الوداع

أغلق الباب … وجلس المغامرون ومعهم «كوكس» صامتِينَ … لقد أطلق «تختخ» سهمًا قد يُصيب وقد يخيب … وعليهم أن ينتظروا.

وكان «تختخ» يفكر في نفس الوقت في «محب»، لقد وضع له خطةً مُحدَّدةً، ووضع له علامة في الطريق … فهل سينفِّذ الخطة؟ وهل يجد طريقه إليهم؟

ومضى الوقت وهم يتناولون طعامهم في صمتٍ … وكلٌّ منهم غارقٌ في خواطره، وقال «كوكس»: كنت أتمنَّى أن أخرج من هذه المغامرة حيًّا … فلو عُدت إلى بلادي بتفاصيل هذه المغامرة … ورويتها للصحف لأصبحتُ بطلًا … ولكسبتُ منها آلاف الدولارات.

عاود «عاطف» مرحه فقال: في هذه الحالة لا بد أن تدفع لنا نسبةً مئوية من أرباحك.

قال «كوكس»: موافق … فقط أخرجوني من هنا حيًّا!

وانتهوا من الطعام، وفُتح الباب في هدوءٍ، وظهر الطارقي الذي تحدث معه «تختخ» وقد بدا وجهه متجهِّمًا، حتى ظن «تختخ» أنه قادمٌ لأخذه واستجوابه أمام الرجل الأزرق.

أشار الرجل ﻟ «تختخ» وطلب منه أن يتبعه … ونظر «تختخ» إلى الأصدقاء ثم مضى وقلبه يدق سريعًا … لا يدري مصيره.

سارا مسافةً قصيرة ثم انحرفا يمينًا، ودخلا غرفة صغيرة اجتمع فيها عدد من الرجال، وأغلق الرجل الباب … وأشار إلى رجل عجوز يتوسَّط مجموعة الرجال، وقال: تحدث إليه.

قال «تختخ» هل أنت زعيم المجموعة؟!

قال الرجل: إنني كنت زعيم الطوارق كلهم قبل الزعيم الأزرق … وقد سمعتُ من صاحبي هذا معلومات غريبة … هل أنت متأكد مما تقول؟

تختخ: أؤكد لك هذا … إن الزعيم الأزرق ليس سوى رجلٍ أجنبي، عرف أن في «وادي المساخيط» كنزًا وأراد أن يحتفظ به لنفسه.

الرجل: وكيف يمكن إثبات هذا؟

تختخ: حاوِلوا أن تعرفوا لون جلده الأصلي … إنه أبيض وليس أزرق مثلكم.

أخذ الرجل العجوز يُمشِّط لحيته بأصابعه مفكِّرًا، ثم قال: عُد إلى غرفتك … وإذا كانت هذه المعلومات صحيحةً … فسوف ننقذك أنت وزملاءك، وسيكون لنا حسابٌ مع هذا المُدَّعي.

عاد «تختخ» سريعًا إلى الغرفة … وعندما شاهد الأصدقاء شكله أدركوا، أنه يحمل أخبارًا هامة.

ومضت نصف ساعة و«تختخ» يدور في الغرفة الصخرية، يبحث عن احتمالات الهرب منها … ولكن الغرفة كانت صمَّاء … وليس بها إلا فتحات التهوية الضيقة في السقف.

وسمعوا صوت أقدام، ثم ظهر «مولود» وطلب منهم عدم التحرُّك … كان هادئًا … وواثقًا من نفسه … وأدركوا جميعًا أن «تختخ» قادهم إلى الهلاك العاجل.

عَبْرَ دهاليز كثيرة مُضاءة بالمشاعل مَشَوا حتى وصلوا إلى حائطٍ صخريٍّ، كانت المياه تندفع من جانب منه في غدير صغير … وقد نبتت بعض الحشائش وارتفع صوت دقٍّ مستمر … ومضوا خلف الحائط … ووجدوا الزعيم الأزرق يقف بجوار بركة من المياه، وعددًا من رجاله يحفرون بامتداد الحائط دهليزًا طويلًا بدَتْ فيه بعض الصخور المتآكلة.

وفتح الرجل الأزرق فمه ليتحدث، ولكن قبل أن يقول كلمة واحدة ظهر الطارقي الشيخ، ومعه عددٌ من رجاله … فصاح بهم الرجل الأزرق: ماذا أتى بكم إلى هنا؟

ردَّ الشيخ: إن لنا حديثًا معك.

قال الزعيم الأزرق: ليس هناك أحاديث في هذا المكان … إننا نعمل من أجل الكنز.

كان الزعيم الأزرق يقف على صخرةٍ بجوار بركة المياه … وبجواره يقف «تختخ»، وفجأة قفز «تختخ» على الزعيم الأزرق وجرَّه معه إلى بركة المياه.

كانت مفاجأةً كاملة شلَّت جميع الواقفِينَ … وأدرك المغامرون على الفور … ماذا يريد «تختخ» أن يُثبت … فقد أمسك بوجه الرجل الأزرق وأخذ يغسله بالمياه … وسرعان ما اتضحَتِ الحقيقة … وكان وجه الزعيم الأزرق قد انكشف عن بشرةٍ بيضاء ناصعة، وصاح الطارقي العجوز: خائن!

وخرجَتِ السيوف القصيرة من أغمادها … ولكن «مولود» تصرَّف بسرعةٍ … فقد مدَّ يده وجذب الزعيم الذي لم يعد أزرق، وانطلقا جريًا خلف الحائط.

ارتفعَتِ الضجة بين الجميع … وخرج «تختخ» مبتلَّ الثياب … وقال: هيا بنا.

وجروا جميعًا على غير هُدًى … كانت الدهاليز ممتلئةً بالطوارق … وقد اختل نظامهم … وارتفعَتْ أصواتهم … وفي وسط هذه الضجة استطاع «تختخ» أن يعثر على الطارقي الذي تحدَّث معه في غرفة الطعام … فقال له: أخرجنا من هنا!

وقادهم الرجل سريعًا حيث صعدوا بعض الدرجات الحجرية … ووجدوا أنفسهم تحت السماء مرة أخرى … وكم كانت دهشتهم عندما سمعوا صوت «زنجر» ينبح … وأدركوا أن «محب» قد وصل حسب خطة «تختخ».

صاح «محب»: تعالوا من هذه الناحية، لقد استطعتُ أخذ بعض النياق.

كوكس: ولكنني أريد أن أرى نهاية هذه المغامرة.

عاطف: يكفي هذه النهاية … وإلا كانت نهايتنا.

وظهر الطارقي الصديق وقال بحزنٍ: لقد أحرق الخائن الخريطة … وضاع تعب السنوات الطويلة هباء!

تختخ: وهل قبضتم عليه؟

الطارقي: ما زال الصراع دائرًا بين رجالنا ورجاله … فنصف الرجال معه … ولكن سنتغلَّب عليهم في النهاية.

تختخ: الوداع … وتعالَوا لزيارتنا لنعرف ماذا جرى.

الطارقي: الوداع … وأرجو لكم رحلةً مُوفَّقةً … وشكرًا.

وقفز الأصدقاء إلى ظهور النياق، وانطلقوا عائدِينَ إلى المعسكر يقودهم «زنجر» عبر الرمال والتلال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤