شبح البرِّيمة الأسود

وافق المهندس «رضوان» على أن يقوم المغامرون بالرحلة … والمدهش أن مستر «كوكس» تمسَّك بأن يذهب معهم قائلًا: إنها فرصةٌ لا يمكن أن أتركها تُفْلِت … ولقد رأيت مئات من آبار البترول تُكْتَشَف … ولكنني لم أحضر أبدًا اكتشاف وادٍ أثريٍّ … وقد لا تُتاح الفرصة مرةً أخرى.

قال المهندس «رضوان»: لا بأس … ولكن أرجو ألَّا تتأخروا كثيرًا … فسوف تأتي الطائرة بعد غد، ولا بد من إعادة الأولاد إلى «المعادي».

قال «تختخ»: لا تخشَ علينا كثيرًا يا خالي … نستطيع أن نُرسل إلى «المعادي» رسالة أننا سنتأخر.

رضوان: لا … بعد تجربة «وادي المساخيط» … لن أُكرر الدعوة مرة أخرى.

تمَّ الاتفاق على كل شيءٍ، وانطلق الأعرابي «مولود» في المساء على ناقته، وودَّعه الأصدقاء.

واجتمع المغامرون مع «ماكلاجلن» بعد العشاء في المقطورة التي يُقيم فيها … ووضعوا الخريطة أمامه، وأخذوا يستمعون إليه وهو يتحدث عن احتمالات «وادي المساخيط»، فقال: يصعب أن نقول تاريخيًّا ما هو «وادي المساخيط» … وما هو سرُّ التماثيل الحجرية التي توجد به … وهناك احتمالان … أن يكونوا من جنود «الإسكندر الأكبر» عندما ذهب إلى معبد الوحي في «سيوة»، أو يكونوا من جنود «قمبيز» القائد الفارسي، الذي حاول غزو الشمال الأفريقي … فدُفن تحت الرمال ٤٠ ألفًا من رجاله دون أن يُحقِّقوا غرضهم.

قالت «نوسة»: لقد قرأتُ بعض الكتب عن هذا الموضوع … والمهم، هل تعتقد أن كشف حقيقة «وادي المساخيط» له قيمةٌ تاريخية فقط … أم له قيمة ماديَّة أيضًا؟! أي إنه من الممكن أن تكون هناك كنوز من الذهب والمجوهرات في هذا المكان؟

لمعت عينا «ماكلاجلن» لأول مرة، وقال مبتسمًا: إن القيمة التاريخية لكشف «وادي المساخيط» لا تُقدَّر بثمنٍ … واحتمال وجود كنوز ذهبيةٍ أو من الجواهر احتمال ضعيفٌ.

ونظر «ماكلاجلن» إلى ساعته ثم قال: من الأفضل أن ننام مبكرًا، فسوف يعود «مولود» في الفجر، ولا بد أن نكون جاهزِينَ في هذا الوقت.

كانت الخريطة على المائدة، ولا يدري «تختخ» لماذا وجد يده تمتدُّ فتتناول الخريطة ويضعها في جيبه … في نفس الوقت التي كانت يد «ماكلاجلن» تمتدُّ لتأخذها، ونظر كلٌّ منهما إلى الآخَر. وقال «تختخ»: لقد حصلنا على هذه الخريطة بعد أن تعرَّضنا للموت … وأعتقد أننا يجب أن نحتفظ بها.

وابتسم «ماكلاجلن» وقال: بالطبع … بالطبع.

وتبادلوا تحية المساء … وخرج المغامرون الخمسة إلى المقطورة التي ينزلون بها، وعندما اقتربوا من المقطورة قال «تختخ» … موجِّهًا حديثه إلى «محب»: إنني أُريد أن أتحدَّث إليك قليلًا يا «محب» … أريد أن أضع بعض الترتيبات لرحلة الغد.

وفهم بقية المغامرين أن «تختخ» يريد أن ينفرد ﺑ «محب» فتركوهما، وسارا معًا تحت ضوء القمر الصغير.

سارا معًا حتى البرِّيمة … كانت تبدو في الظلام والضوء البعيد للقمر كأنها حيوانٌ خرافيٌّ يقف ساكنًا … واختارا مكانًا جلسا فيه معًا … وأخذا يتحدثان … وطال حديثهما بعض الوقت … وفجأةً قال «محب»: انظر يا «تختخ»!

ونظر «تختخ» إلى حيث أشار «محب» كان يُشير إلى مقطورة الأصدقاء، ولاحظ أن شبحًا يلفُّه الظلام يدور حول المقطورة … ثم يقترب منها ويلتصق بها … كأنما يتسمع إلى حديث مَن فيها.

قام «محب» واقفًا … ولكن «تختخ» وضع يده على ذراعه، وطلب أن ينتظر ثم قال: اذهب أنت ناحية اليمين، وأنا ناحية اليسار … وسوف نحاول محاصرة الشبح بحيث لا يستطيع الهرب!

انطلق الصديقان كفهدَينِ أُطلِقا من عقالهما … وكانت مجموعة المقطورات مرصوصة على شكل حدوة الحصان … وكانت مقطورة الأصدقاء تقع في المنتصف تقريبًا، وبالطبع كان عليهما أن يدورا حول الحدوة من الخارج حتى لا يراهما الشبح … ولحسن الحظ مرَّت سحابةٌ ثقيلةٌ على وجه القمر … فأظلم المكان تمامًا … ولم يعد هناك إلا ضوء النجوم البعيدة.

أسرع الصديقان يجريان في نصف دائرة؛ ليضعا الشبح في المصيدة … وعندما اقتربا من منتصف المعسكر … اجتازا المقطورات للدخول إلى الساحة التي تتوسط المعسكر … فلا يكون للشبح وسيلة للإفلات … وقد نجحَتِ الخطة تمامًا، ولكن الشبح الذي كان يتصنَّت فعلًا على المقطورة، أسرع بالهرب جريًا … ولم يكن أمامه إلا أن يجري ناحية البرِّيمة.

أسرع الصديقان خلفه … ولم يكن لأقدام الثلاثة أدنى صوتٍ على الرمال … وكان سكان المعسكر من المهندسِينَ والعمال قد استسلموا للنوم بعد عمل اليوم الشاق … فلم يكن هناك مَن يرى المطاردة المثيرة التي كانت تتمُّ في الظلام.

أسرع الشبح نحو البرِّيمة … وكان «محب» أسرع من «تختخ» بالطبع، وبالتالي كان أقرب منه إلى الشبح الذي أسرع يختفي بين آلات البرِّيمة الضخمة … كانت مجموعة كبيرة من آلات الرفع والجر، وبينها بكرات الأسلاك الصلب الضخمة … وكلها سوداء، بحيث كانت تمثل أحسن مخبأ للشبح.

اقترب «محب» ببطءٍ من البرِّيمة، ودار حول مجموعة الآلات … وفجأة — وقبل أن ينتبه — أحسَّ بضربةٍ قويةٍ نزلت على رأسه، فدار حول نفسه ثم سقط على الأرض.

وصل «تختخ» في هذه اللحظة … وشاهد «محب» وهو يسقط … فانقضَّ على الشبح الذي أسرع يتسلَّق سلالم البرِّيمة بسرعة البرق … وأسرع «تختخ» يتسلَّق السلم هو الآخَر … ولكن الشبح كان أسرع … ولم تساعد «تختخ» سمنته في أن يلحق به … وهكذا وجد نفسه يصعد في الظلام دون أن يدري أو يرى شيئًا … حتى إذا وصل إلى قمة برج البرِّيمة أحسَّ بذراع تطوق عنقه … وتجذبه بكل قوة لتلصق رقبته بالحديد … قاوم «تختخ» بكل ما يملك من قوة، ومدَّ ذراعَيهِ إلى الخلف للإمساك بالذراع الحديدية التي كانت تخنقه … ولكن عبثًا حاول … فقد كانت حركة ذراعَيهِ ضد اتجاههما الصحيح … وكان من الصعب عليه التحكُّم فيهما … وتذكَّر حركة من حركات الكاراتيه شاهدها في السينما … هي دفع الأصابع ناحية عين الخصم … في محاولة لإبعاده، وإبعاد ذراعه، بالتالي عن رقبته … وفعلًا وجَّه أصابع يده اليمنى في الاتجاه الذي يتصوَّر أنه وجه الشبح … وفعلًا اصطدمَتْ أصابعه بالعينَينِ … فثنى الشبح رأسه إلى الخلف … وخفَّ الضغط قليلًا على رقبة «تختخ» الذي جذب الذراع الحديدية بيده اليسرى … واستطاع أن يخلِّص رقبته بعد أن كاد يختنق.

وعندما استدار «تختخ» ليرى الشبح … وجده ينزل سلالم البرِّيمة مسرعًا فنزل خلفه … ولكن عندما وصل إلى الأرض لم يكن هناك شيءٌ على الإطلاق … وكان الشبح قد اختفى كأنما ذاب في الظلام!

انحنى «تختخ» على «محب» وسمعه يتأوَّه … وتذكَّر في هذه اللحظة «زنجر»، وأدهشه غيابه عن مثل هذه المعركة التي كانت تحتاج إلى سرعته ومهارته في المطاردة.

انحنى «تختخ» على «محب» ورفعه من تحت إبطَيهِ … وأخذ يُناديه، وهو يجلسه بجوار قاعدة البرِّيمة … وأخذ «محب» يفيق تدريجيًّا، وقال: ماذا حدث؟ ردَّ «تختخ»: لقد استطاع الشبح أن يضربك بشيءٍ على رأسك، ورأيتك وأنت تهوي على الأرض … ولكنني فضَّلْتُ مطاردة الشبح فوق برج البرِّيمة … وبعد اشتباكٍ ضعيفٍ معه استطاع أن يهرب مني.

محب: هل عرفتَ مَن هو؟

تختخ: لا … لقد كان ملثَّمًا تمامًا … ولم أستطع رؤية وجهه في الظلام.

محب: شيءٌ غريب … من أين أتى هذا العدو الخفي؟

تختخ: لا أدري … ولكن من الواضح أننا يجب أن نكون على حذرٍ … ولعل الرجل الأزرق قد أرسل بعض رجاله للبحث عن الخريطة المفقودة، فمن المؤكد أنها تهمُّه.

بمساعدة «تختخ» قام «محب» واقفًا … وسار مترنِّحًا إلى المقطورة … وكان بقية المغامرين قد ناموا … وقال «محب» متسائلًا: أين «زنجر»؟!

تختخ: هذا ما فكرتُ فيه منذ لحظات … أين ذهب هذا الكلب … لقد أصبح غريب الأطوار منذ جئنا إلى هنا!

محب: إنني لم أرَه منذ المساء!

تختخ: لا أدري ماذا سنفعل إذا لم يَعُد الكلب … خاصة وهو يمثِّل ركنًا هامًّا من خطتنا في الأيام القادمة.

محب: هل ستروي قصة الشبح لخالك المهندس «رضوان»؟

تختخ: لا … وإلَّا فإنه لن يسمح لنا بالذهاب إلى «وادي المساخيط» إذا استشعر أي خطرٍ علينا.

في هذه اللحظة سمعا همهمةً خافتة … وظهر «زنجر» عند مدخل المقطورة، وكان واضحًا أنه يلهث … وأنه جاء جريًا من مكانٍ بعيد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤