واحد من اثنين …

كان «تختخ» يحسُّ أنه في سباق مع الزمن … وأن ثمة شيئًا غامضًا في القصر يحدث. وفي هذه الأثناء كانت «لوزة» تدخل إحدى الغرف المطلة على الفناء الخلفي للقصر، وأحسَّت أنها عندما أضاءت النور أن بابًا في نفس الغرفة قد فُتح ثم أُغلق … ثم انقضَّ شخص ما … أطفأ النور ثم وضع يدَه على فمها، وسرعان ما كان يُغلقه بشريط لاصق حتى لا تصرخ، ثم يحملها بين يدَيه، ويضعها على الأرض ويربط يدَيها وقدمَيها …

وبعد لحظات كان «محب» يدخل غرفة أخرى، سَمِع أزيزَ شيءٍ ما قريبًا منه، وقبل أن يتحرك من مكانه … كان شيءٌ ثقيل يرتطم برأسه … فيسقط على الأرض، وكان «تختخ» قد اتجه إلى جراج السيارات في القصر … وأخذ يبحث عن شيء ثقيل … وعثر على بلطة، وأسرع إلى الغرفة الصغيرة خلف القصر … كانت الريح الباردة تعوي بين الأشجار فلم يسمع شيئًا آخر … وأمسك بالبلطة، وهوَى بها بكل قوته على قُفْل الباب … وبعد بضع خبطات انفتح الباب ودخل.

تحسس مفتاح النور حتى وجده … ووجد ما كان يتوقعه أجهزة التحكم في مياه حمام السباحة، وكان العداد يوضح أن مستوى المياه في الحمام قد هبط إلى النصف … وأسرع «تختخ» إلى إيقاف عملية تفريغ الحمام بإدارة الأسطوانة البيضاء وسط الجهاز … ووجد أمامه بابًا صغيرًا من الخشب … كان الباب مغلقًا … وهوَى بالبلطة دون تردُّدٍ حتى فتحه … وشاهد سُلَّمًا ينزل إلى تحت الأرض، وأضاء النور … وأخذ يقفز نازلًا. حتى وجد دهليزًا تحت مستوى الأرض ببضعة أمتار، أخذ يجري فيه وهو ينادى: أستاذ «صديق» … أستاذ «صديق».

وانتهى الدهليز إلى منحنًى صغيرٍ … ووقف «تختخ» مذهولًا عندما شاهد رجلًا يجلس على كرسي صغير … وقد تم تقييدُه إلى الكرسي بإحكام … وارتفعَت المياه حوله إلى قرب وسطه! كان شاحبَ الوجه … ناميَ اللحية … يبدو عليه الإعياء الشديد … وأسرع «تختخ» بفك قيوده، ثم قال له: أنت الأستاذ «محسن صديق» … أليس كذلك؟

وربما لم يُصَب «تختخ» في حياته بمثل ما أُصيب به وهو يسمع الرجل يقول له: لا … أنا لستُ «محسن صديق»‏.

وسادَت لحظةُ صمت … ثم قال الرجل «أنا حسام قدري».

تختخ: لا يمكن!

الرجل: لماذا؟

تختخ: لسبب بسيط … أنني أعرف «حسام قدري»!

الرجل: ولكني «حسام قدري».

تختخ: لا يمكن.

الرجل: لماذا لا يمكن؟

تختخ: لأنني كما قلت لك أَعرف «حسام قدري» سكرتير المليونير المختفي «محسن صديق».

الرجل: هذا غير ممكن … كيف حدث هذا؟

وشرح «تختخ» بسرعة للرجل كلَّ ما جرى، وهما يخوضان في المياه، ثم يتوجهان إلى الدهليز ومنه إلى السُّلَّم … كان الرجل يسير في بطء شديد وهما يتحدثان … وعندما وصلَا إلى السُّلَّم سمعَا صوت أقدام تنزل … وأحس «تختخ» بالرعب، وأسرع يشدُّ الرجل ويعود مرة أخرى إلى الغرفة الغارقة في المياه … ووقعَا في المصيدة … فقد ظهر على الفور رجل يُمسك مسدسًا هل هو «حسام قدري» السكرتير أم «محسن صديق» المليونير؟ هكذا فكر «تختخ» وهو ينقل بصرَه بينهما … فكلٌّ منهما يدَّعي أنه «حسام قدري»، فأين المليونير إذن؟

كان الرجل الممسك بالمسدس سواء هو «حسام قدري» أم «محسن صديق» ينظر إلى «تختخ» نظرةً يتطاير منها الشَّرَر … ودون أن ينطق كلمة رفع المسدس ليضرب … ولكن في نفس اللحظة سمع الثلاثةُ صوتَ أقدام كثيرة … ثم صوت المفتش «سامي» يرتفع في صرامة قائلًا: ألقِ بهذا المسدس.

ونظر المفتش إلى الرجل الشاحب المنهك … وقال الأستاذ «محسن صديق»؟

ردَّ الرجل (بدهشة): هذه ثاني مرة أُتَّهم بأنني المليونير «محسن صديق» … أنا يا سيدي «حسام قدري» سكرتير «محسن صديق» …

بدَت علامات الدهشة على وجه المفتش، ثم قال: هيَّا بنا … سنستمع إليك فيما بعد.

صَعِد الجميع إلى صالة القصر الواسعة … ولاحظَ «تختخ» عدمَ وجود «لوزة» و«محب»، فأسرع يفتح كلَّ بابٍ في القصر حيث وجدهما الأولى مقيدة … والثاني يفيق من إغماء طويل … وفي الصالة الواسعة الفاخرة قال «تختخ»: ليسمح لي السيد المفتش بأن أتحدث لحظات، أشار المفتش وهو يبتسم بالموافقة، فقال «تختخ»: إننا نريد تفسيرًا واضحًا … مَن هو المليونير ومَن هو السكرتير؟ ومَن هذان الشخصان؟

قال الرجل الشاحب: أولًا أريد أن أعرف كيف وصلتَ إلى مكاني … وأنا على وشكِ الغرق؟

تختخ: حمام السباحة … لقد لفتَ نظري منذ البداية، وقد حاولتُ أن أجد تفسيرًا لشعوري هذا … نزلتُ في الحمام بضع مرات … ولاحظتُ أن أبواب التفريغ تحت القصر … أي إن هناك فراغًا تحت القصر تذهب إليه المياه أولًا … قبل أن تصلَ المجاري … وطبعًا إذا كان الحمام ممتلئًا كانت هذه الفراغات تصبح مخبأً لأي شيء … وتمنيتُ أن أعرف ما في هذا المخبأ، وطلبت مفاتيح القصر كلها … ولكن «حسام قدري» المزيف رفض إعطاءَها لنا، وكان لا بد أن أكتشف سرَّ تلك الحجرة الخفية، حجرة غرفة التحكم في مياه حمام السباحة، فقد أحسستُ أن السرَّ كلَّه يكمن فيها، وأن «حسام قدري» المزيف رفض إعطاء مفاتيح القصر لنا حتى لا نكتشفَ سرَّ هذه الحجرة، إذن هناك مَن لا يريد أن نعرف ماذا في هذه الفراغات، وعندما رأيت مياه الحمام تتناقص عرفت أن الفراغاتِ تمتلئ. وكنت أريد أن أراها فارغة قبل أن تملأها المياه … وهكذا كسرتُ باب الغرفة الصغيرة الخلفية، ووجدت السلالم والدهليز، ثم وجدتُك.

قال المفتش (معاتبًا): لماذا لم تتصل بي يا «توفيق» … لقد عرَّضت حياتك للخطر.

تختخ: كان الوقت ضيقًا، ولو انتظرتُ حتى تحضر، لغرق هذا الرجل الذي هو إما المليونير وإما السكرتير.

قال الرجل الشاحب أنا «حسام قدري» السكرتير … وقد قام المليونير «محسن صديق»: بحبسي في هذا المكان، وقام هو بدور السكرتير، حتى يوهم الجميع أن المليونير قد اختُطف.

وعلَّل الرجل الشاحب ذلك بقوله: لأنني اكتشفتُ أن ملايينه كلَّها جمعَها من تهريب «الهيروين» وغيره من السموم إلى البلاد … وعندما واجهتُه بالحقيقة حاول أولًا رشوتي … ثم هددني … ثم وضع لي مخدرًا في الشاي، ووضعني في هذا المكان … فكَّر في خطة شيطانية بأن يقول إن المليونير قد اختفى … ويقوم هو بدور السكرتير … حتى إذا فشل البوليس في العثور على المليونير … أصبح في مأمن من كشْف حقيقته.

نظر المفتش إلى الرجل الآخر، وقال: ما رأيك في هذا الكلام؟

أخذ الرجل ينظر حوله كأنه يبحث عن مخرج من هذا المأزق … ثم قال: إن هذا كلَّه كلامٌ فارغ … إنني فعلًا «محسن صديق» رجل الأعمال … ولكنني لم أخطف أحدًا.

المفتش: لماذا ادَّعيتَ إذن أنك «حسام قدري»؟

الرجل: إنني لن أتحدث إلَّا بعد استشارة محاميَّ الخاص.

قال «حسام قدري»: يا أستاذ «صديق» لا داعي للإنكار … لقد سجَّلتُ جميعَ ملاحظاتي عليك … وأعرف مخابئ الهيروين في هذه الفيلا.

صاح «محسن صديق» مزمجرًا: أنت خائنٌ.

حسام قدري: مَن منَّا الخائن … أنت الذي تبيع السموم للمواطنين. وتدمِّر حياتَنا أم أنا الذي رفض مليون جنيه رشوة منك لتستمرَّ في تجارة السموم؟

تحدَّث تختخ بهدوء قائلًا: إن الأمور واضحة يا أستاذ «صديق» فأنت لعبت دورَك بمهارة لإثبات أنك السكرتير … وحتى لا يعرفَ أحدٌ الحقيقة فقد أخفيت جميع صورك … ثم أزلت كلَّ الآثار التي تدل على الجريمة التي ارتكبتَها.

محب: ليست هناك جريمة كاملة … فقد استأجرتَ فيلا لتعيش فيها في شخصية السكرتير … وهي فيلا فاخرة لا يسمح مرتبُ السكرتير باستئجارها، وهذا من أسباب شكِّنا في شخصيتك.

عاطف: لقد كان عند البوَّاب بعضُ الشكوك أيضًا … ولكنه كان مترددًا في إبلاغ الشرطة، ولما أحسستَ يا أستاذ «صديق» بشكوك البواب حاولتَ قتْلَه …

تختخ: إن محاولتك إخفاءَ مفاتيح القصر كشفت الكثير … ولولا أنني تنبَّهتُ لعملية ملء الحمام ثم محاولة تفريغه لمات الأستاذ «حسام قدري» غريقًا، وسافرتَ أنت واختفى معك سرُّك إلى الأبد، إن المعتاد أن يتأخر السكرتير على المليونير … ولكنك فعلت العكس. ظل «محسن صديق» صامتًا لا يكاد يُصدِّق أن هؤلاء الأولاد الصغار هم الذين كشفوا سرَّه. ‏ ثم نظر إلى المفتش بضيق، وقال: كيف تسمح لأمثال هؤلاء أن يتدخلوا في عملك؟ ردَّ المفتش ببرود شديد: إنني أرحِّب بأي تدخُّل من أي شخص يمكن أن يساعد العدالة. وصمت المفتش لحظات، وقال: إنني أتوجه بالشكر إلى المغامرين الخمسة؛ فلولا ما أظهروه من ذكاء لما أمكننا حلُّ هذا اللغز المثير.

قال أحد الضباط الواقفين: إني أقترح يا سيدي المفتش أن نضمَّ المغامرين الخمسة إلى قوة الشرطة.

ضحك الجميع وهم يقتادون المليونير المجرم إلى الخارج … بينما أخذ «حسام قدري» يسلِّم على المغامرين واحدًا واحدًا وهو يقول: إنني مدينٌ لكم بحياتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤