الفصل الرابع والعشرون

شهد الصباحُ التالي تفكُّكَ مجموعةِ الصيد التي نظَّمها دوميني بعناية. وأخذ الأمير ذراعَ مضيفه وقاده إلى أحد الجوانب لبضع لحظات أثناء تحميل السيارات. كانت كلماته الأولى عبارةً عن شكرٍ رسمي. ثم تحدَّث بشكلٍ أكثرَ حميمية.

قال: «فون راجاشتين، أرغب في الرجوع للحظة إلى حديثنا في ذلك اليوم.»

هز دوميني رأسه ونظر إلى الخلف.

وقال: «لديَّ اسمٌ واحد فقط هنا، أيها الأمير.»

«دوميني إذن. سأعترف بأنك تلعب الدورَ وتُنفِّذه تنفيذًا مثاليًّا. لقد عرَفت سادةً إنجليزًا طوال حياتي، ويبدو أنك بارع في الأمر. ولكن عليك أن تُنصت لما سأقوله لك. لقد أخبرتك بالفعل عن رفضي لهذا المخطَّط الذي ستكون فيه الشخصيةَ المحورية.»

وافق دوميني: «هذا مفهوم.»

تابع الأمير: «تلك مسألة شخصية. ما سأقوله لك الآن أمرٌ رسمي. لقد تلقَّيت تقاريرَ من برلين الليلة الماضية. إنها تتعلَّق بك.»

بدا دوميني متخشبًا قليلًا.

«حسنًا؟»

تابع السفير: «لقد فهمت أنك هنا فعليًّا من أجل احتمالية وقوع تلك الكارثة التي لا أستطيع توقُّعَها. أنا متأكدٌ من أنه إذا كان من الضروريِّ الإفصاحُ عن حقيقتك في أي وقت، فسيُعتبَر تجسيدك للشخصية مهمةً خاصة، ولا يوجد أي شيء على الإطلاق يربطك بأي عمل سياسي.»

وافق دوميني على ذلك بقوله: «الأمر كذلك فعلًا حتى الوقتِ الحاضر.»

«أُبلِغتُ أيضًا بأن أعتبرك خليفتي المجهولَ وغيرَ المتصوَّر هنا، في حالة نشوب حرب. لهذا السبب طلبوا مني أن أبدأ بتوطيد علاقتي بك، وأن أتعامل معك بأقصى درجات الثقة، وإذا حلَّت النهاية السوداء، أن أترك بين يدَيك كل هذا العمل غير المنجَز الذي يمكن أن يستمرَّ في سرية وصمت. لعلي أعبِّر عن الأمر بطريقة مرتبكة إلى حدٍّ ما.»

أجاب دوميني: «أنا أفهم تمامًا.» وتابع قائلًا: «لقد غيَّرت السلطاتُ فكرتَها الأولى فيما يتعلق بوجودي هنا. إنهم يريدون إبعادَ أيِّ شك عني، حتى يكون لديَّ في حالة الحرب وضعٌ فريد تمامًا، ألماني غير متصوَّر انتماؤه، ولكنه وطني بحماس، يعيش جنبًا إلى جنبٍ مع الطبقات العليا في المجتمع الإنجليزي. يمكن للمرء أن يتخيلَ أنه سيكون ثمة عملٌ لي.»

أوضح تيرنيلوف: «فهمُنا متبادَل.» وأضاف قائلًا: «لذلك ما يجب أن أقوله لك هو أنني أتمنى أن تلحق بنا قريبًا إلى لندن وتمنحَني فرصة أن أقدِّم لك كرمَ الضيافة المستمر في كارلتون هاوس جاردنز.»

قال دوميني: «هذا لطفٌ بالغ منك، أيها الأمير.» وأضاف قائلًا: «التعليمات التي لديَّ هي الاستقرار في لندن وانتظارُ الأوامر، بمجرد أن أرسِّخ وضعي هنا — وهو أمرٌ أتصوَّر أنني قد حقَّقته. أنا على ثقةٍ من أنك ستسمح لي، من بين أمورٍ أخرى، بفحص المذكرات التي تحدثتَ عنها في ذلك اليوم.»

وافق السفير على ذلك قائلًا: «بالطبع، وبكل سرور.» وأضاف قائلًا: «إنها تسجيلٌ دقيق لمقابلاتي ومفاوضاتي مع وزراءَ معيَّنين هنا، وهي تعكس رغبةً ونية في السلام أظن أنها ستدهشك. أجرؤ الآن على طرح سؤالٍ حساسٍ إلى حدٍّ ما» تابع، مغيِّرًا موضوع محادثتهما فجأةً، وهما يعودان إلى الشرفة. «هل ستُرافقك الليدي دوميني؟»

أجاب دوميني بتفكُّر: «لستُ متأكدًا من ذلك.» وأضاف قائلًا: «لقد لاحظت، أيها الأمير، إذا سمحت لي بقول ذلك، احترامك النبيل لتلك السيدة. اسمح لي أن أؤكد لك أنه على الرغم من الوضع الغريب الذي أنا فيه لن أنسى أبدًا أنها زوجةُ إيفرارد دوميني.»

صافحه تيرنيلوف بحرارة.

واعترف: «أردتُ أن أسمع ذلك منك.» وأضاف قائلًا: «لقد شعرتُ بغريزتي أنك مختلف، لكن العديد من الرجال من عِرقنا مستعدُّون للتضحية بامرأةٍ دون أدنى تردُّد، سواءٌ من أجل شغفهم أو سياستهم. أجد الليدي دوميني فاتنة.»

أعلن دوميني: «سأكون حاميًا لها دومًا.»

كان ثَمة المزيد من عبارات الوداع، وبعد مدة وجيزة، انطلق موكبُ السيارات الصغير مبتعدًا. كانت روزاموند في الشرفة، تودِّع جميع ضيوفها. تشبَّثت بذراع دوميني عندما عادا أخيرًا إلى القاعة الفارغة.

هتفَت: «يا لهم من أناسٍ أعزاء، يا إيفرارد!» وأردفت قائلةً: «أتمنى لو أنني كنتُ قد أمضيت المزيدَ من الوقت معهم. رأيت الدوقة فاتنةً جدًّا، ولم أقابل قطُّ شخصًا يتمتع بأسلوب لطيف مثل الأمير تيرنيلوف. هل ستفتقدُهم كثيرًا يا عزيزي؟»

أجاب: «على الإطلاق.» وتابع قائلًا: «أظن أنني سآخذ بندقيةً الآن وأتنزَّه في المروج وعبر الأرض الوعْرة. هل ستأتين معي، أم سترتدينَ ثوبًا من أثوابك الجميلة وتستقبلينني في الطابَق السفلي على الغداء؟ لقد مضى وقتٌ طويل جدًّا منذ أن تناولنا وجبةً معًا بمفردنا.»

هزَّت رأسها بقليلٍ من الحزن.

أجابت: «لم نحظَ بها من قبل.» وأضافت قائلةً: «أنت تعرف ذلك، يا إيفرارد، وللأسف! أنا أعلمُه. لكننا سنستمرُّ في التظاهر، أليس كذلك؟»

رفع أصابعَها إلى شفتيه وقبَّلها.

وقال واعدًا: «عليك أن تتظاهَري بكلِّ ما تُحبينه، يا عزيزتي روزاموند، وسألبِّي رغباتكِ. لا! لا دموع!» أضاف بسرعةٍ وهي تولِّيه ظهرها. «تذكَّري أنه لا يوجد شيءٌ سوى السعادةِ لكِ الآن. بغضِّ النظر عن هُويتي، ذلك هو هدفي الوحيد في الحياة.»

قبضَت على يده بشغف، وفجأةً، كأنما لم تجدها كافية، لفَّت ذراعيها حول رقبته وقبَّلته.

توسَّلت: «دعني آتي معك.» وأضافت قائلةً: «لا يمكنني تحمُّلُ تركك تذهب. سأكون هادئةً جدًّا. هلا تنتظر عشر دقائق من أجلي؟»

أجاب: «بالطبع.»

سار نحو غرفة الأسلحة، ووقف بجانب المدفأة للحظة، ثم تجوَّل في الفِناء، حيث كان ميدلتون وبعضٌ من مُثيري الطرائد ينتظرونه مع الكلاب. توقَّف فجأةً قبل أن يخطوَ بخطوة واحدة نحوَهم. أذهله أن سيمان كان يقف هناك في أحد الجوانب، وعيناه مثبَّتتان على نوافذِ مهجع الخدم.

صاح: «مرحبًا يا صديقي!» وأردف قائلًا: «عجبًا، ظننت أنك رحلت مبكرًا بالقطار من محطة ثيرزفورد؟»

أجاب سيمان وهو ينظر نحو مثيري الطرائد: «فاتني بدقيقتين.» وتابع قائلًا: «كنت أعرف أن جميع العربات كاملةُ العدد حتى الساعة الحادية عشرة؛ لذلك ارتأيت أن أنتظر حتى بعد الظهر.»

«وأين كنت في الساعات القليلة الماضية، إذن؟»

كان سيمان قد صار إلى جانبه حينئذٍ وكان بعيدًا عن مسْمَع الآخرين.

«كنتُ أحاول حلَّ لغز رحيل يوهان وولف المفاجئ الليلة الماضية. تعالَ وسِر معي مسافةً قصيرة.»

«مسافة قصيرة جدًّا، إذن. فأنا أنتظر الليدي دوميني.»

مرَّا عبر البوابات الحديدية الرفيعة، وسارا باتجاه أحد المداخل الخلفية للقصر.

قال سيمان: «لا تعتبرني طائشًا.» وتابع قائلًا: «عُدتُ دون علم أحد، وابتعدتُ عن الطريق حتى ذهبوا جميعًا. إنه ما قلته لك من قبل. الأشياء التي لا أفهمها تُضايقني، ويا للمفاجأة! وجدتُ هذا الصباح دليلًا ذا أهميةٍ إضافية في رحيل وولف المفاجئ.»

رجاه دوميني قائلًا: «تابِع.»

«علمتُ هذا الصباح، عن طريق الصدفة البحتة، أن خادم السيد بيلهام؛ إما كان مخطئًا أو خدَعني عن عمد. لم يُرافق وولف كبيرَ خدَمِك إلى المحطة.»

سأل دوميني: «وكيف اكتشفتَ ذلك؟»

«هذا غيرُ مهم! المهم هو أن ثَمة مؤامرةً بين الخدَم هنا لإخفاء كيفية مغادرته. لا تُقاطعني، أرجوك! في وقتٍ مبكر من صباح اليوم، كان هناك تساقطٌ جديد للثلج اختفى الآن. خارج نافذة الغرفة التي وجدتها مغلقةً كانت توجد آثارُ أقدام وسيارة صغيرة.»

سأل دوميني: «وماذا تستنتج من كلِّ هذا؟»

أجاب سيمان: «استنتج أنه لا بد أن وولف كان لديه أصدقاءُ في الجوار، أو أنه …»

«ماذا؟»

اعترف سيمان قائلًا: «يبدو افتراضي الأخيرُ سخيفًا، لكن الأمر برُمَّته غيرُ مفهوم لدرجةِ أنني كنت سأقول — أو أنه أُبعِد بالقوة.»

ضحك دوميني بصوتٍ خفيض.

وعلَّق: «من الصعب اختطافُ وولف، أليس كذلك؟» وتابع قائلًا: «حتى لو استطعنا الوصولَ إلى أي سببٍ معقول لشيءٍ كهذا! في الحقيقة، يا سيمان» أنهى كلامه وهو يستدير بشكلٍ مفاجئ عندما رأى روزاموند تقف بالخارج، «لا يُمكنني أن أحمل نفسي على التعامل مع مسألة يوهان وولف هذه بجدِّية. من المسلَّم به أن الرجل كان جاسوسًا، حسَنًا، دعْه يُواصل ما يفعل. نحن نؤدي عملَنا هنا بأكثرِ طريقة مثالية وجديرة بالثناء. لا أحدَ منا لديه سرٌّ يُخفيه عن رؤسائه.»

اعترف سيمان «هذا صحيحٌ نوعًا ما.»

قال له دوميني: «حسنًا، إذن، ابتهج.» وتابع قائلًا: «تمشَّ قليلًا معنا، وسنرى ما إذا كان باركنز يستطيع أن يعثر لنا على زجاجةٍ من هذا البورجندي المعتَّق على الغداء. ما رأيك في هذا؟»

توسَّل سيمان: «أعفِني من المشي، أودُّ أن أبقى هنا حتى عودتك.»

ذكَّره دوميني: «من المرجَّح أن ترتكب خطأً ما، وتُعطيَ للخدم موضوعًا يتحدَّثون بشأنه، إذا أبديتَ اهتمامًا كبيرًا باختفاء هذا الرجل.»

وعَده سيمان: «سأكون حذرًا، لكن ثَمة أشياء معيَّنة لا يمكنني ألا أفعلها. أنا أتبع دائمًا غريزتي، وغريزتي لا تُخطئ أبدًا. لن أطرحَ المزيد من الأسئلة على الخدم، لكنني أعلم أن ثمة شيئًا غامضًا بشأن الرحيل المفاجئ ليوهان وولف.»

عاد دوميني وروزاموند في نحو الساعة الواحدة ليجدا ملاحظةً من سيمان، فتحها الأول بينما كانت رفيقته تقف تدفئ قدمَيها أمام المدفأة. لم يكن فيها سوى بضعةِ أسطر:

«أنا أتبع فكرة. إنها تأخذني إلى لندن. دعنا نلتقِ هناك في غضون أيامٍ قليلة.»

إس

سألت روزاموند: «هل غادر حقًّا؟»

«عاد إلى لندن.»

ضحكَت بسعادة. «إذن سنتناول الغداء «معًا» أخيرًا! رائع! لقد تحقَّقت أمنيتي!»

كان ثَمة توهجٌ مفاجئ في وجه دوميني، توهُّج أُخْمِد على الفور.

سأل، بجزعٍ خفيف غريب في صوته: «هل سأحظى أنا أيضًا بأمنيتي يومًا ما؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤