الفصل السادس

بيتر يَحْكِي قِصَّتَهُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا

صُنْ لِسَانَكَ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ شَفَتَيْكَ لَمْ يَعُدْ مِلْكَكَ؛
سَيَنْتَقِلُ بَيْنَ هَذَا وَذَاكَ حَتَّى تَأْسَفَ عَلَى نَفْسِكَ!

لِهَذَا السَّبَبِ عَلَيْكَ أَنْ تَتَأَكَّدَ دَائِمًا مِنْ أَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي تُرَدِّدُهَا قِصَّةٌ جَيِّدَةٌ. بَعْدَ ذَلِكَ سَتَسْعَدُ بِانْتِشَارِهَا أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ، وَلَنْ تَرْغَبَ أَبَدًا فِي اسْتِعَادَةِ مَا قُلْتَ. أَمَّا إِذَا سَرَدْتَ قِصَّةً غَيْرَ صَحِيحَةٍ أَوْ غَيْرَ مُشَوِّقَةٍ، فَسَيَأْتِي حَتْمًا وَقْتٌ تَتَمَنَّى فِيهِ التَّرَاجُعَ عَنْهَا وَلَنْ تَسْتَطِيعَ؛ فَالْقِصَصُ تُشْبِهُ الْأَنْهَارَ؛ فَهِيَ تَجْرِي وَتَجْرِي أَبَدَ الدَّهْرِ. كَانَتْ زَوْجَةُ الْأَرْنَبِ بيتر الشَّابَّةُ تَعْلَمُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا نَصَحَتْ بيتر بِأَلَّا يُخْبِرَ أَحَدًا بِالْقِصَّةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي أَخْبَرَهَا بِهَا عَنِ الْكَائِنِ الْغَرِيبِ الْمُفْزِعِ الَّذِي لَيْسَ لَدَيْهِ أَرْجُلٌ وَلَا رَأْسٌ وَلَا ذَيْلٌ، وَالَّذِي طَارَدَهُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. اسْتَنْتَجَ بيتر مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تُصَدِّقُ كَلِمَةً مِنَ الْقِصَّةِ، لَكِنَّهُ كَانَ مُرْهَقًا وَنَاعِسًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ مُجَادَلَتَهَا فِي الْأَمْرِ؛ لِذَا اسْتَلْقَى فِي وَضْعٍ مُرِيحٍ اسْتِعْدَادًا لِغَفْوَةٍ طَوِيلَةٍ جَمِيلَةٍ.

عِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ بيتر، أَوَّلُ مَا طَرَأَ عَلَى ذِهْنِهِ هُوَ ذَلِكَ الْكَائِنُ الْمُفْزِعُ الَّذِي رَآهُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. وَكُلَّمَا زَادَ تَفْكِيرًا فِي الْقِصَّةِ، بَدَتْ أَكْثَرَ اسْتِحَالَةً، وَلَمْ يُفَكِّرْ فِي أَنَّ زَوْجَتَهُ نَصَحَتْهُ بِأَلَّا يَحْكِيَ الْقِصَّةَ مَرَّةً أُخْرَى.

قَالَ بيتر لِنَفْسِهِ: «لَنْ أَفْعَلَ، لَنْ أَحْكِيَهَا لِأَحَدٍ. فَلَنْ يُصَدِّقَهَا أَحَدٌ. فِي الْحَقِيقَةِ أَكَادُ لَا أَصَدِّقُهَا شَخْصِيًّا. سَأَصُونُ لِسَانِي.»

إِنَّمَا لِسُوءِ حَظِّ بيتر سَمِعَتْهُ إِحْدَى النَّسَمَاتِ الرَّقِيقَةِ الْمَرِحَةِ بَنَاتِ الرِّيَاحِ الْغَرْبِيَّةِ الْعَجُوزِ وَهُوَ يَحْكِي الْقِصَّةَ لِزَوْجَتِهِ، وَكَانَتْ قِصَّةً رَائِعَةً وَمُشَوِّقَةً وَمُذْهِلَةً، حَتَّى إِنَّ النَّسَمَةَ الرَّقِيقَةَ الْمَرِحَةَ كَرَّرَتْهَا عَلَى الْفَوْرِ لِكُلِّ مَنْ قَابَلَهَا فِي طَرِيقِهَا، وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَ الْأَرْنَبُ بيتر يَسْتَقْبِلُ زَائِرِينَ يُرِيدُونَ الِاسْتِمَاعَ إِلَى الْقِصَّةِ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ بيتر نَفْسِهِ؛ لِذَا اضْطُرَّ بيتر إِلَى تَكْرَارِهَا مَرَّاتٍ كَثِيرَةً، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَتْ تَبْدُو لَهُ أَكْثَرَ حَمَاقَةً مِنَ الْمَرَّةِ الَّتِي تَسْبِقُهَا. كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْوِيَهَا لِلظَّرِبَانِ جيمي وَجُرَذِ الْأَرْضِ جوني وَفَأْرِ الْمُرُوجِ داني وَالْغُرَيْرِ حفار وَطَائِرِ السِّنْدِيَانِ سامي وَالْغُرَابِ بلاكي وَالسِّنْجَابِ الصَّغِيرِ الْمُخَطَّطِ وَالسِّنْجَابِ جاك السَّعِيدِ وَالرَّاكُونِ بوبي وَالْعَمِّ بيلي الْأَبُوسُومِ وَالْعُلْجُومِ الْعَجُوزِ.

وَالْغَرِيبُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْخَرْ مِنْ بيتر، رَغْمَ غَرَابَةِ الْقِصَّةِ؛ فَجَمِيعُهُمْ يَذْكُرُونَ كَيْفَ سَخِرُوا مِنْهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ عِنْدَمَا أَخْبَرَهُمْ عَنْ آثَارِ الْأَقْدَامِ الْعِمْلَاقَةِ الَّتِي وَجَدَهَا دَاخِلَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَكَيْفَ ثَبَتَ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ رَآهَا بِالْفِعْلِ؛ حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ تَنْتَمِي إِلَى الدُّبِّ باستر الَّذِي جَاءَ مِنَ الْغَابَةِ الْعَظِيمَةِ لِيَعِيشَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَحِينَهَا أُتِيحَتْ لِبيتر الْفُرْصَةُ لِلسُّخْرِيَةِ مِنْهُمْ؛ فَالْآنَ، رَغْمَ اسْتِحَالَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْجَدِيدَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَجْرُءُونَ عَلَى السُّخْرِيَةِ مِنْهَا.

قَالَ الظَّرِبَانُ جيمي: «أَنَا لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ قَطُّ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَدِّقَ بِوُجُودِ شَيْءٍ كَهَذَا، لَكِنَّ مَا يَبْدُو جَلِيًّا لِي أَنَّ بيتر رَأَى شَيْئًا غَرِيبًا؛ فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْمَقُولَةَ الْقَدِيمَةَ إِنَّ مَنْ يَضْحَكُ أَخِيرًا يَضْحَكُ كَثِيرًا، وَأَنَا لَنْ أُعْطِيَ بيتر فُرْصَةً أُخْرَى لِلضَّحِكِ أَخِيرًا وَلِيَقُولَ لَنَا: أَلَمْ أُخْبِرْكُمْ بِذَلِكَ؟»

رَدَّ الْعُلْجُومُ الْعَجُوزُ بِجِدِّيَّةٍ: «هَذَا صَحِيحٌ لِلْغَايَةِ، رُبَّمَا رَأَى بيتر شَيْئًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ، وَمِنْ حَمَاسِهِ بَالَغَ فِي الْأَمْرِ. مَا يُفْتَرَضُ عَلَيْنَا فِعْلُهُ هُوَ التَّأَكُّدُ مِمَّا إِذَا كَانَ يُوجَدُ غَرِيبٌ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ أَمْ لَا. فَبيتر يَقُولُ إِنَّهُ تَدَحْرَجَ مِنْ أَعْلَى التَّلِّ حَيْثُ يَعِيشُ الشَّيْهَمُ الْبَدِينُ بريكلي بوركي. يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ أَحَدٌ إِلَى بريكلي بوركي وَيَسْأَلَهُ عَمَّا يَعْرِفُهُ عَنْهُ. فَإِذَا كَانَ يُوجَدُ كَائِنٌ بَشِعٌ كَهَذَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَآهُ. لِمَ لَا تَذْهَبُ وَتَسْأَلُهُ أَيُّهَا الظَّرِبَانُ جيمي؟ فَأَنْتَ لَا تَخْشَى أَيَّ أَحَدٍ أَوْ أَيَّ شَيْءٍ.»

رَدَّ جيمي سَرِيعًا: «حَسَنًا»، وَانْطَلَقَ فِي طَرِيقِهِ. فَكَمَا تَرَوْنَ، شَعَرَ جيمي بِالْفَرَحِ الشَّدِيدِ مِمَّا قَالَهُ الْعُلْجُومُ الْعَجُوزُ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ رَفْضَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَيَجْعَلُهُ يَبْدُو كَأَنَّهُ خَائِفٌ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤