الباب السادس

في أحوال متعلقات الفعل

متعلقات الفعل كثيرة، منها:

المفعول، والحال، والظرف، والجار والمجرور، وهذه «المتعلقات» أقل في الأهمية من «ركني الجملة» ومع ذلك فقد تتقدم عليهما أو على أحدهما.

فيقدَّم المفعول لأغراض، أهمها:
  • (١)

    تخصيصه بالفعل.

  • (٢)

    موافقة المخاطب أو تخطئته.

  • (٣)

    الاهتمام بالفعل.

  • (٤)

    التبرك به.

  • (٥)

    التلذذ به.

ويتقدَّم كل من الحال، والظرف، والجار والمجرور، لأغراض كثيرة:
  • (١)

    منها: تخصيصها بالفعل.

  • (٢)

    ومنها: كونها موضع الإنكار.

  • (٣)

    ومنها: مراعاة الفاصلة أو الوزن.

والأصل في المفعول أن يُؤخَّر عن الفعل، ولا يُقدم عليه إلا لأغراض كثيرة:
  • (١)
    منها: التخصيص، نحو: إِيَّاكَ نَعْبُدُ ردًّا على من قال: أعتقد غير ذلك.
  • (٢)
    ومنها: رعاية الفاصلة، نحو: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ.
  • (٣)

    ومنها: التبرُّك، نحو: قرآنًا كريمًا تلوتُ.

  • (٤)

    ومنها: التلذذ، نحو: الحبيبَ قابلتُ.

والأصل في العامل أن يُقدم على المعمول، كما أن الأصل في المعمول أن يقدَّم عُمدته على فضلَتِهِ، فيحفظ هذا الأصل بين الفعل والفاعل.

أما بين الفعل والمفعول ونحوه، كالظرف والجار والمجرور، فيختلف الترتيب للأسباب الآتية:
  • (أ)
    إمَّا لأمر معنوي، نحو: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى (فلو أُخِّر المجرور لتُوهِّم أنه من صلة الفاعل، وهو خلاف الواقع؛ لأنه صلة لفعله).
  • (ب)
    وإما لأمر لفظي، نحو: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (فلو قدم الفاعل لاختلفت الفواصل؛ لأنها مبنية على الألف).
  • (جـ)

    وإما للأهمية، نحو: قتل الخارجيَّ فلانٌ.

وأما تقديم الفضلات على بعض فقد يكون:
  • (١)

    للأصالة في التقدم لفظًا، نحو: حسبت الهلال طالعًا، فإن الهلال ولو كان مفعولًا في الحال، لكنه مبتدأ في الأصل.

    أو للأصالة في التقدم معنى، وذلك كالمفعول الأول في نحو: «أعطى الأمير الوزير جائزة»، فإن الوزير، وإن كان مفعولًا بالنسبة إلى الأمير، لكنه فاعل في المعنى بالنسبة إلى الجائزة.١
  • (٢)

    أو لإخلال في تأخيره، نحو: مررت راكبًا بفلان، فلو أخرت الحال لتُوُهِّم أنها حال من المجرور، وهو خلاف الواقع، فإنها حال من الفاعل، والأصل في المفعول ذكره، ولا يُحذف إلا لأغراض يقدم ذكرها.

تمرين

لبيان المتقدم من ركني الجملة، ومتعلقات الفعل، وسبب تقدمه.

(١) قال الله تعالى: فَلِلهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى.

(٢) وكتب ابن المعتز لأحد خلانه: قلبي نَجِيُّ ذِكْرك، ولساني خادم شكرك.

(٣) وقال الله تعالى: اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ.

(٤) كل حي وإن أقام كنوح
في أمان من الردى سوف يفنى
(٥) أنشأ يمزق أثوابي يؤدبني
أبعد شيبي يبغي عندي الأدبا

(٦) منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال.

(٧) عباس مولاي أهداني مظلته
يظلل الله عباسًا ويرعاه

(٨) أنا أكرمتك، وفي منزلي آويتك.

(٩) لك عندي وعند صحبي أيادٍ
سوف تبقى وكل شيء سيفنى
(١٠) ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

وقال المرحوم حافظ إبراهيم بك في وصف الشمس:

(١١) إنما الشمس وما في آيِها
من معانٍ لمعت للعارفين
حكمة بالغة قد مثلت
قدرة الله لقوم غافلين
(١٢) فمثل عُلاك لم أرَ في المعالي
ولا تاجًا كتاجك في الجلال
الجملة نوع المتقدم سبب تقدمه
(١) فَلِلهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى خبر تخصيص الخبر بالمبتدأ
(٢) قلبي، ولساني مبتدأ أنه الأصل
(٣) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ مبتدأ تخصيصه الخبر
(٤) كل حي وإن أقام مبتدأ إفادة التعميم
(٥) أبعد شيبي يبغي ظرف موضع الإنكار
(٦) منهومان لا يشبعان مبتدأ التشويق إلى المبتدأ
(٧) عباس مولاي مبتدأ التعظيم
(٨) أنا أكرمتك مبتدأ تخصيصه بالخبر الفعلي
وفي منزلي آويتك جار ومجرور تخصيصه بالفعل
ومطمئنًّا قلت لك حال موضع العناية والاهتمام
نجاتك تحققت مبتدأ تعجيل المسرة
لك جرائم الخبر التنبيه على أنه خبر لا صفة
(٩) لك عندي خبر للتنبيه على أنه خبر لا صفة
كل شيء سيفنى مبتدأ إفادة التعميم
(١٠) ما كل ما يتمنى المرء يدركه مبتدأ نفي العموم
(١١) الشمس وما في آيها … حكمة مبتدأ التشويق للخبر
(١٢) مثل عُلاك لم أرَ مفعول تخصيص المفعول بالفعل

تمرين آخر

  • (١)

    اشرح معنى التخصيص، واذكر مواضعه في باب التقديم.

  • (٢)

    أي أجزاء الجملة يفيد تقديمه، أو التلذذ، أو التعظيم؟ ومتى يفيد ذلك؟

  • (٣)

    ما هي متعلقات الفعل؟ وما أسباب تقديمها عليه؟

  • (٤)

    كيف تشوق لكل من المبتدأ والخبر؟ ومتى يفيد المبتدأ التعميم إذا قدمته؟ ومتى يدل على التخصيص بالخبر؟

  • (٥)

    ميز المبتدأ الذي جرى في التقديم على أصله من الذي تقدم زائدًا؟

تدريب

العبارات الآتية تقدم فيها بعض أجزاء الكلام على بعض، اذكر المتقدم، وبيِّن نوعه في كل عبارة:

(١) اثنان لا يستغني عنهما إنسان: العلم والمال.

(٢) قال عليه الصلاة والسلام: «إخوانكم خولُكم، جعلهم الله تحت أيديكم.»

(٣) إليك على بعد المزار وصعبه
نوازع شوق ما تُرَدُّ عوازبه

(٤) قال تعالى: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ.

(٥) قبيح أن يحتاج الحارس إلى من يحرسه.

(٦) وقال تعالى: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.

(٧) إلى الله كل الأمر في الخلق كلهم
وليس إلى المخلوق شيء من الأمر

تمرين

عيِّن المتقدم من ركني الجملة أو من متعلقات الفعل، واذكر سبب تقدمه:

(١) قال الله تعالى: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

(٢) الدنيا دار عناء، ليس لأحد فيها البقاء، وغدًا تسر أو تُساء.

(٣) ألقت مقاليدها الدنيا إلى رجل
ما زال وقفًا عليه الجود والكرم

(٤) وقال الله تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ.

(٥) وقال الله تعالى: قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ.

(٦) بأي لفظ تقول الشعر زعنفة
تجوز عندك لا عُرْب ولا عجم

(٧) ولأحمد بن يوسف: «بالأقلام تُساس الأقاليم.»

(٨) «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله بقلبه خالصًا.»

(٩) قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ.

(١٠) رأى الرسول رجلًا نذر أن يمشي فقال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني.»

(١١) يساورني طول الدجى وأساوره
ملال وطرفي ساهد الليل ساهره

اختبار للذاكرة

كوِّن أربع جمل تقدَّم في أولاها «الخبر»؛ ليفيد التشويق إلى المبتدأ.

وتقدم في الثانية «المبتدأ»؛ لتعجيل المسرة.

وتقدم في الثالثة «الحال»؛ لأنه موضع الإنكار.

وتقدم في الرابعة «الظرف»؛ لأنه موضع العناية.

هوامش

(١) لأن الجائزة مأخوذة، والآخذ لها الوزير الذي فيه معنى الفاعلية التي تستدعي حق التقدم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤