجاة «نص نيص» من ايدين اخوانا الطيبين دول، ومن عدالتهم! ولا يمكن … نسمح إن رقبة واحد زيك تنقطع في حفلتنا … وانت اللي اتطوعت بنفسك تستوزر، أنا لذلك لازم أقول لك على الحلِّ اللي يريَّح السلطان ويبسط البلد … ويحل كل المشاكل … وينجيها من بلاويها … ومن الأونطة والتهليب … والسرقة والتهريب … بس فوت عليَّه بعد المغرب يكون فكرت لك.
الوزير : لأ … في عرضك بعد المغرب … الوقت يبقى فات … وشنقوني!
الحشاش : يبقى انت عايز حل لمشكلتك … مش لمشكلة البلد.
وهنا مربط الفرس … روح اختار لك جحش منه وروح هات الملك بتاعك ده … وانا ح اقولكم الحل بنفسي.
الوزير : طب ما تيجي معايا القصر!
الحشاش : ده كلام! … هو ينزل مرة، يطلُّ علينا … داحنا حلوين قوي … برده!
الوزير : بس اعمل معروف ماتمشيش … وخد الحتة دي اتسلَّى بيها عقبال ما ارجع لك (يخرج).
الحشاش : إيه ده؟ … حشيش! … أعوذ بالله … والَّا ده ماركة مضمونة … هع … زوق الراجل ده … وخسارة في المشنقة … زي ما انا خسارة في الدنيا دي والله … اتكلمت مع الوزير بكل شجاعة … ولا خفت منه … مش تقول لي … زمان كنَّا بنقرا عن الوزرا دوله … لما ينزلوا متنكرين بيبصبصوا على أحوال الرعية … لكن ده جريء قوي … قال على نفسه بنفسه … آه … مش حيموت بقى … لكن احنا يا اولاد البلد جدعان برده … كان ممكن أتقالط عليه ولا اعبَّره واسيبه يغلي، لكن أنا قلبي طيب … معلهش ما هو مأزق … رجل في مزنق … حيتشنق … المغرب … الله! … يكونشي ده اللي خلَّاه يتواضع؟ … يا سيدي! … معلهش … كح … كح …

(بوق وطبول … الملك والوزير في الموكب الملكي الهزأة … يلاقيهم من بين رموشه.)

الحشاش : ياه … مالها الدنيا بمبي كده! … إنت جيت يا مرزوق!
السلطان : مين ده؟
الوزير : ده الحلال … قصدي الحشاش.
الحشاش : تاج الجزيرة … ياما انت كريم يا رب.
السلطان : إيه ده؟ … بيخرف … إنت جايبني أزور حشاشين يا جدع انت؟
أنا السلطان «بهبهان بن كهرمان ساهنشاه الملح والمرجان» ينزل من قصره … ويغالط عصره … ويروح غرزة؟!
الحشاش : لأ … فات عصر الغُرز، دي قهوة شعبية محترمة على محطة رسمية عصرية … وإن كان عاجب سيادتك أهلًا وسهلًا … مش … مع …
السلطان : إيه؟ … إيه ده؟
الحشاش : إحنا حلَّالين العُقَد، من غير أي عُقَد … ولاحظ انك ضيفنا هنا، ومالكش حُكم علينا … الكلام ده في القصر تبعك والعصر بتاعك.
الوزير : معلهش يا مولاي استحمل علشان خاطر مدينتك ومشاكل شعبك.
السلطان : طول عمري باضحي عشان مدينتي … ومدينة غيري كمان … بس مش للدرجة دي!
الوزير : ده اللي حَداه حل المشاكل كلها … ومعاه الدوا للأزمة اللي طلبت منِّي ألاقيلها حل … ده عنده الدوا الأكيد والحل الوحيد.
السلطان : إيه؟ … حشيش يعني … قصدك كده؟
الحشاش : لا … يا محترم ماينفعش، ماكانش حد غلب من زمان … وكان حصل وتم المراد وارتحنا يا جميل.
السلطان : ما هو مش معقول … تنزلني من عرشي عشان واحد زي ده يهزر معايا؟! … هو ح يفهم أكتر من العلماء اللي عملنا منهم لجان سلطانية … للبحث والدرس … والَّا المشايخ والكهَّان اللي طلبنا منهم يصلُّوا في الجهر والهمس … والَّا المجالس اللي شكَّلناها من أكبر المختصين في لجان متخصصة … وكلهم فشلوا والحمد الله!
ده ييجي إيه جنبهم؟
الوزير : ده اللي ح ينجح.
السلطان : تعرف … لو ماحلهاش أبو غابة ده … أنا ح اكسر الدنيا!
الحشاش : شِد معانا نفَس تروق … واعطينا مما أعطاك الله!
السلطان : ده شحات كمان!
الحشاش : الشحاتة م السلاطين مش شحاتة … قب باللي يخرج من إيدك والَّا نزرجن ومافيش حل … فين العطايا؟
السلطان : أنا مامعاييش.
الحشاش : مفلس؟ طب ازاي ح اغلبك … قالوا المفلس غلب السلطان. طب لما مفلس على مفلس ماينفعش …
السلطان : أنا مش باشيل الفلوس … الفلوس هيَّ اللي بتشيلني يا مغفل!
الحشاش : ماليش دعوة … تدفع … تمشي المراكب … ماكانشي اتكل!
الوزير : أنا باتعهدلك بكل اللي انت عايزه … حدِّيك ما يكفيك بس خلصنا.
السلطان : دي تبقى فِردة بقى … برطيل … رشوة …
الحشاش : فردة؟ آه … عساكرك بيسموها إكرامية! ضرائب! حوافز … جهد زايد … حلوان … اشمعنى أنا … يعني … هو أنا اللي واقع من قعر الفردة … هع!
السلطان : والله دمك خفيف (يضاحكه).
الحشاش : أيوه يا راجل افرد وشَّك … وزيح كرشك أُمال … والَّا خايف رموشك تقع؟!
الوزير : أيوه كده علشان نوصل.
الحشاش : نوصل؟ … داحنا وصلنا من زمان … شِد أيوه … ده جاهز تمام … يابا … معلم … قراري!
السلطان : حلو قوي الدخان السُّخن ده!
الوزير : مش كده يا جدع! … عيب تعمل فيه كده قدام الناس!
الحشاش : اسكت انت … حينبسط قوي وكله ينحل … جاك حل وسطك خايف عليه … ليه؟
السلطان : بس انت مش حتضحك عليَّه … يالَّلا … ماعدش وقت نضيعه وح تضيع معاه … المغرب حل … ووجب الشنق … إيه اللي عندك؟!
إذا الدوا طلع شفا … والغمة انكشفت عن الأمة …

كان بها … لك الإكرام … وإن ماكانش … رقبته ورقبتك هاها …

قول يا رحمن يا رحيم … طاروا.
الحشاش : ده واخدها جد قوي … حيندمج ويبوظ الدنيا.

(يفوق السلطان وينحمق.)

السلطان : وح اكسر كل الجوز حَتتك بَتتك … وامنع شرب الدخان السخن ده!
الحشاش : ها … ها … لأ … وانت تمام واحنا تمام … وميت فل وعشرة.
السلطان : إنت باين نصَّاب … ومافيش حل عندك.
الحشاش : لأ … داحنا نفهمها وهي طايرة يا بيه … يا رب يا سلطان … وصدقني … ح تبقى بيه كبير قوي … إحنا عندنا الدوا … والحل لكل الأسرار.
داحنا اكمننا عارفين الحل … حششنا … لا زرعنا ولا قلعنا … قلنا إيه … خير الأمور وسطها … نقوِّم الدماغ دي وإيه؟ نخرمها ونلهلبها … بدل ما تلهلبنا هيَّ.
السلطان : هيَّ مين؟
الحشاش : الجوزة.
السلطان : جوزة مين؟
الحشاش : القضية.
السلطان : قضية إيه؟
الحشاش : عمك شنطح.
السلطان : ماله؟
الحشاش : جالك ينطح … تديه إيه؟
السلطان : إيه ده! … لعبة دي؟ … آه فهمت!
الحشاش : يا فهيم انت يا عاقل!
السلطان : طبعًا … أنا السلطان لازم ولا بد أفهمها وهيَّ طايرة.
الحشاش : اسم الله عليك … إيه الحل بقى يا فهيم؟
السلطان : ده بيسألني يا وزير … يا سيَّاف …
الوزير : ده بيهزر، أصله بيحب الضحك … يخرب بيتك حتودينا في داهية!
السلطان : بيضحك علينا يعني؟ … يا سياف …
الحشاش : لأ … ماتقولش كده … إحنا مابنضحكش على حد … إحنا اللي طول عمرنا مضحوك علينا … إزاي نضحك على سيادتك معاذ الله … واحنا اللي شلنا الهرم على اكتافنا عشان يندفن فيه اللي زيك … وماقلناش ليه؟
وعملنا مراكب زينة وتجارة ركبها اللي زيك وقعدنا احنا في قعرها نقدف … وبرده ماقلناش ليه؟

وفُتنا ع الصحرا كانت تخضر من خطاوينا وشرفك … ولهفها اللي زيك … يا بيه …

وكتمنا قولة ليه …

عشان كده احنا عارفين الحل البريمو السحري … وساكتين خرسانين … حششنا عشان نعرف نكتم كويس.
الوزير : إنت ح تقلبها غم ليه؟ داهية تغمك المغرب حيدن!
الحشاش : ما يدن … طول عمره بيدن وطول عمرنا كويسين.
بس هو من السلاطين اللي مش فاهمين.
السلطان : خش في الموضوع … ويالَّلا … بلاش لف ودوران وقلة أدب!
الحشاش : شوف ومع انك ولا فاهم كلمة م اللي انا قلته …
مش قُصر نظر، لكن قُصر كلام … يا سلطان الزمان …

الغمة حاطة على بلدك ومدينتك اللي بتولد فقر وغلب وكدب …

ونكد … علشان بلدك يا سلطان الزمان يا ملك الكوتشينة …

بلدك مليانة «أولاد حرام»!

بس … خلاص.
السلطان : إيه ده؟
الحشاش : الحل.
السلطان : ده بس؟
الحشاش : آه … بس.
السلطان : أولاد حرام يعني إيه؟
الحشاش : طبعًا … مش حتفهم … منين أجيب ناس …
الوزير : إنت واثق من اللي قُلته؟
الحشاش : طبعًا ومتأكد … اسأل اكتافي واجنابي … اسأل الفقافيق والنفانيق والباقبيق …
اسأل خوف اللي يتكلموا أو ينطقوا … اسأل … أُمال الهباب ده كله كان ليه؟! (يرفع الجوزة.)

عمر المدفع ده ما طلع فشنك … مع إن المدافع المدافع كلها فشنك، لكن تعمل إيه! … أولاد الحرام ماخلُّوش لأولاد الحلال حاجة …

مخلوش إيه؟ … حاجة!
السلطان : إنت فاهم حاجة من تخريف الراجل ده يا وزير؟!
الوزير : فاهم يا مولاي … بس مش عارف بالضبط … صن علينا شوية … يعني إيه البلد مليانة أولاد الحرام دي؟ يخرب بيتك!
الحشاش : ولو تنضَّفوا البلد منهم … ح تبقى البلد تمام … والواحد يروق وينام … وياكل حمام … مع الملايكة.
السلطان : لكن انت جاي تحل اللغز بفزُّورة يا راجل انت؟! أنا ح اقطع رقبتك حالًا … إن ماقلتش ح اعرفهم إزاي! ولاد الحرام دول … وأنضف البلد منهم ازاي؟
الحشاش : تعرفهم ممكن … أدلك … لكن تنضَّف البلد منهم، دي ما اضمنهاش!
الوزير : طب قول لنا نكشفهم ازاي … على الأقل.
الحشاش : شوف يا سيدي … ياللي ما سيدك إلا انا … لأ …
ماينفعش … كده … اقعد وروَّق … وشِد … أيوه لازم تشد … وتخلي المُنادي يلف … ويقول:

(يتداخل طبل المنادي ضعيفًا ثم يشتد، يدور المنادي بين المتفرجين يخبرهم بما ينبغي عمله.)

المنادي :
بأمر سلطان السلاطين
أبو عِمَّة مبرومة طبقتين
إعلان لكل البني آدمين
صغار كبار شبَّان نساوين
يتجمعوا كلك في الحال
في قلب ساحة قصر الطين
من أجل ما نحل مشاكل
بلدنا كلها في دقيقتين
الواحد اللي ح يتجرأ
ويسك شيخه وأستاذه
ومعلمه قلمين جامدين
يصرف له بيت المال في الحال
من الذهب جنيهات تلاتين
واللي ح يرفض … بالكرباج
يجلد بشِدَّة على الجنبين
لحد ما ننسِّيه اسمه
وشماله يبقى كأنه يمين!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤