قطعة قديمة من القماش

وصل المغامرون الخمسة إلى بئر البترول في الصحراء الغربيَّة بعد مغامرةٍ مُثيرةٍ، فقد هبطَتْ بهم الطائرة هبوطًا اضطراريًّا في مكانٍ مجهولٍ … وتعرَّض العمال الذين كانوا معهم للخطف من عصابةٍ لا يعرف أحدٌ من أين أتَتْ … ثم اختفى الطيَّار «حسني» والمستر «كوكس»، مندوب شركة «فيلبس» للبترول … وبعد صدامٍ مع عصابة الطوارق … استطاع المغامرون أن ينتصروا وأن يُعيدوا المخطوفِينَ، ولكنَّ العصابة اختفَتْ في الصحراء الواسعة … كما اختفى أثر «وادي المساخيط» حيث كانت العصابة تعيش.

وأخذت الطائرة الهليكوبتر الضخمة التي حملتهم إلى مكان البئر تحوم للحظات، ثم اختار الطيار مكان الهبوط، وأخذ ينزل تدريجيًّا … وأثارت المروحة الكبيرة عاصفةً من الرمال … ثم استقرَّتِ الطائرة أخيرًا على الأرض الرملية، وبدأ المغامرون ينزلون ومعهم «زنجر»، الكلب الأسود الذي كشف سرَّ العصابة، ومكان «وادي المساخيط» بشجاعةٍ نادرةٍ … وخرج بعد ذلك ببعض الجراح.

وقف المغامرون الخمسة بجوار الطائرة التي كفَّت مروحتها عن الدوران، في انتظار هبوط المهندس «رضوان»، خال «تختخ»، وصاحب الدعوة التي أتَتْ بهم إلى الصحراء، ووضعتهم في قلب مغامرةٍ من أغرب المغامرات … مغامرة انتهت بنجاتهم حقًّا … ولكن دون أن يوقعوا العصابة في أيدي ممثلي القانون كالمعتاد.

هبط المهندس «رضوان» وتلفَّتَ حوله … ثم اتجه إلى حيث يقف المغامرون، وابتسم وهو يقول لهم: آسفٌ جدًّا … لقد تعرَّضتم لمتاعبَ مرهقةٍ ولمواقف رهيبةٍ … وأرجو أن تجدوا بعض الراحة هنا من عناء المغامرة التي مررتم بها.

قال «تختخ»: إن المغامرة جزءٌ من حياتنا يا خالي … فلا تحمل همًّا لما مرَّ بنا، على العكس، إن ما يضايقنا أن العصابة وزعيمها قد استطاعوا الهرب دون أن نقبض عليهم.

رضوان: وكيف كان يمكن القبض عليهم وليس معنا قوات من الشرطة؟! إن عددهم يزيد على الأربعين.

انضمَّ إليهم الطيار «حسني»، وسمع الحديث فقال: على كل حالٍ … الحمد لله أننا نجونا من أيديهم … لقد جاءت بعضُ اللحظات التي تأكَّدتُ فيها أننا لن نخرج من الصحراء أحياء مطلقًا.

تدخَّلَتْ «لوزة» في الحديث قائلة: للأسف إننا سنعود بمغامرةٍ ناقصةٍ … فليس معنا دليلٌ يمكن متابعته حتى نعرف أين ذهبَتْ العصابة.

كان «محب» يقف صامتًا طول الوقت، وهو يضع يده في جيبه … كان يُخفي شيئًا … ولكنه أمام الحديث الذي سمعه لم يستطعْ السكوت فقال: إن معي الدليل يا «لوزة»!

التفتَ إليه الجميع باهتمامٍ، وقال رضوان: دليلٌ … أيُّ دليلٍ؟!

محب: لا أدري قيمته حتى الآن … ولكن ربما بعد أن نفحصه جيدًا يمكن أن نُقدِّر قيمته، ومدى فائدته لنا.

نوسة: لا تكن غامضًا يا «محب»، إنك بالطبع تستطيع أن تعرف قيمة الدليل.

محب: لقد قلتُ الحقيقة … فلم يتسع لي الوقت؛ لأعرف قيمة الدليل!

بدا الحماس على «لوزة» كالمعتاد، وقالت: أرِني الدليل يا «محب»!

تدخَّل المهندس «رضوان» في الحديث قائلًا: إننا جميعًا في حاجةٍ إلى الراحة، وأقترح أن نعرف أماكن مبيتنا أولًا، ونغتسل وننام بعض الوقت، ثم نعاود الحديث … وإن كنتُ أرجوكم أن تبتعدوا عن أيِّ مغامرةٍ … فإنني أريد أن أُعيدكم إلى «المعادي» سالِمِينَ.

توقَّف الجميع عن الحديث بعد ذلك، واحترموا رغبة المهندس «رضوان» الذي كان يبدو مرهقًا بعد ليلةٍ طويلةٍ بلا نومٍ … واتَّجهوا إلى المعسكر.

كان معسكر البترول مُكوَّنًا من مجموعة من المقطورات التي تجرُّها السيارات … وكل مقطورة تشبه منزلًا صغيرًا مستطيلًا به كل وسائل الراحة، من سراير ومقاعد ودورات مياه … كما كانت جميعًا بها مراوح للتهوية … فقد كانت هناك ماكينة كهرباء ضخمة هي التي تدير بريمة الحفر للبحث عن البترول، وفي نفس الوقت تمدُّ المعسكر بالكهرباء.

وفي وسط مجموعة من المقطورات كانت تقف بريمة الحفر التي جاءوا للفرجة عليها … بريمة عملاقة تشبه بُرجًا من الصلب الأسود اللامع، مربوطة إلى الأرض بسلاسل ضخمةٍ … واضطُرَّ الأصدقاء إلى أن يلووا رقابهم لإمكان النظر إلى نهايتها.

وقالت «نوسة» معلِّقة: إنها تشبه برج «إيفل» كما أراه في الصور وفي التلفزيون!

عاطف: ولكن برج «إيفل» لم يقيموه للبحث عن البترول.

لوزة: لماذا أقاموه إذن يا «عاطف»؟

كان السؤال مفاجئًا «لعاطف» الذي لم يكن مستعدًّا للإجابة.

فقالت «نوسة» ترد على السؤال: إنه مجرد رمزٍ عظيم لقدرة الإنسان على العمل … كما أنه أصبح رمزًا لمدينة عظيمة هي «باريس» … ثم بمرور الوقت أصبح مزارًا سياحيًّا هامًّا … وبه مطاعم وكازينوهات يتردَّد عليها مئات الألوف من الزوار كل عامٍ.

ومضوا إلى المقطورة التي خُصِّصَتْ لهم … قسَّموها بسرعة إلى قسمَينِ، وأقاموا ستارًا يفصل بين مكان «لوزة» و«نوسة» وبين بقية المغامرين، وأسرعوا يرتِّبون حاجياتهم … فقد كانوا يريدون معرفة كلِّ ما يدور في هذا المعسكر البعيد من معسكرات البترول … وقد كان «عاطف» محقًّا في تعليقه عندما قال: كيف يتصوَّرون العثور على البترول في بئر اسمها «الناشفة»؟!

وقد ألقى «عاطف» هذا السؤال على المهندس «رضوان» … الذي حضر لزيارتهم وللاطمئنان على راحتهم … وردَّ المهندس «رضوان» على السؤال مبتسمًا قائلًا: إننا لا نتفاءل ولا نتشاءم … فقد نجد في «الناشفة» بترولًا … وقد أطلق الأعراب هذا الاسم على المكان حيث لا توجد آبار مياه …

وبعد أن اغتسلوا خرجوا مع المهندس «رضوان» إلى البئر، وكانت فترة العمل قد بدأت، وأخذت الماسورة المجوفة التي تهبط إلى أعماق الأرض تغوص تدريجيًّا أمام أعينهم … فقال المهندس «رضوان»؛ يشرح لهم العملية: إن حفر بئر من البترول يتمُّ بعد إجراء عددٍ كبيرٍ من الاختبارات … وبعد أن يصبح احتمال وجود البترول بنسبة معقولةٍ نبدأ عملية حفر البئر … وهي كما ترون عملية مُبسَّطة … ليست أكثر من محاولة الغوص في أعماق الأرض للوصول إلى طبقة البترول، ويتم الحفر بواسطة ما نُسمِّيه «بريمة» وهي فعلًا تشبه «البرِّيمة» العادية، ومهمَّتها الغوص على أكبر عمقٍ ممكن من الأرض، وفي طرف البرِّيمة جهازٌ نضع به نوعًا من الطين يُسمى «الطَّفلة» وميزته أنه يمتصُّ البترول إذا كان موجودًا، وبين فترة وأخرى نُخرج الجهاز، وما به من «طَفْلة» ثم نُحلِّل الطَّفلة لنرى إذا كانت قد امتصَّتْ بترولًا أم لا.

محب: فإذا وجدتم بترولًا، تحفرون بئرًا أكبر؟!

رضوان: ليس في كل الأحوال … فلا بد من تقدير كمية البترول الموجودة في المكان، وذلك بحفر سلسلة من الآبار الاستكشافية في المنطقة لمعرفة مساحة الحقل … فإذا كانت مساحته كبيرة — أو كما نقول عنها نحن مساحة اقتصادية — أي إن عائد العملية الاستثمارية أكبر من مصاريف الإنفاق عليها، بدأنا حفر الآبار الاستخراجية.

نوسة: معنى هذا أن من الممكن أن تجدوا في مكان ما بترولًا ثم لا تخرجونه؟

رضوان: هذا ممكنٌ … إذا كانت الكمية — بحساباتنا — ليست اقتصاديةً … ومما يساعد أيضًا على القرار نوع البترول المُستخرَج، ومدى جودته.

عاطف: أرجو أن نكون «وش خير عليكم».

رضوان: أرجو ذلك.

وسمعوا جميعًا المستر «كوكس»، مندوب شركة «فيلبس» يُنادي على «رضوان»، فاستأذن منهم وانصرف … ووقف المغامرون ومعهم «زنجر» يشاهدون «البرِّيمة» وهي تغوص تدريجيًّا في الأرض … فجأةً قالت «لوزة»: لقد نسينا أن نسأل «محب» عن الدليل الذي عثر عليه!

وتنبَّه الأصدقاء فجأةً من تأملاتهم، وهم ينظرون إلى البئر … وقال «محب»: لا أدري مدى أهمية ما عثرتُ عليه … ولكن ها هو ذا.

ومدَّ يده في جيبه فأخرج قطعة مطوية من القماش القديم، كان قد طبَّقها بعنايةٍ على شكل منديلٍ … وفتح «محب» قطعة القماش، كان لونها أصفر، وقد تآكلَتْ من بعض جوانبها، وقد رُسِمَ عليها بعض الخطوط المتعرِّجة بالخط الأسود الغليظ، ووُضِعَت نُقَط خضراء في أماكن متباعدة منها … وبجوار نقطة خضراء كان ثمة رسم غامض الشكل باللون الأحمر.

قال «تختخ» متسائلًا: أين عثرتَ عليها؟

ردَّ «محب»: شاهدتها تسقط من الزعيم الأزرق أثناء إطلاق الديناميت فأسرعتُ بالتقاطها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤