الفصل الرابع

تأخَّر السيد مانجان، في طريقهما إلى مطعم المشويات، بضعَ دقائق في غرفة الاستقبال الصغيرة، حيث كان يتحدَّث مع بعض معارفه، بينما ظلَّ مضيفه، بعد أن تحدَّث إلى كبير الخدم وطلب كوكتيلًا من نادلٍ عابر، واقفًا ويداه خلف ظهره، يُراقب تدفُّق الرجال والنساء بكلِّ هذا الاهتمام الذي من المفترض أن يشعر به المرءُ تجاه زملائه بعد غياب طويل. كان قد تحرَّك قليلًا إلى أحد الجوانب للسماح لمجموعةٍ من الشباب أن يشقُّوا طريقهم عبر الغرفة المزدحمة، عندما رأى امرأةً تقف بمفردها أعلى السلالم الثلاثة المفروشة بالسجاد السميك. التقت عيناهما، وعلى الفور بدَت الحماسة من عينيها، التي كانت تتجوَّل في أرجاء الغرفة كما لو كانت تبحث عن أحد معارفها. للمتسكعين القليلين حول الغرفة، الذين يجهلون أيَّ أهمية خاصة لذلك التأمُّل المدروس من المرأة للرجل، قدَّمت شخصيتاهما نموذجًا مقبولًا، يكاد يكون رائعًا. كان طول دوميني ستة أقدام وبوصتين، وكان يتمتَّع إلى أقصى حدٍّ بالتميز الطبيعي لطبقته، جنبًا إلى جنب مع وِقفته العسكرية الرياضية التي يبدو أنه قد استعادها على نحوٍ مدهش. اكتسبَت بشرته سُمرةً ملائمة، وكان شاربه الخفيف، المشذَّب على نحوٍ قريب جدًّا من الشفة العليا، ذا لون بُنيٍّ مائل إلى الحمرة مثل شعره المصفَّف اللامع. وكانت المرأة، التي كانت قد بدأت حينئذٍ في التحرُّك ببطءٍ نحوه، تتمتَّع باللون ذاتِه، باستثناء أن خدَّيها، في تلك اللحظة، على أي حال، كانا شاحبين شحوبًا غير طبيعي. ولمع شعرها الأحمر الذهبي تحت قبَّعتها السوداء. كانت طويلة، ذات قوام إغريقي، ضخمة دون أن تكون غليظة، مَهيبة رغم صِغَر سنِّها. وكانت تحمل كلبًا صغيرًا تحت إحدى ذراعَيها، وحقيبةً من الحرير الأسود عليها إكليل من البلاتين والألماس، في اليد الأخرى. انحنى كبير الخدم الذي ترأَّس الغرفة بكِياسةٍ أكثرَ من المعتاد، وهو يراقب اقترابها. ومع ذلك، كانت عيناها لا تزالان مثبتتَين على الشخص الذي استحوذ على قدرٍ كبير من انتباهها. اتجهت نحوه، وشفتاها متباعدتان قليلًا.

قالت متلعثمة: «ليوبولد!» وتابعت: «بحق القديسين، لماذا لم تخبرني!»

انحنى دوميني قليلًا جدًّا. بدت كلماته مقتضبة وجافة.

أجاب: «أنا آسفٌ للغاية، لكني أخشى أنك مخطئة. اسمي ليس ليوبولد.»

وقفت هادئة تمامًا، تنظر إليه وكأنها لم تسمع كلمةً من نفيه المهذَّب.

تمتمَت: «في لندن، من بين كل الأماكن.» وأردفت تسأل: «قل لي، ماذا يعني هذا؟»

قال: «لا يسَعُني إلا أن أكرِّر، يا سيدتي، إنه للأسف الشديد لم يسبق لي أن حظيتُ بشرف معرفتكِ.»

كانت في حيرة، لكنها غيرُ مقتنعة على الإطلاق.

سألت بشكٍّ: «هل تقصد أن تُنكر أنك ليوبولد فون راجاشتين؟» وتابعت: «ألا تعرفني؟»

أجاب: «للأسف يا سيدتي. اسمي دوميني — إيفرارد دوميني.»

بدت للحظة كأنها تُحاول التغلُّب على بعض الإحراج الذي اقترب من الانفعال. ثم وضعَت أصابعها على كمِّه وجذبته إلى ركنٍ منعزل في الغرفة الصغيرة.

وهمست: «ليوبولد، لا شيء يمكن أن يجعل زيارتك لي أمرًا خاطئًا أو طائشًا. عنواني هو ١٧ ميدان بلجريف. أرغب في رؤيتك الليلة في الساعة السابعة.»

قال دوميني: «لكن، سيدتي العزيزة …»

التمعت عيناها فجأةً ببريق جديد.

وأصرَّت: «لا يمكنك العبثُ معي.» وأضافت: «إذا كنت ترغب في النجاح في مخططك أيًّا كان، يجب ألا تجعلني عدوةً لك. سأنتظر مجيئك في الساعة السابعة.»

وتركته وتوجَّهت إلى المطعم. انضم السيد مانجان، الذي تحرَّر حينئذٍ من أصدقائه، مرةً أخرى إلى مضيفه، وأخذ الرجلان مكانَهما على الطاولة الجانبية التي أُرشِدا إليها بدلائلَ كثيرةٍ على الاهتمام.

سأل المحامي بفضول: «ألم تكن هذه الأميرة إيدرستروم التي كنتَ تتحدَّث معها؟»

أوضح دوميني: «سيدة خاطبتْني بالخطأ. خلطتْ، بطريقةٍ غريبة جدًّا، بيني وبين رجلٍ كان يُطلَق عليه شبيهي في أكسفورد. كان اسمه في ذلك الوقت سيجيسموند ديفينتر، على الرغم من أنني أعتقد أنه نال لقبًا لاحقًا.»

علَّق السيد مانجان: «الأميرة شخصية مشهورة جدًّا، وواحدة من أغنى الأرامل في أوروبا. قُتِل زوجها في مبارزةٍ منذ نحو ستِّ أو سبع سنوات.»

طلب دوميني الغداء بعناية، مستخدمًا كلمة أو اثنتين بالألمانية مرة واحدة لمساعدة النادل، الذي كان يتحدَّث الإنجليزية بصعوبة. ابتسم رفيقه.

«أرى أنك لم تنسَ لُغاتك هناك في البرِّية.»

أجاب دوميني: «لم تُتَح لي الفرصة.» وأضاف: «أمضيت خمس سنوات على حدود شرق أفريقيا الألمانية، وعمِلت بالتجارة مع بعض الأشخاص هناك بانتظام.»

تساءل السيد مانجان: «بالمناسبة، ما وضعنا مع الألمان هناك؟»

كان الرد اللامبالي: «ممتاز، على ما أظن. لم أواجه أيَّ مشكلة.»

تابع المحامي: «بالطبع، سيكون كلُّ هذا جديدًا عليك، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية انقسم الإنجليز إلى فئتين؛ الأشخاص الذين يعتقدون أن الألمان يرغبون في خوض الحرب وسحقِنا، وأولئك الذين لا يعتقدون ذلك.»

«إذن، منذ عودتي، زاد عدد الذين لا يعتقدون ذلك بمقدار واحد.»

علَّق السيد مانجان: «أنا شخصيًّا من بين المشككين. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكنني رؤيةُ ما تريده ألمانيا بمثلِ هذا الجيش الضخم، ولماذا تضيف باستمرار إلى أسطولها.»

توقَّف دوميني لحظةً لمناقشة مسألة المرق مع رئيس النادلين. لكنه عاد إلى الموضوع بعد بضع دقائق.

وأوضح: «بالطبع، لا يمكن أن تأتيَ آرائي إلا من دراسة الصحف ومن المحادثات مع الألمان الذين قابلتُهم في أفريقيا، ولكن فيما يتعلَّق بجيشها، كان ينبغي أن أقول إن روسيا وفرنسا مسئولتان عن ذلك، وكلما زادت قوَّتها، قلَّ احتمال احتدام صراعٍ أوروبي. قد تتوصَّل روسيا في أيِّ وقت إلى نتيجةٍ مفادُها أن الحرب هي خلاصها الوحيد في مواجهةِ ثورة، وأنت تعرف الشعور في فرنسا حول منطقة الألزاس واللورين جيدًا مثلما أعرفه. يقول الألمان أنفسهم إن ثمة اهتمامًا أكبرَ بالشئون العسكرية وإحرازِ المزيد من التقدُّم في روسيا اليوم أكثرَ من أيِّ وقت مضى.»

وافق السيد مانجان قائلًا: «ليس لدي شكٌّ في أنك على حق.» وتابع: «ومع ذلك فهي مسألة تجري مناقشتها كثيرًا الآن. دعنا نتحدَّث عن خُططك الشخصية. مثلًا، ماذا تنوي أن تفعل في الأسابيع القليلة القادمة؟ هل زرتَ أيًّا من أقاربك بعد؟»

أجاب دوميني: «لا أحد.» وأردف: «يؤسفني القول إنني لستُ حريصًا على الإطلاق على التواصل معهم.»

سعَل السيد مانجان. وقال: «يجب أن تتذكَّر أنه خلال مدة إقامتك الأخيرة في لندن، كنتَ في حالةِ فقر مُدقِع. ولا شكَّ في أن ذلك أثَّر نوعًا ما على موقفِ بعض أولئك الذين كان من الممكن أن يكونوا أكثرَ وديةً لولا ذلك.»

صرَّح دوميني بصراحة تامَّة: «سأكون راضيًا تمامًا عن عدم رؤية أحدهم مرةً أخرى مطلقًا.»

احتجَّ المحامي: «ذلك، بالطبع، مستحيل. يجب أن تذهب وترى الدوقة، على أي حال. فقد كانت دائمًا نصيرة لك.»

اعترف دوميني بشك: «كانت الدوقة دائمًا لطيفة جدًّا معي، لكنني أخشى أنها سئمتْ مني قبل أن أغادر إنجلترا.»

ابتسم السيد مانجان. كان يستمتعُ بغداء ممتاز للغاية، وبدا من الصعب تصديقُ أن مَن طلبه هو رجلٌ عاد للتو إلى موطنه من براري أفريقيا، وكان يستمتع تمامًا بالحديث عن الدوقات.

استهلَّ حديثه قائلًا: «نيافتها …»

«ماذا؟»

توقَّف المحامي وعيناه مثبتتان على الزوجَين على طاولة مجاورة. مال على الطاولة نحو رفيقه.

«الدوقة بنفسها، يا سير إيفرارد، خلفك مباشرة مع اللورد سان أومار.»

أعربَ دوميني، وهو يمدُّ يده مصافحًا رجلًا كان قد اقترب من طاولتهما: «هذا المكان هو بالتأكيد مُلتقى العالم بأسْرِه.» وتابع قائلًا: «سيمان، صديقي، مرحبًا! اسمح لي أن أقدِّم لك صديقي والمستشار القانوني، السيد مانجان — سيد سيمان.»

كان السيد سيمان رجلًا قصيرًا بدينًا، يرتدي ملابسَ صباحية أنيقة تقليدية للغاية. كان أصلعَ تقريبًا، باستثناء خُصلٍ صغيرة على كلا الجانبين، وقليلٍ من الشعر الطويل الفاتح المُصَفَّفِ بعنايةٍ للخلف على فروة رأسه اللامعة. كان وجهه مستديرًا على نحوٍ غير عادي باستثناء ذَقَنه؛ وعيناه لامعتين وثاقبتين، وفمُه فمَ رجلٍ فكاهي محترف. صافح المحامي «بحميمية» نادرًا ما تكون إنجليزية.

تابع دوميني قائلًا: «في غضون نصف الساعة، أجد أميرةً تدَّعي معرفتي، وقريبة» خفَض صوته قليلًا، «تتناول الغداء على بُعد بِضع طاولات فقط، والرجل الذي رأيته كثيرًا خلال السنوات العشر الماضية وسط مشاهد مختلفة قليلًا عن هذه، إيه، سيمان؟»

تلقَّى سيمان المقعدَ الذي كان النادل قد أحضره وجلس. وعلى الفور كان المحامي مهتمًّا.

وسأل، مخاطبًا الوافدَ الجديد: «هل أفهم إذن أنك عرَفتَ السير إيفرارد في أفريقيا؟»

ابتسم سيمان. كرَّر قائلًا: «عرفت؟» ومِن أول كلمات في حديثه ظهرت جنسيته الأجنبية. «لم يكن يوجد أيُّ شخص آخر أعرفه أكثرَ منه. لقد عملنا معًا — قدرًا كبيرًا من الأعمال — وعندما لم نكن شركاء، حصل السير إيفرارد عمومًا على أفضلِ ما في الأمر.»

ضحِك دوميني. «يأتي الحظ عمومًا للرجل إما مبكِّرًا أو متأخِّرًا في الحياة. وجاء حظِّي متأخرًا. أظن، يا سيمان، أنه لا بد أنك كنت تميمةَ حظي. لم يحدث شيء خطأ معي خلال السنوات التي عمِلنا فيها معًا.»

كان سيمان متحمسًا بعض الشيء. وقام بتمشيط إحدى خصلات الشعر الصغيرة المتبقية على جانب رأسه بكفِّ يده، ووضع أصابعه الممتلئة على كتف المحامي.

وقال: «سيد مانجان، أنصِت إليَّ. لقد بِعت لهذا الرجل الحصص المهيمنة في أحد المناجم، وهي أسهمٌ كنتُ أمتلكها لمدة أربع سنوات ونصف ولم أحصل على بنس واحد أرباحًا. بِعتُها له، كما أقول، بالسعر الأصلي. حسنًا، احتجتُ إلى المال ويبدو لي أنني منحتُ الأسهمَ فرصة عادلة. في غضون خمسة أسابيع — خمسة أسابيع، يا سيدي»، كرَّر، وهو يكافح من أجل أن يُكيِّف نبرة صوته مع محيطه المتحضِّر، «انتقلت هذه الأسهم من السعر الأصلي إلى أربعة عشر ونصف. اليوم تبلغ قيمتها عشرين. أعطاني خمسة آلاف جنيه لتلك الأسهم. اليوم يمكنه الدخولُ إلى سوق الأسهم وبيعها بمائة ألف. هذه هي الطريقة التي يتمُّ بها جنيُ الأموال في أفريقيا، سيد مانجان، حيث يوجد الأبرياء مثلي كلَّ يوم.»

سكب دوميني كأسًا من النبيذ وأعطاها للزائر.

وقال: «بحقِّك، لدينا جميعًا تقلباتنا. أفريقيا لا تَدين لك بشيء، يا سيمان.»

«لقد أبليت بلاءً حسنًا بطريقتي البسيطة» أقرَّ سيمان، وهو يلمِس ساق كأس النبيذ الخاصة به، «ولكن حيث كان عليَّ أن أكُدَّ، وقف السير إيفرارد وأمر القدَرَ بصبِّ كنوزه في حِضنه.»

كان المحامي يستمع باهتمام فضوليٍّ وسرور لهذه المحادثة غيرِ الجادة. ووجد فرصة الآن للتدخُّل.

«إذن كنتما حقًّا صديقَين في أفريقيا؟» علَّق، براحةٍ غريبة تكاد تكون غيرَ قابلة للتفسير.

أجاب سيمان: «إذا سمح السير إيفرارد بأن نطلق على علاقتنا هذا الاسم.» وأضاف قائلًا: «لقد قمنا بأعمالٍ تِجارية معًا في المدن الكبرى — في جوهانسبرج وبريتوريا، في كيمبرلي وكيب تاون — واستكشفنا معًا في الأماكن البرِّية. وسافرنا إلى المروج وتُهنا عن العالم عدةَ أشهر في كلِّ مرة. لقد رأينا عجائبَ أفريقيا الحقيقية معًا، فضلًا عن حضارتها المبتذلة.»

سأل السيد مانجان: «وأنت أيضًا، هل تقاعدتَ؟»

كانت ابتسامة سيمان توحي بالابتهاج.

قال: «الصفقة نفسُها التي جعلت ثروةَ السير إيفرارد تصل إلى أرقام رائعة جلبت لي هذا المبلغ المتواضع الذي أقسمتُ على الوصول إليه قبل العودة إلى إنجلترا. هذا صحيح. لقد تقاعدت عن جني المال. الآن أعود مرةً أخرى إلى عملي في حياتي الواقعية.»

علَّق دوميني: «إذا كنتَ ستتحدَّث عن هوايتك، فمن الأفضل أن تطلب منهم تقديمَ غدائك هنا.»

أجاب صديقه: «لقد انتهيتُ من غدائي قبل أن تدخُل.» وأضاف قائلًا: «يمكنني أن أشرب كأسًا أخرى من النبيذ معك. بعد ذلك خمرٌ — مَن يدري؟ في هذه المواقف التي يكون فيها المرء مُنَعَّمًا، يمكنه أن يشرب بحُرِّية. لقد قاومنا أنا والسير إيفرارد، سيد مانجان، العطشَ في أماكنَ كان القليل من البراندي المخفَّف والماء هو متعتنا الرئيسية لأشهر.»

سأل المحامي: «هلا تُخبرني عن هذه الهواية؟»

تدخَّل دوميني على الفور. «أنا أحتجُّ. إذا بدأ الحديث عنها، فسيبقى هنا طَوال وقتِ ما بعد الظهر.»

مدَّ سيمان يدَيه وهزَّ رأسه نفيًا.

واعترض قائلًا: «لكنني لستُ غيرَ عقلاني لهذه الدرجة. كلمة واحدة فقط — اتفقنا؟ حسنًا، إذن» بدأ بسرعة، بطريقةِ رجلٍ يخشى المقاطعة. «يجب أن يكون هذا واضحًا لك يا سيد مانجان. أنا ألماني بحكم الولادة، وأحمِل الجنسية الإنجليزية من أجل أعمالي؛ أحب ألمانيا، وممتنٌّ لإنجلترا. عشت ثلث حياتي في برلين، وثلثًا في فورست هيل هنا في لندن، وفي المدينة، وثلثًا في أفريقيا. شاهدتُ نمو المنافسات التجارية والغيرة بين البلدَين. لا حاجة إليها. وقد تؤدي إلى أشياءَ أسوأ. لو كان بيدي لكنت تخلصتُ منها كلِّها. هدفي هو تشجيع رابطة لتعزيز المزيد من العلاقات الاجتماعية والتجارية الودية بين شعب بريطانيا العظمى وشعبِ الإمبراطورية الألمانية. هذا كلُّ ما في الأمر! هل أهدرت الكثيرَ من وقتك؟ ألا أستطيع التحدُّث عن هوايتي دون سيل من الكلمات؟»

اعترف مانجان: «الإيجاز بحدِّ ذاته، وأهنئك من كلِّ قلبي على مشروعك. إذا تمكنتَ من إشراك الأشخاص المناسبين فيه، فستصبح جمعيةً قيمة للغاية.»

«في ألمانيا لديَّ الأشخاص المناسبون. كلُّ الألمان الذين يعيشون من أجل بلدهم ويحبُّون وطنهم يكرهون فكرةَ الحرب. نريد السلام، نريد أصدقاء، ولنتكلم رجلًا لرجل» اختتم، وهو ينقر المحاميَ على كمِّ المعطف: «إنجلترا هي أفضل عميل لدينا.»

علَّق الأخير: «أتمنَّى أن يُصدِّق المرء أن صوتك هو الصوت الشائع في بلدك.»

نهض سيمان واقفًا على مضَض.

وأعلن، وهو يُلقي نظرةً سريعة على ساعته: «لديَّ موعدٌ في الثانية والنصف مع صاحب مصنع صوف من برادفورد. آمُل أن أجعله ينضم إلى مجلسي.»

انحنى بطريقةٍ رسمية للمحامي، وأومأ برأسه إلى دوميني بأُلفةِ صديق قديم، وشقَّ طريقه بصخبٍ ومرحٍ إلى خارج الغرفة.

كان تعليق الأول: «أظن أنه رجلُ أعمال جيد.» وأضاف قائلًا: «أتمنى له التوفيق في رابطته. أنت نفسك، يا سير إيفرارد، ستحتاج إلى بدء بعض الاهتمامات الجديدة. ماذا عن السياسة؟»

اعترف دوميني، وهو يهزُّ كتفيه: «أتوقَّع حقًّا أن أجدَ الحياة صعبةً بعض الشيء في البداية.» وأضاف قائلًا: «لقد فقدتُ الكثيرَ من ميول مرحلة شبابي، وأخشى بشدةٍ أن يُطلِق عليَّ أصدقائي هنا لقب الاستعماري. لا أستطيع أن أتخيَّل نفسي لا أفعل شيئًا في نورفولك طيلةَ بقية أيامي. ربما سأدخل البرلمان.»

صرَّح رفيقه باندفاع: «يجب أن تُسامحني في قولي إنني لم أعرف مطلقًا في حياتي أن عشْر سنوات تُحدِث فرقًا كهذا في رجل.»

قال دوميني: «المستعمرات إما أن تقتلَك وإما أن تُداويَك. إما أن تأخذ الضربة وتخرجَ منها رجلًا أقوى، وإما أن تنهار. كانت فرصتي ضعيفة جدًّا في الهروب من الانهيار، لكنني استجمعت قُواي في الوقت المناسب. اليوم ما كنت أستبدل أوقاتي الصعبة مقابل أيِّ شيء في العالم.»

قال السيد مانجان بغطرسةٍ موروثة: «إذا سمحت لي، في أول اجتماع لنا في ظل الظروف الجديدة، أودُّ أن أقدِّم لك تهانئي القلبية، ليس فقط على ما أنجزتَه ولكن على ما أصبحتَ عليه.»

أجاب دوميني بابتسامةٍ بها قليلٌ من الجدية ولمعانٌ غريب في عينَيه: «وآمُل، أيضًا، على ما قد أُنجزه مستقبلًا.»

نهضت الدوقة ورفيقُها واقفَين، وتوقَّفت الأولى بلطف، في طريقها للخروج، بعد أن رأت محاميَها.

قالت: «كيف حالك يا سيد مانجان؟» وأضافت قائلة: «أتمنى أن تكون مهتمًّا بأولئك المستأجِرين المزعجِين لديَّ في ليسترشير؟»

أكَّد لها مانجان: «سنقدِّم تقريرنا في وقته، أيتها الدوقة.» وأضاف: «هل تسمحين لي بأن أذكِّركِ بأحد أقربائكِ الذي عاد لتوِّه من الخارج؛ السير إيفرارد دوميني؟»

كان دوميني قد نهض واقفًا قبل ذلك بلحظات، والآن كان يمدُّ يده. دون أيِّ ردٍّ حدَّقَت فيه الدوقة، التي كانت امرأة طويلة، رشيقة، ذات شعر كثيف فاتح اللون يتخلله على نحوٍ ضعيف اللونُ الرمادي، وعينَين بُنيتين جميلتين للغاية، وبشَرةِ فتاة، وأخلاقِ خادمة مطبخ، وذلك باعترافها تمامًا.

كرَّرت: «سير إيفرارد دوميني؟» وأردفت: «إيفرارد؟ غير معقول!»

سحب دوميني يدَه الممدودة على الفور، وتلاشت الابتسامة المؤقتة من على شفتَيه. وتدخَّل المحامي في الموقف.

وأصرَّ بجدية: «يمكنني أن أؤكد لنيافتكِ أنه لا شكَّ على الإطلاق في هُوية السير إيفرارد.» وأضاف قائلًا: «لقد عاد من أفريقيا خلال الأيام القليلة الماضية فقط.»

بقي شكُّ الدوقة موجودًا، بلطفٍ تام، ولكنه كان خاضعًا لعنادها الطبيعي.

وقالت: «ببساطة لا أستطيع أن أحملَ نفسي على تصديق ذلك.» وتابعت قائلةً: «تعالَ، سوف أتحدَّاك. متى التقينا آخر مرة؟»

كان الرد الفوري: «في ويستر هاوس.» وأضاف قائلًا: «جئتُ لأودعكِ.»

كانت الدوقة مندهشةً قليلًا. لانت عيناها، وظهرت ابتسامةٌ خفيفة على جانبَي شفتيها. أصبحت فجأة امرأة جذابة للغاية.

كرَّرت: «جئتَ لتُودعني، وماذا؟»

سألها دوميني، وهو يقف منتصبًا وينظر في عينيها: «هل أعتبر هذا تحديًا؟»

«كما تشاء.»

تابع: «لقد كنتِ ألطف معي قليلًا، مما أنتِ عليه اليوم.» وأضاف وهو يُخرِج صورة صغيرة من محفظته: «لقد أعطيتني … هذه، وسمحتِ لي …»

صرخَت: «يا إلهي، ضعْ هذا الشيء بعيدًا، ولا تقل كلمة أخرى! إن ابن أخي الراشد، سان أومار، يدفع فاتورته على مسمعٍ منا. تعالَ لرؤيتي في الثالثة والنصف بعد ظهر اليوم ولا تتأخَّر دقيقة. وسان أومار» تابعَت، مشيرةً إلى الشاب الذي وقف الآن إلى جانبها: «هذا أحدُ أقربائك؛ السير إيفرارد دوميني. إنه شخص فظيع، لكن صافِحْه، وتعالَ. لقد تأخَّرت نصف الساعة بالفعل على الخيَّاطة.»

ضحِك اللورد سان أومار بغموض، ثم صافح قريبه الجديد، وأومأ برأسه بدماثةٍ للمحامي وتبِع عمَّته إلى خارج الغرفة. كانت تعابيرُ وجه مانجان شديدةَ الابتهاج.

صاح قائلًا: «سير إيفرارد، فليُبارككَ الرب! لقد حصلَت المرأة على ما تستحق! لأول مرة في حياتي أرى دوقةً يحمرُّ وجهها خجلًا!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤