الفصل الثاني والأربعون

الضربة القاضية

فقال الإمبراطور مستبشرًا: تأخرت يا فلت.

– ولكني والحمد لله نجحت يا صاحب الجلالة.

– افتحها يا فلت لنقدِّم الحلي لجلالة الإمبراطورة.

– المفتاح لم يزل مع ذلك المحتال الأول الذي اختفى خبره.

– اكسرها إذن وهات الحلي التي فيها.

فأعمل فون درفلت مُدْيَة في العلبة، وبعد الجهد الجهيد انخلع الغطاء، وكانت دهشتهما عظيمة إذ لم يجدا فيها حلى البتة، بل بعض أدوات معدنية مختلفة تشغل مكان الحلي.

فاكفهر فون درفلت، وصاح الإمبراطور: الويل لكم أيها الأشرار. هل بلغت الوقاحة منكم أن تلعبوا أدواركم عليَّ أيضًا؟ غدًا يوم الدينونة.

فجعل فون درفلت ينتفض فرقًا وقال: مولاي إذا أمرتم جلالتكم بالقبض على البارونة برجن الآن، فإني أستطيع أن أجد الحلي في مخبئها.

الويح لك ولها. ادعها إليَّ الآن حالًا.

فخرج فون درفلت يبحث عن البارونة، وبقي الإمبراطور ينتفض غضبًا ويرتجف حنقًا.

•••

نعود إلى البهو. فبعد أن خرج الإمبراطور منه عاد اللغط بين الجمع بسرعة، وما زالت الجلبة ترتفع حتى تشجَّع بعض المتطرفين ووقف على كرسي وصاح بالجمع: سمعًا أيها السادة.

فسكت الجمهور سكوتًا مطلقًا ثم قال: إن ما ظهر لنا في هذه الحفلة الليلة حتى الآن يدل على أن الشعب لم يزل ألعوبة في أيدي ذوي السلطة.

فصاح بعض الحضور من حزب الإمبراطور: اصمت وانزل وإلا قُبِض عليك بتهمة التحريض على الثورة.

فدوى البهو بشبه ضجة كادت تنتهي باضطرابٍ فظيع، لو لم يظهر الوزير تسزا في باب البهو ويصيح ملء شدقيه: يا قوم سمعًا. يا قوم إصغاء.

فسكت الجمع فقال: بكل أسف وبحزنٍ شديد أنعي إليكم أميرنا المحبوب المأسوف عليه البرنس رودلف ولي العهد، وغدًا صباحًا يُنشَر تفصيل وفاته، عزَّى الله الأسرة المالكة الجليلة بكم وبسائر الشعب.

فسكت الحضور وسكنوا كأن على رءوسهم الطير، ثم جعلوا يتهامسون بشأن هذا الخطب المفاجئ.

•••

في إبَّان سخط الإمبراطور وشدة غيظه، دخل عليه كاتب سكرتيره فون هتلر وقال: مولاي بكل أسف وبحزن شديد ألقي بين يديكم هذا التلغراف.

فاستغرب الإمبراطور كلام سكرتيره وتناول التلغراف بيد مرتفجة وتلا:

من دائرة بوليس أودنبرج
سعادة فون هتلر

بكل أسف وحزن شديد أبلغ سعادتكم أننا عثرنا على سمو البرنس رودلف ولي العهد المحبوب قتيلًا في الصرح الذي اعتاد سموه أن ينزل فيه، ووجدنا إلى جانبه مسدسًا وأمرًا إمبراطوريًّا بنفي البارونة فتسيرا، وقد استجوبنا الخادم القائم على حراسة الصرح فقال: إن سمو البرنس جاء إلى الصرح الظهر، وأمره بأن يذهب ولا يعود حتى المساء إلى الصرح، ولما عاد في المساء وجد سيده على هذه الحالة المفجعة، فأسرع وأنذرنا. لا أدري يا سيدي كيف ترفعون خبر هذه الفاجعة إلى جلالة الإمبراطور والإمبراطورة، غدًا صباحًا نرفع إليكم تفاصيل التحقيق.

مدير بوليس أودنبرج

فما انتهى الإمبراطور من تلاوة التلغراف حتى لطم خديه وصاح: واوَلَداه! واحُشَاشَتاه! والَوْعَتاه!

وما كان أشد وقع الفاجعة على الإمبراطورة وسائر مَن في البلاط، وأما جمهور المدعوين إلى الحفلة فانسلوا بسرعة على إثر انتشار الخبر في البلاط.

وهكذا ما تملص الإمبراطور من الأزمة إلا بفاجعة هائلة.

•••

وفي صباح اليوم التالي نشرت الصحف نعي البرنس مبهمًا؛ إذ لم تصدر النشرة الرسمية تنعيه، فتقوَّلَ الناس أقاويل مختلفة، فاضطر البلاط أن ينشر نشرة رسمية قبيل المساء مفادها أن البرنس وُجِد في صرحه في أودنبرج منتحرًا، وثبت أن انتحاره كان على إثر نوبة عصبية انتابته.

على أن التحقيق السري لم يتوصل إلى إثبات جناية القتل على أحدٍ، فترجَّح أنه مات منتحرًا، ولما سُئِل فون در عن سبب وصول الأمر بنفي البارونة فتسيرا إلى البرنس قال: إنه بعد أن استلمه من الإمبراطور سلَّمه إلى البارونة ليوتي لكي تبلغه إلى البارونة فتسيرا، ذلك لأنه كان منهمكًا بالمهمة التي نيطت به، وسُئِلت البارونة ليوتي فقالت: إن البرنس أَسَرَها واغتصب منها العلبة وما معها من الأرواق، ثم أطلق سراحها، فتركته حيًّا يُرزَق.

وأما الماجور جوزف شندر فقال: أنه نفَّذَ أمر البارونة برجن؛ لاعتقاده أنه صادر ضمنًا من جلالة الإمبراطور، وهو لا يدري غير ذلك. وأما الكبتن ملن فقال: إنه نفَّذ أمر البرنس بحروفه.

ثم حُفِظت أوراق التحقيق السري مخافة أن تنفضح السرائر التي لا فائدة من انفضاحها.

أما البارونة ليوتي فأُطلِق سراحها وتهدَّدت بأن تبقى صامتة وإلا قُطِع عنقها، وأما جوزف شندر فسُجِن تهمة مخالفته النظام العسكري، وأما ميزل وأميليا فاختفتا من فينا في ليلة الفاجعة نفسها.

وأما البارونة برجن فبقيت إلى جنب سيدتها الإمبراطورة وليس مَن يجسر أن يمسها بسوء، وبقيت معها حتى رافقتها في سياحتها بعد حينٍ كما تقرأ في الخاتمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤