في التشبيه
تمهيد
للتشبيه روعة وجمال، وموقع حسن في البلاغة؛ وذلك لإخراجه الخفي إلى الجلي، وإدنائه البعيد من القريب، يزيد المعاني رفعة ووضوحًا، ويكسبها جمالًا وفضلًا، ويكسوها شرفًا ونُبلًا؛ فهو فن واسع النطاق، فسيح الخطو، ممتد الحواشي، متشعَّب الأطراف، متوعِّر المسلك، غامض المدرك، دقيق المجرى، غزير الجدوى.
ومن أساليب البيان أنك إذا أردت إثبات صفة لموصوف مع التوضيح، أو وجه من المبالغة — عمدت إلى شيء آخر، تكون هذه الصفة واضحة فيه، وعقدت بين الاثنين مماثلة، تجعلها وسيلة لتوضيح الصفة، أو المبالغة في إثباتها؛ لهذا كان التشبيه أوَّل طريقة تدل عليه الطبيعة لبيان المعنى.
تعريف التشبيه وبيان أركانه الأربعة
التشبيه لغة: التمثيل، يقال: هذا شِبه هذا ومثيله.
والتشبيه اصطلاحًا: عقد مماثلة بين أمرين أو أكثر، قُصِد اشتراكهما في صفة أو أكثر، بأداة؛ لغرض يقصده المتكلم.
- (١)
المشبه: هو الأمر الذي يُراد إلحاقه بغيره.
- (٢)
المشبه به: هو الأمر الذي يلحق به المشبه.
(هذان الركنان يُسميان طرفي التشبيه.)
- (٣)
وجه الشبه: هو الوصف المشترك بين الطرفين، ويكون في المشبه به أقوى منه في المشبه، وقد يُذكر وجه الشبه في الكلام، وقد يُحذف كما سيأتي توضيحه.
- (٤)
أداة التشبيه: هي اللفظ الذي يدل على التشبيه، ويربط المشبه بالمشبه به، وقد تُذكر الأداة في التشبيه وقد تُحذف، نحو: كان عمر في رعيته كالميزان في العدل، وكان فيهم كالوالد في الرحمة والعطف.
تمرين على التشبيه وبيان أركانه الأربعة
(١) المبحث الأول: في تقسيم طرق التشبيه إلى حسي وعقلي
- (١) إما حسيان١ «أي مدركان بإحدى الحواس الخمس الظاهرة» نحو: «أنت كالشمس في الضياء» وكما في تشبيه «الخد بالورد».
وإما عقليان؛ أي: مدركان بالعقل، نحو «العلم كالحياة»، ونحو: «الضلال عن الحق كالعمى» ونحو: «الجهل كالموت».
- (٢)
وإما المشبه حسي والمشبه به عقلي، نحو: طبيب السوء كالموت.
- (٣)
وإما المشبه عقلي والمشبه به حسي، نحو: العلم كالنور.
واعلم أن العقلي هو ما عدا الحسي، فيشمل المحقق ذهنًا: كالرأي، والخلق، والحظ، والأمل، والعلم، والذكاء، والشجاعة.
ويشمل أيضًا الوهمي، وهو ما لا وجود له، ولا لأجزائه كلها، أو بعضها في الخارج، ولو وجد لكان مدركًا بإحدى الحواس.
ويشمل الوجداني، وهو ما يُدرك بالقوى الباطنة: كالفم، والفرح، والشبع، والجوع، والعطش، والرِّي.
(٢) المبحث الثاني: في تقسيم طرفي التشبيه باعتبار الإفراد والتركيب
- (١)
إما مفردان «مطلقان»، نحو: «ضوءه كالشمس» و«خده كالورد».
أو «مقيدان»،٢ نحو: الساعي بغير طائل كالرَّاقم على الماء.أو «مختلفان»، نحو: «ثغره كاللؤلؤ المنظوم» ونحو: «العين الزرقاء كالسنان»، والمشبه هو المقيد.
وإما مركبان تركيبًا لم يمكن إفراد أجزائهما، بحيث يكون المركب هيئة حاصلة من شيئين، أو من أشياء، تلاصقت حتى اعتبرها المتكلم شيئًا واحدًا، وإذا انتُزع الوجه من بعضها دون بعض اختل قصد المتكلم من التشبيه، كقوله:٣كأن سهيلًا والنجوم وراءهصفوف صلاة قام فيها إمامها - (٢)
إذ لو قيل: «كأن سهيلًا إمام» و«كأن النجوم صفوف صلاة» — لذهبت فائدة التشبيه.
أو مركبان تركيبًا إذا أُفردت أجزاؤه زال المقصود من هيئة «المشبه به» كما ترى في قول الشاعر الآتي: حيث شبه النجوم اللامعة في كبد السماء بِدُرٍّ منتثر على بساط أزرق:
وكأنَّ أجرام النجوم لوامعًادررٌ نُثرن على بِساط أزرقإذ لو قيل: «كأن النجوم درر» و«كأن السماء بساط أزرق» — كان التشبيه مقبولًا، لكنه قد زال منه المقصود بهيئة المشبه به.
- (٣) وإما مفرد بمركب، كقول الخنساء:٤أغر أ بلجُ تأتم الهداة بهكأنه عَلَم في رأسه نار
- (٤) وإما مركب بمفرد، نحو: الماء المالح كالسم.٥
واعلم أنه متى رُكب أحد الطرفين لا يكاد يكون الآخر مفردًا مطلقًا، بل يكون مركبًا، أو مفردًا مقيدًا، ومتى كان هناك تقييد أو تركيب كان الوجه مركبًا ضرورة انتزاعه من المركب، أو من القيد والمقيد.
(٣) المبحث الثالث: في تقسيم طرفي التشبيه باعتبار تعددهما٦
ينقسم طرفا التشبيه «المشبه والمشبه به» باعتبار تعددهما أو تعدد أحدهما إلى أربعة أقسام: ملفوف، ومفروق، وتسوية، وجمع.
-
(١)
فالتشبيه الملفوف: هو جمع كل طرف منهما مع مثله، كجمع المشبه مع المشبه، والمشبه به مع المشبه به، بحيث يُؤتى بالمشبهات معًا على طريق العطف، أو غيره، ثم يُؤتى بالمشبهات بها كذلك، كقوله:
ليل وبدر وغصنشعر ووجه وقدخمر ودر ووردريق وثغر وخدوكقوله:
تبسم وقطوب في ندًى ووغًىكالغيث والبرق تحت العارض البردوكقوله:
وضوء الشهب فوق الليل بادٍكأطراف الأسنة في الدروع٧ -
(٢)
والتشبيه المفروق: هو جمع كل مشبه مع ما شُبه به، كقوله:٨النشر مسك والوجوه دنانير وأطراف الأكف عَنَم
-
(٣)
و«تشبيه التسوية» هو أن يتعدد المشبه دون المشبه به كقوله:
صدغ الحبيب وحاليكلاهما كاللياليوثغره في صفاءوأدمعي كاللآليسُمي بذلك للتسوية فيه بين المشبهات.
-
(٤)
وتشبيه الجمع: هو أن يتعدد المشبه به دون المشبه، كقوله:
كأنما يبسم عن لؤلؤمنضد أو برد أو أقاح٩سُمي بتشبيه الجمع؛ للجمع فيه بين ثلاث مشبهات بها كقوله:
مرت بنا رأد الضحىتحكي الغزالة والغزالاوكقوله:
ذات حسن لو استزدت من الحســن إليه لما أصابت مزيدافهي الشمس بهجة والقضيب اللدن قدًّا والريم طرفًا وجيدا
تمرين
اذكر أحوال طرفي التشبيه فيما يأتي:
علم لا ينفع كدواء لا ينجع. الصديق المنافق والابن الجاهل كلاهما كجمر الغضا. الحق سيف على أهل الباطل. الحمية من الأنام كالحمية من الطعام.
قال محمد بن لنكك البصري:
(٣-١) ملخص القول في تقسيم طرفي التشبيه
-
أولًا: ينقسم التشبيه باعتبار طرفية إلى حسيين وعقليين ومختلفين.
فالحسيان يشتركان:
- (١) في صفة مبصرة، كتشبيه المرأة بالنهار في الإشراق،
والشعر بالليل في الظلمة والسواد، كما في قول
الشاعر:
فرعاء تسحب من قيام شعرهاوتغيب فيه وهو ليل أسحمفكأنها فيه نهار مشرقوكأنه ليل عليها مظلم١٥
- (٢) أو في صفة مسموعة، نحو: «غرد تغريد الطيور»، ونحو:
«سجع سجع القمري»، ونحو: «أنَّ أنين الثكلى»، ونحو:
«أسمع دويًّا كدوي النحل»، وكتشبيه إنقاض الرحل بصوت
الفراريج في قول الشاعر:
كأن أصوات من إيغالهن بناأواخر الميس إنقاض الفراريج١٦
وكتشبيه الأصوات الحسنة في قراءة القرآن الكريم بالمزامير.
- (٣) أو في صفة مذوقة، كتشبيه الفواكه الحلوة بالعسل،
وكتشبيه الريق بالخمر في قول الشاعر:
كأن المُدام وصوب الغماموريح الخزامى وذوب العسليعل به برد أنيابهاإذا النجم وسط السماء اعتدل١٧
- (٤) أو في صفة ملموسة، كتشبيه الجسم بالحرير في قول ذي
الرُّمَّة:
لها بشر مثل الحرير ومنطقرخيم الحواشي لا هراء ولا نذر١٨وعينان قال الله كونا فكانتافعولان بالألباب ما تفعل الخمر
- (٥) أو في صفة مشمومة، كشبيه الريحان بالمسك، والنكهة
بالعنبر.
والعقليان: هما اللذان لم يدركا «هما ولا مادتهما» بإحدى الحواس؛ وذلك كتشبيه السفر بالعذاب، والضلال عن الحق بالعمى، والاهتداء إلى الخير بالإبصار.
والمختلفان: إما أن يكون المشبه عقليًّا والمشبه به حسيًّا، كتشبيه الغضب بالنار من التلظي والاشتعال، وكتشبيه الرأي بالليل في قول الشاعر:
الرأي كالليل مسود جوانبهوالليل لا ينجلي إلا بإصباحوإما أن يكون المشبه حسيًّا والمشبه به عقليًّا كتشبيه الكلام بالخلق الحسن عقليًّا، وكتشبيه العطر بخلق الكريم في قول الصاحب بن عباد:
أهديت عطرًا مثل طيب ثنائهفكأنما أهدى له أخلاقه١٩
- (١) في صفة مبصرة، كتشبيه المرأة بالنهار في الإشراق،
والشعر بالليل في الظلمة والسواد، كما في قول
الشاعر:
-
ثانيًا: ينقسم التشبيه باعتبار طرفيه إلى: مفردين مطلقين، أو مقيدين، أو
مختلفين، وإلى مركبين أو مختلفين.
فالمفردان المطلقان كتشبيه السماء بالدهان في الحمرة في قوله تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ.٢٠
وكتشبيه الكشح بالجديل، والساق بالأنبوب في قول امرئ القيس:
وكشح لطيف كالجديل مخصروساق كأنبوب السقي المذلل٢١والمقيدان بوصف، أو إضافة، أو حال، أو ظرف، أو نحو ذلك، كقولهم فيمن لا يحصل من سعيه على فائدة: هو «كالراقم على الماء»، فالمشبه هو الساعي على هذه الصفة، والمشبه به هو الراقم بهذا القيد، ووجه الشبه التسوية بين الفعل والترك في الفائدة. وكقوله:
والشمس من بين الأرائك قد حكتسيفًا صقيلًا في يد رعشاء٢٢والمختلفان والمشبه به هو المقيد، كما في قول ذي الرُّمَّة:
قف العيس في أطلال مية فاسألرسومًا كأخلاق الرداء المسلسل٢٣أو المشبه هو المقيد، كما في قول الشاعر:
كأن فجاج الأرض وهي عريضةعلى الخائف المطلوب كفة حابل٢٤والمركبان كقول الشاعر:
البدر منتقب بغيم أبيضهو فيه تفجر وتبلجكتنفس الحسناء في المرآة إذكملت محاسنها ولم تتزوجوالمختلفان والمشبه مفرد، كقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ. وكقول الشاعرة:أغر أبلج تأتم الهداة بهكأنه علم في رأسه نارأو المشبه به مفرد، كقول أبي الطيب المتنبي:
تشرق أعراضهم وأوجههمكأنها في نفوسهم شيمشبه إشراق الأعراض والوجوه بإشراق الشيم (الأخلاق الطيبة)، فإشراق الوجوه ببياضها، وإشراق الأعراض بشرفها وطيبها.
-
ثالثًا: التشبيه ينقسم باعتبار طرفيه إلى:
- (١) ملفوف، وهو ما أتى فيه بالمشبهات أولًا على طريق
العطف، أو غيره، ثم بالمشبهات بها كذلك، كقول
الشاعر:
ليل وبدر وغصنشعر ووجه وقدخمر ودر ووردريق وثغر وخد
شبه الليل بالشعر، والبدر بالوجه، والغصن بالقد — في البيت الأول. والخمر بالريق، والدر بالثغر، والورد بالخد — في البيت الثاني. وقد ذكر المشبهات أولًا، والمشبهات بها ثانيًا، كما ترى في نظم الشاعر.
- (٢) وإلى مفروق، وهو ما أتى فيه بمشبه ومشبه به، ثم بآخر
وآخر كقول أبي نواس:
تبكي فتذري الدر من نرجسوتمسح الورد بعناب
شبه الدمع بالدر؛ لصفائه، والعين بالنرجس؛ لما فيه من اجتماع السواد بالبياض، والوجه بالورد.
- (١) ملفوف، وهو ما أتى فيه بالمشبهات أولًا على طريق
العطف، أو غيره، ثم بالمشبهات بها كذلك، كقول
الشاعر:
-
رابعًا: ينقسم التشبيه أيضًا باعتبار طرفيه إلى:
- (١) تشبيه التسوية: وهو ما تعدد فيه المشبه، كقول
الشاعر:
صدغ الحبيب وحاليكلاهما كاللياليوثغره في صفاءوأدمعي كاللآلي٢٥
شبه في الأول صدغ الحبيب وحاله هو بالليالي في السواد، وفي الثاني شبه ثغر الحبيب ودموعه باللآلي في القدر والإشراق.
- (٢) تشبيه الجمع: وهو ما تعدد فيه المشبه به، كقول
البحتري:
بات نديمًا لي حتى الصباحأغيد مجدول مكان الوشاحكأنما يبسم عن لؤلؤمنضد أو برد أو أقاح٢٦
شبه ثغره بثلاثة أشياء: باللؤلؤ، والبرد، والأقاح، وقد تقدم الكلام على هذه الأقسام.
- (١) تشبيه التسوية: وهو ما تعدد فيه المشبه، كقول
الشاعر:
(٤) المبحث الرابع: في تقسيم التشبيه باعتبار وجه الشَّبه
- (١)
تشبيه تمثيل: وهو ما كان وجه الشبه فيه وصفًا منتزعًا من متعدد، حسيًّا كان أو غير حسي، كقوله:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئهيوافي تمام الشهر ثم يغيبفوجه الشبه سرعة الفناء، انتزعه الشاعر من أحوال القمر المتعددة؛ إذ يبدو هلالًا، فيصير بدرًا، ثم ينقص، حتى يدركه المحاق، ويُسمى تشبيه التمثيل.
- (٢)
وتشبيه غير تمثيل: وهو ما لم يكن وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد، نحو: «وجهه كالبدر» ومثل قول الشاعر:
لا تطلبنَّ بآلة لك رتبةقلم البليغ بغير حظ مغزلفوجه الشبه قلة الفائدة، وليس منتزعًا من متعدد.
- (٣)
ومفصل: وهو ما ذكر فيه وجه الشبه، أو ملزومه، نحو: «طبع فريد كالنسيم رقة» و«يده كالبحر جودًا» و«كلامه كالدر حسنًا» و«ألفاظه كالعسل حلاوة»، ومثل قول ابن الرومي:
شيبه البدر حسنًا وضياءً ومنالاوشبيه الغصن لينًا وقوامًا واعتدالا - (٤)
ومجمل: وهو ما يذكر فيه وجه الشبه، ولا ما يستلزمه، نحو: «النحو في الكلام كالملح في الطعام» فوجه الشبه هو الإصلاح في كل. ومثل قوله:
إنما الدنيا كبيتنسجه من عنكبوتواعلم أن وجه الشبه المجمل إما أن يكون خفيًّا وإما أن يكون ظاهرًا، ومنه ما وصف فيه أحد الطرفين أو كلاهما بوصف يُشعر بوجه الشبه، ومنه ما ليس كذلك.
- (٥)
وقريب مبتذل: وهو ما كان ظاهر الوجه ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به، من غير احتياج إلى شدة نظر وتأمل؛ لظهور وجهه بادئ الرأي.
وذلك لكون وجهه لا تفصيل فيه، كتشبيه الخد بالورد في الحمرة، أو لكون وجهه قليل التفصيل، كتشبيه الوجه بالبدر في الإشراق أو الاستدارة، أو العيون بالنرجس.
وقد يتصرف في القريب بما يخرجه عن ابتذاله إلى الغرابة، كقول الشاعر:
لم تلقَ هذا الوجه شمسُ نهارناإلا بوجه ليس فيه حياءفإن تشبيه الوجه الحسن بالشمس مبتذل، ولكن حديث الحياء أخرجه إلى الغرابة.
وقد يخرج وجه الشبه من الابتذال إلى الغرابة؛ وذلك بالجمع بين عدة تشبيهات كقول الشاعر:
كأنما يبسم عن لؤلؤمنضد أو برد أو أقاحأو باستعمال شرط، كقوله:
عزماته مثل النجوم ثواقبًالو لم يكن للثاقبات أفول - (٦)
وبعيد غريب: وهو ما احتاج في الانتقال من المشبه إلى المشبه به إلى فكر وتدقيق نظر؛ لخفاء وجهه بادئ الرأي، كقوله:
والشمس كالمرآة في كف الأشل«فإن الوجه فيه» هو الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق، والحركة السريعة المتصلة مع تموج الإشراق، حتى ترى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة، ثم يبدو له فيرجع إلى الانقباض.
وحكم وجه المشبه أن يكون في المشبه به أقوى منه في المشبه، وإلا فلا فائدة في التشبيه.
تمرين
بيِّن أركان التشبيه وأقسام كل منها فيما يلي:
(٥) قالت أعرابية تصف بنيها: «هم كالحلقة المفرغة لا يُدْرى أين طرفاها.»
(٧) قال علي كرم الله وجهه: «مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه.»
(٨) قال صاحب كليلة ودمنة: «الدنيا كالماء الملح، كلما ازددت منه شربًا ازددت عطشًا.»
(٥) المبحث الخامس: في تشبيه التمثيل
تشبيه التمثيل: أبلغ من غيره؛ لما في وجهه من التفصيل الذي يحتاج إلى إمعان فكر، وتدقيق نظر، وهو أعظم أثرًا في المعاني: يرفع قدرها، ويضاعف قواها في تحريك النفوس لها، فإن كان مدحًا كان أوقع، أو ذمًّا كان أوجع، أو برهانًا كان أسطع؛ ومن ثم يحتاج إلى كد الذهن في فهمه؛ لاستخراج الصورة المنتزعة من أمور متعددة، حسية كانت أو غير حسية؛ لتكون «وجه الشبه» كقول الشاعر:
فمثل الشمس حين تطلع حمراء لامعة مضطربة بمرآة من ذهب تضطرب في كف ترتعش.
- الأول: ما كان ظاهر الأداة، نحو: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، فالمشبه هم الذين حملوا التوراة ولم يعقلوا ما بها، والمشبه به «الحمار» الذي يحمل الكتب النافعة، دون استفادته منها، والأداة الكاف، ووجه الشبه «الهيئة الحاصلة من التعب في حمل النافع دون فائدة».
- الثاني: ما كان خفي الأداة، كقولك للذي يتردد في الشيء بين أن يفعله وألا
يفعله «أراك تقدِّم رجلًا وتؤخِّر أخرى»؛ إذ الأصل: أراك في ترددك
مثل من يقدم رجلًا مرة، ثم يؤخرها مرة أخرى.
فالأداة محذوفة، ووجه الشبه هيئة الإقدام والإحجام المصحوبين بالشك.
(٥-١) مواقع تشبيه التمثيل
- (١) أن يكون في مفتتح الكلام، فيكون قياسًا موضحًا، وبرهانًا مصاحبًا، وهو كثير جدًّا في القرآن، نحو: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ.
- (٢)
ما يجيء بعد تمام المعاني؛ لإيضاحها وتقريرها، فيشبه البرهان الذي تثبت به الدعوى، نحو:
وما المال والأهلون إلا ودائعولا بد يومًا أن تُرد الودائعونحو:
لا ينزل المجد إلا في منازلناكالنوم ليس له مأوى سوى المقل
(٥-٢) تأثير تشبيه التمثيل في النفس
- (١)
إما دليلًا على إمكانها، كقول المتنبي:
وما أنا منهم بالعيش فيهمولكن معدن الذهب الرغام٣٤ - (٢)
وإما تأييدًا للمعنى الثابت، نحو:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكهاإن السفينة لا تجري على اليبسوعلة هذا أن النفس تأنس إذا أخرجتها من خفي إلى جلي، ومما تجهله إلى ما هي به أعلم؛ ولذا تجد النفس من الأريحية ما لا تقدُر قدره، إذا سمعت قول أبي تمام:
وطول مقام المرء في الحي مخلقلديباجتيه فاغترب تتجدَّد٣٥فإني رأيت الشمس زيدت محبةإلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
وبعدُ: فالتمثيل يُكسب القول قوة، فإن كان في المدح كان أهز للْعِطْف، وأنبل في النفس، وإن كان في الذم كان وقعه أشد، وإن كان وعظًا كان أشفى للصدر، وأبلغ في التنبيه والزجر، وإن كان افتخارًا كان شأوه أبعد، كقول من وصف كأسًا علاها الحباب:
(٦) المبحث السادس: في أدوات التشبيه٣٦
أدوات التشبيه: هي ألفاظ تدل على المماثلة: كالكاف، وكأن، ومثل، وشبه، وغيرها مما يؤدي معنى التشبيه: كيحكي، ويضاهي، ويضارع، ويماثل، ويساوي، ويشابه، وكذا أسماء فاعلها.
فأدوات التشبيه بعضها اسم، وبعضها فعل، وبعضها حرف.
وهي إما ملفوظة ملحوظة، نحو: «جمال كالبدر» و«أخلاقه في الرقة النسيم»، ونحو: «اندفع الجيش اندفاع السيل»؛ أي: كاندفاعه.
والأصل في «كأن، وشابه، وماثل، وما يرادفها» أن يليها المشبه، مثل قوله:
وكأن تفيد التشبيه إذا كان خبرها جامدًا، نحو: كأن البحر مرآة صافية.
وقد تفيد الشك إذا كان خبرها مشتقًّا، نحو: «كأنك فاهم».
ومثل قوله:
وقد يغني عن أداة التشبيه «فعل» يدل على حال التشبيه، ولا يعتبر أداة.
فإن كان «الفعل لليقين» أفاد قرب المشابهة؛ لما في فعل اليقين من الدلالة على تيقين الاتحاد وتحققه، وهذا يفيد التشبيه مبالغة، نحو: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا.
ونحو: رأيت الدنيا سرابًا غَرَّارًا.
وإن كان «الفعل للشك» أفاد بعدها؛ لما في فعل الرجحان من الإشعار بعدم التحقق، وهذ يُفيد التشبيه ضعفًا، نحو: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا. وكقوله:
ونحو قوله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ.
ونحو قوله تعالى: وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ.
وكقول الشاعر:
(٧) المبحث السابع: في تقسيم التشبيه باعتبار أداته
- (أ) التشبيه المرسل:٣٨ وهو ما ذُكرت فيه الأداة، كقول الشاعر:إنما الدنيا كبيتنسجه من عنكبوت
- (ب)
التشبيه المؤكد: وهو ما حُذفت منه أداته، نحو: «يسجع سجع القمري»، وكقول الشاعر:
وأنت نجم في رفعة وضياءتجتليك العيون شرقًا وغرباومن المؤكد ما ضيف فيه المشبه به إلى المشبه، كقول الشاعر:
والريح تعبث بالغصون وقد جرىذهب الأصيل على٣٩ لجين الماءأي: أصيل كالذهب على ماء كاللجين.
والمؤكد أوجز، وأبلغ، وأشد وقعًا في النفس.
أما إنه أوجز فلحذف أداته، وأما إنه أبلغ فلإيهامه أن المشبه عين المشبه به.
(٧-١) التشبيه بالبليغ
(ﺟ) التشبيه بالبليغ: ما بلغ درجة القبول لحسنه أو الطيب الحسن، فكلما كان وجه الشبه قليل الظهور، يحتاج في إدراكه إلى إعمال الفكر، كان ذلك أفعل في النفس، وأدعى إلى تأثرها واهتزازها؛ لما هو مركوز في الطبع من أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له والاشتياق إليه ومعاناة الحنين نحوه؛ كان نيله أحلى وموقعه في النفس أجل وألطف، وكانت به أضمن وأشغف. وما أشبه هذا الضرب من المعاني بالجوهر في الصدف، لا يبرز إلا أن تشقه عنه، وبالحبيب المتحجب لا يريك وجهه حتى تستأذن.
وسبب هذه التسمية أنَّ ذِكر «الطرفين» فقط يُوهم اتحادهما، وعدم تفاضلهما، فيعلو المشبه إلى مستوى المشبه به، وهذه هي المبالغة في قوة التشبيه.
ونحو:
(٨) المبحث الثامن: في فوائد التشبيه
- (١)
بيان حاله؛ وذلك حينما يكون المشبه مبهمًا غير معروف الصفة التي يراد إثباتها له قبل التشبيه، فيفيده التشبيه الوصف، ويوضحه المشبه به، نحو: «شجر النارنج كشجر البرتقال». ومثل قول الشاعر:
إذا قامت لحاجتها تثنتكأن عظامها من خيزرانشبه عظامها بالخيزران بيانًا لما فيها من اللين.٤١ - (٢)
أو بيان إمكان حاله، وذلك حين يسند إليه أمر مستغرب لا تزول غرابته إلا بذكر شبيه له، معروف واضح مسلم به؛ ليثبت في ذهن السامع ويقرر، مثل قوله:
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضتوقع السهام ونزعهن أليمشبه نظرها بوقع السهام، وشبه إعراضها بنزعها؛ بيانًا لإمكان إيلامها بها جميعًا.
- (٣)
أو بيان مقدار حال المشبه في القوة والضعف؛ وذلك إذا كان المشبه معلومًا معروف الصفة التي يُراد إثباتها له معرفة إجمالية قبل التشبيه، بحيث يُراد من ذلك التشبيه بيان مقدار نصيب المشبه من هذه الصفة؛ وذلك بأن يعمد المتكلم لأن يبين للسامع ما يعنيه من هذا المقدار، مثل قوله:
كأنَّ مشيتها من بيت جارتهامر السحابة لا ريث ولا عجلوكتشبيه الماء بالثلج في شدة البرودة، ومثل قوله:
فيها اثنتان وأربعون حلوبةسودًا كخافية الغراب الأسحمشبه النياق السود بخافية الغراب؛ بيانًا لمقدار سوادها، فالسواد صفة مشتركة بين الطرفين.
- (٤) أو تقرير حال المشبه، وتمكينه في ذهن السامع، بإبرازها فيما هي فيه أظهر،٤٢ كما إذا كان ما أُسند إلى المشبه يحتاج إلى التثبيت والإيضاح، فتأتي بمشبه حسي قريب التصور، يزيد معنى المشبه إيضاحًا؛ لما في المشبه به من قوة الظهور والتمام، نحو: «هل دولة الحسن إلا كدولة الزهر؟» و«هل عمر الصبا إلا أصيل أو سحر؟» ومثل قوله:إن القلوب إذا تنافر وُدُّهامثل الزجاجة كسرُها لا يُجْبَر٤٣
شبه تنافر القلوب بكسر الزجاجة؛ تثبيتًا لتعذر عودة القلوب إلى ما كانت عليه من الأنس والمودة.
- (٥)
أو بيان إمكان وجود المشبه، بحيث يبدو غريبًا يستبعد حدوثه والمشبه به يزيل غرابته، ويبين أنه ممكن الحصول، مثل قوله:
فإن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ منهمفإن المِسك بعضُ دَمِ الغزالِ٤٤ - (٦)
أو مدحه وتحسين حاله؛ ترغيبًا فيه، أو تعظيمًا له، بتصويره بصورة تهيج في النفس قوى الاستحسان، بأن يعمد المتكلم إلى ذكر مشبه به مُعجب، قد استقر في النفس حسنه وحبه، فيصوِّر المشبه بصورته، كقوله:
وزاد بك الحسن البديع نضارةكأنك في وجه الملاحة خالونحو:
كأنك شمس والملوك كواكبإذا طلعْتَ لم يَبْدُ منهن كوكبوقوله:
سبقتْ إليك من الحدائق وردةٌوأتتك قبل أوانها تطفيلاطمعت بلثمك إذ رأتك فجمعتفمها إليك كطالب تقبيلاوقوله:
له خال على صفحات خدكنقطة عنبر في صحن مرمروألحاظ كأسياف تناديعلى عاصي الهوى الله أكبر - (٧)
أو تشويه المشبه وتقبيحه؛ تنفيرًا منه أو تحقيرًا له، بأن تصوِّره بصورة تمجُّها النفس، ويشمئز منها الطبع، كقوله:
وإذا أشار محدِّثًا فكأنهقرد يقهقه أو عجوز تلطموقوله:
وترى أناملها دبت على مزمارهاكخنافس دبت على أوتار - (٨)
أو استطرافه — أي عدُّه طريفًا حديثًا — بحيث يجيء المشبه به طريفًا، غير مألوف للذهن؛ إما لإبرازه في صورة الممتنع عادة، كما في تشبيه «فحم فيه جمر متقد ببحر من المسك موجه الذهب» وقوله:
وكأن مُحْمَرَّ الشقيقإذا تصوَّب أو تصعَّدأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجدوإما لِنُدور حضور المشبه به في الذهن عند حضور المشبه، كقوله:
انظرْ إليه كزورق من فِضةقد أثقلتْه حمولةٌ من عنبر٤٥
(٨-١) تشبيه على غير طرقه الأصلية
التشبيه الضمني
هو تشبيه لا يُوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمح المشبه والمشبه به، ويفهمان من المعنى، ويكون المشبه به دائمًا برهانًا على إمكان ما أُسند إلى المشبه، كقول المتنبي:
أي: إن الذي اعتاد الهوان يسهل عليه تحمله، ولا يتألم له، وليس هذا الادعاء باطلًا؛ لأن الميت إذا جُرح لا يتألم، وفي ذلك تلميح بالتشبيه في غير صراحة، وليس على صورة من صور التشبيه المعروفة، بل إنه «تشابه» يقتضي التساوي، وأما «التشبيه» فيقتضي التفاوت.
والقبيح المردود: هو ما لم يفِ بالغرض المطلوب منه؛ لعدم وجود وجه بين المشبه والمشبه به، أو مع وجوده لكنه بعيد.
التشبيه المقلوب
شبه غرَّة الصبَّاح بوجه الخليفة؛ إيهامًا أنه أتم منها في وجه الشبه. وكقول البحتري في وصف بِرْكة المتوكل:
وهذا التشبيه مظهر من مظاهر الافتتان والإبداع، كقوله تعالى حكاية عن الكفار: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا في مقام أن الربا مثل البيع، عكسوا ذلك لإيهام أن الربا عندهم أحل من البيع؛ لأن الغرض الربح، وهو أثبت وجودًا في الربا منه في البيع، فيكون أحق بالحل عندهم.
(٩) المبحث التاسع: في تقسيم التشبيه باعتبار الغرض إلى مقبول وإلى مردود
ينقسم التشبيه باعتبار الغرض إلى حسن مقبول، وإلى قبيح مردود.
فالحسن المقبول: هو ما وفَى بالأغراض السابقة: كأن يكون المشبه به أعرف من المشبه في وجه الشبه، إذا كان الغرض بيان حال المشبه، أو بيان المقدار، أو أن يكون أتم شيء في وجه الشبه إذا قُصد إلحاق الناقص بالكامل، أو أن يكون في بيان الإمكان مسلم الحكم، ومعروفًا عند المخاطب، إذا كان الغرض بيان إمكان الوجود، وهذا هو الأكثر في التشبيهات؛ إذ هي جارية على الرشاقة، سارية على الدقة والمبالغة. ثم إذا تساوى الطرفان في وجه التشبيه عند بيان المقدار كان التشبيه كاملًا في القبول، وإلا فكلما كان المشبه به أقرب في المقدار إلى المشبه كان الشبه أقرب إلى الكمال والقبول.
تنبيهات
-
الأول: بعض أساليب التشبيه أقوى من بعض في المبالغة، ووضوح الدلالة ولها
مراتب ثلاثة:
- (أ) أعلاها وأبلغها: ما حُذف فيها الوجه والأداة، نحو: «على أسد»؛ وذلك أنك ادعيت الاتحاد بينهما بحذف الأداة، وادعيت التشابه بينهما في كل شيء بحذف الوجه؛ ولذا سُمي هذا تشبيهًا بليغًا.
- (ب) المتوسطة: ما تُحذف فيها الأداة وحدها، كما تقول: «علي أسد شجاعة» أو يُحذف فيها وجه الشبه، فتقول: «علي كالأسد». وبيان ذلك أنك بذكرك الوجه حصرت التشابه، فلم تدع للخيال مجالًا في الظن بأن التشابه في كثير من الصفات، كما أنك بذكر الأداة نصصت على وجود التفاوت بين المشبه والمشبه به، ولم تترك بابًا للمبالغة.
- (جـ) أقلها: ما ذُكر فيها الوجه والأداة، وحينئذ فقدت المزيتين السابقتين.
-
الثاني: قد يكون الغرض من التشبيه حسنًا جميلًا؛ وذلك هو النمط الذي تسمو
إليه نفوس البلغاء، وقد أتوا فيه بكل حسن بديع، كقول ابن نُباتة في
وصف فرس أغرَّ مُحَجَّل:
وكأنما لَطَمَ الصباح جبينهفاقتص منه فخاض في أحشائه
وقد لا يوفق المتكلم إلى وجه الشبه، أو يصل إليه مع بعد، وما أخلق مثل هذا النوع بالاستكراه وأحقه بالذم! لما فيه من القبح والشناعة، بحيث ينفر منه الطبع السليم.
-
الثالث: عُلم مما سبق أن أقسام التشبيه من حيث الوجه والأداة
كالآتي:
- (١) التشبيه المرسل: هو ما ذُكرت فيه الأداة.
- (٢) التشبيه المؤكد: هو ما حُذفت منه الأداة.
- (٣) التشبيه المجمل: هو ما حُذف منه وجه الشبيه.
- (٤) التشبيه المفصَّل: هو ما ذُكر فيه وجه الشبه.
- (٥) التشبيه البليغ: هو ما حُذفت منه الأداة، ووجه الشبه،٥٠ وهو أرقى أنواع التشبيه بلاغة، وقد تقدم الكلام عليه مستوفًى.
- (٦) التشبيه الضمني: هو تشبيه لا يُوضع فيه المشبه
والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمح
المشبه والمشبه به، ويُفهمان من المعنى، نحو:
علا فما يستقر المال في يدهوكيف تمسك ماء قنة الجبل
فالمشبه الممدوح، وهو ضمير «علا»، والمشبه به «قنة الحبل»، ووجه الشبه عدم الاستقرار، والأداة محذوفة أيضًا.
وهذا النوع يُؤتى به؛ ليفيد أن الحكم الذي أُسند إلى المشبه ممكن.٥١
أسئلة تطلب أجوبتها
ما هو علم البيان لغة واصطلاحًا؟ ما هو التشبيه؟ ما أركان التشبيه؟ طرفا التشبيه حسيان أم عقليان؟ ما المراد بالحسي؟ ما هو التشبيه الخيالي؟ ما المراد بالعقلي؟ ما هو التشبيه الوهمي؟ ما هو وجه الشبه؟ ما هي أدوات التشبيه؟ هل الأصل في أدوات التشبيه أن يليها المشبه أو المشبه به؟ متى تفيد كأن التشبيه؟ ما هو التشبيه البليغ؟ ما هو التشبيه الضمني؟ ما هو التشبيه المرسل؟ كم قسمًا للتشبيه باعتبار طرفيه؟ كم قسمًا للتشبيه باعتبار تعدد طرفيه؟ ما هو التشبيه الملفوف؟ ما هو التشبيه المفروق؟ ما هو تشبيه التسوية؟ ما هو تشبيه الجمع؟ كم قسمًا للتشبيه باعتبار وجه الشبه؟ ما هو تشبيه التمثيل؟ ما هو تشبيه غير التمثيل؟ ما هو التشبيه المفصل؟ ما هو التشبيه المجمل؟ كما قسمًا للتشبيه باعتبار الغرض منه؟
تطبيق عام على أنواع التشبيه
«اشتريت ثوبًا أحمر كالورد» في هذه الجملة تشبيه مرسل مفصل، المشبه ثوبًا، والمشبه به هو الورد، وهما حسيان مفردان، والأداة الكاف، ووجه الشبه الحمرة في كلٍّ، والغرض منه بيان حال المشبه.
«الأرض ياقوتة» تشبيه بليغ مجمل، المشبه الأرض، والمشبه به ياقوتة، وهما حسيان مفردان، ووجه الشبه محذوف وهو الخضرة في كل، والأداة محذوفة، والغرض منه تحسينه.
والجو لؤلؤة، والنبت فيروزج، والماء بلور؛ كذلك.
وفي البيت كله تشبيه مفروق؛ لأنه أتى بمشبه ومشبه به، وآخر وآخر.
فيه تشبيه تسوية مرسل مفصل، المشبه العمر والإنسان والدنيا، والمشبه به الظل، والمشبه بعضه حسي، وبعضه عقلي، والمشبه به حسي، والكاف الأداة، ووجه الشبه الإقبال والإدبار، والغرض تقرير حاله في نفس السامع.
في البيت تشبيه جمع مرسل مجمل، المشبه نعمة، والمشبه به فرس يهرول، أو نسيم ساري، وهما حسيان، وكأن الأداة، ووجه الشبه السرعة في كل، والغرض منه بيان مقدار حاله.
فيه تشبيه بليغ مجمل ملفوف، المشبه شعر وهو حسي، والمشبه به ليل، وهو عقلي، والأداة محذوفة، ووجه الشبه السواد في كل، والغرض منه بيان مقدار حاله.
وفي الثاني: المشبه وجه، والمشبه به بدر، وهما حسيان، ووجه الشبه الشبه الحسن في كل، والأداة محذوفة، والغرض تحسينه.
وفي الثالث: المشبه قَد، والمشبه به غصن، وهما حسيان، ووجه الشبه الاعتدال في كل، والأداة محذوفة، والغرض بيان مقداره، هذا هذا، وإن شئت فقل: هذا «تشبيه مقلوب» بجعل المشبه به مشبهًا، والمشبه مشبهًا به؛ لغرض المبالغة، بأن الليل مشبهًا، والشعر مشبهًا به.
فيه تشبيه تمثيل مرسل مجمل، المشبه هيئة الثريا الحاصلة من اجتماع أجرام مشرقة مستديرة منيرة، والمشبه هيئة عنقود العنب المنور، والجامع الهيئة الحاصلة من اجتماع أجرام منيرة مستديرة في كلٍّ، والأداة الكاف، والغرض منه بيان حاله.
تمرين
بيِّن أنواع التشبيه فيما يأتي:
تمرين آخر
لبيان أنواع التشبيه البليغ، والضمني، والتمثيل، والمقلوب، والمؤكد، والمفصَّل، والمجمل.
(٢٧) قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ.
(٣٠) قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ.
(٣١) وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا.
(٣٢) وقال تعالى: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ.
(٩-١) بلاغة التشبيه٥٨ وبعض ما أُثِرَ منه عن العرب والمحدثين
تنشأ بلاغة التشبيه من أنه ينتقل بك من الشيء نفسه إلى شيء طريف يُشبهه، أو صورة بارعه تُمثله، وكلما كان هذا الانتقال بعيدًا، قليل الخطور بالبال، أو ممتزجًا بقليل أو كثير من الخيال — كان التشبيه أروع للنفس، وأدعى إلى إعجابها واهتزازها.
فإذا قلت: فلان يشبه فلانًا في الطول، أو أن الأرض تشبه الكرة في الشكل، لم يكن في هذه التشبيهات أثر للبلاغة؛ لظهور المشابهة، وعدم احتياج العثور عليها إلى براعة، وجهد أدبي، ولخلوِّها من الخيال.
وهذا الضرب من التشبيه يُقْصَد به البيان والإيضاح، وتقريب الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يُستعمل في العلوم والفنون.
ولكنك تأخذك روعة التشبيه حينما تسمع قول المعري يصف نجمًا:
فإن تشبيه لمحات النجم وتألقه مع احمرار ضوئه بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة، التي لا تنقاد إلا لأديب، ومن ذلك قول الشاعر:
فإن جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر، وحِذقه في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالة النجوم في رقعة الليل بحال السنن الدينية الصحيحة، متفرقة بين البدع الباطلة.
ولهذا التشبيه روعة أخرى، جاءت من أن الشاعر تخيل أن السنن مضيئة لمَّاعة، وأن البدع مظلمة قاتمة.
ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي:
يدعو الشاعر على نفسه بالبلى والفناء إذا هو لم يقف بالأطلال؛ ليذكر عهد من كانوا بها، ثم أراد أن يصوِّر لك هيئة وقوفه، فقال: «كما يقف شحيح فقد خاتمه في التراب» من كان يوفق إلى تصوير حال الذَّاهل المتحير المحزون المطرق برأسه، المنتقل من مكان إلى مكان في اضطراب ودهشة — بحال شحيح فقد في التراب خاتمًا ثمينًا.
هذه بلاغة التشبيه من حيث مبلغ طرافته، وبُعد مرماه، ومقدار ما فيه من خيال.
أما بلاغته من حيث الصورة الكلامية التي يُوضع فيها، فمتفاوته أيضًا.
فأقل التشبيهات مرتبة في البلاغة ما ذُكرت أركانه جميعها؛ لأنَّ بلاغة التشبيه مبنية على ادعاء أنَّ المشبه عين المشبه به، ووجود الأداة، ووجه الشبه معًا — يحولان دون هذا الادعاء، فإذا حذفت الأداة وحدها، أو وجه الشبه وحده، ارتفعت درجة التشبيه في البلاغة قليلًا؛ لأن حذف أحد هذين يقوي ادعاء اتحاد المشبه والمشبه به بعض التقوية، أما أبلغ أنواع التشبيه «فالتشبيه البليغ»؛ لأنه مبني على ادعاء أن المشبه والمشبه به شيء واحد.
هذا؛ وقد جرى العرب والمحدثون على تشبيه الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأسد، والوجه الحسن بالشمس والقمر، والشهم الماضي في الأمور بالأحلام، والوجه الصبيح بالدينار، والشعر الفاحم بالليل، والماء بالسيف، والعالي المنزلة بالنجم، والحليم الرزين بالجبل، والأماني الكاذبة بالعنقاء، والماء الصافي باللُّجَيْنِ، والليل بموج البحر، والجيش بالبحر الزَّاخر، والخيل بالريح والبرق، والنجوم بالدرر والأزهار، والأسنان بالبرد واللؤلؤ، والسفن بالجبال، والجداول بالحيَّات الملتوية، والشيب بالنهار، ولمع السيوف وغرَّة الفرس بالهلال. ويشبِّهون الجبان بالنَّعامة والذبابة، واللئيم بالثعلب، والطائش بالفَراش، والذليل بالوتد، والقاسي بالحديد والصخر، والبليد بالحمار، والبخيل بالأرض المجدبة.
هوامش
ويُشترط في القيد أن يكون له تأثير وجه الشبه؛ ولهذا جُعل قوله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ من باب تشبيه المفرد بالمفرد بلا قيد، ونحو: «التعلم في الصغر كالنقش في الحجر».
«أما الواحد» فالحسي منه كالحمرة في تشبيه الخد بالورد، والعقلي كالنفع في تشبيه العلم بالحياة.
و«أما المركب» فالحسي منه قد يكون مفرد الطرفين، كما في قوله:
وأما المتعدد فالحسي منه كما في قوله:
واعلم أن الحسي لا يكون طرفاه إلا حسيين، وأما العقلي فلا يلزمه كونهما عقليين؛ لأن الحسي يُدرك بالفعل، خلافًا للعقلي فإنه لا يُدرك بالحس.
وإنما يحسن في عكس المعنى المتعارف، كقول البحتري: