رأي العرب في منابع النيل

وفاء بما أجملناه في هذا البحث نثبت هنا ما جاء في كتاب «الفيض الجديد في أخبار النيل السعيد»، تأليف الشيخ العالم أحمد بن محمد بن عبد السلام المنوفي، في ذِكر منابع النيل، الذي هو من أكبر الثِّقات في المباحث العلمية.

ذكر المؤرخون في أصل منبعه من مبتداه إلى منتهاه أقوالًا، فقال أكثرهم ومنهم الحافظ ابن كثير في تاريخه الكبير: إن مبتداه من الجبل القُمْر، «بضم القاف وسكون الميم»؛ أي البيض، ومنهم من يقول: «جبال القَمْر» «أي بفتح القاف»، بالإضافة إلى الكوكَب، وهي غربي الأرض وراء خط الاستواء في الجانب الجنوبي، ويقال: إنها صخور تنبع من بينها عيون، ثم تجتمع من عشرة مسيلات متباعدة، ثم تجتمع كل خمسة منها في بحيرة، ثم يخرج منها أنهار ستة، ثم تجتمع كلها في بحيرة أخرى، ثم يخرج منها نهر واحد وهو النيل، فيمر على بلاد السودان بالحبشة،١ ثم على النوبة ومدينتها العظمى دنقلة، ثم أعلى أسوان، ثم تظهر على ديار مصر، ويحمل إليها من زيادات أمطارها، ويجرف من ترابها، وهي محتاجة إليها معًا؛ لأن مطرها قليل لا يكفي زروعها وأشجارها، وتربتها رمال لا تنبت شيئًا حتى يجيء النيل بزياداته وطينه، فينبت فيها ما يحتاجون إليه، وهي من أحق الأرض دخولًا في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ، ثم يجاوز النيل مصر قليلًا، فيفترق فرقتين عند قرية على شاطئيه يقال لها: شطنوف، وهي من عمل القليوبية، فيمر الغربي منه على رشيد ويصب في البحر الملح، وأما الشرقي فيفترق أيضًا عند جوجر فرقتين، يمر الغربي منهما على دمياط من غربيها، ويصب في البحر الملح، والشرقي منهما يمر على أشمون طناح فيصب هناك في بحيرة شرقي دمياط يقال لها بحيرة تنيس وبحيرة دمياط،٢ وهذا بعد بُعدٍ عظيم من ابتدائه إلى انتهائه؛ ولهذا كان ألطف المياه.

وقال ابن القيِّم في كتاب الهدى: «النيل أحد أركان الجنة، أصله من وراء جبال القَمْر في أقصى بلاد الحبشة من أمطار تجتمع هناك وسيول يجر بعضها بعضًا، فيسوقه الله تعالى إلى الأرض الجُرْز التي لا نبات بها، فيخرج به زرعًا تأكل منه الأنعام والأنام، ولما كانت الأرض التي يسوقه سبحانه إليها إبليزًا صلبة، إن أمطرت مطر العادة لم ترو ولم تتهيأ للنبات، وإن أمطرت فوق العادة أضرت الناس والمساكن، وعطَّلت المعائش والمصالح، فأمطر سبحانه البلاد لعبيده، ثم ساق تلك الأمطار إلى هذه الأرض في نهرٍ عظيم، وجعل سبحانه زيادته في أوقات معلومة على قدر رِيِّ البلاد وكفايتها، فإذا روى البلاد وغمرها أذن سبحانه بتناقصه وهبوطه لتتم المصلحة بالتمكن من الزرع.»

وقال قدامة: «إن منبع النيل في بلاد القَمْر وراء خط الاستواء من عين تجري منها عشرة أنهار، كل خمسة منها تصب في بطيحة في الإقليم الأول، ومن هذه البطيحة يخرج نهر النيل.»

وقال صاحب كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق: «إن هذه البحيرة تُسمى بحيرة كوري٣ منسوبة إلى طائفة من السودان، يسكنون حولها متوحشين، يأكلون من وقع إليهم من الناس، ومن هذه البحيرة يخرج نهر النيل، وإذا خرج النيل منها يشق بلاد كوري،٤ ثم بلاد قنَّة، طائفة من السودان أيضًا وهم بين كانم٥ والنوبة، ثم يغوص في الرمال ويمر تحت الأرض مكتومًا من الجنوب إلى الشمال، ثم يظهر ببلاد النوبة، فإذا بلغ مدينة دنقلة عطف من غربيها إلى المغرب، وانحدر إلى الإقليم الثاني، فيكون على شاطئيه عمائر النوبة، وفيه جزاير لهم متسعة عامرة بالمدن والقرى، ثم يشرق إلى الجنادل وإليها تنتهي مراكب النوبة انحدارًا، ومراكب الصعيد الأعلى صعودًا، وهناك أحجار لا تمر المراكب عليها إلا في أيام زيادة النيل، ثم يأخذ إلى الشمال فيكون على شرقيه مدينة أسوان من بلاد الصعيد الأعلى، ثم يمر بين جبلين هما مكتنفان لأعمال مصر أحدهما شرقي والآخر غربي، حتى يأتي مدينة مصر، وهي الفسطاط الذي بناه عمرو بن العاص، فيكون على شرقيه، فإذا جاوزها انقسم كما تقدم.» قلتُ: أي في قوله: فيفترق فرقتين عند قرية على شاطئيه يقال لها شطنوف إلى آخر ما ذكره.

قال صاحب الأقاليم السبعة: «إن النيل يخرج أصله من جبل القَمْر من عشرة عيون، خمسة تجتمع في بطيحة وخمسة في بطيحة؛ أي مكان منبطح من الأرض، ثم يجتمع بعد ذلك الماءان، وذَكرَ صورة جبل القَمر، وأنه مقدس وعلى رأسه شراريف «شُرُفَاتٌ عالية».»

حَكى ذلك عنهُ الشيخ العلامة شهاب الدين بن عماد رحمهُ الله تعالى في جزئه الذي جمعه في النيل، وهو جزء لطيف جدًّا، وحكى فيه عن المسعودي أنه قال في كتابه «مروج الذهب»: «وأصل النيل ومنبعه من تحت جبل القمر، ومبدأ ظهوره من اثني عشر عينًا، وجبل القمر خلف خط الاستواء، يعني الذي يستوي فيه الليل والنهار، وأضيف إلى القمر؛ لأنه يظهر تأثيره فيه عند زيادته ونقصانه، بسبب النور والظلمة والبُدُوِّ والمِحَاق.»

قال المسعودي: «فتنصب تلك المياه الخارجة من الاثني عشر عينًا إلى بحيرتين هناك.» وهو معنى كلام صاحب الأقاليم في بطيحة.

قال: «ثم يجتمع الماء منها جاريًا، فيمرُّ برمال هناك وجبال، ثم يخترق أرض السودان مما يلي بلاد الزنج، فينبع منه خليج ينتهي إلى بحر الزنج.»٦ انتهى ما أردته منه.

وممن قال بأنه ينبع من جبال القمر السرج الكندي، كما نقله عنه ابن عماد في جزئه المذكور، فظهر بذلك أن أكثر المؤرخين على هذا القول، كما أشار إليه صاحب الأصل بقوله فيما تقدم: «ذَكَرَ غير واحد من المؤرخين.»

وقال صاحب السكردان: «وفي أصل النيل أقوال للناس، حتى ذهب بعضهم إلى أن مجراه من جبال الثلج، وهو بجبل «ق»، وأنه يخرق البحر الأخضر٧ بقدرة الله تعالى، ويمر على معادن الذهب والياقوت والزمرد والمرجان، فيسير ما شاء الله إلى أن يأتي بحيرة الزنج.»

قال الحاكي لهذا القول: ولولا ذلك، يعني دخوله في البحر الملح وما يختلط به منه، لما كان يُسْتطاع أن يشرب منه لشدة حلاوته.

وقال قوم: مبدؤه من خلف خط الاستواء بإحدى عشرة درجة. وقال قوم: مبدؤه من جبال القمر، وأنه ينبع من اثني عشر عينًا. انتهى ما أردته منهُ.

وقال ابن عماد في جزئه المذكور: «وذَكر بعضهم أن سائر مياه الأرض وأنهارها يخرج أصلها من تحت الصخرة٨ بالأرض المقدسة، والعلم عند الله تعالى.» انتهى. ولم يبين قائل ذلك، وقد بيَّنه في موضع آخر من جزئه المذكور، فقال: «وذكر الثعالبي في قصص الأنبياء أن جميع مياه الأرض يخرج أصلها من تحت الصخرة. انتهى.» ويدخل في إطلاق هذا القول النيل وغيره.

وذكر ابن عماد في جزئه المذكور، عند كلامه في الاستدلال على أفضلية النيل على غيره من الأنهار، أن النيل يخوض في البحر الملح ولا يختلط به، بل يجري تحته متميزًا عنه، كالزيت مع الماء، قال: «ولهذا يظهر لركاب البحر في بعض النواحي فيستقون منه للشرب، وذلك في أماكن معروفة.» انتهى.

ورأيت في مناقب إمامنا الإمام الأعظم والحبر المحترم الشافعيِّ رضي الله عنه لأبي القاسم بن غانم المقدسيِّ حكاية عنه، تدل على أن النيل يمرُّ ببلاد الهند، وسيأتي كلامه في الفصل الثاني إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

وكان ابن طولون قد سأل شيخًا كبيرًا من علماء القبط، عمره مائة وثلاثون سنة، عن أشياء في أحوال مصر: أين منتهى النيل في أعلاه؟ فقال: البحيرة التي لا يُدْرَك طولها وعرضها، وهي نحو الأرض التي الليل فيها والنهار متساويان طول الدهر، وهي تحت الموضع الذي يسمى عند المنجمين الفلك المستقيم. قال: وما ذكرت فمعروف غير منكور. قلت: قد اختصر صاحب الأصل هذه الحكاية، وقد نقلها الشهاب بن عماد في جزئه المذكور عن المسعودي، فقال:

قال المسعودي: وكان أحمد بن طولون في سنة نيِّفٍ وستين ومائتين بلغه أن رجلًا بأعلى مصر من الصعيد له ثلاثون ومائة سنة من الأقباط، ممن يشار إليهم بالعلم، وأنه علَّامة بمصر وأرضها في برِّها وبحرها وأجنادها وأجناد ملكها، وأنه ممن سافر الأرض وتوسط الممالك، وشاهد الأمم في أنواع البيضان والسودان، وأنه ذو معرفة بأنواع هيئات الأفلاك وأحكامها، فبعث إليه أحمد وأخلى له نفسه ليالي وأيامًا كثيرة، يسمع كلامه وإيراده وجواباته، فكان فيما سأله عن طول الأحباش على النيل وممالكهم، قال: لقيت من ملوكهم ستين ملكًا في ممالك مختلفة، كل منهم ينازع من يليه من الملوك، وبلادهم حارة يابسة. قال: فما منتهى النيل في أعلاه؟ فقال: البحيرة. إلى آخر ما ذكره عنه صاحب الأصل، والله أعلم.

وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد الأسواني، في كتاب أخبار النوبة من أخبار النيل: «وما شاهدتُ منه ومن تشعبه وتقسيمه على سبعة أبحر، من بدء علوه واجتماعه ببلدة مقره وتعطُّفه تعطُّفًا عجيبًا قبلي مدينتهم وافتراشه، وأنه يجري بحري دنقلة حتى يكون ما بين شرقيه وغربيه نحو أربعين فرسخًا، ويتضايق بعد ذلك حتى يكون عرضه دون الخمسين ذراعًا، وتكون الجنادل معترضة في غير موضع منه حتى يكون انصبابه في بابين أو ثلاثة أبواب.»

قال: «وقلعة أصفون أول الجنادل الثلاثة، وهي أشد الجنادل صعوبة؛ لأن فيها جبلًا معترضًا من الشرق إلى الغرب في النيل، والماء ينصب من ثلاثة أبواب، وربما يرجع إلى بابين عند انحداره شديد الخرير عجيب المنظر، لاندفاق الماء من علوِّ الجبل، وقبليه مرسى حجارة في النقل نحو ثلاثة أَبْرُد إلى قرية تعوق بيسير، وهي آخر قرى ميرس وأول بلاد مقره.»

قال أبو محمد عبد الله بن محمد الأسوانيُّ في كتاب أخبار النوبة، عند ذكر ناحية يقرن ما نصه:
وما رأيت على النيل ناحية أوسع منها، وقدرتُ أن سعة النيل فيها من المشرق إلى المغرب مسيرة خمس مراحل،٩ الجزاير تقطعه والأنهار منه تجري بينها على أراضٍ منخفضة وقرًى وعمائر حسنة. انتهى.

قلت: وطريق الجمع بين هذا وبين ما تقدم نقله عن صاحب خزانة التاريخ أن عرضه مختلف بحسب بلاد النوبة أيضًا، ففي بعضها كما قاله صاحب خزانة التاريخ، أعني ثلاثة أميال فما دونها، وفي بعضها كما قاله الأسواني، أعني خمس مراحل، وهذا جمع حسن، ولا مانع من ذلك؛ لأن سبيله المشاهدة، والله أعلم.

قالوا: ومن وراءِ مخرج النيل الظلمةُ.١٠
قال أبو الخطاب: وخلف الظلمة ضياء، فسبحان العليم القدير. وفي تاريخ ملوك مصر أن الوليد١١ أحد ملوك مصر من العمالقة، كان يعبد القمر، وهو أول من تسمى فرعون، وأقام بمصر مدة، ثم عنَّ له أن ينظر مخرج النيل ويعرف مَن بتلك النَّاحية من الأمم، فأقام ثلاث سنين يستعد لذلك، ثم جمع جميع ما يحتاج إليه، واستخلف على مصر عونًا، وتوجَّه، فمرَّ على أممِ السودان، ومرَّ في طريقه على أرض الذهب،١٢ وفيها أمة عظيمة ينبت الذهب في تلك الأرض كالقضبان، ثم سار حتى بلغ البطيحة التي ينصبُّ فيها ماء النيل من الأنهار التي تخرج من جبل القمر وراء القصر الذي عمله هرمس،١٣ وصعد على جبل القمر وراء البحر الزفتي الأسود، ورأى النيل يجري عليه كالأنهار الرقاق، وأتاه من ذلك البحر روائح منتنة هلك بسببها كثيرٌ من أصحابه، وذكروا أنهم لم يروا هناك شمسًا ولا قمرًا إلَّا نورًا أحمر مثل نور الشمس، ثم توجه راجعًا إلى مصر وأقام بها مدة، ثم ركب يومًا إلى الصيد فظفر به أسدٌ فقتله، ودفن في بعض الأهرام، ومَلَكَ بعده الريان؛ وهو فرعون يوسف عليه السلام.

قال الشيخ عماد الدين بن كثير في تاريخه الكبير: «وأما ما يذكره بعضهم من أن منبع النيل من مكان مرتفع اطلع عليه بعض الناس، فرأى هناك هولًا عظيمًا وجواري حسانًا وأشياء غريبة، وأن الذي اطلع على هذا لم يمكنه الكلام بعد هذا، فهو من خرافات المؤرخين وهذيانات الأفَّاكين.»

قلت: هذا الذي قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله، لعلَّه أشار به إلى ما حكاه ابن زولاق في تاريخه عن بعض خلفاء مصر، أنه أمر قومًا بالمسير إلى حيث يجري النيل، فساروا حتى انتهوا إلى جبلٍ عالٍ، والماء ينزل من أعلاه، له دوي وهدير لا يكاد يسمع أحدهم صاحبه، ثم إن أحدهم تسبب في الصعود إلى أعلى الجبل؛ لينظر ما وراء ذلك، فلما وصل إلى أعلاه رقص وصفَّق وضحك، ثم مضى في الجبل ولم يعد، ولم يعلم أصحابه ما شأنه، ثم إن رجلًا منهم صعد؛ لينظر ففعل مثل الأول فطلع ثالث، وقال: اربطوا في وسطي حبلًا، فإذا أنا وصلت إلى ما وصلا إليه، ثم فعلت ذلك فاجذبوني حتى لا أبرح من موضعي، ففعلوا ذلك، فلما صار في أعلى الجبل فعل كفعلهم فجذبوه إليهم، فقيل إنه خرس فلم يردَّ جوابًا، فمات من ساعته، فرجع القوم ولم يعلموا غير ذلك. انتهى.

قال: وقلعة أصفون أول الجنادل الثلاثة، وهي أشد الجنادل صعوبة؛ لأن فيها جبلًا معترضًا من الشرق إلى الغرب في النيل، والماء ينصبُّ من ثلاثة أبواب، وربما يرجع إلى بابين عند انحساره، شديد الخرير عجيب المنظر لاندفاق الماء عليه من علوِّ الجبل، وقبليه فرش حجارة في النيل نحو ثلاثة أبرد إلى قرية تُعرف بيسير، وهي آخر قرى مرسين وأول بلاد مقره.

قال: وأما هذه الأنهار التي مادة النيل منها، والبحث عن ابتدائها والسؤال عن أوائلها، فقد أكثرتُ السؤال عنها من قوم عن قوم، فما وجدتُ مُخبِرًا يقول إنه وقف على نهاية جميع الأنهار، والذي انتهى إليه علم من عرفني عن آخرين إلى خراب، وأنه يأتي في وقت الزيادة في هذه الأنهار آلة المراكب وأبواب وغير ذلك، فيدلُّ ذلك على عمارة بعد الخراب.

وقال الوطواط الكتبي في كتاب مباهج الفكر: «إن طول مسافته ثلاثة آلاف فرسخ ونيف.» وقيل: إنه يجري في الخراب أربعة أشهر، وفي بلاد السودان شهرين، وفي بلاد الإسلام شهرًا. قلتُ: هذا القول موافق لما جزم به ابن زولاق في تاريخه.

وذكر صاحب درر التيجان أن مِن ابتدائه إلى انتهائه اثنين وأربعين درجة وثلثي درجة، كل درجة ستون ميلًا، فيكون طوله ثمانية آلاف وستمائة وأربعة وعشرين ميلًا وثلثي ميل، على الفصل والاستواء، وله تعويجات شرقًا وغربًا فيطول ويزيد على ما ذكرناه. وقال صاحب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق: «وبين طرفي النيل مما ثبت في الكتب خمسة آلاف وستمائة ميل وثلاثون ميلًا.»

وذكر صاحب خزانة التاريخ أن «طوله أربعة آلاف وخمسمائة وخمسة وسبعون ميلًا، وعرضه في بلاد الحبشة والنوبة ثلاثة أميال فما دونها، وعرضه ببلد مصر ثلثا ميل، ليس يشبهه نهر من الأنهار.» وفي تاريخ ابن زولاق: «ليس في الدنيا نهر أطول مدًى من النيل؛ يسير مسيرة شهر في بلاد الإسلام وشهرين في بلاد النوبة، وأربعة أشهر في الخراب حيث لا عمارة، إلى أن يخرج من جبال القمر خلف خط الاستواء.» قلت: ما حكاه صاحب الأصل في تاريخ ابن زولاق ادعى أبو قبيل الإجماع عليه، ولفظه كما حكاه ابن عماد في جزئه المذكور ما نصه: «وأجمع أهل العلم على أنه ليس في الدنيا نهر أطول مدًى من النيل؛ يسير مسيرة شهر في الإسلام …» إلى آخر ما تقدم ذِكره، وزاد فقال: «وليس في الدنيا نهر يصب في بحر الروم والصين غير نيل مصر.» انتهى والله أعلم.

١  تعني كلمة الحبشة: شعبًا خليطًا، أُعطي هذا الاسم لهذه البلاد بسبب الشعوب المختلفة الذين اختلطوا بأهلها الأصليين، وينبئنا التاريخ أن الحبشة استولى عليها بالتتابع الإثيوبيون وقدماء المصريين واليهود والعرب. ا.ھ.
٢  بحيرة تنيس أو بحيرة دمياط معروفة اليوم ببحيرة المنزلة.
٣  يقول جغرافيو العرب: إن هذه البحيرة أصل نهرين؛ الأول نيل السودان والثاني نيل مصر.
٤  تحوي بلدة كوري البلاد المجاورة لقبلي كردفان.
٥  تمتد كانم قبلي شرقي برنو البلاد المجاورة للنوبة.
٦  يقيم الزنوج في الجزء الشرقي من أفريقيا المعروفة باسم زنزيبار.
٧  دعا جغرافيو العرب النيل الشرقي تارة البحر الأزرق، وتارة البحر الأخضر.
٨  معبد الصخرة في جامع سيدنا عمر بمدينة أورشليم.
٩  أي عبارة: عن مائة وخمسين ميلًا.
١٠  قبل الوصول إلى سلسلة القاف الخرافية، توجد جهة مظلمة تمنع الناس المرور، وربما قصد المؤلف هذه البلدة الغريبة.
١١  إن الوليد هو ابن سانس الذي ذكره غرغوريوس أبو الفرج في تاريخه المختصر عن الأُسَر، وأنه من ذرية الملك ابن الليفاز، وحفيد الأساير الذي جعل أولاده يقيمون في أدومية المجاور لأرض مصر، وقبل عصر الوليد، وفي عهد أبينا إبراهيم كان ملوك مصر يلقبون بالفراعنة.
١٢  روى الشريف الإدريسي: كان أهالي تاكرور، بلدة واقعة في نهاية أفريقيا الغربية، يعتقدون أن الذهب نبات، وروى أحد كتَّاب العرب حادثة غريبة في بابها، وأثبت أن الذهب نبات في غير أفريقيا، وفي سنة ٣٩٤ھ، كان محمود بن سبكتجين السلطان الأول من الأسرة الجازنغنديين يتنزه مرة في بلاد سجستان التي قهرها، فوجد في أحد جبالها شجرة من الذهب الخالص، وأن طولها يمتد ثلاثة أميال تحت الجبال، ولكن في عصر حكم ابنه السلطان مسعود حدثت زلزلة فقلعت هذا الجبل وزال المنجم الذهبي. ا.ھ.
١٣  يعتقد الشرقيون وجودَ ثلاثة أشخاص معروفين باسم هرمس، وعاشوا في عصور مختلفة، وأن هرمس المذكور هنا ظهر بعد أبينا آدم بألف سنة، ومشهور أيضًا باسم إدريس. ا.ھ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤