الفصل الخامس

الْأَرْنَبُ بيتر يَرْوِي قِصَّتَهُ

عِنْدَمَا اسْتَطَاعَ الْأَرْنَبُ بيتر أَنْ يَسْتَرِدَّ أَنْفَاسَهُ بَعْدَ رَكْضِهِ الطَّوِيلِ وَالشَّاقِّ مِنَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ حَتَّى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، كَانَتْ لَدَيْهِ قِصَّةٌ رَائِعَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَرْوِيَهَا عَنْ كَائِنٍ غَرِيبٍ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. وَإِذَا اسْتَمَعْتَ إِلَى وَصْفِ بيتر لِذَلِكَ الْكَائِنِ فَسَتَظُنُّ، كَمَا ظَنَّتْ زَوْجَتُهُ، أَنَّهُ كَائِنٌ غَرِيبٌ مُفْزِعٌ لِلْغَايَةِ؛ إِذْ لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ أَرْجُلٌ وَلَا رَأْسٌ وَلَا ذَيْلٌ. عَلَى الْأَقَلِّ هَذَا مَا قَالَهُ بيتر.

قَالَ بيتر: «مَا حَدَثَ أَنَّنِي تَوَقَّفْتُ فَتْرَةً أَطْوَلَ مِمَّا كُنْتُ أَعْتَزِمُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ فَكَمَا تَعْلَمِينَ يَا عَزِيزَتِي، إِنَّنِي دَائِمًا أُحَاوِلُ أَنْ أَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ مِنْ مَأْوَاهُ وَتَهْبِطُ فِيهِ الرِّيَاحُ الْغَرْبِيَّةُ الْعَجُوزُ عَلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ.» أَوْمَأَتِ الزَّوْجَةُ مُوَافِقَةً؛ فَاسْتَطْرَدَ بيتر: «لَكِنْ بِشَكْلٍ مَا، انْقَضَى الْوَقْتُ أَسْرَعَ مِمَّا ظَنَنْتُ، أَوْ إِنَّ قُرْصَ الشَّمْسِ اسْتَيْقَظَ أَبْكَرَ مِنَ الْمُعْتَادِ.» ثُمَّ تَوَقَّفَ، فَكَانَتِ الْفِكْرَةُ الْأَخِيرَةُ جَدِيدَةً وَخَطَرَ لِبيتر أَنَّهَا فِكْرَةٌ جَيِّدَةٌ. وَصَاحَ: «أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا هُوَ مَا حَدَثَ بِالْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ أَنَّ قُرْصَ الشَّمْسِ اقْتَرَفَ خَطَأً وَاسْتَيْقَظَ أَبْكَرَ مِنَ الْمُعْتَادِ.»

بَدَا عَلَى الزَّوْجَةِ كَأَنَّهَا تَرْتَابُ فِي الْأَمْرِ كَثِيرًا، لَكِنَّهَا لَمْ تَقُلْ شَيْئًا؛ لِذَا اسْتَكْمَلَ بيتر قِصَّتَهُ.

قَالَ بيتر وَعَيْنَاهُ تَزْدَادُ اتِّسَاعًا: «أَدْرَكْتُ كَمْ شَاعَ ضَوْءُ النَّهَارِ فِي الْمَكَانِ وَعِنْدَهَا انْطَلَقْتُ نَحْوَ الْمَنْزِلِ مُسْرِعًا بِأَقْصَى طَاقَتِي، وَحِينَهَا سَمِعْتُ قَلِيلًا مِنَ الضَّوْضَاءِ عِنْدَ أَعْلَى التَّلِّ حَيْثُ يَسْكُنُ الشَّيْهَمُ بريكلي بوركي. بِالطَّبْعِ ظَنَنْتُ أَنَّ بريكلي بوركي نَفْسَهُ سَيَخْرُجُ لِتَنَاوُلِ إِفْطَارِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَى الْأَعْلَى وَفَمِي مَفْتُوحٌ لِأَقُولَ مَرْحَبًا، لَكِنِّي لَمْ أَقُلْ مَرْحَبًا، لَا، لَمْ أَنْطِقْ بِكَلِمَةٍ؛ فَكُنْتُ خَائِفًا لِلْغَايَةِ؛ فَكَانَ أَبْشَعُ كَائِنٍ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ يَنْزِلُ مِنَ التَّلِّ مُتَّجِهًا نَحْوِي مُبَاشَرَةً! لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ أَرْجُلٌ وَلَا رَأْسٌ وَلَا ذَيْلٌ، وَكَانَ قَادِمًا نَحْوِي مُبَاشَرَةً بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ، فَفَعَلْتُ كُلَّ مَا فِي وُسْعِي حَتَّى أَبْتَعِدَ عَنْ طَرِيقِهِ!» ثُمَّ اسْتَطْرَدَ قَائِلًا: «نَظَرْتُ نَظْرَةً وَاحِدَةً بِإِمْعَانٍ ثُمَّ قَفَزْتُ. وَيَا إِلَهِي، يَا لَهَا مِنْ قَفْزَةٍ! ثُمَّ اتَّجَهْتُ نَحْوَ الْمَنْزِلِ بِأَسْرَعِ مَا فِي وُسْعِي وَهَا أَنَا ذَا، كَمْ أَنَا سَعِيدٌ بِأَنَّنِي وَصَلْتُ إِلَى هُنَا!»

اسْتَمَعَتِ الزَّوْجَةُ فَاغِرَةً فَاهَا عَلَى آخِرِهِ، وَعِنْدَمَا انْتَهَى بيتر أَطْبَقَتْهُ فَجْأَةً ثُمَّ ذَهَبَتْ وَثْبًا إِلَيْهِ وَتَحَسَّسَتْ رَأْسَهُ.

وَسَأَلَتْهُ بِقَلَقٍ: «هَلْ أَنْتَ مَرِيضٌ يَا بيتر؟»

فَحَدَّقَ فِيهَا وَتَعَجَّبَ: «مَرِيضٌ! أَنَا مَرِيضٌ! لَسْتُ مَرِيضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ! لَمْ أَكُنْ أَفْضَلَ حَالًا فِي حَيَاتِي مِنَ الْآنَ، إِلَّا أَنَّنِي مُتْعَبٌ قَلِيلًا مِنْ رَكْضِيَ الطَّوِيلِ. يَا لَهُ مِنْ سُؤَالٍ سَخِيفٍ! هَلْ أَبْدُو مَرِيضًا؟»

أَجَابَتِ الزَّوْجَةُ بِبُطْءٍ: «لَا، لَا، أَنْتَ لَا تَبْدُو مَرِيضًا، لَكِنَّكَ تَتَكَلَّمُ وَكَأَنَّ رَأْسَكَ أَصَابَهُ خَطْبٌ مَا؛ فَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّكَ رُبَّمَا تَشْعُرُ بِدُوَارٍ بَعْضَ الشَّيْءِ، أَوْ رُبَّمَا تَكُونُ أَخَذْتَ قَيْلُولَةً فِي مَكَانٍ مَا وَرَاوَدَكَ حُلْمٌ سَيِّئٌ. هَلْ عَنَيْتَ مَا قُلْتَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْكَائِنَ الْبَشِعَ لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ أَرْجُلٌ وَمَعَ ذَلِكَ طَارَدَكَ؟»

رَدَّ بيتر فَجْأَةً: «هَذَا مَا قُلْتُهُ بِالْفِعْلِ!» وَهُوَ غَاضِبٌ بَعْضَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَمْ تُصَدِّقْ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنْ قِصَّتِهِ.

فَسَأَلَتْهُ الزَّوْجَةُ: «هَلَّا تُخْبِرُنِي رَجَاءً كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَيُّ كَائِنٍ دَاخِلَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ أَوْ خَارِجَهَا أَيْضًا أَنْ يُطَارِدَ أَحَدًا دُونَ أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِ أَرْجُلٌ أَوْ أَجْنِحَةٌ؛ فَأَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا بِشَأْنِ امْتِلَاكِهِ أَجْنِحَةً.»

حَكَّ بيتر رَأْسَهُ فِي حَيْرَةٍ شَدِيدَةٍ، وَخَطَرَتْ لَهُ فَجْأَةً فِكْرَةٌ سَارَّةٌ، وَسَأَلَهَا فِي انْتِصَارٍ: «إِنَّ الثُّعْبَانَ الْأَسْوَدَ يَجْرِي بِسُرْعَةٍ كَافِيَةٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَرْجُلٌ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟»

بَدَتِ الزَّوْجَةُ مُنْزَعِجَةً قَلِيلًا، وَأَقَرَّتْ بِبُطْءٍ: «بَلَى، هُوَ لَيْسَ لَهُ أَرْجُلٌ، لَكِنِّي لَمْ أَفْهَمْ قَطُّ كَيْفَ يَجْرِي مِنْ دُونِهَا.»

رَدَّ بيتر فِي غَضَبٍ: «حَسَنًا، إِذَنْ، إِذَا كَانَ الثُّعْبَانُ يَسْتَطِيعُ التَّحَرُّكَ بِسُرْعَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَرْجُلٌ، فَلِمَ لَا تَسْتَطِيعُ الْكَائِنَاتُ الْأُخْرَى فِعْلَ ذَلِكَ؟ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْكَائِنَ لَمْ يَرْكُضْ بِالضَّبْطِ؛ فَقَدْ كَانَ يَتَدَحْرَجُ. لَقَدْ أَخْبَرْتُكِ بِكُلِّ مَا حَدَثَ لِي، وَأَنَا الْآنَ بِحَاجَةٍ إِلَى قَيْلُولَةٍ طَوِيلَةٍ بَعْدَ كُلِّ مَا مَرَرْتُ بِهِ؛ لِذَا لَا تَدَعِي أَحَدًا يُزْعِجُنِي.»

أَجَابَتِ الزَّوْجَةُ فِي رُضُوخٍ: «حَسَنًا، لَكِنْ يَا بيتر لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ مَا أَخْبَرْتُ أَحَدًا آخَرَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤