الفصل العشرون

صدمة راجة

في الصباح اجتمع الإمبراطور فرنز جوزف بزوجته الإمبراطورة إليصابات وهو مقطب الحاجبين وقال: لقد أوعزت أن تبقى ماري فتسيرا ابنة أخت البارونة برجن في بافاريا في مدة الفرصة المدرسية.

– لماذا؟

– لأني أخشى من مغبة علاقة البرنس فردريك بها؛ إذ لا يخفى عليك أنه زوج امرأة الآن، فلا يليق أن يكون ذا عشيقة. فإذا كانت هنا لا نأمن تماديهما في الحب.

– إنه لرأي صائب، ولكن …

– لا لكن، ولا بل، لقد صدر أمري.

– أمر حكيم وإني معك، فلا يليق بزوجٍ أن يكون ذا عشيقة، وأُسَرُّ أن يكون هذا قانونًا نافذًا في البلاط النمساوي. ولكن مرثا تودُّ أن ترى ابنة أختها؛ لأنها لها في منزلة الأم، والفتاة يتيمة الأم لا تتعزى بغير خالتها.

– أجل، ولقد قررت أن مرثا تذهب إلى ابنة أختها وتبقى معها كل حياتها.

فأجفلت الإمبراطورة وقالت: ويلاه! ومرثا أيضًا؟

– نعم، لن تبقى في البلاط بعد اليوم، فأبلغيها ذلك.

فوقع الأمر على الإمبراطورة كالصاعقة، وقالت: إن هذا الأمر موجَّه ضدي؛ لأن مرثا تعزيتي الوحيدة.

– بل هي فتنة في هذه العاصمة، فلم تقتصر على واجباتها في البلاط بل جعلت تشتغل في السياسة، وهي مصدر الحركة الاشتراكية ضد العرش.

– إنها لبعيدة عن كل حركة.

– لعلك لا تدرين أنها تجتمع مع الفون فرنند فرغتن زعيم الاشتراكيين، وتشترك معه في دس الدسائس.

– لا أظن أن زعيم الاشتراكيين يحتاج إلى مستشار كمرثا برجن، وإذا كان الاشتراكيون قد هاجوا وماجوا فلأن سبب هياجهم خطير جدًّا.

– ليس السبب الذي تشيرين إليه سببًا، وإنما مرثا جعلته سببًا، فهي تشتغل في السياسة، ولا أريد أن امرأة في البلاط تتداخل في السياسة؛ ولذلك يجب أن ترحل اليوم. نعم، اليوم يجب أن ترحل.

فاستشاطت الإمبراطورة وقالت: إذن تريد أن مدام شراط تشتغل في السياسة.

– صه، لا تذكري اسمها فهي براء.

– يُحظر على فريدريك أن يعشق ولا يُحظر عليك.

– صه صه، لا تزيدي من هذا.

فصاحت الملكة ساخطة: لا أسكت؛ لأني لا أريد أن …

– لا يكون ما لا تريدين.

– حسنًا.

– إذن البارونة ترحل.

– وكاترين شراط ترحل أيضًا، لن تبقى في كل النمسا ساعةً.

– لست صاحبة الأمر والنهي هنا.

– إني صاحبتهما فيما يخصني.

– ليس ذلك يعنيك.

– يعنيني.

– افعلي ما تستطيعين.

فاشتد غضب الإمبراطورة وأُغلِق عليها، أما الإمبراطور فتركها وهو يقول: اليوم تبرح البارونة فينا، هكذا أمرت.

•••

وما كان الظهر حتى بلغ إلى الإمبراطور أن الإمبراطورة ووصيفتها برحتا العاصمة متنكرتين في القطار الراحل إلى بافاريا، فشق الأمر على الإمبراطور جدًّا وحار ماذا يفعل؛ بَيْدَ أنه أصدر أمره في الحال بإيقاف القطار في المحطة التي وصل إليها، ثم استدعى وزيره وشاوره في الأمر، وقرَّر أن يذهب الوزراء جميعًا ويسترضوا الإمبراطورة. وبالفعل أسرع الوزراء في قطارٍ خاص حتى بلغوا إلى حيث أوقف القطار الذي فيه الإمبراطورة، وجعلوا يتوسلون إليها أن تعود حتى أقنعوها، فعادت ووصيفتها معها.

ولما عادت ترامى الإمبراطور على قدميها مستصفحًا، ووعدها أن يتوب إلى الله وإليها.

وفي ذلك المساء أولم الإمبراطور وليمة لوزرائه حضرتها الإمبراطورة وهي مبتهجة، وكان حديث الإمبراطور كله في أمورٍ سارة لها. وتأكيدًا لوعده لها بأن يسرها أصدر أمره أن يحتفل في البلاط بليلةٍ راقصة يوم عيدها، يُدعَى لها كبار الحكومة وأعيان المدينة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤