لغز اللوحات الفنية

رد «أحمد» بسرعة: إنه سؤال غبي.

احمرَّ وجه الرجل وقال: كن حذرًا في اختيار ألفاظك!

قال «أحمد» دون أن يهتمَّ: لو كنا نعرف مكان زوجة «جوزيف سليم» لما حضَرْنا إلى هنا …

قال الرجل: ولماذا حضرتُما إذن؟

أحمد: إنه نفسُ السؤال الذي أوجهه إليكما.

الرجل: ليس من عادتنا الإجابة على الأسئلة.

أحمد: إنها عادة طيبة … وسوف نتبع نفس القاعدة.

ورفَعَ الرجل مدفعه السريع الطلقات وحركه يمينًا ويسارًا، وقال: سيَشترِك معنا هذا المدفع الصغير في الحوار.

لم يُبدِ «أحمد» أيَّ اهتمام، وقال: إنني أحب أن أسمع صوته.

الرجل: لقد أمضينا ليلتين في انتظار حضور أحدكم … وها قد حضر اثنان وعليكما فورًا أن تقولا لنا كل المعلومات التي تَعرفونها.

أحمد: نحن لا نعرف أكثر مما تَعرفون.

الرجل: في هذه الحالة يجب أن آخذَكُما إلى «هانز».

أحمد: إنه لقاء أسعى إليه … وأتمنَّى أن يتم.

وأخذ «أحمد» يُدير بصره في المكان … كان من الواضح جدًّا أن الرجلين قد فتَّشا المكان تفتيشًا دقيقًا، وأنه إذا كانت هناك أيَّة أدلة فقد حصلا عليها … وأخذ «أحمد» يفكر سريعًا هل يذهبان مع الرجل إلى «هانز»؟ وما هي المعلومات التي يمكن أن يَحصُلا عليها من هذا اللقاء … وفي نفس الوقت هناك «زبيدة» التي تقف في الخارج … ولعلَّها تسمع الحوار الآن … فكيف يُمكن أن تتصرف؟ … وقطع عليه حبل تفكيره صوت رصاصة انطلقت من الخارج … وشاهد «أحمد» الرجل الذي يحمل المدفع وهو يَقفز كالملسوع ممسكًا بذراعِه اليسرى … وقفز «أحمد» قفزةً واحدة، وسدَّد لكمةً قوية إلى فك الرجل جعلته يترنَّح ثم يسقط … وفي نفس الوقت كان «عثمان» قد انقضَّ على الرجل الآخر وحمَلَه بين ذراعَيه كطفل صغير، ثمَّ رفعه إلى فوق وتركه يسقط على الأرض.

واجتازَت «زبيدة» النافذة وبيدِها مسدسها … وقال لها «أحمد» مبتسمًا: ليتك انتظرتِ قليلًا!

زبيدة: لماذا؟

أحمد: لقد كُنا في الطريق إلى «هانز».

زبيدة: كيف؟

أحمد: كان هذان البغلان يُريدان أن يذهبا بنا إلى «هانز» لاستجوابنا، وكانت هذه فرصة لمعرفة مكان «هانز».

زبيدة: نستطيع أن نُرغمهما على الحديث.

أحمد: سنُحاول.

كان «عثمان» يُمسك بمدفع الرجل الضخم، ويَرقُب الرجلين في هدوء وهو يجلس على مقعد، بينما جلس الرجلان على الأرض، وقد بدَتْ عليهما علامات الذهول لما حدث … ووجَّه «أحمد» حديثه إلى الرجل الضخم قائلًا: والآن … أين «هانز»؟

لم يردَّ الرجل، فقال «أحمد»: إنك منذ دقائق قليلة عرضت علينا أن تأخذنا إلى «هانز» لاستجوابنا، ونحن نُرحِّب بالاقتراح!

أخذ الرجل الضخم يَنظُر إلى «أحمد» في غيظٍ دون أن يردَّ، فقال «أحمد»: نستطيع بالطبع أن نَنتزِع منكما مكان «هانز» … ولكنَّنا عادةً نُفضِّل التفاهم على استعمال العنف …

ردَّ الرجل: تعليمات «هانز» أن نَنتظِر حضور أي شخص إلى هذا المكان، ثم نستجوبه … فإذا لم نَستطِع الحصول منه على معلومات فعلَينا أن نحمله إليه.

أحمد: اتَّصل ﺑ «هانز» تليفونيًّا واسأله!

نظرت «زبيدة» إلى «أحمد» وعرفت ماذا يَقصد بالاتِّصال التليفوني … لقد تمرَّنوا على معرفة الأرقام بمجرَّد النظر إلى اليد وهي تُدير الأرقام. فإذا لم يتمكَّنوا ففي إمكانهم معرفة الأرقام بالاستِماع إليها … ولا شكَّ أن «أحمد» يُريد أن يَعرف رقم «هانز» … وإنه لن يُغامر بأن يدخل عرين الأسد بقدمَيه.

نظر الرجلان أحدهما إلى الآخر، وقام الرفيع الذي كان يتألم وهو يُحاول الوقوف، واتجه إلى التليفون، وكان حذرًا؛ فقد حجب قرص التليفون بجسمه وهو يُدير الأرقام، وأرهف «أحمد» و«زبيدة» و«عثمان» آذانهم لدوَران القرص … وعندما انتهى الرجل من طلب رقم «هانز»، ابتسم الثلاثة … فقد استطاعوا معرفة الرقم بالسماع.

تحدَّث الرجل إلى «هانز» بصوتٍ خافتٍ لحظات، بينما كان «أحمد» يُدير عينَيه مرةً أخرى في المكان، وفجأةً لمعت عيناه ببريقٍ غريبٍ لاحَظَه «عثمان» … وكانت عينا «أحمد» مُثبتتَين على اللوحات الفنية المعلَّقة في الصالة … وأخذ «عثمان» يُحاول فهم ما يدور في رأس «أحمد» … وقطع عليه حبل تفكيره الرجل الرفيع وهو يضع سماعة التليفون ثم يَلتفِت إلى «أحمد» قائلًا: إن «هانز» سيَحضُر بعد قليل.

رد «أحمد»: شكرًا!

ثم قال لزبيدة: انتبهي جيدًا!

والتفت إلى «عثمان» وقال: سنشد وثاق الصديقين.

وبسرعة وحزم قام «أحمد» و«عثمان» بشدِّ وثاق الرجلَين، ثم وضعاهما في حجرة، وقال لهما «أحمد» قبل أن يُغلق الباب: سيحضر «هانز» بعد قليل، وأرجو أن يَعثُر عليكما!

قال «عثمان»: ألن تُقابله؟

أحمد: إنه بالطبع سيَحضُر ومعه جيش من أعوانه … ومن الواضح أنه لا يَعرف معلومات أكثر مما نعرف، فلماذا نُقابله؟

ثم اتجه «أحمد» سريعًا إلى اللوحات الفنية الخمس المعلَّقة على الجدران وقال: ساعداني في إنزالها.

عثمان: ماذا تُريد منها؟

أحمد: ستعرف حالًا … ولكن أَسرِع … إن «هانز» … قريب منَّا!

وبسرعة حمل الثلاثةُ اللوحات الفنية، ثم انصرفوا مُسرِعين، وأغلقوا باب الفيلَّا، وبعد لحظات كانت السيارة تشقُّ طريقها إلى بيروت بقيادة «عثمان».

قالت «زبيدة»: لقد حفظتُ رقم تليفون «هانز».

أحمد: وأنا حفظته!

عثمان: وأنا أيضًا!

زبيدة: والآن … ما هي حكاية هذه اللوحات؟

أحمد: كنت أظنُّكِ ستعرفين!

زبيدة: ومن أين لي أن أعرف ماذا يدور بخاطرك حول هذه اللوحات؟!

قال «عثمان» مبتسمًا: لعلَّها ذات قيمة … ولعلَّه يبيعها فيحصل على ثروة!

أحمد: قيمتها الفنية لا تُهمني … وإن كان الرسَّام على قدرٍ كبير من المهارة والدقة!

زبيدة: إنه «جوزيف سليم».

أحمد: ولهذا اهتممتُ بها … إنني أذكُر ما قلتِه على لسانه … لقد كان يرسم في الماضي، ولكنَّه توقف بعد أن تقدَّمَت به السن … أليس كذلك؟

زبيدة: هذا حدث فعلًا.

أحمد: ألم تُلاحظي مكان هذه اللوحات؟

زبيدة: إنها على شاطئ البحر.

أحمد: ولكنَّ بعضَها ليس في لبنان!

زبيدة: هل أنت متأكِّد؟

أحمد: ليس تمامًا … ولكن فكرة خطرت ببالي قد تكشف عن أشياء مذهلة في هذه المغامرة!

زبيدة: ما هي هذه الفكرة العجيبة؟

أحمد: عندما نصل إلى مقرِّ الشياطين سوف أقول لكم على ما أفكِّر فيه.

عثمان: إنَّ ما أفكر فيه الآن هو أنني جائع جدًّا …

أحمد: فكرة لا بأس بها … قد تحلُّ اللغز.

وضحك الثلاثة … واستمرَّت السيارة تشقُّ طريقها كالسَّهم، وقد أطلق «عثمان» من الراديو موسيقى خفيفة … وبعد نحو ساعة كانوا يدُورُون حول الكورنيش في لفَّات متعرِّجة … ثم وصلُوا إلى المقرِّ … وصعدوا إلى الطابق الثاني … وكان بقية الشياطين ساهِرين في انتظار عودتهم.

قام «أحمد» بوضع اللوحات الفنية بجوار الجدار فوق مائدة مستطيلة ووقف يتأملها، ثم قال: «إلهام» … هل يُمكن أن تُميِّزي بين اللوحات التي تُمثِّل مشاهد الطبيعة في لبنان وغيرها؟

قالت «إلهام» مبتسمة: هل هو امتحان؟

أحمد: امتحان بسيط في الجغرافيا باعتبارك لبنانية.

إلهام: اللوحة الثانية والرابعة والخامسة من لبنان بالتأكيد!

أحمد: واللوحة الأولى والثالثة؟

إلهام: لا أظن أنها من لبنان … ولكن هذا ليس مُستبعدًا؛ فإنني لا أعرف كل مكان في لبنان … وإن كان من المؤكَّد أن طراز المنازل فيها ليس لبنانيًّا تمامًا.

أحمد: هل لأحد تعليق على هذا الكلام؟

بو عمير: أظن أن المنازل في اللوحتَين الأولى والثالثة ذات طابع أوروبي أكثر وإن كانت غامضةً بعض الشيء.

أحمد: هل يعرف أحد منكم المكان الذي رُسمت فيه هاتان اللوحتان؟

هدى: قد تكون في جنوب فرنسا.

عثمان: أو جنوب إيطاليا!

التفتت «إلهام» إلى «أحمد» وقالت: المهم هل تَعرف أنت؟

أحمد: لا … ولو كنت أعرفُ لما سألتكم.

بو عمير: وما هي أهمية المكان الذي رُسمَت فيه هاتان اللوحتان؟

أحمد: تصوُّر … مجرَّد تصور … أنه المكان الذي سنَعثُر فيه على زوجة «جوزيف سليم»!

بو عمير: وكيف بَنيتَ استنتاجاتك؟

أحمد: سأقول لكم … بعد أن نتعشَّى … وبعد أن نستدعيَ «سرور» ليحمل هاتين اللوحتين إلى رقم «صفر» ليدلَّنا على مكانهما.

وسمع الأصدقاء صوت «سرور» يقول من جانب الباب: لا داعيَ لأن نرسلهما إلى رقم «صفر».

والتفَتَ الشياطين ناحية الباب، ورأوا «سرور» يقف في مكانه يتأمل اللوحات ويبتسم ثم قال: إنني أعرف أين رُسمت هاتان اللوحتان!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤