المقياس بناء على تحقيقات مهندسي العصر الحالي

إن مقياس الروضة هو عبارة عن عمود من الحجر، مقسم إلى أذرع وقراريط، موضوع بوسط بئر مربعة من البناء، طول ضلعها نحو الأربعة أمتار، وهو مُقام بالنهاية الجنوبية لجزيرة الروضة تجاه مصر القديمة.

أما بناء هذا المقياس فكان في سنة ٨٦١م، كما قرره المستر ولكوكس في كتابه: «الري المصري»، وقد وضع الفرنسيون حين دخولهم لهذه البلاد في سنة ١٧٩٨، واحتلالهم إياها سنتي ١٧٩٩ و١٨٠٠، وخروجهم منها في سنة ١٨٠١، تاجًا مزخرفًا فوق عمود المقياس محفور عليه La République Française، «أي الجمهورية الفرنساوية، السنة التاسعة من تأسيس الجمهورية»، ولكن بعد مبارحة الفرنسيين قد أسقط هذا التاج في البئر، ووضع بدله قاويس من خشب القرو الثقيل فوق العمود، ثبت من طرفيه بحائطي البئر، هذا ويظهر من فحص وضع القاويس المذكور بالنسبة لقمة عمود المقياس أن هذا العمود لا بدَّ وأن يكون هبط بمقدار ٠٫١٩ في خلال القرن الماضي.

ومما يشاهد في هذا المقياس أن التقاسيم المنقوشة على عموده ليست ظاهرة جليًّا، أما مقادير الأذرع فهي واحدة بطول العمود كله، إنما الأرصاد اليومية تجري لحد الذراع الثانية عشرة فقط على العمود، وما تجاوز ذلك يرصد على تقاسيم أخرى على مدرج من الحجر، بداخل البئر، وليس ارتفاع درج هذا المدرج مقسمًا تقسيمًا متساويًا، بل إن الأذرع التي تحت ١٦ ذراعًا تساوي الواحدة منها ٠٫٥٤ من المتر تقريبًا، والتي بين ١٦ ذراعًا و٢٢ ذراعًا تساوي الواحدة منها ٠٫٠٢٧ من المتر تقريبًا، أو نصف ذراع ثم ما فوق ٢٢ ذراعًا فطول الذراع الواحدة ٠٫٥٤ من المتر.

وقد أوضح المغفور له الكولونيل روس سبب هذا التقسيم حيث قال: إنه حينما بُني المقياس بالروضة كان المعتاد فتح جميع ترع الري عند بلوغ تسوية مياه النيل ١٦ ذراعًا بهذا القياس، وكان يعقب فتح الترع ضرورة تحويل جانب عظيم من مياه النهر لها، ولهذا السبب كان يقدر أن زيادة ذراع واحدة بأسوان يقابلها نصف ذراع فقط بالروضة، وكان يستمر على هذا التقدير حتى تبلغ الزيادة بالروضة ٢٢ ذراعًا؛ أي لحد تمام ملء الحيضان وسدِّ أفمام الترع، وبعد ذلك كان يقدر أن كل زيادة تحدث بأسوان كانت تأتي بتمامها لمقياس الروضة، ولهذا كانت أرصاد المقياس بالأذرع الكاملة بعد تجاوز تسوية مياه النيل ٢٢ ذراعًا.

أما في أيامنا هذه فنظرًا لكون مياه النيل لا تمرُّ بترع الحياض بمقدار كافٍ، إلا عند بلوغ تسويتها بمقياس الروضة ١٩ ذراعًا، فلا فائدة من اختلاف أطوال الأذرع، بل ربما أوجب الالتباس.

ومما يحسن إيراده هنا أن لا فائدة من دلالات مقياس الروضة في فصلي الشتاء والصيف؛ لأن الردَّ الناتج من الحجر على القناطر الخيرية أثناء هذين الفصلين يجعلها غير دالة على حالة مياه النيل بالتمام.١

هذا؛ وفي سنة ١٨٨٦م قد وضع السير وليم جارستن، لما كان مفتشًا لري القسم الأول، مقياسًا آخر مقسمًا بالأمتار داخل بئر المقياس الأصلي، وجاء رصده يوميًّا من ذاك الحين مع المقياس الأصلي.

ومما عساه يكون فيه فائدة للعموم العلم بأنه لم تُعمل مباحث لحد الآن للعلم بالنهاية السفلى لتقاسيم المقياس، وإنما قد ربطت بواسطة الميزانية هذه التقاسيم بسطح البحر المالح الأبيض المتوسط، فوجد أن منسوب ٦ أذرع هو ١٢٫٠٥٢٥ فوق سطحه، هذا وكان في عزم السير وليم جارستن عندما وضع المقياس المتري أن يزيل القاويس الموضوع فوق عمود المقياس الذراعي، ويردُّ التاج الذي كان صنعه الفرنسيون إلى محله الأصلي.

ورسم مقياس الروضة صفحة ٨٧ ينبئنا بما كان عليه من يوم إنشائه إلى الآن، وعلى الزيادة التي استلزم الحال وضعها فوق عمود المقياس مقسمة على مثال تقسيمه الأصلي، وعليه وعليها التقسيم المتري الحديث المنوَّه عنه بهذا.

١  ابتداء الحجز على القناطر الخيرية كان في سنة ١٨٨٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤