الفصل الثالث

حدَّق السيد جون لامبرت مانجان من جمعية لينكولن للمحامين في البطاقة التي كان قد قدَّمها له للتو موظفٌ صغير بدهشةٍ مشدوهة، سرعان ما امتزجتْ بفزع.

وصاح قائلًا، وهو يمرِّرها إلى مديره الذي كان يتشاور معه: «يا إلهي، هل ترى هذا يا هاريسون؟» وتابع: «دوميني — السير إيفرارد دوميني — عاد إلى هنا في إنجلترا!»

نظر كبيرُ الموظَّفين إلى قطعة الورق المقوَّى الصغيرة وتنهَّد.

وعلَّق قائلًا: «أخشى أنك ستجده عميلًا مزعجًا، يا سيدي.»

عبَس صاحب العمل. وأجاب بحدَّة: «بالطبع سيكون كذلك.» وأضاف: «لا يوجد فلس إضافي يمكن الحصول عليه من الممتلكات — أنت تعرف ذلك، يا هاريسون. إن حصة الرُّبعين الأخيرَين التي أرسلناها إلى أفريقيا جاءت من الأشجار. لماذا بحق الجحيم لم يبقَ حيث كان؟!»

سأل الفتى: «ماذا أقول للسيد المحترم، يا سيدي؟»

أمره السيد مانجان بغضب: «أوه، دعْه يدخل!» وأردف: «أفترض أنني سأُضطرُّ إلى رؤيته عاجلًا أو آجلًا. سأنهي هذه الإقرارات بعد الغَداء، يا هاريسون.»

سيطر المحامي على ملامحه للترحيب بالعميل الذي، مهما كانت شئونه مزعجة، كان لا يزال يُمثِّل عائلةً كانت من الموكلين المهمِّين للشركة لعدة أجيال. وكان يستعد لتحيةِ شخصٍ رثِّ المظهر ومنحلٍّ، يبدو أكبرَ من سنِّه. وبدلًا من ذلك، وجد نفسه يمدُّ يده إلى واحدٍ من أوسم الرجال الذين تخطَّوا عتبة مكتبه غيرِ الجذَّاب وأكثرِهم أناقة. للحظةٍ حدَّق في زائره، عاجزًا عن الكلام. ثم ظهرتْ بعض الملامح المألوفة؛ الأنف ذو الشكل الجيد، والعينان الرماديتان العميقتان إلى حدٍّ ما. مكَّنته هذه المفاجأة من إضفاء القليل من الحماسة الحقيقية على ترحيبه.

صاح: «عزيزي السير إيفرارد! هذه مفاجأة سارة غيرُ متوقَّعة على الإطلاق — غير متوقعةٍ على الإطلاق! من المؤسف أيضًا أننا أرسلنا بالبريد شيكًا بحصَّتك قبل بضعة أيام فقط. يا إلهي، اعذرني على قولِ هذا … كم تبدو بحال جيدة!»

ابتسم دوميني وهو يجلس على أحد المقاعد المريحة.

علَّق وفي نبرة صوته ملاحظةٌ خافتة من موكِّل أعادت مستمعَه إلى أيام والدِ عميله الحالي: «أفريقيا بلد رائع، يا مانجان.»

«إنها — فلتعذر ملاحظتي — قد فعلت أشياءَ رائعة لك، يا سير إيفرارد. دعني أرَ، لا بد أنه قد مرَّ أحدَ عشر عامًا منذ التقينا.»

نقر السير إيفرارد الطرَفَ الأمامي لحذائه البني الملمَّع بعنايةٍ بطرَف عصا المشي الخاصة به.

وغمغم محاولًا التذكُّر: «غادرتُ لندن، في أبريل، عام ألفٍ وتسعمائة واثنين. نعم، أحد عشر عامًا، يا سيد مانجان. أعتقد أنه شيء غريب أن أجد نفسي في لندن مرةً أخرى، كما أظن أنك تفهم، أليس كذلك؟»

غمغم المحامي: «بالضبط.» وأضاف: «كنت أتساءل فقط — أظن أنه يمكن إيقاف آخر حوالة نقدية أرسلناها إليك»، وأضاف بابتسامةٍ واثقة: «ليس لديَّ شك في أنك ستكون سعيدًا بقليل من المال المتوفر.»

كانت الإجابة المذهلة: «شكرًا، لا أظن أنني بحاجة إلى أيِّ شيء في الوقت الحالي.» وتابع: «سنتحدَّث في الشئون المالية لاحقًا.»

قرص السيد مانجان نفسَه مَجازيًّا. لقد كان يعرف موكلَه الحاليَّ حتى خلال أيام دراسته، وتلقَّى زياراتٍ كثيرةً منه في أوقاتٍ مختلفة، ولا يمكنه تذكُّرُ مرةٍ واحدة رفض فيها موضوع التمويل بهذه الطريقة اللامبالية جدًّا.

علَّق من أجل أن يقول شيئًا ما على وجه الخصوص: «أعتقد أنك تُفكِّر في الاستقرار هنا لبعض الوقت الآن، أليس كذلك؟»

كان الرد الجادُّ إلى حدٍّ ما: «لقد اكتفيتُ من أفريقيا، إن كان ذلك ما تعنيه.» وأضاف: «فيما يتعلَّق بالاستقرار هنا، حسنًا، هذا يعتمد قليلًا على ما ستخبرني به.»

أومأ المحامي برأسه.

وقال: «أظن أنه يمكنك أن تُريح نفسك تمامًا فيما يتعلَّق بمسألة روجر أنثانك. لم يُسْمَع عنه أيُّ شيء منذ اليوم الذي غادرتَ فيه إنجلترا.»

«ألم يُعثَر على جثته؟»

«ولا أي أثر لها.»

ساد صمتٌ قصير. نظر المحامي بتمعُّن إلى دوميني، ونظر له دوميني بتفحُّص بدوره.

سأل الأول أخيرًا: «وماذا عن الليدي دوميني؟»

كان الردُّ الحذِر إلى حدٍّ ما: «حالة سيادتها، كما أعتقد، لم تتغيَّر.»

تابع دوميني بعد توقُّف للحظة أخرى: «إذا كانت الظروف مواتية، أظن أنه من المحتمل جدًّا أن أقرِّر الاستقرارَ في قصر دوميني.»

بدا المحامي متشككًا.

وقال: «أخشى أن تُصاب بخيبةِ أمل كبيرة بسبب حالة الممتلكات، يا سير إيفرارد. كما أخبرتك مرارًا وتكرارًا في مراسلاتنا، فإن قائمة الإيجار، بعد خصم التسوية الخاصة بالليدي دوميني، لم تصل في أيِّ وقت إلى الفائدة على الرهون العقارية، وكان علينا تعويضُ الفرْق وإرسال حصتك إليك من عائدات الأشجار البعيدة.»

أجاب دوميني بعبوس: «هذا أمر مؤسف. ربما كان عليَّ أن أثقَ بك أكثر.» وأضاف: «بالمناسبة متى تلقيتَ رسالتي الأخيرة؟»

كرَّر السيد مانجان: «رسالتك الأخيرة؟ لم نحظَ بشرفِ سماع أخبارك، يا سير إيفرارد، منذ أكثر من أربع سنوات. كان الإشعار الوحيد الذي تلقَّيناه بأن مدفوعاتنا قد وصلت إليك هو القيد المدَين الذي وصلَنا بسرعة كبيرة جدًّا من بنك جنوب أفريقيا.»

اعترف هذا الزائر غيرُ المتوقَّع قائلًا: «بالتأكيد يقع اللوم عليَّ.» وأضاف: «من ناحية أخرى، كنت مشغولًا جدًّا. إذا لم يتصادف أن تكون قد سمعتَ أيَّ أقاويل من جنوب أفريقيا مؤخرًا، يا مانجان، أظن أنها ستكون مفاجأةً لك أن تعرف أنني كنت أجني قدرًا كبيرًا من المال.»

شهق المحامي: «تجني المال؟ أنت تجني المال يا سير إيفرارد؟»

علَّق دوميني بهدوء: «تصورتُ أنك ستندهش.» وتابع: «ومع ذلك، هذا ليس موضوعنا. الهدف الفِعلي من زيارتي لك هذا الصباح هو أن أطلب منك اتخاذَ الترتيبات اللازمة في أسرعِ وقتٍ ممكن لسداد الرهون العقارية الخاصة بممتلكات دوميني.»

كان السيد مانجان محاميًا من المدرسة الحديثة، هارو وكامبريدج، ونادي باث كلوب، ولعبة الراكيت بالمضرب واليد، بدلًا من الذهب والتنس في الحديقة. وبدلًا من قول «يا إلهي!» هتف «اللعنة!» وألقى نظَّارةً أحاديةً عصريةً للغاية من على عينه اليسرى، ومال إلى الخلف في كرسيِّه ويداه في جيبَيه.

تابع موكله: «لقد حظيتُ بثلاث أو أربع سنوات من الحظ السعيد. وجنيتُ أموالًا من مناجم الذهب، ومناجم الماس، والأراضي. أخشى أنني إذا بقيتُ في الخارج لمدة عام آخر، كنتُ سأتدهور تمامًا للمألوف وأعود مليونيرًا.»

غمغم السيد مانجان: «أهنِّئك من كل قلبي!» وأضاف: «فلتعذرني على اندهاشي الشديد، لكنك أولُ دوميني عرَفته على الإطلاق جنى فلسًا واحدًا من المال بأي شكل من الأشكال، ومما أتذكَّره عنك في إنجلترا — وأنا متأكِّد من أنك ستعذر صراحتي — لم أكن أتوقَّع مطلقًا أنك حاولتَ فعل شيء من هذا القبيل.»

ابتسم دوميني بمرح.

وقال: «حسنًا، إذا استفسرتَ من البنك المتحد الأفريقي، فستجد أن لديَّ رصيدًا ائتمانيًّا يزيد عن مائة ألف جنيه إسترليني. ولديَّ أيضًا مبلغٌ يزيد عن ذلك بقليل، مستثمَرٌ في مناجمَ من الدرجة الأولى. هلا تُسدي إليَّ معروفًا وتتفضَّل بتناول الغداء معي، يا سيد مانجان، وعلى الرغم من أن أفريقيا لن تكون أبدًا موضوعًا مفضَّلًا للمحادثة معي، إلا أنني سأخبرك ببعض مضارباتي.»

بحثَ المحامي عن قبَّعته.

وقال متلعثمًا: «سأرسل الصبيَّ للإتيان بسيارة أجرة.»

قال له هذا العميل المذهل: «لديَّ سيارةٌ بالخارج.» وتابع يسأل: «قبل أن نُغادر، هل يمكنك إصدارُ تعليمات لموظفك بإعداد قائمةٍ بالرهون العقارية الخاصة بممتلكات دوميني، مزودة بالتواريخ النهائية وقيم الاسترداد؟»

وعده السيد مانجان قائلًا: «سأترك تعليمات بهذا.» وأضاف: «أظن أن المبلغ الإجمالي أقلُّ من ثمانين ألف جنيه.»

كان دوميني يتجوَّل في المكتب، مما أثار قدْرًا كبيرًا من اهتمامِ طاقمِ الموظفين قليلِ العدد. انضم إليه المحامي على الرصيف خلال دقائق.

سأل دوميني: «أين سنتناول الغداء؟ أخشى أن أنديتي أصبحت قديمةً بعض الشيء. أنا أقيم في فندق كارلتون.»

قال السيد مانجان مقترحًا: «مطعم المشويات في كارلتون ممتاز للغاية.»

أجاب دوميني: «إنهم يحتفظون لي بطاولةٍ حتى الساعة الواحدة والنصف.» وأردف: «بالتأكيد يمكننا تناول الغداء هناك.»

انطلقا معًا في السيارة، وكان المسافر العائد يحدِّق طوال الوقت من النافذة إلى الشوارع المزدحمة، وكان المحامي غارقًا في أفكاره بعض الشيء.

قال الأخير، بينما كانا يقتربان من وجهتهما: «قبل أن أنسى، سير إيفرارد.» أضاف: «سيُسعدني أن أحظى بمحادثةٍ قصيرة معك قبل أن تنزلَ إلى مقرِّ إقامتك.»

«بشأن شيء محدَّد؟»

قال له المحامي ببعض الجدية: «بشأن الليدي دوميني.»

حلَّ وجومٌ على وجه رفيقه.

«هل تغيرَت سيادتها كثيرًا؟»

«جسديًّا، هي بصحة ممتازة، على ما أعتقد. عقليًّا، أعتقد أنه لا يوجد تغيير. لديها للأسف التحاملُ العنيف نفسُه الذي أخشى أنه كان من أثره مغادرتُك إنجلترا.»

قال دوميني بمرارة: «ببساطة، لقد أقسمَت أن تقتلني إذا نمتُ يومًا ما معها تحت سقفٍ واحد.»

أجاب المحامي على نحوٍ مراوغ: «أخشى أنه سيلزمها أن تخضع لمراقبةٍ صارمة.» وأضاف: «ومع ذلك، أظن أنه يجب إخبارك أن الوقت لا يبدو أنه قلَّل من كراهيتها المفجعة.»

سأل دوميني بنبرة موزونة: «هل ما زالت تعتبرني قاتِلَ روجر أنثانك؟»

«أخشى أنها تعتبرك كذلك.»

«وأظن أن الآخرين لديهم الفكرة نفسُها؟»

اعترف السيد مانجان: «لم يُحَلَّ اللغز قط. من المعروف، كما تعلم، أنكما تشاجرتما في الحديقة وأنك عُدت إلى المنزل مترنحًا تكاد تكون فاقدَ الوعي. ولم يرَ أحدٌ روجر أنثانك منذ ذلك اليوم.»

أشار دوميني: «لو كنتُ قد قتلتُه، فلماذا لم يُعثَر على جثته؟»

هزَّ المحامي رأسه.

وقال: «كل أنواع النظريات موجودة، بالطبع، ولكن إحدى الخرافات تقول إنك ربما كنت مستعدًّا استعدادًا جيدًا. بالكاد يوجد رجل أو امرأة على بُعد أميال حول قصر دوميني لا يعتقد أن شبح روجر أنثانك لا يزال يُلازم الغابة السوداء بالقرب من المكان الذي تشاجرتما فيه.»

أصرَّ دوميني: «دعنا نكُنْ واضحَين تمامًا بشأن هذا.» وتابع يسأل: «إذا عُثِرَ على الجثة، فهل سأُتَّهم، بعد كل هذه السنوات، بالقتل غير العمد؟»

أكَّد له المحامي: «أظن أنه يمكنك أن تُريح عقلك تمامًا. أولًا، لا أظن أنه سيُوجَّه إليك اتهامٌ مطلقًا.»

«وثانيًا؟»

«لا يوجد إنسان في ذلك الجزء من نورفولك يعتقد أنه يمكن رؤية أو سماع جسد إنسان أو حيوان مرةً أخرى، إذا تُرِكَ في ظُلمة الغابة السوداء!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤