الخاتمة

بقية التاريخ

بعد وفاة ولي العهد كان الإمبراطور فرنسوا جوزف في حزنٍ شديدٍ وحدادٍ مديد؛ لأنه كان يحب وحيده ولي العهد؛ فتاب عن عشيقته كاترين شراط، ولجأ إلى تعزية زوجته الإمبراطورة؛ فكانت له خير تعزية وسلوان.

على أن الزمان يلأم الجروح، فما عتم جلالته أن تاق إلى عِشْرة كاترين فاستدعاها، ولما رأت زوجته أن الداء تأصَّلَ فيه، برحت فينا بحجة تبديل الهواء والاستشفاء، وساحت في سائر أوروبا إلى أن وصلت إلى سويسرا، فاغتالها هناك فوضوي يُدعَى لوشيني، فعظم حزن الإمبراطور عليها، ولكنه لم يجد معزيًا في إبَّان حزنه سوى كاترين شراط.

بعد ذلك أصبح الإمبراطور في يد كاترين؛ إذ تعلَّقَ بها تعلُّقًّا شديدًا، وما انتهى الحداد على الإمبراطورة حتى اقتربت كاترين إلى البلاط كثيرًا، ودنا النفوذ إلى يدها، وأصبحت صروحها بلاطًا غير رسمي، وصار يقصد إليها كلُّ مَن توسل إلى نفوذ وحول وطول؛ ذلك لأن الإمبراطور كان يمنحها كل رغيبة من رغائبها، وهيهات أن ضن عليها بمطلب، وفي كثيرٍ من الأحوال كانت تنال عطايا عزيزة في مقابل الرتب والأوسمة التي كانت تستصدرها لذويها.

وقد أغدق عليها الإمبراطور من النِّعَم ما لم يغدقه حاتم طي من قبله، حتى كاد بسبب ذلك الإسراف يقع في إفلاس كل عام، وكاترين كانت تُنفِق بسعةٍ ومن غير حساب.

وقد منحها الإمبراطور علاوة على الجواهر والحلي التي تقدَّمَ الحديث عنها قصرًا فخمًا في رينغ ستراس في فينا، وصرحًا في بوليو في مصايف فرنسا، وقصرًا في هتزنبرغ، وصرحًا في أشل.

والإمبراطور بعد بضع سنين من ترمله فاجأ العائلة المالكة ووزراءه بعزمه أن يتزوج كاترين شراط ويجعلها إمبراطورة، فبغت وزراؤه لهذا النبأ الداهش، وبذلوا جهدهم في إقناعه أن عمله هذا يحط من مقام العرش بل يزعزعه؛ ولكنه لم يرعوِ.

فتوسلت إليه ابنتاه الأرشدوقة فاليري أوستريا والبرنسس جيسيلا أميرة بافاريا أن يعدل عن هذا العزم، فازداد إصرارًا، فقصدت الأرشدوقة جيسيلا وهي أحب بنيه إليه إلى مدام كاترين شراط، وتوسَّلت إليها أن تنقذ الإمبراطور من هذه الورطة التي يلقي بنفسه فيها مخافة أن يخسر العرش برمته، وبسطت لها نتيجة هذا الزواج الفظيعة، فارعوت كاترين، وانتهى الحديث بذرف المرأتين دموعهما، فاجتمعت كاترين في اليوم التالي بحبيبها الشيخ وأخبرته أنها لن تتزوجه، ولكنها تبقى صديقته المخلصة.

ومن ذلك الحين كان زوَّار الأرشدوقة يَرَون صورة كاترين معلَّقة عندها في غرفتها الخاصة، وهي لا تستنكف أن تقول إن كاترين ليست صديقة الإمبراطور وحده، بل هي صديقة ابنته أيضًا.

على أن نفوذ كاترين ومقامها انقضى بانقضاء حياة الإمبراطور فرنسوا جوزف فُجَاءَةً، ولما ذهبت إلى البلاط لكي ترى جثته لآخِر مرة منعتها ابنتاه، فعادت كاترين إلى مقام العامة كما كانت، وحسبها ما لقيت من المجد والعز في عهد حبيبها الإمبراطور.١
١  في سياق حديث مع صديقنا سقراط بك سبيروا محرِّر الإجبشن غازيت الإنكليزية، علم له أننا نطبع هذه الرواية التاريخية الغرامية، فأخبرنا أن موظفي البلاط النمساوي أطلقوا على الإمبراطور بدلًا من اسم فرنسوا جوزيف اسم شراط؛ لتعلُّقه بكاترين شراط عشيقته الممثلة الشهيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤