الباب الثاني

في حقيقة الإنشاء وتقسيمه

الإنشاء لغة: الإيجاد، واصطلاحًا: كلام لا يحتمل صدقًا ولا كذبًا لذاته،١ نحو: اغفر وارحم، فلا يُنسب إلى قائله صدق أو كذب.

وإن شئت فقل في تعريف الإنشاء: «هو ما لا يحصل مضمونه ولا يتحقق إلا إذا تلفظت به» فطلب الفعل في «افعَلْ»، وطلب الكف في «لا تفعل»، وطلب المحبوب في «التمنِّي»، وطلب الفهم في «الاستفهام»، وطلب الإقبال في «النداء»؛ كل ذلك ما حصل إلا بنفس الصيغ المتلفظ بها.

وينقسم الإنشاء إلى نوعين: إنشاء طلبي، وإنشاء غير طلبي.

«فالإنشاء غير الطلبي» ما لا يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب، ويكون بصيغ المدح، والذم، وصيغ العقود، والقسم، والتعجب والرجاء، ويكون برُبَّ ولعلَّ، وكم الخبرية.
  • (١)

    أما المدح والذم: فيكونان بنعم وبئس وما جرى مجراهما، نحو: حبذا ولا حبذا، والأفعال المحولة إلى فعل، نحو: طاب عليٌّ نفسًا، وخبث بكر أصلًا.

  • (٢)

    وأما العقود: فتكون بالماضي كثيرًا، نحو: بعتُ واشتريت ووهبتُ وأعتقتُ، وبغيره قليلًا نحو: أنا بائع، وعبدي حر لوجه الله تعالى.

  • (٣)

    وأما القسم: فيكون بالواو والباء والتاء وبغيرها، نحو: لعمرك ما فعلت كذا.

  • (٤)
    وأما التعجب: فيكون قياسًا بصيغتين، ما أفعله وأفْعِلْ به، وسماعًا بغيرهما، نحو: لله دره عالمًا كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ.
  • (٥)
    وأما الرجاء: فيكون بعسى وحرى واخلولق، نحو: فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ.

واعلم أن الإنشاء غير الطلبي لا تبحث عنه علماء البلاغة؛ لأن أكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت إلى الإنشاء، وإنما المبحوث عنه في علم المعاني هو «الإنشاء الطلبي» لما يمتاز به من لطائف بلاغية.

«إذن يتضح أن الإنشاء الطلبي» هو الذي يستدعي مطلوبًا٢ غير حاصل٣ في اعتقاد المتكلم وقت الطلب.
وأنواعه خمسة: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والنداء.٤

وفي هذا الباب خمسة مباحث.

(١) المبحث الأول: في الأمر

الأمر: هو طلب حصول الفعل من المُخاطب على وجه الاستعلاء٥ مع الإلزام، وله أربع صيغ:
  • (١)
    فعل الأمر، كقوله تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ.
  • (٢)
    والمضارع المجزوم بلام الأمر، كقوله سبحانه وتعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ.
  • (٣)
    واسم فعل الأمر، نحو: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.
  • (٤)

    والمصدر النائب على فعل الأمر، نحو: سعيًا في سبيل الخير.

وقد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي وهو «الإيجاب والإلزام» إلى معانٍ أخرى تستفاد من سياق الكلام، وقرائن الأحوال.
  • (١)
    كالدعاء في قوله تعالى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ.
  • (٢)

    والالتماس، كقولك لمن يساويك: أعطني القلم أيها الأخ.

  • (٣)
    والإرشاد، كقوله تعالى: إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ.
  • (٤)
    والتهديد، كقوله تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
  • (٥)
    والتعجيز، كقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.
  • (٦)
    والإباحة، كقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.

    ونحو: اجلس كما تشاء.

  • (٧)
    والتسوية، نحو قوله تعالى: اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا.
  • (٨)
    والإكرام، كقوله تعالى: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ.
  • (٩)
    والامتنان، كقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ.
  • (١٠)
    والإهانة، كقوله تعالى: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا.
  • (١١)
    والدوام، كقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
  • (١٢)

    والتمني، كقول امرئ القيس:

    ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى
    بصبح وما الإصباح منك بأمثل
  • (١٣)
    والاعتبار، كقوله تعالى: انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ.
  • (١٤)

    والإذن، كقولك لمن طرق الباب: «ادخلْ».

  • (١٥)
    والتكوين، كقوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ.
  • (١٦)

    والتخيير، نحو: تزوَّجْ هندًا أو أختها.

  • (١٧)

    والتأديب، نحو: كُلْ مما يليك.

  • (١٨)
    والتعجب، كقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ.

تمرين

بيِّن ما المراد من صيغ الأمر في التراكيب الآتية:

فصبرًا في مجال الموت صبرًا
فما نيل الخلود بمستطاع
فغُضَّ الطَّرْفَ إنك مِن نُمَيْرٍ
فلا كعبًا بَلَغْتَ ولا كلابًا
فيا موتُ زُرْ إن الحياة ذميمة
ويا نفسُ جدِّي إنَّ دهرَكِ هازلُ

(١) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ.

(٢) أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
لدينا ولا مَقْلِيَّة إن تقلت
(٣) يا ليلُ طُل يا نوم زُل
يا صبح قف لا تطلعِ
(٤) عِشْ ما بدا لك سالمًا
في ظل شاهقة القصور

(٥) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.

(٦) ترفق أيها المولى عليهم
فإن الرفق بالجاني عتابُ
(٧) أرى العنقاء تكبر أن تُصادا
فعاند من تطيق له عنادا
(٨) خليليَّ هُبَّا طالما قد رقدتما
أجدكما لا تقضيان كراكما
(٩) أريني جوادًا مات هُزلًا لعلني
أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلًا مُخْلَدا

(١٠) قال تعالى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

(١١) قد رشحوك لأمر إن فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

(١٢) رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي.

(١٣) ليس هذا بعشُّكِ فادرُجي.

(١٤) «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.»

(١٥) فمن شاء فليبخل ومن شاء فليجُدْ
كفاني نداكم عن جميع المطالب
يا رب لا تسلبني حبها أبدًا
ويرحم الله عبدًا قال آمينا
(١٦) أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أروني بخيلًا طال عمرًا ببخله
وهاتوا كريمًا مات من كثرة البذل
وحسن ظنك بالأيام معجزة
فظن شرًّا وكن منها على حذر
الرقم صيغة الأمر الغرض منها
(١) خذ العفو الإرشاد
(٢) أسيئي بنا التسوية
(٣) طل – زل التمني
(٤) عش سالمًا الدعاء
(٥) أسروا قولكم التسوية
(٦) ترفق الدعاء
(٧) عائد الإهانة
(٨) هبا الالتماس
(٩) أريني جوادًا التعجيز
(١٠) هاتوا برهانكم التعجيز
(١١) فاربأ بنفسك الإرشاد
(١٢) اشرح لي صدري الدعاء
(١٣) أدرجي الإهانة
(١٤) اعمل لدنياك الإرشاد
(١٥) فليبخل التخيير
(١٦) جئني التعجيز

نموذج

بيِّن نوع الإنشاء وصيغته في الأمثلة الآتية:

(١) يا أيها المتحلي غير شيمته
ومن شمائله التبديل والمَلَق
ارجع إلى خُلقك المعروف ديدنه
إن التخلق يأتي دونه الخلق
(٢) يا ابنتي إن ردت آية حُسن
وجمالًا يزين جسمًا وعقلا
فانبذي عادة التبرج نبذًا
فجمال النفوس أسمى وأعلى
يصنع الصانعون وردًا ولكن
وردة الروض لا تُضارَع شكلا
(٣) يا ليت من يمنع المعروف يمنعه
حتى يذوق رجال غبَّ ما صنعوا
(٤) لعمرك ما بالعقل يُكتسب الغنى
ولا باكتساب المال يُكتسب العقل
رقم المثال صيغة الإنشاء نوعه طريقته
(١) يا أيها المتحلى غير شيمته … إلخ طلبي النداء
ارجع إلى خلقك المعروف طلبي الأمر
(٢) يا ابنتي إن أردت آية حسن طلبي النداء
فانبذي عادة التبرج طلبي الأمر
(٣) يا ليت من يمنع المعروف طلبي التمني
(٤) لعمرك ما بالعقل يكتسب الغنى غير طلبي القسم

أسئلة على الإنشاء يطلب أجوبتها

ما هو الإنشاء لغة واصطلاحًا؟ إلى كم ينقسم الإنشاء؟ ما هو الإنشاء غير الطلبي؟ كم أقسام الإنشاء الطلبي؟ ما هو الأمر؟ كم صيغة للأمر؟ ما هي المعاني التي تخرج إليها صيغ الأمر عن أصل معناها.

(٢) المبحث الثاني: في النهي

النهي: هو طلب الكفِّ عن الشيء على وجه الاستعلاء٦ مع الإلزام، وله صفة واحدة، وهي المضارع المقرون بلا الناهية، كقوله تعالى: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
وقد تخرج هذه الصيغة عن أصل معناها إلى معانٍ أُخَر، تُستفاد من سياق الكلام وقرائن الأحوال:
  • (١)
    كالدعاء، نحو قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا.
  • (٢)

    والالتماس، كقولك لمن يساويك: أيها الأخ لا تتوانَ.

  • (٣)
    والإرشاد، كقوله تعالى: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
  • (٤)
    والدوام، كقوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ.
  • (٥)
    وبيان العاقبة، نحو قوله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ.
  • (٦)
    والتيئيس، نحو قوله تعالى: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.
  • (٧)

    والتمني، نحو: يا ليلة الأنس لا تنقضي.

    وكقوله:

    يا ليلُ طل يا نوم زُل
    يا صبح قف لا تطلع
  • (٨)

    والتهديد، كقولك لخادمك: لا تطع أمري.

  • (٩)

    والكراهة، نحو: لا تلتفت وأنت في الصلاة.

  • (١٠)

    والتوبيخ، نحو: لا تنهَ عن خُلق وتأتيَ مثله.

  • (١١)
    والائتناس، نحو: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا.
  • (١٢)

    والتحقير، كقوله:

    لا تطلب المجد إن المجد سُلمه
    صعب وعش مستريحًا ناعم البال

    وكقوله:

    دع المكارم لا ترحل لبغيتها
    واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

تطبيق

اذكر ما يُراد من صيغ النهي الآتية:

(١) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

(٢) فلا تلزمن الناس غير طباعهم
فتتعب من طول العتاب ويتعبوا
ولا تغترر منهم بحسن بشاشة
فأكثر إيماض البوارق خُلب
(٣) فلا تهج إن كنت ذا إربة
حَرْبَ أخي التجربة العاقل

(٤) لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ.

(٥) لا تحسبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه
لن تبلغَ المجد حتى تلعق الصبرا

(٦) لا تحتجب عن العيون أيها القمر.

(٧) لا تعرضن لجعفر متشبِّهًا
بِنَدَى يديه فلست من أنداده
(٨) لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم
فلرب مغلوب هوى ثم ارتقى
ولا تجلس إلى أهل الدَّنايا
فإن خلائق السفهاء تُعْدِي
الغرض
(١) التوبيخ على خلطهم الحق بالباطل
(٢) الإرشاد إلى حسن الخلق
(٣) الإرشاد والنصح
(٤) التوبيخ والتقريع
(٥) التوبيخ والتعنيف
(٦) التمني
(٧) التوبيخ والتأنيب
(٨) استنهاض الهمة بالنصح

(٣) المبحث الثالث: في الاستفهام

الاستفهام: هو طلب العلم بشيء لم يكن معلومًا من قبل.

وذلك بأداة من إحدى أدواته الآتية؛ وهي: الهمزة، وهل، وما، ومتى، وأيَّان، وكيف، وأين، وأنَّى، وكم، وأي.

وتنقسم بحسب الطلب إلى ثلاثة أقسام:
  • (أ)

    ما يُطلب به التصور تارة، والتصديق تارة أخرى، وهو: الهمزة.

  • (ب)

    وما يُطلب به التصديق فقط، وهو: هل.

  • (جـ)

    وما يُطلب به التصور فقط، وهو بقية ألفاظ الاستفهام.

(٣-١) الهمزة

يُطلب بالهمزة أحد أمرين: تصوُّر، أو تصديق.
  • (أ)
    فالتصور: هو إدراك المفرد،٧ نحو: أعلي مسافر أم سعيد؟ تعتقد أن سفرًا حصل من أحدهما، ولكن تطلب تعيينه.

    ولذا يجاب فيه بالتعيين، فيقال: «سعيد» مثلًا.

    وحكم الهمزة التي لطلب التصور أن يليها المسئول عنه بها، سواء أكان:
    • (١)

      مسندًا إليه، نحو: أأنتَ فعلتَ هذا أم يوسف؟

    • (٢)

      أم مسندًا، نحو: أراغب أنت عن الأمر أم راغب فيه؟

    • (٣)

      أم مفعولًا، نحو: إياي تقصد أم سعيدًا؟

    • (٤)

      أم حالًا، نحو: أراكبًا حضرت أم ماشيًا؟

    • (٥)

      أم ظرفًا، نحو: أيوم الخميس قدمت أم يوم الجمعة؟

    ويذكر المسئول عنه في التصور بعد الهمزة، ويكون له معادل يذكر بعد أم غالبًا، وتُسمى متصلة.

    وقد يُستغنى عن ذكر المعادل نحو: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ؟
  • (ب)
    والتصديق «هو إدراك وقوع نسبة تامة بين المسند والمسند إليه أو عدم وقوعها»٨ بحيث يكون المتكلم خالي الذهن مما استُفهم عنه في جملته، مصدِّقًا للجواب إثباتًا «بنعم» أو نفيًا «بلا».

    وهمزة الاستفهام تدل على التصديق إذا أريد بها النسبة.

    ويكثر التصديق في الجمل الفعلية، كقولك: أحضر الأمير؟٩ تستفهم عن ثبوت النسبة ونفيها، وفي هذه الحالة يُجاب بلفظة: نعم أو لا.

    ويقل التصديق في الجمل الاسمية، نحو: أعليٌّ مسافر؟

    ويمتنع أن يذكر مع همزة التصديق معادل كما مثل، فإن جاءت «أم» بعدها قُدرت منقطعة١٠ وتكون بمعنى «بل»:
    ولست أبالي بعد فقدي مالكا
    أموتي ناءٍ أم هو الآن واقع

    ونحو:

    هل يسمعن النضر إن ناديته
    أم كيف يسمع ميْت لا ينطق

(٣-٢) هل

يُطلب بها التصديق فقط؛ أي معرفة وقوع النسبة أو عدم وقوعها لا غير، نحو: هل حافظ المصريون على مجد أسلافهم؟

ولأجل اختصاصها بطلب التصديق لا يُذكر معها المعادل بعد أم المتصلة؛ فلذا:
  • (أ)

    امتنع «هل سعد قام أم سعيد؟» لأنَّ وقوع المفرد وهو سعيد بعد «أم» الواقعة في حيز الاستفهام دليل على أن أم متصلة.

    وهي لطلب تعيين أحد الأمرين، ولا بد حينئذ أن يُعلَم بها أولًا أصل الحكم.

    و«هل» لا يناسبها ذلك؛ لأنها لطلب الحكم فقط، فالحكم فيها غير معلوم، وإلا لم يُستفهم عنه بها، وحينئذ يؤدي الجمع بين «هل» و«أم» إلى التناقض؛ لأنَّ «هل» تفيد أن السائل جاهل بالحكم؛ لأنها لطلبه.

    و«أم» المتصلة تفيد أنَّ السائل عالم به، وإنما يطلب تعيين أحد الأمرين، فإن جاءت أم كذلك كانت منقطعة بمعنى بل التي تفيد الإضراب، نحو: هل جاء صديقك أم عدوك؟

  • (ب)

    وقبح استعمال «هل» في تركيب هو مظنة للعلم بحصول أصل النسبة، وهو ما يتقدم فيه المعمول على الفعل، نحو: هل خليلًا أكرمت؟ فتقديم المعمول على الفعل يقتضي غالبًا حصول العلم للمتكلم، وتكون هل لطلب حصول الحاصل وهو عبث.

تنبيهات

  • الأول: هل كالسين وسَوْف؛ تُخلص المضارع للاستقبال، فلا يقال: هل تصدُق؟ جوابًا لمن قال: أحبك الآن، بل تقول له: أتصدُق؟ ولأجل اختصاصها بالتصديق، وتخليصها المضارع للاستقبال — قوي اتصالها بالفعل لفظًا أو تقديرًا، نحو: هل يجيء عليٌّ، أو: هل عليٌّ يجيء؟
    فإن عُدِل عن الفعل إلى الاسم لإبراز ما يحصل في صورة الحاصل دلالة على كمال العناية بحصوله — كان هذا العدول أبلغ في إفادة المقصود كقوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ. فهذا التركيب أدل على طلب الشكر من قولك: هل تشكرون؛ وذلك لأنَّ الفعل لازم بعد هل، والعدول عنه يدل على قوة الداعي لذلك لما ذُكر.
  • الثاني: هل نوعان: بسيطة ومركبة:
    • (أ) فالبسيطة هي التي يُستفهم بها عن وجود شيء في نفسه، أو عدم وجوده، نحو: هل العنقاء١١ موجودة؟ ونحو: هل الخل الوفي موجود؟
    • (ب) والمركبة هي التي يُستفهم بها عن وجود شيء لشيء وعدم وجوده له، نحو: هل المريخ مسكون؟ هل النبات حسَّاس؟
  • الثالث: «هل» لا تدخل على:
    (١) المنفي* فلا يقال: هل يفهم علي
    (٢) ولا على المضارع الذي هو للحال فلا يقال: هل تحتقر عليًّا وهو شجاع
    (٣) ولا على إنَّ فلا يقال: هل إنَّ الأمير مسافر
    (٤) ولا على الشرط فلا يقال: هل إذا زرتك تكرمني
    (٥) ولا على حرف العطف فلا يقال: هل فيتقدم أو: هل ثم يتقدم
    (٦) ولا على اسم بعده فلا يقال: هل بشرًا منَّا واحدًا تتَّبعه
    أي: لأن هل في الأصل بمعنى قد، وهي لا تدخل على المنفي، فلا يقال: «قد لا يقوم خليل» فحينئذ هي مخصوصة بدخولها على النسب المثبتة، سواء أكانت جملًا فعلية أو اسمية، واعلم أن عدم دخولها على المنفي لا ينافي أنها لطلب التصديق مطلقًا سواء في الإيجابي والسلبي.
    † أي: لا تقع هل قبل الحرف العاطف بل تقع بعده دائمًا.

    بخلاف الهمزة فإنها تدخل على جميع ما ذُكر.

    واعلمْ أن الهمزة وهل يُسأل بهما عمَّا بعدهما؛ لأنهما حرفان ليس لهما معنًى مُستقل.

  • الرابع: بقية أدوات الاستفهام موضوعة «للتصور» فقط، فيُسأل بها عن معناها، وهي:

    ما، ومتى، وأيَّان، وكيف، وأين، وأنى، وكم، وأي.

    ولهذا يكون الجواب معها بتعيين المسئول عنه.

(٣-٣) ما – ومن

ما: موضوعة للاستفهام عن أفراد غير العقلاء، ويُطلب بها:
  • (أ)

    إيضاح الاسم: نحو: ما العسجد؟ فيقال في الجواب: إنه ذهب.

  • (ب)

    أو يُطلب بها بيان حقيقة المسمَّى، نحو: ما الشمس؟ فيجاب بأنه كوكب نهاري.

  • (جـ)

    أو يُطلب بها بيان الصفة، نحو: ما خليل؟ وجوابه: طويل أو قصير، مثلًا.

وتقع هل البسيطة في الترتيب العقلي١٢ بين «ما» التي لشرح الاسم و«ما» التي للحقيقة، فمن يجهل معنى البشر مثلًا يسأل أولًا «بما» عن شرحه، فيجاب بإنسان، ثم «بهل» البسيطة عن وجوده، فيجاب بنعم، ثم «بما» عن حقيقته، فيجاب بحيوان ناطق.

ومَن موضوعة للاستفهام، ويُطلَب بها تعيين أفراد العقلاء، نحو: من فتح مصر؟ ونحو: من شيَّد الهرم الأكبر؟ ونحو: مَنْ شيَّد القناطر الخيرية؟

(٣-٤) متى – وأيان

متى: موضوعة للاستفهام، ويُطلب بها تعيين الزمان، سواء أكان ماضيًا أو مستقبلًا، نحو: متى تولى الخلافة عمر؟ ومتى نحظى بالحرية؟

وأيان: موضوعة للاستفهام، ويُطلب بها تعيين الزمان المستقبل خاصة، وتكون في موضع «التهويل والتفخيم» دون غيره كقوله تعالى: يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.١٣

(٣-٥) كيف – وأين – وأنى – وكم – وأي

كيف: موضوعة للاستفهام، ويُطلب بها تعيين الحال، كقوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ. وكقوله:

وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى
ورأي أمير المؤمنين جميل؟!

وأين: موضوعة للاستفهام، ويُطلب بها تعيين المكان، نحو: أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ.

وأنى: موضوعة للاستفهام، وتأتي لمعانٍ كثيرة:
  • (١)
    فتكون بمعنى كيف، كقوله تعالى: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا.
  • (٢)
    وتكون بمعنى من أين، كقوله تعالى: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا.
  • (٣)

    وتكون بمعنى متى، كقولك: زرني أنى شئت.

وكم: موضوعة للاستفهام، ويُطلب بها تعيين عدد مبهم، كقوله تعالى: كَمْ لَبِثْتُمْ.

وأي: موضوعة للاستفهام، ويُطلب بها تمييز أحد المتشاركين في أمر يعمُّهما، كقوله تعالى: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا. ويُسأل بها عن الزمان والمكان، والحال، والعدد، والعاقل وغيره، على حسب ما تُضاف إليه «أي».

ولذا تأخذ «أي» معناها مما تُضاف إليه؛ فإن أُضيفت إلى ما تفيده «ما» أخذت حكمها، وإن أضيفت إلى ما تفيده «متى أو كيف» أو غيرهما من الأدوات السابقة أخذت معناها.

وقد تخرج ألفاظ الاستفهام عن معناها الأصلي «وهو طلب العلم بمجهول» فيستفهم بها عن الشيء مع «العلم به» لأغراض أخرى تُفهم من سياق الكلام ودلالته، ومن أهم ذلك:
  • (١)
    الأمر، كقوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ أي: انتهوا.
  • (٢)
    والنهي، كقوله تعالى: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ.١٤
  • (٣)
    والتسوية، كقوله تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
  • (٤)
    والنفي، كقوله تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.١٥
  • (٥)
    والإنكار،١٦ كقوله تعالى: أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ.
  • (٦)
    والتشويق، كقوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.
  • (٧)
    والاستئناس، كقوله تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى.
  • (٨)
    والتقرير،١٧ كقوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
  • (٩)
    والتهويل، كقوله تعالى: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ.
  • (١٠)
    والاستبعاد، كقوله تعالى: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ.

    ونحو قول الشاعر:

    من لي بإنسان إذا أغضبته
    وجهلت كان الحلم ردَّ جوابه؟!
  • (١١)
    والتعظيم، كقوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
  • (١٢)

    والتحقير، نحو: أهذا الذي مدحته كثيرًا؟!

  • (١٣)
    والتعجب، كقوله تعالى: مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ. وكقول الشاعر:
    خليليَّ فيما عشتما هل رأيتما
    قتيلًا بكى من حب قاتله قبلي؟
  • (١٤)

    والتهكم، نحو: أعقلك يسوِّغ لك أن تفعل كذا؟!

  • (١٥)
    والوعيد: نحو: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ.
  • (١٦)
    والاستنباط، كقوله: مَتَى نَصْرُ اللهِ. ونحو: كم دعوتك؟
  • (١٧)
    والتنبيه على الخطأ، كقوله تعالى: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ.
  • (١٨)
    والتنبيه على الباطل، كقوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ.
  • (١٩)

    والتحسر، كقول شمس الدين الكوفي:

    ما للمنازل أصبحتْ لا أهلُها
    أهلي ولا جيرانُها جيراني؟!
  • (٢٠)
    والتنبيه على ضلال الطريق، كقوله تعالى: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ.
  • (٢١)

    والتكثير، كقول أبي العلاء المعري:

    صاحِ! هذه قبورنا تملأ الرحب
    فأين القبور من عهد عاد؟

واعلمْ أن كل ما وُضع من الأخبار في صورة الاستفهام في الأمثلة السابقة والآتية تجددت له مزية بلاغية، زادت المعنى روعة وجمالًا.

إذا عرفت هذا؛ فاعرف أيضًا أنه يستعمل كل من «الأمر، والنهي، والاستفهام» في أغراض أخرى، يُرجع في إدركها إلى الذوق الأدبي، ولا يكون استعمالها في غير ما وُضعِت له إلا لطريقة أدبية، تجعل لهذا الاستعمال مزية، يترقى بها الكلام في درجات البلاغة.

تطبيق

ماذا يراد بالاستفهام فيما يلي:

(١) ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح؟
(٢) أنلهو وأيامنا تذهب
ونلعب والموت لا يلعب؟
(٣) متى يبلغ البنيان يومًا تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟
(٤) فعلام يلتمس العدو مساءتي
من بعد ما عرف الخلائق شاني؟
(٥) وكيف أخاف الفقر أو أُحرَم الغنى
ورأي أمير المؤمنين جميل؟
(٦) وهل نافعي أن تُرفع الحجب بيننا
ودون الذي أمَّلْتُ منك حجاب؟
(٧) أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر؟
(٨) ومَن مثل كافور إذا الخيل أحجمت
وكان قليلًا يقول لها اقدمي؟
(٩) أفي الحق أن يُعطى ثلاثون شاعرًا
ويُحرم ما دون الرضا شاعر مثلي؟
(١٠) أعندي وقد مارست كل خفية
يُصدَّق واشٍ أو يُخيَّب سائل؟
(١١) فدع الوعيد فما وعيدك ضائري
أطنين أجنحة الذباب يضير؟
(١٢) ومن ذا الذي يُدلي بعذر وحجة
وسيف المنايا بين عينيه مُصلت؟
(١٣) إذا محاسنيَ اللاتي أتيته بها
عُدَّت ذنوبًا فقل لي كيف أعتذر؟
(١٤) إلامَ وفيمَ تنقلنا ركاب
ونأمل أن يكون لنا أوان؟
فهل لي أن أراكِ قبيل موتي
ولو في النوم يا بنت الكرام؟

(١) التقرير؛ لأن المقام للمدح، وذلك أبلغ فيه، ولو أن جريرًا قال في مدحه: «أنتم خير من ركب المطايا» لكان قوله «خبرًا» يحتمل الصدق والكذب، ولكنه إذ وضعه في صورة الاستفهام لم يجعله خبرًا يُشك فيه، بل جعله حقيقة لا يجهلها أحد، ولا ينكرها إذا سئل عنها.

(٢) النهي عن اللعب، ويصح أن يكون للتهكم.

(٣) الإنكار، وبيان أن ذلك لن يكون.

(٤) التعجب من عمل لا يجديه نفعًا.

(٥) النفي، وذلك أوقع في المدح.

(٦) بيان أن ذلك ليس بمفيد.

(٧) التعظيم، وإكبار شأنه.

(٨) النهي، والتنويه بشجاعته.

(٩) الإنكار، وبيان أن ذلك لا ينبغي أن يكون.

(١٠) الإنكار، وبيان أن ذلك لا ينبغي أن يكون.

(١١) التهكم والتحقير.

(١٢) التعظيم، وتهويل شأن ذلك الموقف.

(١٣) النفي.

(١٤) الاستبطاء.

أسئلة على الاستفهام يُطلب أجوبتها

ما هو الاستفهام؟ ما هي أدواته؟ ما الذي يُطلب بالهمزة؟ ما هو التصور؟ ما هو التصديق؟ ما الفرق بين همزة التصور وهمزة التصديق وهل؟ ماذا يُطلب بكم؟ ما الذي يُطلب بأيان؟ ما الذي يُطلب بمن؟ ما الذي يُطلب بما؟ ما الذي يُطلب بمتى؟ ما الذي يُطلب بكيف؟ ما الذي يُطلب بكم؟ ما الذي يُطلب بأنى؟ ما الذي يطلب بأي؟ ما هي المعاني التي تخرج إليها أدوات الاستفهام عن معانيها الأصلية؟

تمرين

ما هي المعاني التي استُعمل فيها الاستفهام في الأمثلة الآتية؟

قال تعالى:
  • (١)
    قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ.
  • (٢)
    هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ.
  • (٣)
    أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ.
  • (٤)
    أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
  • (٥)
    أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
  • (٦)
    أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.
  • (٧)
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
  • (٨)
    أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا.
  • (٩)
    وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيمًا.
  • (١٠)
    مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ.
  • (١١)
    أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
  • (١٢)
    أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى.
  • (١٣)

    قال أبو نواس:

    أنا في ذمة الخصيب مقيم
    حيث لا تهتدي صروف الزمان
    كيف أخشى عليَّ غول الليالي
    ومكاني من الخصيب مكاني؟
  • (١٤)

    وقال أبو تمام يمدح عبد الله بن طاهر:

    يقول في قَوْمَس قومي وقد أخذت
    منَّا السُّرى وخطى المهرية القود
    أمطلعَ الشمس تبغي أن تؤمَّ بنا؟
    فقلت: كلا، ولكن مطلع الجود
  • (١٥)

    وقال يفخر بقومه:

    مضَوْا وكأنَّ المكرمات لديهمُ
    لكثرة ما أوصَوْا بهن شرائع
    فأي يد في المَحْل مُدَّت فلم تكن
    لها راحة من جودهم وأصابع؟
  • (١٦)

    وقال رجل من الخوارج كان الحجاج قد عفا عنه:

    أأُقاتل الحجاج عن سلطانه
    بيدٍ تقرُّ بأنها مولاته؟
  • (١٧)

    وقال أبو تمام:

    أإلى بني عبد الكريم تشاوست
    عيناك، ويحك! خلف من تتفوَّق؟
    ما أنشئتْ للمكرمات سحابةٌ
    إلا ومن أيديهم تتدفق
  • (١٨)

    وقال المرحوم أحمد شوقي:

    إلامَ الخُلف بينكمُ إلاما
    وهذه الضجة الكبرى علاما؟
    وفيمَ يكيد بعضكمُ لبعض
    وتُبدون العداوة والخصاما؟
  • (١٩)

    وقال ابن الرومي:

    ما كان في فضلاء الناس لي أمل
    فكيف أمَّلْتُ خيرًا في المجانين؟
  • (٢٠)

    وقال العباس بن الأحنف:

    قلبي إلى ما ضرني داعي
    يُكثر أسقامي وأوجاعي
    كيف احتراسي من عدوي إذا
    كان عدوي بين أضلاعي؟!
  • (٢١)

    وقال زُفر بن الحارث:

    أيذهب يوم واحد إن أسأته
    بصالح أيامي وحسن بلائيا؟
  • (٢٢)

    وقال زياد الأعجم:

    فمَن أنتم إنا نسينا من أنتمُ
    وريحكم من أي ريح الأعاصر؟
  • (٢٣)

    وقال إبراهيم الموصلي:

    وآمرةٍ بالبخل قلت لها اقصري
    فليس إلى ما تأمرين سبيل
    وكيف أخاف الفقر أو أُحرم الغنى
    ورأي أمير المؤمنين جميل؟!
  • (٢٤)

    وقال جميل بن مَعْمَر:

    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
    بوادي القُرَى إني إذًا لسعيد؟
    وهل أَلْقَيَنَّ سُعدَى من الدهر مرة
    وما رثَّ من حبل الصفاء جديد؟
  • (٢٥)

    وقال شمس الدين الكوفي:

    ما لي وللأيام شَتَّتْ خَطْبُها
    شملي وخَلَّاني بلا خِلَّانِ؟

تمرين

وضِّح الأغراض التي خرج إليها الأمر والنهي والاستفهام في الأمثلة الآتية:
  • (١)

    قال أبو الطيب يعاتب رجلًا ظن أنه هجاه، وكان غيره هو الذي هجاه:

    أتنكر يا بن إسحق إخائي
    وتحسب ماء غيري من إنائي؟
    أأنطق فيك هُجرًا بعد علمي
    بأنك خير من تحت السماء؟
    وهبني قلت هذا الصبح ليل
    أيعمى العالمون عن الضياء؟!
  • (٢)

    وقال يخاطب سيف الدولة:

    أجزني إذا أُنشدتَ شعرًا فإنما
    بشعري أتاك المادحون مردَّدا
    ودع كل صوت غير صوتي فإنني
    أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
  • (٣)

    وقال:

    عش عزيزًا أو مت وأنت كريم
    بين طعن القنا وخفق البنود
    واطلب العز في لظى وذر الذل
    ولو كان في جنان الخلود
  • (٤)

    وقال:

    لمن تطلُب الدنيا إذا لم تُرد بها
    سرورَ محبٍّ أو إساءة مجرم؟
  • (٥)

    وقال أبو فراس:

    بمن يثق الإنسان فيما ينوبه
    ومن أين للحر الكريم صحاب
    وقد صار هذا الناس إلا أقلهم
    ذئابًا على أجسادهن ثياب؟
  • (٦)

    وقال أبو العتاهية في عبد الله بن معن بن زائدة:

    فصُغْ ما كنت حَليت
    به سيفك خلخالًا
    وما تصنع بالسيف
    إذا لم تكُ قتَّالًا؟
  • (٧)

    ولابن رشيق:

    أيها الليل طُلْ بغير جناحِ
    ليس للعين راحة في الصباحِ
    كيف لا أبغض الصباح وفيه
    بان عنِّي نور الوجوه المِلاحِ؟
  • (٨)

    وقال كثير:

    أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
    لدينا ولا مقليَّة إن تقلت
    فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت
    بعاقبةٍ أسبابُه قد تولَّتِ
  • (٩)

    وقال البحتري:

    اسلمْ أبا الصقر للمعروف تصنعه
    والمجد تبنيه في ذهل بن شيبان
  • (١٠)

    وقال الفرزدق:

    أترجو ربيعٌ أن يجيء صغارها
    بخير وقد أعيا ربيعًا كبارُها؟
  • (١١)

    وقال جرير:

    قل للجبان إذا تأخر سرجه
    هل أنت من شَرَك المنية ناجي؟
  • (١٢)

    وقال المعرِّي:

    افهم عن الأيام فهي نواطق
    ما زال يضرب صرفُها الأمثالا
    لم يمض في دنياك أمر معجب
    إلا أرتك لما مضى تمثالا
  • (١٣)

    وقال:

    ما افتخار الفتى بثوب جديد
    وهو من تحته بعرض لبيس
    والفتى ليس باللجين وبالتبر
    ولكن بعزة في النفوس
  • (١٤)

    وقال المرحوم إسماعيل صبري باشا يرثي طفلًا صغيرًا:

    يا مالئ العينِ نورًا والفؤادِ هوًى
    والبيتِ أُنسًا تمهل أيها القمر
    لا تُخل أفقك يخلفك الظلام به
    والزم مكانك لا يحلل به الكدر

(٤) المبحث الرابع: في التَّمنِّي

التمني: هو طلب الشيء المحبوب الذي لا يُرجى، ولا يُتوقع حصوله.
  • (١)

    إمَّا لكونه مستحيلًا، كقوله:

    ألا ليت الشباب يعود يومًا
    فأخبرَه بما فعل المشيبُ
  • (٢)
    وإما لكونه ممكنًا غير مطموع في نيله، كقوله تعالى: يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ.

وإذا كان الأمر المحبوب مما يُرجى حصوله كان طلبه ترجِّيًا.

ويُعبَّر فيه «بعسى ولعلَ» كقوله تعالى: لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا وعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ.

وقد تُستعمل في الترجي «ليت» لغرض بلاغي.١٨

وللتمني أربع أدوات، واحدة أصلية، وهي «ليت».

وثلاث غير أصلية نائبة عنها، ويُتمنى بها لغرض بلاغي، وهي:
  • (١)
    هل،١٩ كقوله تعالى: فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا.٢٠
  • (٢)
    ولو،٢١ كقوله تعالى: فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
  • (٣)
    ولعلَّ،٢٢ كقوله:
    أسرب القطا هل يُعير جناحه؟
    لعلي إلى من قد هَوِيتُ أطير

    ولأجل استعمال هذه الأدوات في التمني يُنصب المضارع الواقع في جوابها.

تمرين

بيِّن المعاني المستفادة من صيغ التمني فيما يأتي:

قال تعالى: فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ.

علَّ الليالي التي أضنت بفرقتنا
جسمي ستجمعني يومًا وتجمعه

لو يأتينا فيحدِّثنا – لعلي أحجُّ فأزورك – يا ليتني اتَّخذت مع الرسول سبيلًا – هل إلى مَرَدٍّ من سبيل – يا ليت لنا مثل ما أُوتِيَ قارون – لعلي أَبْلُغُ الأسباب – لو تتلو الآيات فتشقَّ سمعي.

كل من في الكون يشكو دهره
ليت شعري هذه الدنيا لِمَن؟!
فليت الليل فيه كان شهرًا
ومرَّ نهاره مر السحاب
فليت هوى الأحبة كان عدلًا
فحمَّل كل قلب ما أطاقا

(٥) المبحث الخامس: في النِّداء

النداء: هو طلب المتكلم إقبال المخاطَب عليه بحرف نائب مناب «أنادي» المنقول من الخبر إلى الإنشاء. وأدواته ثمانية:

الهمزة، وأي، ويا، وآي، وأيا، وهيا، ووا.٢٣ وهي في كيفية الاستعمال نوعان:
  • (١)

    الهمزة وأي لنداء القريب.

  • (٢)

    وباقي الأدوات لنداء البعيد.

وقد يُنزَّل البعيد منزلة القريب، فينادى بالهمزة وأي؛ إشارة إلى أنه لشدَّة استحضاره في ذهن المتكلم صار كالحاضر معه لا يغيب عن القلب، وكأنه ماثل أمام العين، كقول الشاعر:

أسكان نعمان الأراك تيقنوا
بأنكم في ربع قلبي سكان
وقد يُنزَّل القريب منزلة البعيد، فينادى بغير «الهمزة وأي»:
  • (أ)

    إشارة إلى علوِّ مرتبته، فيُجعل بُعد المنزلة كأنه بُعْد في المكان كقوله: «أيا مولاي» وأنت معه للدلالة على أن المنادى عظيم القدر، رفيع الشأن.

  • (ب)

    أو إشارة إلى انحطاط منزلته ودرجته، كقولك: «أيا هذا» لمن هو معك.

  • (جـ)

    أو إشارة إلى أن السامع لغفلته وشرود ذهنه كأنه غير حاضر كقولك للساهي: أيا فلان، وكقول البارودي:

    يا أيها السَّادر المزور من صلف
    مهلًا! فإنك بالأيام منخدع٢٤
وقد تخرج ألفاظ النداء عن معناها الأصلي إلى معانٍ أخرى، تُفهم من السياق بمعونة القرائن، ومن أهم ذلك:
  • (١)

    الإغراء، نحو قولك لمن أقبل يتظلم: يا مظلوم.

  • (٢)

    والاستغاثة، نحو: يا لله للمؤمنين.

  • (٣)

    والنُّدبة، نحو قول الشاعر:

    فوا عجبًا كم يدَّعى الفضل ناقص
    ووا أسفًا كم يظهر النقص فاضل
  • (٤)

    والتعجب، كقول الشاعر:

    يا لكِ من قُبَّرة بمَعْمَرِ
    خلا لك الجو فبيضي واصفري
  • (٥)

    والزجر، كقول الشاعر:

    أفؤادي متى المتاب ألمَّا
    تصح والشيب فوق رأسي ألمَّا
  • (٦)
    والتحسُّر والتوجُّع، كقوله تعالى: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا.

    وكقول الشاعر:

    أيا قبرَ مَعْن كيف واريتَ جوده
    وقد كان منه البر والبحر مَتْرَعَا؟
  • (٧)

    والتذكر كقوله:

    أيا منزِلَيْ سلمَى سلامٌ عليكما
    هل الأزمن اللاتي مضين رواجع؟
  • (٨)

    والتحيُّر والتضجُّر، نحو قول الشاعر:

    أيا منازلَ سلمَى أين سلماكِ
    مِنْ أَجْلِ هذا بكيناها بكيناكِ

ويكثر هذا في نداء الأطلال والمطايا، ونحوها.

والاختصاص:٢٥ هو ذكر اسم ظاهر بعد ضمير لأجل بيانه، نحو قوله تعالى: رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ونحو: «نحن العلماء ورثة الأنبياء.»
  • (أ)

    إمَّا للتفاخر، نحو: أنا أُكرم الضيف أيها الرجل.

  • (ب)

    وإمَّا للتواضع، نحو: أنا الفقير المسكين أيها الرجل.

ونحو: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة.٢٦

تمرين

بيِّن المعاني الحقيقية المستفادة من صيغ النداء، والمعاني المجازية المستفادة من القرائن:

صاحِ شَمِّر ولا تَزَلْ ذاكرَ المو
تِ فنسيانُه ضلال مبين
يا لقومي ويا لأمثال قومي
لأناس عتوهم في ازدياد
يا للرجال ذوي الألباب من نفر
لا يبرح السفه المردي لهم دينا
أيها القلب قد قضيت مرامًا
فإلام الولوع بالشهوات
أيا شجر الخابور ما لك مورقًا
كأنك لم تجزع على ابن طريف
يا أيها الظالم في فعله
الظلم مردود على من ظلم
أريحانة العينين والأنف والحشا
ألا ليت شعري هل تغيرتِ من بعدي
يا ناقُ سيري عَنَقًا فسيحًا
إلى سليمان فنستريحا
حجبوه عن الرياح لأني
قلت يا ريح بلِّغيه السلاما
يا ليتني كنت صبيًّا مرضعا
تحملني الذلفاء حولًا أكتعا
يا ليلة لست أنسى طيبها أبدًا
كأن كل سرور حاضر فيها
يا ليلة كالمسك مخبرها
وكذاك في التشبيه منظرها
أحييتها والبدر يخدمني
والشمس أنهاها وآمرها
يا من تذكِّرني شمائله
ريح الشمال تنفست سَحَرا
وإذا امتطى قلم أنامله
سحر العقول به وما سحرا
يا قلب ويحك ما سمعت لناصح
لما ارتميت ولا اتقيت ملاما
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
يا رحمة الله حلِّي في منازلنا
وجاورينا فدتك النفس من جار

تنبيهات

  • الأول: يوضع الخبر موضع الإنشاء لأغراض كثيرة، أهمها:
    • (١) التفاؤل، نحو: هداك الله لصالح الأعمال «كأنَّ الهداية حصلت بالفعل» فأخبر عنها، ونحو: وفقك الله.
    • (٢) والاحتراز عن صورة الأمر تأدبًا واحترامًا، نحو: رحم الله فلانًا. ونحو: ينظر مولاي في أمري ويقضي حاجتي.
    • (٣) والتنبيه على تيسير المطلوب لقوة الأسباب، كقول الأمير لجنده: «تأخذون بنواصيهم وتنزلونهم من صياصيهم.»
    • (٤) والمبالغة في الطلب للتنبيه على سرعة الامتثال، نحو: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ.

      لم يقل: لا تسفكوا؛ قصدًا للمبالغة في النهي، حتى كأنهم نُهوا فامتثلوا ثم أخبر عنهم بالامتثال.

    • (٥) إظهار الرغبة، نحو قولك في غائب: رزقني الله لقاءه.
  • الثاني: يُوضع الإنشاء موضع الخبر لأغراض كثيرة:
    • (أ) منها: إظهار العناية بالشيء، والاهتمام بشأنه، كقوله تعالى: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.

      لم يقل: وإقامة وجوهكم؛ إشعارًا بالعناية بأمر الصلاة لعظيم خطرها، وجليل قدرها في الدِّين.

    • (ب) ومنها: التحاشي والاحتراز عن مساواة اللاحق بالسابق، كقوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ … لم يقل: وأشهدكم؛ تحاشيًا وفرارًا من مساواة شهادتهم بشهادة الله تعالى.
  • الثالث: الإنشاء كالخبر في كثير مما ذُكر فيه، ومما سيُذكر في الأبواب التالية من الذكر والحذف وغيرهما إن شاء الله تعالى.
  • الرابع: يستعمل كل من «الأمر والنهي والاستفهام» في أغراض أخر يُرجع في إدراكها إلى الذوق الأدبي، ولا يكون استعمالها في غير ما وُضعت له إلا لطريفة أدبية تجعل لهذا الاستعمال مزية يترقى بها الكلام في درجات البلاغة، كما سبق القول.

تطبيق

بيِّن المعاني المستفادة من النداء، وسبب استعمال أداة دون غيرها فيما يلي:

(١) أيا منازل سلمى أين سلماكِ
من أجل هذا بكيناها بكيناك٢٧
(٢) صادحَ الشرق قد سكتَّ طويلا
وعزيز علينا ألا تقولا٢٨
(٣) أيا قبر معن كيف واريت جوده
وقد كان منه البر والبحر مُترعا٢٩
(٤) يا درَّة نُزعت من تاج والدها
فأصبحت حلية في تاج رضوان
(٥) فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي
فقيمة كل الناس ما يحسنونه
رقم الأداة المعنى المستفاد سبب إيثار الأداة
(١) أيا التضجر والتحير معًا تنزيل المنازل المخاطبة منزلة البعيد لعظم شأنها لديه
(٢) يا التضجر والتحير معًا كون المنادى بعيد المرتبة حقيقة
(٣) أيا التحسر تنزيل المخاطب منزلة البعيد إشعارًا برفعة شأنه
(٤) يا التحسر تنزيل المنادى منزلة البعيد تنويهًا بعظم الأمر ورفعة القدر
(٥) يا الطلب للإشارة إلى أن المخاطب منحط الدرجة

تطبيق آخر

وضح الاعتبار الدَّاعي لوضع كل من الخبر والإنشاء موضع الآخر:

(١) قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.

(٢) وقال تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا.

وقال الشاعر:

(٣) أتاني أبيت اللعن أنك لمتني
وتلك التي أهتم منها وأنصب٣٠
(٤) إذًا فعاقبني ربي معاقبة
قرَّت بها عين من يأتيك بالحسد
الرقم نوع الكلام البيان الاعتبار
(١) الإنشاء إذ التقدير أحسنوا بالوالدين والمقام للإخبار الاهتمام وإظهار العناية
(٢) الخبر إذ المعنى ليأمن من دخله إظهار الحرص على وقوعه
(٣) الخبر المقام للإنشاء إذ الغرض الدعاء له التفاؤل بالدعاء
(٤) الخبر المقام للطلب لإظهار الحرص على وقوعه

تدريب

بيِّن فيما يلي الغرض من وضع الإنشاء موضع الخبر وبالعكس:

(١) كل خليل كنت خاللته
لا ترك الله له واضحه

(٢) قال الله تعالى: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا.

(٣) تقول لصديقك: «رزقني الله لقاءك.»

ويقول الشاعر:

(٤) ولائمة لامتك يا فضل في الندى
فقلت لها هل أثر اللوم في البحر
أَتَنْهَيْنَ فضلًا عن عطاياه للورى
ومن ذا الذي يَنْهَى الغمام عن القطر؟!

تمرين

عيِّن الجمل الخبرية والإنشائية فيما يأتي: قال الله تعالى:
  • (١)
    آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.
  • (٢)
    يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ.
  • (٣)
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
  • (٤)

    قال الرسول : «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود.»

  • (٥)

    ومن وصية عبد الملك بن مروان لأولاده: «يا بَنِيَّ، كفوا أذاكم، وابذلوا معروفكم، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سُئلتم، ولا تُلحفوا إذا سَألتم، فإن من ضيَّق ضيَّق الله عليه، ومن أعطى أخلف الله له.»

  • (٦)

    وقال أبو العلاء المعري:

    لا تحلفنَّ على صدق ولا كذب
    فما يفيدك إلا المأثم الحلف
  • (٧)

    وقال:

    لا تفرحنَّ بما بلغت من العلا
    وإذا سبقت فعن قليل تُسبَق
    وليحذر الدعوى اللبيب فإنها
    للفضل مهلكة وخَطْب موبق
  • (٨)

    وقال أبو العتاهية:

    بكيت على الشباب بدمع عيني
    فلم يُغنِ البكاء ولا النَّحيب
    ألا ليت الشباب يعود يومًا
    فأخبرَه بما فعل المشيب
  • (٩)

    وقال:

    يا صاحب الدنيا المحبَّ لها
    أنت الذي لا ينقضي تعبه
  • (١٠)

    وقال:

    ما أحسن الدنيا وإقبالها
    إذا أطاع الله من نالها!
    من لم يؤاسِ الناس من فضلها
    عرَّض للإدبار إقبالها
  • (١١)

    وقال الشاعر:

    أراك تُؤمِّل حُسن الثناء
    ولم يرزق الله ذاك البخيلا
    وكيف يسود أخو فطنة
    يمنُّ كثيرًا ويُعطي قليلًا؟!
  • (١٢)

    وقال سعيد بن حُمَيْد:

    وأراك تَكْلَف بالعتاب وودُّنا
    صافٍ عليه من الوفاء دليل
    ولعل أيام الحياة قصيرة
    فعلامَ يكثر عَتْبنا ويطول

أسئلة يُطلب أجوبتها

  • (١)

    عرِّف التمني، واذكر ألفاظه.

  • (٢)

    بيِّن الفرق بين التَّمنِّي والتَّرجي، واذكر ألفاظ ثانيهما.

  • (٣)

    بيِّن النداء، واذكر أدواته، وقسِّمها من حيث الاستعمال.

  • (٤)

    متى يُنَزَّل القريب منزلة البعيد، وبالعكس؟

  • (٥)

    بيِّن المعاني المجازية التي تستفاد من ألفاظ النداء.

  • (٦)

    بيِّن الأغراض الداعية لإيثار الخبر في مقام الإنشاء.

  • (٧)

    لِمَ يُوضع الإنشاء موضع الخبر؟

تطبيق عام على الباب الثاني

أنا الذائد الحامي الذمار وإنما
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

الجملة الأولى: خبرية اسمية من الضرب الابتدائي، والمراد بها الفخر وإظهار الشجاعة. المسند إليه «أنا»، والمسند «الذائد»، والجملة الثانية خبرية فعلية من الضرب الثالث لما فيها من التوكيد بإنما، والمراد بها الفخر وإظهار الشجاعة أيضًا، المسند «يدافع» والمسند إليه «أنا».

وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ جملة خبرية اسمية من الضرب الثالث، والمراد بها التوبيخ، المسند إليه «رب»، والمسند «ظلَّام».

«أنت خرجت عن حدك» جملة خبرية اسمية من الضرب الثالث، والمراد بها التوبيخ، المسند إليه «أنت»، والمسند جملة «خرجت».

رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ جملة «رب» إنشائية ندائية، والمراد بها الدعاء. المسند والمسند إليه محذوفان نابت عنهما ياء النداء المحذوفة، وجملة: «إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ» خبرية اسمية من الضرب الثالث، والمراد إظهار التحسر. المسند إليه «قومي»، والمسند جملة «كذَّبون».

«زارنا الغيث» جملة خبرية فعلية من الضرب الابتدائي، والمراد بها إظهار الفرح. المسند إليه الغيث، والمسند زار، وأتى بها فعلية لإفادة الحدوث في الزمن الماضي مع الاختصار.

«ذهب عنا الحزن» جملة خبرية فعلية من الضرب الابتدائي، والمراد بها إظهار الشماتة بمدبر. المسند «ذهب»، والمسند إليه «الحزن» وأتى بها فعلية لإفادة الحدوث في الزمن الماضي مع الاختصار.

«قابلت الأمير» جملة خبرية فعلية من الضرب الابتدائي، والمراد بها إظهار السرور، المسند قابل، والمسند إليه التاء.

«أنا ممتثل لأمرك» جملة خبرية اسمية من الضرب الابتدائي، والمراد بها إظهار التواضع. المسند إليه أنا، والمسند ممتثل، وأتى بها اسمية لمجرد ثبوت المسند للمسند إليه.

إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا جملة خبرية اسمية من الضرب الثالث، والمراد بها التوبيخ للناس. المسند إليه لفظ الجلالة، والمسند جملة «لا يظلم»، وأتى بالمسند جملة لتقوية الحكم بتكرار الإسناد، والجملة الاسمية مفيدة للاستمرار الآن بقرينة الإسناد إلى الله تعالى.

«ما جاءنا من أحد» جملة خبرية فعلية من الضرب الثالث، والمراد بها فائدة الخبر، المسند جاء، والمسند إليه أحد، وأتى بها فعلية لما تقدم.

«أنت نجحت» جملة خبرية اسمية من الضرب الثالث؛ لما فيها من تقوية الحكم بتكرار الإسناد، والمراد بها لازم الفائدة. المسند إليه أنت، والمسند جملة نجحت.

«حضر الأمير» جملة خبرية فعلية من الضرب الابتدائي، والمراد بها أصل الفائدة، المسند إليه الأمير.

«سيُحرم المقصر» خبرية فعلية من الضرب الابتدائي، والمراد بها الذم. المسند سيُحرم، والمسند إليه المقصر، وهي تفيد الاستمرار التجددي بقرينة الذم.

«ما برح المقصر نادمًا» جملة خبرية اسمية من الضرب الابتدائي، والمراد بها الذم، المسند إليه المقصر، والمسند نادمًا، وهي مفيدة للاستمرار بقرينة «ما برح».

«كلما جئتني أكرمتك» جملة أكرمتك خبرية فعلية من الضرب الابتدائي، وهي الجملة، وما قبلها قيد لها؛ لأن الشرطية لا تعتبر إلا بجوابها. المسند أكرم، والمسند إليه التاء، وهي مفيدة للاستمرار التجددي بقرينة كلما.

«ما مجتهد صاحباك» جملة خبرية فعلية من الضرب الابتدائي، ولا يقال: اسمية؛ لأن الاسم حل محل الفعل؛ ولذلك رفع ما بعده على أنه فاعله، والمراد بها الاستمرار بقرينة الذم. المسند مجتهد، والمسند إليه صاحباك، وقس عليها.

نحو ما مبغوض أنت، وما حسن فعل أعدائك، وأقائم أخواك، وهل منصف أصحابك.

«كلما ذاكر المجتهد استفاد» جملة استفاد فعلية خبرية من الضرب الابتدائي. المسند استفاد، والمسند إليه هو، وهي مفيدة للاستمرار التجددي بقرينة كلما.

«الشمس طالعة» تقولها للعاثر، جملة خبرية اسمية من الضرب الابتدائي. المسند إليه الشمس، والمسند طالعة، والمراد بها التوبيخ.

«الكريم محبوب» جملة خبرية اسمية من الضرب الابتدائي. المسند إليه الكريم، والمسند محبوب، والمراد بها الاستمرار بقرينة المدح.

«من يسافر؟» جملة إنشائية استفهامية. المسند إليه من، والمسند جملة يسافر.

«التفتوا» جملة إنشائية أمرية. المسند التفت، والمسند إليه الواو.

«لا تتركوا المذاكرة» جملة إنشائية نهيية. المسند تترك، والمسند إليه الواو.

«ليت البخيل يجود» جملة إنشائية تمنية اسمية. المسند إليه البخيل، والمسند جملة يجود.

«هل فهمتم؟» جملة إنشائية استفهامية. المسند فهم، والمسند إليه التاء.

«يا تلاميذ» جملة إنشائية ندائية. المسند والمسند إليه محذوفان تقديرهما أدعو نابت عنهما «يا».

قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ الهمزة الداخلة على لفظ «أغير» ليست للاستفهام الحقيقي، بل هي للإنكار الذي لم يقع على أنه يبغي ربًّا، ولكنه وقع على أن يكون المبغي ربًّا غير الله.

هوامش

(١) أي: بقطع النظر عما يستلزمه الإنشاء، فإن «اغفر» يستلزم خبرًا، وهو «أنا طالب المغفرة منك»، وكذا «لا تكسل» يستلزم خبرًا، وهو «أنا طالب عدم كسلك» لكن كل هذا ليس لذاته.
(٢) اعلم أنه إذا كان المطلوب غير متوقع كان الطلب «تمنيًا»، وإن كان متوقعًا فإما حصوله صورة أمر في الذهن فهو «الاستفهام» وإما حصوله في الخارج، فإن كان ذلك الأمر انتفاء فعل فهو «النهي»، وإن كان ثبوته فإما بأحد حروف «النداء» فهو النداء، وإما بغيرها فهو «الأمر».
وبهذا تعلم أن الطلب هنا منحصر في هذه الأنواع الخمسة؛ لاختصاصها بكثير من اللطائف البلاغية.
(٣) أي لأنه لا يليق طلب الحاصل، فلو استعمل صيغ الطلب لمطلوب حاصل امتنع إجراؤها على معانيها الحقيقية، ويتولد من تلك الصيغ ما يناسب المقام، كطلب دوام الإيمان والتقوى في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وهلم جرًّا.
(٤) ويكون الإنشاء الطلبي أيضًا بالعرض والتحضيض، ولكن لم يتعرض لهما البيانيون؛ لأنهما مولدان — على الأصح — من الاستفهام والتمني، فالأول من الهمزة مع لا النافية في «ألا» والثاني من هل ولو للتمني مع لا وما الزائدتين في «هلا وألا» بقلب الهاء همزة.
وكذا: لولا ولوما واعلم أن الإنشاء الطلبي نوعان: الأول ما يدل على معنى الطلب بلفظه، ويكون بالخمسة المذكورة، والثاني ما يدل على الطلب بغير لفظه كالدعاء.
(٥) بأن يعد الأمر نفسه عاليًا لمن هو أقل منه شأنًا، وسواء أكان عاليًا في الواقع أو لا؛ ولهذا نسب إلى سوء الأدب إن لم يكن عاليًا. واشتراط الاستعلاء بهذا المعنى هو ما عليه الأكثر من الماتريدية، والإمام الرازي، والآمدي من الأشعرية، وأبو الحسن من المعتزلة. وذهب الأشعري إلى أنه لا يُشترط هذا، وبه قال كثير من الشافعية. والأشبه أن الصدور من المستتر يفيد إيجابًا في الأمر، وتحريمًا في النهي.
واعلم أن الأمر للطلب مطلقًا، والفور والتراخي من القرائن، ولا يوجب الاستمرار والتكرار في الأصح. وقيل: ظاهره الفور كالنداء والاستفهام إلا بقرينة، وهو ما اختاره السكاكي. واعلم أيضًا أن الأمر يكون استعلاء مع الأدنى، ودعاء مع الأعلى، والتماسًا مع النظير.
(٦) اعلم: أن النهي طلب الكف عن الشيء ممن هو أقل شأنًا من المتكلم، وهو حقيقة في التحريم، كما عليه الجمهور، فمتى وردت صيغة النهي أفادت الحظر والتحريم على الفور.
واعلم أن النهي كالأمر، فيكون استعلاء مع الأدنى، ودعاء مع الأعلى، والتماسًا مع النظير.
(٧) أي إدراك عدم وقوع النسبة، وذلك كإدراك الموضوع وحده، أو المحمول وحده، أو هما معًا، أو ذات النسبة التي هي مورد الإيجاب والسلب.
فالاستفهام عن التصور يكون عند التردد في تعيين أحد الشيئين؛ أي: يتردد المتكلم في تعيين أحد أمرين، تذكر بينهما أم المتصلة المعادلة، وقد تحذف هي وما بعدها؛ اكتفاء بما قبلها، ولا يلي الهمزة غير المستفهم عنه.
والمفرد كما يكون اسمًا يكون فعلًا، نحو: أتنتهي عند هذا الحد أم تتمادى؟ والاستفهام عن التصديق يكون عن نسبة تردد الذهن فيها بين ثبوتها ونفيها.
وحينئذ للهمزة استعمالان: فتارةً يُطلب بها معرفة مفرد، وتارةً يُطلب بها معرفة نسبة، وتُسمَّى معرفة المفرد تصورًا، ومعرفة النسبة تصديقًا. واعلم أن كل همزة استفهام تُستعمل في معناها أو في غيره إن وليها الفعل وكان هو المقصود بمعناها، وإن وليها الاسم كان هو المراد المقصود، فإن قلت: أسافر الأمير؟ كان الشك في السفر، وإذا قلت: أسعد سافر؟ كان السفر مفروضًا، والمستفهم عنه ذات المسافر.
(٨) أي إدراك موافقتها لما في الواقع أو عدم موافقتها له. واعلم أن إدراك وقوع النسبة أو عدم وقوعها كما يسمى تصديقًا يسمى: حكمًا، أو إسنادًا، أو إيقاعًا وانتزاعًا، أو إيجابًا وسلبًا.
(٩) أي فقد تصورت الحضور والأمير والنسبة بينهما، وسألت عن وقوع النسبة بينهما: هل هو محقق خارجًا أو لا؟ فإذا قيل: «حضر» حصل التصديق، وكذا يقال فيما بعده، فالمسئول عنه في التصديق نسبة يتردد الذهن في ثبوتها ونفيها، كما سبق توضيحه.
(١٠) أي: ولا بد من وقوع الجملة بعد أم المنقطعة، فإن وقع بعدها مفرد قُدر بجملة، نحو: «أحضر الأمير أم جيشه» أي: بل حضر جيشه.
واعلم أنه تلخص مما تقدم أن همزة التصور إن جاء بعدها «أم تكون متصلة»، وأن همزة التصديق أو هل إن جاء بعدهما «أم» قدرت منقطعة، وتكون بمعنى بل.
(١١) حكى الزمخشري في «ربيع الأبرار» أن العنقاء كانت طائرًا، وكان فيها من كل شيء من الألوان، وكانت في زمن أصحاب الرس تأتي إلى أطفالهم وصغارهم فتخطفهم وتغرب بهم نحو الجبل فتأكلهم، فشكوا ذلك إلى نبيهم «صالح» عليه السلام، فدعا الله عليها فأهلكها، وقطع عقبها ونسلها، فسُميت «عنقاء مُغْرِب» لذلك.
(١٢) الترتيب العقلي: هو أن يكون المتأخر متوقعًا على المتقدم، من غير أن يكون المتقدم علة له؛ وذلك كتقدم المفرد على المركب.
(١٣) أي: فقد استعملت أيان مع يوم القيامة للتهويل والتفخيم بشأنه، وجواب هذا السؤال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ.
(١٤) أي: لا تخشوهم فالله أحق أن تخشوه.
(١٥) أي ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
(١٦) اعلم أن الإنكار إذا وقع في الإثبات يجعله نفيًا، كقوله تعالى: أَفِي اللهِ شَكٌّ أي: لا شك فيه، وإذا وقع في النفي يجعله إثباتًا، نحو قوله تعالى:أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا أي: قد وجدناك، وبيان ذلك أن إنكار الإثبات والنفي نفي لهما، ونفي الإثبات نفي، ونفي النفي إثبات. ثم الإنكار قد يكون للتكذيب، نحو: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، وقد يكون للتوبيخ واللوم على ما وقع، نحو: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وهذه الآية من كلام إبراهيم عليه السلام لقومه، حينما رآهم يعبدون الأصنام من الحجارة.
(١٧) ويكون غالبًا بالهمزة يليها المقرر به، كقولك: «أفعلت هذا؟» إذا أردت أن تقرره بأن الفعل كان منه، وكقولك: «أأنت فعلت هذا؟» إذا أردت أن تقرره بأنه الفاعل، وكقولك: «أخليلًا ضربت» إذا أردت أن تقرره بأن مضروبه خليل.
ويكون التقرير أحيانًا بغير الهمزة نحو: «لمن هذا الكتاب؟» و«كم لي عليك؟»
(١٨) الغرض هو إبراز المرجو في صورة المستحيل؛ مبالغة في بُعد نيله، نحو:
فيا ليت ما بيني وبين أحبتي
من البعد ما بيني وبين المصائب
وقد تستعمل أيضًا للتندم نحو: يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا.
(١٩) اعلم أن سبب العدول عن «ليت» إلى «هل» إبراز المتمنَّى لكمال العناية به في صورة الممكن الذي لا يُجزَم بانتفائه، وهو المستفهم عنه.
(٢٠) لما كان عدم الشفعاء معلومًا لهم امتنع حقيقة الاستفهام، وتولد منه التمني المناسب للمقام.
(٢١) وسبب العدول إلى «لو» الدلالة على عزة متمناه وندرته؛ حيث أبرزه في صورة الذي لا يُوجد؛ لأن «لو» بأصل وضعها على امتناع الجواب لامتناع الشرط.
(٢٢) وذلك لبعد المرجو، فكأنه مما لا يُرجى حصوله.
واعلم أن «هلا وألا ولوما ولولا» مأخوذة من «هل ولو» بزيادة «ما» و«لا» عليهما، وأصل «ألا» «هلا» قلبت الهاء همزة ليتعين معنى التمني، ويزول احتمال الاستفهام والشرط، فيتولد من التمني معنى التنديم في الماضي، نحو: «هلا قمت»؛ ومعنى التحضيض في المستقبل، نحو: «هلا نقف».
ولا يُتمنَّى ﺑ «هل – ولو – ولعل» إلا في المقطوع بعدم وقوعه؛ لئلا تُحمل على معانيها الأصلية.
(٢٣) اعلم أن لفظ الجلالة يختص نداؤه «بيا».
(٢٤) السادر الذاهب عن الشيء؛ ترفعًا عنه، والذي لا يبالي ولا يهتم بما صنع. المزور: المنحرف. والصلف: الكبر.
(٢٥) بيان ذلك أن النداء تخصيص المنادى بطلب إقباله عليك، فجرد عن طلب الإقبال، واستعمل في تخصيص مدلوله من بين أمثاله بما نسب إليه منها.
(٢٦) أي: اللهم اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب، فصورته صورة النداء وليس به؛ إذ لم يرد به إلا ما دل عليه ضمير المتكلم السابق؛ ولذا لا يجوز إظهار حرف النداء فيه.
(٢٧) يريد لعدم وجود سلمى بكيناها وبكينا المنازل، فواو العطف محذوفة.
(٢٨) صدح الرجل: رفع صوته بالغناء.
(٢٩) المترع: أي المملوء.
(٣٠) أبيت اللعن: كانت تحية الملوك، ومعناها: أبيت أن تفعل شيئًا تُلعَن به. أهتم: أي أصير ذا هم. أنصب: أي أتعب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤