حادث جديد

تمدَّد «تختخ» في فراشِه تحت الأغطية، كان الجو شديدَ البرودة، والدفءُ لذيذٌ … ولكنه بعد أن استغرق في النوم حلَم أنه يعوم في بحر هائج والمياه باردة، وأن سمكة قرش ضخمة تقترب منه وأسنانها المعقوفة إلى الخلف تقترب من ساقه، واستيقظ «تختخ» من النوم وقد أُصيب بفزعٍ شديد، ووجد النافذة مفتوحة والهواء البارد قد تسلَّل إلى غرفة النوم وأطار الأغطية، وأسرع يُغلق النافذة، وأخذ يحاول أن يتذكَّر إن كان قد تركَها مفتوحة أو أنه لم يُغلقها جيدًا ثم فكَّر في تفسير الحلم … ولم يكن في حاجة إلى تفسير … فهو يعرف من بعض قراءاته أن ما يتعرض له النائم من أصوات أو حركة تؤثر في نوع الحلم الذي يحلم به.

حاول العودة إلى النوم مرة أخرى ولكنه لم يستطع، ونظر إلى ساعته فوجدها تقترب من السابعة صباحًا، وما زال الوقت مبكرًا للخروج، ولا يدري لماذا طرأت على ذهنه فكرةُ حمام السباحة في فيلا المليونير «صديق» إنه ممتلئ بالماء رغم أن الجو بارد، وعادة ما تكون حمامات السباحة فارغةً من المياه في شهور الشتاء، إلا إذا كان لها جهاز تدفئة يعمل على تسخين مياه الحمام لتصبح صالحة للعوم، وتذكَّر تصميم حمام السباحة وكيف أنه نادر المثال، وتذكَّر أيضًا أنه ناقش مع «نوسة» فكرة جهاز التدفئة، وأنه اختبر المياه فوجدها باردةً.

وقرر «تختخ» ألَّا يحاول النوم مرة أخرى، ونزل من غرفته إلى المطبخ حيث أعدَّ كوبًا من الشاي وساندوتشًا من الجبن الأبيض الذي يُحِبه، وجلس يمضغ طعامه في بطء ويتناول جرعته من الشاي بعد كل قضمة، فطعم الجبن الأبيض المالح مع حلاوة السكر من الأشياء التي يحبها …

وذهب «تختخ» إلى غرفة المذاكرة، حاول أن يجد شيئًا للقراءة ولكنه كان زاهدًا فيها … ووضع أمامه بعض الأوراق وأخذ يكتب أهم النقاط في لغز اختفاء المليونير … كانت أهم النقاط هي اختفاء صور المليونير، ثم حمام السباحة، ثم حكاية خروج المليونير مبكرًا جدًّا وعودته متأخرًا جدًّا، فهو يعرف أو قرأ أن عادة المليونيرات النوم المتأخر بعد السهر الطويل، وفجأةً خطرَت له فكرة أن يطلب من المفتش «سامي» سؤال السكرتير والبواب عن ملامح المليونير المختفي لعلَّ في إمكانهم خاصة رجال الشرطة رسم صورة تقريبية لهذا المليونير … لتوزيعها على رجال الشرطة للبحث عنه، نظر إلى ساعته … كانت الساعة السابعة وخمسًا وأربعين دقيقة فهل استيقظ المفتش «سامي» في هذا الوقت ليعرض عليه اقتراحَه؟ خرج إلى الصالة وأدار قرص التليفون وكان الرد من المفتش «سامي»، وبعد أن تبادلَا تحية الصباح قال «تختخ» آسف لإزعاجك في هذا الوقت المبكر.

المفتش: إنني مستيقظ منذ السادسة صباحًا.

تختخ: لعلك مشغول بلغز اختفاء المليونير.

المفتش: إنني مشغول بعشرات الأشياء، وقد استيقظت في السادسة رغم أنني لم آوِ إلى فراشي إلَّا في الرابعة صباحًا.

تختخ: كان الله في العون، ولكن هل من جديد في لغز اختفاء المليونير؟

المفتش: ليس شيئًا جديدًا ولكنه شيء مفزع.

تختخ: (وقد دقَّ قلبُه سريعًا) وسأل: خيرًا … ماذا حدث؟

المفتش: إن بواب فيلا المليونير المختفي في المستشفى الآن بين الحياة والموت.

تختخ: البواب العجوز؟

المفتش: إن الجناة ظنوا أنه قد مات.

تختخ: هذا مذهل لقد ذهبنا لاستجواب هذا الرجل مساءً أنا و«محب»، ولكنه لم يُدْلِ إلينا بأي معلومات مفيدة وعاملَنا بخشونة، ولا بد أن المعتدي تسلَّل من مكان بعيد عن بوابة الفيلا لكيلا يشاهدَه الحارس الواقف أمامها …

المفتش: نعم … ولهذا لم يسمع الحرس المعيَّن على الفيلا أيَّ صوت لهذا الاعتداء.

تختخ: خسارة كبيرة، ولكن ما زال عندنا السكرتير.

المفتش: ماذا تقصد؟

تختخ: كنت أفكر أن يقوم خبراء المعمل الجنائي برسم صورة تقريبية للمليونير بناء على مشاهدةِ كلٍّ من السكرتير والبواب له … إن ذلك قد يساعدنا إلى حدٍّ ما.

المفتش: فكرة طيبة، ولكن السكرتير ليس موجودًا الآن، لقد طلبته بمدينة المهندسين ولكن أحدًا لم يردَّ، كما أنه لم يَصِل إلى الفيلا بعدُ.

تختخ: وماذا سنفعل الآن؟

المفتش: عندي تحقيقٌ هامٌّ في مديرية الأمن، ثم أَذهبُ إلى الفيلا بعد ذلك.

تختخ: إنني ذاهب الآن …

المفتش: هناك قوة حراسة، ولكني سوف أطلب منهم السماح لك بالتجوُّل في الفيلا.

تختخ: إذن إلى اللقاء.

وضع «تختخ» السماعة وهو مشغول الذهن تمامًا بما حدث للبواب … ما معنى الاعتداء عليه؟ هل شاهد الخاطفين فحاولوا قتْلَه، ولكنه في التحقيق لم يَقُل شيئًا من هذا القبيل؟

ونظر «تختخ» إلى ساعته … كانت قد اقتربَت من الثامنة، وقرر أن يذهب وحده، فهو متأكد أن بقية المغامرين ما زالوا يغطُّون في نومهم في هذه الساعة المبكرة نسبيًّا من يوم شتوي بارد، وفي إجازة نصف السنة حيث يحلو للبعض من الطلبة أن يستمتعوا بوقت نوم أطول في أيام الإجازة.

تردَّد «تختخ» لحظات ثم قرَّر شيئًا، ذهب إلى دولاب ملابسه وأخذ يبحث حتى وجد بذلة الغوص الجلدية التي يستخدمها أحيانًا في الصيف، فحملها معه ثم خرج إلى الحديقة ليُعدَّ دراجتَه للمسير، وكم أدهشه أن يجد «زنجر» يقف في انتظاره وكأنه أحسَّ أن صاحبه على وشك الخروج.

قفر «تختخ» إلى دراجته، وقفز «زنجر» خلفه، وانطلق في الجو البارد المنذِر بالمطر ولكنه كان سعيدًا، فهو يشعر أنه يعمل في لغز حقيقي يستحق بذلَ الجهد، وسرعان ما كان على الطريق إلى حلوان، ولاحظَ على الفور أن دراجةً تتبعه فتوقَّف لحظات حتى شاهد الشاويش «فرقع» وهو يمرُّ بجواره ثم يتوقف ويقول: إلى أين؟

تختخ: أليس من الواجب أن تقول صباح الخير أولًا؟

فرقع: أيُّ خير يأتي منك أو منكم … إنك وبقية زملائك لا تُسبِّبون لي سوى المتاعب.

تختخ: صدِّقني يا شاويش علي، إننا نُحِبك، وإننا في كل ما نفعل لا نقصد إلَّا مساعدتك.

هزَّ الشاويش «فرقع» شاربه الضخم ثم انطلق بدراجته وانطلق خلفه «تختخ»، ولم يكن مستغربًا أن يلتقيَا عند باب فيلا المليونير «محسن صديق» فيحمر وجه الشاويش وينفجر قائلًا: إنك تتبعني ماذا تريد؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤