الباب الثاني

في المجاز١

المجاز مشتق من جاز الشيء يجوزه إذا تعدَّاه، سمَّوا به اللفظ الذي نُقِلَ من معناه الأصلي واستُعْمِل؛ ليدل على معنى غيره، مناسب له.

والمجاز: من أحسن الوسائل البيانية التي تهدي إليها الطبيعة؛ لإيضاح المعنى؛ إذ به يخرج المعنى متصفًا بصفة حسية، تكاد تعرضه على عيان السامع؛ لهذا شُغفت العرب باستعمال «المجاز» لميلها إلى الاتساع في الكلام، وإلى الدلالة على كثرة معاني الألفاظ، ولما فيه من الدقة في التعبير، فيحصل للنفس به سرور وأريحيَّة، ولأمر ما كثر في كلامهم، حتى أتوا فيه بكل معنًى رائق، وزينوا به خطبهم وأشعارهم.

وفي هذا الباب مباحث:

(١) المبحث الأول: في تعريف المجاز وأنواعه

المجاز: هو اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له في اصطلاح التخاطب لعلاقة، مع قرينة٢ مانعة من إرادة المعنى الوضعي.
والعلاقة: هي المناسبة٣ بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، قد تكون «المشابهة» بين المعنيين، وقد تكون غيرها.

فإذا كانت العلاقة «المشابهة» فالمجاز «استعارة» وإلا فهو «مجاز مرسل».

والقرينة: وهي المانعة من إرادة المعنى الحقيقي قد تكون لفظية، وقد تكون حالية، كما سيأتي.

وينقسم المجاز إلى أربعة أقسام: مجاز مفرد مرسل، ومجاز مفرد بالاستعارة (ويجريان في الكلمة) ومجاز مركب مرسل، ومجاز مركب بالاستعارة (ويجريان في الكلام)، ومتى أطلق المجاز انصرف إلى «المجاز اللغوي».

وأنواع المجاز كثيرة: أهمها «المجاز المرسل» وهو المقصود بالذات، وسيأتي مجاز يسمَّى «المجاز العقلي» ويجري في الإسناد.

(٢) المبحث الثاني: في المجاز اللغوي المفرد المرسل٤ وعلاقاته

المجاز المفرد المرسل: هو الكلمة المستعملة قصدًا في غير معناها الأصلي لملاحظة علاقة غير «المشابهة» مع قرينة دالة على عدم إرادة المعنى الوضعي.

وله علاقات كثيرة، أهمها:
  • (١)
    السَّببيَّة: وهي كون الشيء المنقول عنه سببًا، ومؤثرًا في غيره؛ وذلك فيما إذا ذكر لفظ السبب، وأريد منه المُسَبَّب، نحو: «رعت الماشية الغيث»؛ أي: النبات؛ لأن الغيث؛ أي «المطر»، سبب فيه.٥

    وقرينته «لفظية» وهي «رعَتْ»؛ لأن العلاقة تعتبر من جهة المعنى المنقول عنه.

    ونحو: «لفلان عليَّ يدٌ» تريد باليد النِّعمة؛ لأنها سبب فيها.

  • (٢)
    والمسببة: هي أن يكون المنقول عنه مسببًا وأثرًا لشيء آخر؛ وذلك فيما إذا ذُكِرَ لفظ المسبب، وأريد منه السَّبب، نحو: وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا؛ أي: مطرًا يسبِّب الرزق.
  • (٣)
    والكلِّيَّة: هي كون الشيء متضمنًا للمقصود ولغيره؛ وذلك فيما إذا ذُكر لفظ الكل وأريد منه الجزء، نحو: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ؛ أي أناملهم والقرينة «حالية» وهي استحالة إدخال الأصبع كلِّه في الأذن.

    ونحو: «شربت ماء النيل» والمراد بعضه، بقرينة شربت.

  • (٤)
    والجزئية: هي كون المذكور ضمن شيء آخر؛ وذلك فيما إذا ذُكر لفظ الجزء، وأريد منه الكل، مثل قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

    ونحو: «نشر الحاكم عيونه في المدينة»؛ أي الجواسيس، فالعيون مجاز مرسل، علاقته «الجزئية»؛ لأن كل عين جزء من جاسوسها، والقرينة الاستمالة.

  • (٥)

    واللازميَّة: هي كون الشيء يجب وجوده، عند وجود شيء آخر، نحو: «طلع الضوء»؛ أي الشمس، فالضوء مجاز مرسل، علاقته «اللازميَّة»؛ لأنه يوجد عند وجود الشمس، والمعتبر هنا اللزوم الخاص، وهو عدم الانفكاك.

  • (٦)

    والملزومية: هي كون الشيء يجب عند وجوده وجود شيء آخر، نحو: «ملأت الشمس المكان»؛ أي الضوء، فالشمس مجاز مرسل، علاقته «الملزومية»؛ لأنها متى وُجدت وُجد الضوء، والقرينة «ملأت».

  • (٧)
    والآليَّة: هي كون الشيء واسطة لإيصال أثر شيء إلى آخر؛ وذلك فيما إذا ذُكر اسم الآلة، وأريد الأثر الذي ينتج عنه، نحو: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ؛ أي ذكرًا حسنًا «فلسان» بمعنى «ذكر حسن» مجاز مرسل، علاقته «الآليَّة»؛ لأن اللِّسان آلة في الذكر الحسن.
  • (٨)

    والتقييد ثم الإطلاق: هو كون الشيء مقيدًا بقيد أو أكثر، نحو: «مِشْفر زيد مجروح» فإن المِشْفَر لغة: شفة البعير، ثم أُريد هنا مطلق شفة، فكان في هذا منقولًا عن المقيد إلى المطلق، وكان مجازًا مرسلًا علاقته التقييد، ثم نُقِل من مطلق شفة إلى شفة الإنسان، فكان مجازًا مرسلًا بمرتبتين، وكانت علاقته «التقييد والإطلاق».

  • (٩)
    والعموم: هو كون الشيء شاملًا لكثير، نحو قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ؛ أي «النبي» ، فالناس مجاز مرسل، علاقته العموم، ومثله قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ فإن المراد من الناس واحد، وهو «نعيم بن مسعود الأشجعي».
  • (١٠)

    والخصوص: هو كون اللفظ خاصًّا بشيء واحد، كإطلاق اسم الشخص على القبيلة، نحو: ربيعة وقريش.

  • (١١)
    واعتبار ما كان: هو النظر إلى الماضي؛ أي تسمية الشيء باسم ما كان عليه، نحو: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ؛ أي الذين كانوا يتامى، ثم بلغوا، فاليتامى: مجاز مرسل علاقته «اعتبار ما كان»، وهذا إذا جرينا على أن دلالة الصفة على الحاضر حقيقته، وعلى ما عداه مجاز.
  • (١٢)
    واعتبار ما يكون: هو النظر إلى المستقبل؛ وذلك فيما إذا أُطلق اسم الشيء على ما يئول إليه، كقوله تعالى: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا؛ أي عصيرًا يئول أمره إلى خمر؛ لأنه حال عصره لا يكون خمرًا، فالعلاقة هنا: «اعتبار ما يئول إليه».
    ونحو: وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا والمولود حين يُولد لا يكون فاجرًا ولا كافرًا، ولكنه قد يكون كذلك بعد الطفولة، فأطلق المولود الفاجر، وأريد به الرجل الفاجر، والعلاقة «اعتبار ما يكون».
  • (١٣)
    والحالية: هي كون الشيء حالًا في غيره؛ وذلك فيما إذا ذكر لفظ الحال وأريد المحل لما بينهما من الملازمة، نحو: فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فالمراد من «الرحمة» الجنة التي تحل فيها رحمة الله، ففيه مجاز مرسل، علاقته «الحالية».
    وكقوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ؛ أي لباسكم؛ لحلول الزينة فيه، فالزينة حال واللباس محلها، ونحو: وأرى بياضًا يظهر ويختفي، وأرى حركة تعلو وتسفل.
  • (١٤)
    والمحلية: هي كون الشيء يحمل فيه غيره؛ وذلك فيما إذا ذكر لفظ المحل وأريد به الحال فيه، كقوله تعالى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ والمراد من يحل في النادي.
    وكقوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ؛ أي ألسنتهم؛ لأن القول لا يكون عادة إلا بها.
  • (١٥)
    والبدلية: هي كون الشيء بدلًا عن شيء آخر، كقوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ والمراد: الأداء.
  • (١٦)

    والمبدلية: هي كون الشيء مبدلًا منه شيء آخر، نحو: «أكلت دم زيد»؛ أي ديته، فالدم «مجاز مرسل» علاقته «المبدلية»؛ لأن الدم مبدل عنه «الدية».

  • (١٧)

    والمجاورة: هي كون الشيء بدلًا عن شيء آخر، نحو: «كلمت الجدار والعامود»؛ أي الجالس بجوارهما، فالجدار والعامود مجازان مرسلان علاقتهما «المجاورة».

  • (١٨)
    والتعلق الاشتقاقي: هو إقامة صيغة مقام أخرى؛ وذلك:
    • (أ)
      كإطلاق المصدر على اسم المفعول في قوله تعالى: صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ؛ أي: مصنوعه.
    • (ب)
      وكإطلاق اسم الفاعل على المصدر في قوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ؛ أي: تكذيب.
    • (جـ)
      وكإطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول في قوله: لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ؛ أي: لا معصوم.
    • (د)
      وكإطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل في قوله تعالى: حِجَابًا مَسْتُورًا؛ أي: ساترًا.

    والقرينة على مجازية ما تقدم هي ذكر ما يمنع إرادة المعنى الأصلي.

(٣) المبحث الثالث: في تعريف المجاز العقلي وعلاقاته٦

المجاز العقلي: هو إسناد الفعل أو ما في معناه «من اسم فاعل أو اسم مفعول أو مصدر» إلى غير ما هو له في الظاهر من المتكلم؛ لعلاقة مع قرينة تمنع من أن يكون الإسناد إلى ما هو له.

(٣-١) أشهر علاقات المجاز العقلي

  • (١)

    الإسناد إلى الزمان، نحو: «من سره زمن ساءته أزمان» أسند الإساءة والسرور إلى الزمن، وهو لم يفعلهما، بل كانا واقعين فيه على سبيل المجاز.

  • (٢)
    الإسناد إلى المكان، نحو: وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فقد أسند الجري إلى الأنهار، وهي أمكنة للمياه، وليست جارية بل الجاري ماؤها.
  • (٣)

    الإسناد إلى السبب، نحو:

    إني لمن معشر أفنى أوائلهم
    قيل الكماة: ألا أين المحامونا؟

    فقد نُسِب الإفناء إلى قول الشجعان: هل من مبارز؟ وليس ذلك القول بفاعل له، ومؤثر فيه، وإنما هو سبب فقط.

  • (٤)

    الإسناد إلى المصدر، كقول أبي فراس الحمداني:

    سيذكرني قومي إذا جدَّ جدُّهم
    وفي الليلة الظلماء يُفتقَد البدر

    فقد أسند الجد إلى الجد — أي الاجتهاد — وهو ليس بفاعل له، بل فاعله الجاد، فأصله جد الجاد جَدًّا؛ أي: اجتهد اجتهادًا، فحُذف الفاعل الأصلي وهو الجاد، وأُسند الفعل إلى الجد.

  • (٥)

    إسناد ما بُني للفاعل إلى المفعول، نحو: «سرني حديث الوامق» فقد استعمل اسم الفاعل، وهو الوامق؛ أي «المحب» بدل الموموق؛ أي: المحبوب، فإن المراد: سُررت بمحادثة المحبوب.

  • (٦)

    إسناد ما بُني للمفعول إلى الفاعل، نحو: «جعلت بيني وبينك حجابًا مستورا»؛ أي سائرًا، فقد جعل الحجاب مستورًا، مع أنه هو الساتر.

تنبيهات

  • (أ)

    كما يكون هذا المجاز في الإسناد يقع في النسبة الإضافية، نحو: «جري الأنهار، وغراب البين، ومكر الليل» فنسبة الجري إلى الأنهار مجاز علاقته المكانية، ونسبة البين إلى الغراب مجاز علاقته السببية، ونسبة المكر إلى الليل مجاز علاقته الزمانية.

  • (ب)

    الفعل المبني للفاعل واسم الفاعل إذا أُسندا إلى المفعول فالعلاقة المفعولية، والفعل المبني للمجهول واسم المفعول إذا أُسندا إلى الفاعل فالعلاقة الفاعلية، واسم المفعول المستعمل في موضع اسم الفاعل مجاز علاقته الفاعلية، واسم الفاعل المستعمل في موضع اسم المفعول مجاز علاقته المفعولية.

  • (جـ)

    هذا المجاز مادة الشاعر المفلق، والكاتب البليغ، وطريق من طرق البيان لا يستغني عنها واحد منهما.

تطبيق على أشهر علاقات المجاز العام

اذكر علاقات المجاز المرسل، فيما يلي:

(١) أبا المسك أرجو منك نصرًا على العدا
وآمل عزًّا يَخْضِب البيض بالدَّم٧
(٢) ويومًا يغيظ الحاسدين وحالة
أقيم الشقا فيها مقام التنعم٨

(٣) قال الله تعالى: لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ.

(٤) ذهبنا إلى حديقة غناء.

(٥) بنى جمال عبد الناصر كثيرًا من المدارس بمصر.

(٦) تكاد عطاياه يُجَنُّ جنونها
إذا لم يعوِّذها برقية طالب٩

الإجابة

(١) عزًّا يخضب البيض بالدم.

إسناد خضب السيوف بالدم إلى ضمير العز غير حقيقي؛ لأن العز لا يخضب السيوف، ولكنه سبب القوة، وجمع الأبطال الذين يخضبون السيف بالدم، ففي العبارة مجاز عقلي، علاقته السببية.

(٢) ويومًا يغيظ الحاسدين.

إسناد غيظ الحاسدين إلى ضمير اليوم غير حقيقي، غير أن اليوم هو الزمان الذي يحصل فيه الغيظ، ففي الكلام مجاز عقلي، علاقته الزمانية.

(٣) لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ.

المعنى: لا معصوم١٠ اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله، فاسم الفاعل أسند إلى المفعول، وهذا مجاز عقلي، علاقته المفعولية.

(٤) ذهبنا إلى حديقة غناء.

غناء مشتقة من الغن، والحديقة لا تغن، وإنما الذي يغن «عصافيرها» أو ذبابها، ففي الكلام مجاز عقلي، علاقته المكانية.

(٥) بنى جمال كثيرًا من المدارس.

جمال — رئيس الجمهورية العربية المتحدة — لم يبنِ بنفسه، ولكنه أمر، ففي الإسناد مجاز عقلي، علاقته السببية.

(٦) تكاد عطاياه يُجن جنونها. إسناد الفعل إلى المصدر مجاز عقلي، علاقته المصدرية.

نموذج آخر

بيِّن المجاز العقلي واذكر علاقته فيما يلي:
  • (١)

    أهلكنا الليل والنهار.

  • (٢)

    منزل عامر بنعم الله.

  • (٣)

    أنشأ وزير التربية عدة مدارس.

  • (٤)

    مشرب عذب.

  • (٥)

    هذا يوم عصيب.

  • (٦)

    ربحت تجارتهم.

(١) في قوله: «أهلكنا الليل والنهار» مجاز عقلي، علاقته السببية، فقد نسب الإهلاك إلى الليل والنهار، مع أن فاعله هو الله تعالى، وهذان سببان فيه.

(٢) في قوله: «منزل عامر بنعم الله» مجاز عقلي، علاقته المفعولية؛ إذ قد أسند اسم الفاعل إلى المفعول في المعنى.

(٣) في قوله: «أنشأ وزير التربية عدة مدارس» مجاز عقلي، علاقته السببية؛ إذ نسب الإنشاء إلى الوزير وهو السبب فقط.

(٤) في قوله: «مشرب عذب» نسب العذوبة إلى المكان، لا إلى الماء، مجاز؛ لعلاقته المكانية.

(٥) العصيبة والشديدة خطوب اليوم وحوادثه لا هو، فوصفه بذلك وصف للزمان، فهو مجاز، علاقته الزمانية.

(٦) أسند الربح إلى التجارة، والرابح هو صاحبها لا هي، فهو مجاز، علاقته المفعولية.

(٣-٢) بلاغة المجاز المرسل١١ والمجاز العقلي

إذا تأملت أنواع المجاز المرسل والعقلي رأيت أنها في الغالب تؤدي المعنى المقصود بإيجاز، فإذا قلت: «هزم القائد الجيش» أو: «قرر المجلس كذا» كان ذلك أوجز من أن تقول: «هزم جنود القائد الجيش» أو: «قرر أهل المجلس كذا» ولا شك أن الإيجاز ضرب من ضروب البلاغة.

وهناك مظهر آخر للبلاغة في هذين المجازين، هو المهارة في تخير العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، بحيث يكون المجاز مصورًا للمعنى المقصود خير تصوير، كما في إطلاق العين على الجاسوس، والأذن على سريع التأثر بالوشاية، والخف والحافر على الجمال والخيل في المجاز المراسل. وكما في إسناد الشيء: إلى سببه، أو مكانه، أو زمانه، في المجاز العقلي.

فإن البلاغة توجب أن يختار السبب القوي، والمكان والزمان المختصان.

وإذا دققت النظر رأيت أن أغلب ضروب المجاز المرسل، والمجاز العقلي لا تخلو من مبالغة بديعة، ذات أثر في جعل المجاز رائعًا خلابًا، فإن إطلاق الكل على الجزء مبالغة، ومثله إطلاق الجزء وإرادة الكل، كما إذا قلت: «فلان فم» تريد أنه شره، يلتقم كل شيء.

ونحوه: «فلان أنف» عندما تريد أن تصفه بعظم الأنف، فتبالغ فتجعله كله أنفًا!

ومما يؤثر عن بعض الأدباء في وصف رجل أنافي١٢ قوله: «لست أدري: أهو في أنفه، أم أنفه فيه»؟

(٤) المبحث الرابع: في المجاز المفرد بالاستعارة

تمهيد

سبق أن التشبيه أول طريقة دلت عليها الطبيعة؛ لإيضاح أمر يجهله المخاطب، بذكر شيء آخر معروف عنده؛ ليقيسه عليه. وقد نتج من هذه النظرية نظرية أخرى في تراكب الكلام، ترى فيها ذكر المشبه به فقط، وتسمى هذه بالاستعارة، وقد جاءت هذه التراكب المشتملة على الاستعارة أبلغ من تراكيب التشبيه، وأشد وقعًا في نفس المخاطب؛ لأنه كلما كانت داعية إلى التحليق في سماء الخيال كان وقعها في النفس أشد، ومنزلتها في البلاغة أعلى.

وما يبتكره أمراء الكلام من أنواع صور الاستعارة البديعة، التي تأخذ بمجامع الأفئدة، وتملك على القارئ والسامع لبهما وعواطفهما «هو سر بلاغة الاستعارة».

فمن الصور المجملة التي عليها طابع الابتكار وروعة الجمال قول شاعر الحماسة:

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
طاروا إليه زرافات ووحدانا

فإنه قد صور لك الشر بصورة حيوان مفترس مكشر عن أنيابه مما يملأ فؤادك رعبًا، ثم صور القوم الذين يعنيهم بصور طيور جوارح تطير إلى مصادمة الأعداء طيرانًا مما يستثير إعجابك بنجدتهم، ويدعوك إلى إكبار حميتهم وشجاعتهم.

ومنهم من يعمد إلى الصورة التي يرسمها فيفصل أجزاءها، ويبين لكل جزء مزيته الخاصة، كقول امرئ القيس في وصف الليل بالطول:

فقلت له لما تمطى بصلبه
وأردف أعجازًا وناء بكلكل١٣

فإنه لم يكتف بتمثيل الليل بصورة شخص طويل القامة، بل استوفى له جملة أركان الشخص؛ فاستعار صلبًا يتمطى به؛ إذ كان كل ذي صلب يزيد في طوله تمطيه، وبالغ في ذلك بأن جعل له أعجازًا يردف بعضها بعضًا، ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب ساهره فاستعار له كلكلًا ينوء به «أي يثقل به».

ولا يخفى عليك ما يتركه هذا التفصيل البديع في قلب سامعه من الأثر العظيم، والارتياح الجميل.

ومنهم من لا يكتفي بالصورة يرسمها، بل ينظر إلى ما يترتب على الشيء فيعقب تلك الصورة بأخرى أشد وأوقع، كقول أبي الطيب المتنبي:

رماني الدهر بالأرزاء حتى
فؤادي في غشاء من نبال١٤
فصرت إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال١٥

فإنه لم يكتف بتصويره المصائب سهامًا في سرعة انصبابها، وشدة إيلامها، ولا بالمبالغة في وصف كثرتها بأن جعل منها غشاءً محيطًا بفؤاده، حتى جعل ذلك الغشاء من المتانة والكثافة بحيث إن تلك النصال مع استمرار انصبابها عليه لا تجد منفذًا إلى فؤاده؛ لأنها تتكسر على النصال التي سبقتها، فانظر إلى هذا التمثيل الرائع، وقل لي: هل رأيت تصويرًا أشد منه لتراكم المصائب والآلام؟

(٤-١) تعريف الاستعارة وبيان أنواعها

الاستعارة لغة: من قولهم: استعار المال: طلبه عارية.

واصطلاحًا: هي استعمال اللفظ في غير ما وُضع له لعلاقة «المشابهة» بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه، مع «قرينة» صارفة عن إرادة المعنى الأصلي.

و«الاستعارة» ليست إلا «تشبيهًا» مختصرًا؛ ولكنها أبلغ منه١٦ كقولك: «رأيت أسدًا في المدرسة»، فأصل هذه الاستعارة: «رأيت رجلًا شجاعًا كالأسد في المدرسة» فحذفت المشبه «لفظ رجلًا»، وحذفت الأداة الكاف، وحذفت وجه التشبيه «الشجاعة» وألحقته بقرينة «المدرسة» لتدل على أنك تريد بالأسد شجاعًا.
وأركان الاستعارة ثلاثة:
  • (١)

    مستعار منه، وهو المشبه به.

  • (٢)

    ومستعار له، وهو المشبه.

    (ويقال لهما: الطرفان.)

  • (٣)

    ومستعار، وهو اللفظ المنقول.

فكل مجاز يبنى على التشبيه «يُسمى استعارة».

ولا بد فيها من عدم ذكر وجه الشبه، ولا أداة التشبيه، بل ولا بد أيضًا من «تناسب التشبيه» الذي من أجله وقعت الاستعارة فقط، مع ادعاء أن المشبه عين المشبه به، أو ادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به الكلي، بأن يكون «اسم جنس» «أو علم جنس». ولا تتأتى الاستعارة في «العلم الشخصي»١٧ لعدم إمكان دخول شيء في الحقيقة الشخصية؛ لأن نفس تصور الجزئي يمنع من تصور الشركة فيه، إلا إذا أفاد العلم الشخصي وصفًا به يصح اعتباره كليًّا، فتجوز استعارته: كتضمن «حاتم» للجود، و«قس» للفصاحة، فيقال: «رأيت حاتمًا، وقسًّا» بدعوى كلية «حاتم، وقس» ودخول المشبه في جنس الجواد والفصيح.

وللاستعارة أجمل وقع في الكتابة؛ لأنها تجدي الكلام قوة، وتكسوه حسنًا ورونقًا، وفيها تثار الأهواء والإحساسات.

(٥) المبحث الخامس: في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يذكر من الطرفين

إذا ذكر في الكلام لفظ المشبه فقط فاستعارة تصريحية أو مصرحة١٨ نحو:
فأمطرت لؤلؤًا من نرجس وسقت
وردًا وعضت على العناب بالبرد

فقد استعار اللؤلؤ، والنرجس، والورد، والعناب، والبرد — للدموع، والعيون، والخدود، والأنامل، والأسنان.

وإذا ذُكر في الكلام لفظ المشبه فقط، وحُذف فيه المشبه به، وأشير إليه بذكر لازمه المسمى «تخييلًا» فاستعارة مكنية١٩ أو بالكناية، كقوله:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع

فقد شبه المنية بالسبع، بجامع الاغتيال في كل، واستعار السبع للمنية وحذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو «الأظفار» على طريق الاستعارة المكنية الأصلية، وقرينتها لفظة «أظفار».

ثم أخذ الوهم في تصوير المنية بصورة السبع، فاخترع لها مثل صورة الأظفار، ثم أطلق على الصورة التي هي مثل صورة الأظفار لفظ «الأظفار».

فتكون لفظة «أظفار» استعارة «تخييلية»؛ لأن المستعار له لفظ أظفار صورة وهمية، تشبه صورة الأظفار الحقيقية، وقرينتها إضافتها إلى المنية.

ونظرًا إلى أن «الاستعارة التخييلية» قرينة المكنية فهي لازمة لا تُفارقها؛ لأنه لا استعارة بدون قرينة.

وإذًا: تكون أنواع الاستعارة ثلاثة: تصريحية، ومكنية، وتخييلية.

(٦) المبحث السادس: في الاستعارة باعتبار الطرفين

إن كان المستعار له محققًا حسًّا «بأن يكون اللفظ قد نقل إلى أمر معلوم، يمكن أن يشار إليه إشارة حسية» كقولك: «رأيت بحرًا يعطي»، أو كان المستعار له محققًا عقلًا «بأن يمكن أن يُنص عليه، ويشار إليه إشارة عقلية» كقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؛ أي: الدين الحق — فالاستعارة تحقيقية.

وإن لم يكن المستعار له محققًا لا حسًّا ولا عقلًا «فالاستعارة تخييلية»؛٢٠ وذلك: كالأظفار في نحو: أنشبت المنية أظفارها بفلان.

(٧) المبحث السابع: في الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار

  • (١)
    إذا كان اللفظ المستعار «اسمًا جامدًا لذات» كالبدر إذا استعير للجميل «أو اسمًا جامدًا لمعنًى» كالقتل إذا استعير للضرب الشديد — سميت الاستعارة «أصلية في كل من التصريحية والمكنية» كقوله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.٢١
    وكقوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ.٢٢

    وسميت أصلية؛ لعدم بنائها على تشبيه تابع لتشبيه آخر معتبر أولًا.

    كقول البحتري:

    يؤدون التحية من بعيد
    إلى قمر من الإيوان باد
  • (٢)
    وإذا كان اللفظ المستعار «فعلًا٢٣ أو اسم فعل، أو اسمًا مشتقًّا، أو اسمًا مبهمًا أو حرفًا» فالاستعارة «تصريحية تبعية» نحو: نامت همومي عني.
    ونحو: «صه» الموضع للسكوت عن الكلام، والمستعمل مجازًا في ترك الفعل، ونحو: «الجندي قاتل اللص» بمعنى ضاربه ضربًا شديدًا، ونحو: «هذا» الموضوعة للإشارة الحسية؛ والمستعملة مجازًا في الإشارة العقلية، نحو: «هذا رأي حسن»، ونحو قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ، ونحو قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا.
  • (٣)

    وإذا كان اللفظ المستعار اسمًا مشتقًّا، أو اسمًا مبهمًا «دون باقي أنواع التبعية المتقدمة» فالاستعارة «تبعية مكنية».

    وسُميت «تبعية»؛ لأن جريانها في المشتقات والحروف تابع؛ لجريانها أولًا في الجوامد، وفي كليات معاني الحروف.

    يعني أنها سُميت تبعية لتبعيتها لاستعارة أخرى؛ لأنها في المشتقات تابعة للمصادر؛ ولأنها في معاني الحروف تابعة لمتعلق معانيها؛ إذ معاني الحروف جزئية لا تُتصور الاستعارة فيها إلا بواسطة كلي مستقل بالمفهومية؛ ليتأتى كونها مشبهًا ومشبهًا بها، أو محكومًا عليها، أو بها.

    نحو: «ركب فلان كتفي غريمه»؛٢٤ أي: لازمه ملازمة شديدة.
    وكقوله تعالى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ؛ أي تمكنوا من الحصول على الهداية التامة،٢٥ ونحو: «أذقته لباس الموت»؛٢٦ أي ألبسته إياه.

تنبيهات عشرة

  • التنبيه الأول: كل تبعية قرينتها مكنية.
  • التنبيه الثاني: إذا أجريت الاستعارة في واحدة من الاستعارة التصريحية أو من الاستعارة المكنية، امتنع إجراؤها في الأخرى.
  • التنبيه الثالث: تقسيم الاستعارة إلى «أصلية وتبعية» عام في كل من الاستعارة التصريحية والمكنية.
  • التنبيه الرابع: تبين أن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له؛ لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي،٢٧ أو هي: «مجاز لغوي» علاقته المشابهة، كقول زهير:
    لدَى أسدٍ شاكي السلاحِ مُقَذَّفٍ
    له لِبَدٌ أظفاره لم تُقَلَّمِ

    فقد استعار الأسد للرجل الشجاع؛ لتشابههما في الجراءة، والمستعار له هنا: لفظ «محقق حسًّا».

    وكقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فقد استعار الصراط المستقيم للدين الحق؛ لتشابهما في أن كلًّا يوصل إلى المطلوب.
    وكقوله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ؛ أي من الضلال إلى الهدى، فقد استعير لفظ الظلمات للضلال؛ لتشابههما في عدم اهتداء صاحبيهما، ثم استعير لفظ الظلمات للضلال، وكذلك استعير لفظ النور للإيمان؛ لتشابههما في الهداية، والمستعارات — وهو الضلال والإيمان — كل منها «محقق عقلًا» وتُسمى هذه الاستعارات «تصريحية» وتسمى «تحقيقية».

    وأما قول أبي ذؤيب الهذلي:

    وإذا المنية أنشبت أظفارها
    ألفيت كل تميمة لا تنفع

    فشبه المنية بالسبع في اغتيال النفوس قهرًا من غير تفرقة بين نفاع وضرار، ولم يذكر لفظ المشبه، بل ذكر بعض لوازمه وهو أظفارها التي لا يكمل الاغتيال في السبع إلا بها؛ تنبيهًا على المشبه به المحذوف.

    فهو استعارة «مكنية». وكقوله:

    ولئن نطقت بشكر برِّك مفصحًا
    فلسان حالي بالشكاية أنطق

    فشبه الحال بإنسان ناطق في الدلالة على المقصود، ولم يصرح بلفظ المشبه به بل ذكر لازمه وهو «اللسان» الذي لا تقوم الدلالة الكلامية إلا به؛ تنبيهًا به عليه، فهو أيضًا استعارة «مكنية».

    وقد أثبت للمشبه لازم من لوازم المشبه به، لا يكون إلا به كماله أو قوامه في وجه الشبه «كالأظفار» التي لا يكمل الافتراس إلا بها كما في المثال الأول، و«اللسان» الذي لا تقوم الدلالة الكلامية في الإنسان إلا به، كما في المثال الثاني وليس «للمنية» شيء كالأظفار نقل إليه هذا اللفظ، ولا «للحال» شيء «كاللسان» نقل إليه لفظ اللسان.

    وما كان هذا حاله يعتبر طبعًا «تخييلًا، أو استعارة تخييلية».

  • التنبيه الخامس: تقدم أن الاستعارة التصريحية أو المصرحة هي ما صُرح فيها بلفظ المشبه به، وأن المكنية هي ما حُذف فيها لفظ المشبه به؛ استغناء ببعض لوازمه التي بها كماله أو قوامه في وجه الشبه،٢٨ وأن إثبات ذلك اللازم تخييل أو استعارة تخييلية، غير أنهم اختلفوا في تعريف كل من المكنية والتخييلية.
    فمذهب السلف أن المكنية: اسم المشبه المستعار في النفس للمشبه، وأن إثبات لازم المشبه به للمشبه «استعارة تخييلية»٢٩ فكل من «الأظفار» في قوله: «وإذا المنية أنشبت أظفارها»، و«اللسان» في قوله: «فلسان حالي بالشكابة أنطق» حقيقة؛ لأنه مستعمل فيما وُضع له.
    ومذهب «الخطيب القزويني» أن المكنية هي التشبيه المضمر في النفس، المرموز إليه بإثبات لازم المشبه به للمشبه، وهذا الإثبات هو الاستعارة «التخييلية».٣٠
    ومذهب «السكاكي» أن المكنية لفظ المشبه، مرادًا به المشبه به،٣١ فالمراد ﺑ «المنية» في قوله: «وإذا المنية أنشبت أظفارها» هو السبع بادعاء السبعية لها، وإنكار أن تكون شيئًا غير السبع، بقرينة إضافة الأظفار التي هي من خواص السبع لها.

    و«التخييلية» عنده ما لا تحقق لمعناه «لا حسًّا ولا عقلًا» بل هو صورة وهمية محضة، كالأظفار في ذلك المثال، فإنه لما شبه المنية بالسبع في الاغتيال — أخذ الوهم يصورها بصورته، ويخترع لها لوازمه، فاخترع لها صورة كصورة الأظفار، ثم أطلق عليها لفظ الأظفار، فيكون لفظ الأظفار استعارة «تصريحية تخييلية».

    أما أنها تصريحية؛ فلأنه صرح فيها بلفظ المشبه به، وهو اللازم الذي أطلق على صورة وهمية شبيهة بصورة الأظفار المحققة.

    أما أنها «تخييلية» فلأن المستعار له غير محقق «لا حسًّا ولا عقلًا»، والقرينة على نقل الأظفار من معناها الحقيقي إلى المعنى المتخيل — إضافتها إلى المنية.٣٢

    هذا؛ ومذهب السكاكي في المكنية مردود عليه بأن لفظ المشبه فيها مستعمل فيما وضع له تحقيقًا، للقطع بأن المراد بالمنية «الموت» لا غير، فليس مستعارًا.

  • التنبيه السادس: الاستعارة صفة للفظ على المشهور، والحق أن المعنى يعار أولًا، ثم يكون اللفظ دليلًا على الاستعارة؛ وذلك:
    • (١) لأنه إذا لم يكن نقل الاسم تابعًا لنقل المعنى تقديرًا لم يكن ذلك استعارة مثل «الأعلام المنقولة» فأنت إذا سميت إنسانًا ﺑ «أسد، أو نمر، أو كلب» لا يقال: إن هذه الأسماء مستعارة؛ لأن نقلها لم يتبع نقل معانيها تقديرًا.
    • (٢) ولأن البلغاء جزموا بأن «الاستعارة أبلغ من الحقيقة» فإن لم يكن نقل الاسم تابعًا لنقل المعنى لم يكن فيه مبالغة؛ إذ لا مبالغة في إطلاق الاسم المجرد عن معناه.
  • التنبيه السابع: ظهر أن الاستعارة باعتبار اللفظ نوعًا «أصلية وتبعية».

    فالأصلية: ما كان فيها المستعار اسم جنس غير مشتق، سواء أكان اسم ذات كأسد للرجل الشجاع، أم اسم معنًى كقتل للإذلال، وسواء أكان اسم جنس «حقيقة» كأسد وقتل، أم «تأويلًا» كما في الأعلام المشهورة بنوع من الوصف؛ كحاتم في قولك: «رأيت اليوم حاتمًا» تريد رجلًا كامل الجود؛ فاعتبر لفظ «حاتم» في قوة الموضوع لمفهوم كلي، حتى كاد يغلب استعماله في كل من له وصف حاتم، فكما أن أسدًا يتناول الحيوان المفترس والرجل الشجاع، كذلك حاتم يتناول الطائي وغيره ادَّعاء، ويكون استعماله في «الطائي» حقيقة، وفي غيره مجازًا؛ لأن الاستعارة مبنية على ادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، فلا بد أن يكون المشبه به كليًّا ذا أفراد.

    والمراد «باسم الجنس» غير المشتق «ما صلح لأن يصدق على كثيرين من غير اعتبار وصف من الأوصاف في الدلالة».

    وليس العلم الشخصي، واسم الإشارة، والضمير، والموصول — من الكليات، فلا تصح أن تجري فيها الاستعارة الأصلية، أما المشتق فالصفة جزء من مدلوله وضعًا؛ لأنه موضوع لذات متصفة بصفة، ﻓ «كريم» موضوع لذات متصفة بالكرم، و«قتل» موضوع لذات متصفة بوقوع القتل عليها.

    وقد اعتبرت «الأعلام» التي تتضمن معنى الوصف اسم جنس تأويلًا، ولم تعتبر من قبيل المشتق؛ لأن الوصف ليس جزءًا من معناها وضعًا، بل هو لازم له، غير داخل في مفهومه، فحاتم لم يوضع للدلالة على الجود، ولا على ذات متصفة به، ولكن الجود عرض له، ولزمه فيما بعد.

  • التنبيه الثامن: التبعية٣٣ ما كان فيها المستعار مشتقًّا، ويدخل في هذا الفعل والاسم المشتق، والحرف.
    فاستعارة الفعل٣٤ نحو قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ، ونحو قوله تعالى: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا، ونحو قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.

    (١) يقال: شبه زيادة الماء زيادة مفسدة بالطغيان، بجامع مجاوزة الحد في كلٍّ، وادعى أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، ثم استعير المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، ثم اشتق من الطغيان بمعنى الزيادة «طغى بمعنى زاد وعلا» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

    هذا؛ وقد يستعمل لفظ الماضي موضوع المضارع؛ بناءً على تشبيه المستقبل المحقق بالماضي الواقع، بجامع تحقق الوقوع في كلٍّ، ونحو قوله تعالى: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا.
    وقد يعبر بالمضارع عن الماضي بناء على تشبيه غير الحاضر بالحاضر في استحضار صورته الماضية؛ لنوع غرابة فيها نحو قوله تعالى: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ.
  • التنبيه التاسع: استعارة المشتق إما صفة،٣٥ وإما اسم زمان أو مكان أو آلة، فالصفة نحو: «حُكم على قاتلك بالسجن» من القتل بمعنى الضرب الشديد مجازًا، ونحو: «إنما أصادق الأصم عن الخنى، وأجاور الأعمى عن العورات» ونحو: «فلسان حالي بالشكاية أنطق»؛ أي أدل.
    ونحو قوله تعالى: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ونحو: «جئت بمقتالك»؛٣٦ أي: بالآلة التي أضربك بها ضربًا شديدًا.
  • التنبيه العاشر: مدار قرينة التبعية في الفعل والمشتق على ما يأتي:
    • (١) على الفاعل، نحو: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ و«نطقت الحال بكذا».٣٧
    • (٢) أو على نائبه، نحو: ضربت عليهم الذلة والمسكنة.٣٨
    • (٣) أو على المفعول به، نحو:
      جمع الحق لنا في إمام
      قتل البخل وأحيا السماحا٣٩
    • (٤) أو على المفعول به الثاني، نحو:
      صبحنا الخزرجية مرهفات
      أباد ذوي أرومتها ذووها٤٠
    • (٥) أو على الفاعل والمفعولين، كقول الشاعر:
      تَقْرِي الرياحُ رياضَ الحزن مزهرةً
      إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا٤١
    • (٦) أو على المفعولين كقوله تعالى: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا.
    • (٧) أو على المجرور، نحو: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ٤٢ ونحو: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ونحو: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ.
      هذا؛ وقد تكون قرينة التبعية غير ذلك، نحو: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا٤٣ إذ القرينة في هذه الآية كونه من كلام الموتى، مع قوله: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.
  • التنبيه الحادي عشر: استعارة الحرف،٤٤ نحو: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا فقد شبه مطلق ترتب علة واقعية على فعل٤٥ بمطلق ترتب علة غائية على فعل،٤٦ بجامع مطلق الترتب في كلٍّ،٤٧ فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات، ثم استعمل في جزئي المشبه٤٨ «اللام» الموضوعة لجزئي المشبه به٤٩ على سبيل الاستعارة التبعية.
    ونحو قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ٥٠ ونحو قوله تعالى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ٥١ ونحو: «زيد في نعمة».٥٢

    ومن هذه الأمثلة السابقة تتبين أنه لا يُشترط أن يكون للمشبه حرف موضوع له يدل عليه.

    واختار «السكاكي» تقليلًا لأقسام الاستعارة أن يستغني عن التبعية في «الفعل، والمشتق، والحرف» بأن يجعل قرينة التبعية استعارة مكنية، وأن يجعل التبعية قرينة للمكنية.

    ففي قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ يجعل القوم الطغيان مستعارًا للكثرة المفسدة.

    ويقول «السكاكي»: في لفظ «الماء» استعارة مكنية، ونسبة الطغيان إليه قرينة.

(٨) المبحث الثامن: في تقسيم الاستعارة المصرحة باعتبار الطرفين إلى عنادية ووفاقية

  • فالعنادية: وهي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد؛ لتنافيهما كاجتماع النور والظلام.
  • والوفاقية: هي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد؛ لعدم التنافي كاجتماع النور والهدى.

ومثالهما قوله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ؛ أي ضالًّا فهديناه.

ففي هذه الآية استعارتان:
  • الأولى: في قوله: «ميتًا» شبه الضلال بالموت، بجامع ترتب نفي الانتفاع في كلٍّ، واستعير الموت للضلال، واشتق من الموت بمعنى الضلال ميتًا بمعنى ضالًّا، وهي عنادية؛ لأنه لا يمكن اجتماع الموت والضلال في شيء واحد.
  • والثانية: استعارة الإحياء للهداية، وهي «وفاقية» لإمكان اجتماع الإحياء والهداية في الله تعالى، فهو محيي وهادٍ.

ثم العنادية قد تكون تمليحية؛ أي المقصود منها التمليح والظرافة. وقد تكون تهكمية؛ أي المقصود منها التهكم والاستهزاء، بأن يستعمل اللفظ الموضوع لمعنًى شريف على ضدِّه أو نقيضه، نحو «رأيت أسدًا» تريد جبانًا، قاصدًا التمليح والظرافة، أو التهكم والسخرية، وهما اللتان نُزِّل فيهما التضاد منزلة التناسب، نحو: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ؛ أي «أنذرهم» فاستعيرت البشارة التي هي الخبر السار للإنذار الذي هو ضده بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التهكم والاستهزاء.

وكقوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ.

(٩) المبحث التاسع: في تقسيم الاستعارة باعتبار الجامع

الاستعارة المصرحة باعتبار «الجامع» نوعان:٥٣
  • (١)

    عامية: وهي القريبة المبتذلة التي لاكتها الألسن، فلا تحتاج إلى بحث، ويكون الجامع فيها ظاهرًا، نحو: رأيت أسدًا يرمى.

    وكقوله:

    وأدهم يستمد الليل منه
    وتطلع بين عينيه الثريَّا

    فقد استعار الثريا لغرَّة المهر، والجامع بين الطرفين ظاهر، وهو البياض، وقد يتصرَّف في العامية بما يخرجها إلى الغرابة.

  • (٢)

    وخاصية: وهي الغريبة التي يكون الجامع فيها غامضًا، لا يُدركه أصحاب المدارك «من الخواص» كقول كثيِّر يمدح عبد العزيز بن مروان:

    غمرُ الرِّداء إذا تبسم ضاحكًا
    غلقت لضحكته رقاب المال

    غمرُ الرِّداء «كثير العطايا والمعروف» استعار الرداء للمعروف؛ لأنه يصون ويستر عرض صاحبه، كستر الرداء ما يلقى عليه، وأضاف إليه الغمر وهو القرينة على عدم إرادة معنى الثوب؛ لأن الغمر من صفات المال، لا من صفات الثوب.

    وهذه الاستعارة لا يظفر باقتطاف ثمارها إلا ذوو الفطر السليمة والخبرة التامة.

(١٠) المبحث العاشر: في تقسيم الاستعارة باعتبار ما يتصل بها من الملائمات وعدم اتصالها

تنقسم الاستعارة باعتبار ذكر «ملائم المستعار منه»، أو باعتبار ذكر «ملائم المستعار له»، أو باعتبار عدم اقترانها بما يلائم أحدهما؛ إلى ثلاثة أقسام: مطلقة، ومرشحة، ومجردة.
  • (أ)
    فالمطلقة: هي التي لم تقترن بما يلائم المشبه والمشبه به، نحو: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ أو ذُكر فيها ملائمها معًا، كقول زهير:
    لَدَى أسدٍ شاكي السلاح مقذَّف
    له لبد أظفاره لم تُقَلَّمِ

    استعار الأسد للرجل الشجاع، وقد ذكر ما يناسب المستعار في قوله: «شاكي السلام مقذف» وهو التجريد، ثم ذكر ما يناسب المستعار منه في قوله: «له لبد أظفاره لم تقلم» وهو الترشيح، واجتماع التجريد والترشيح يؤدي إلى تعارضهما وسقوطهما، فكأن الاستعارة لم تقترن بشيء، وتكون في رتبة «المطلقة».

  • (ب)
    والمرَشحة: هي التي قُرنت بملائم المستعار منه «أي المشبه به» نحو: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ استعير الشراء للاستبدال والاختيار، ثم فُرع عليها ما يلائم المستعار منه «من الربح والتجارة»، ونحو: «من باع دينه بدنياه لم تربح تجارته».

    وسُميت مرشحة؛ لترشيحها وتقويتها بذكرى الملائم، وترشيح الاستعارة التصريحية متفق عليه.

  • (جـ)

    والمجرَّدة: هي التي قُرنت بملائم المستعار له «أي المشبه» نحو: اشترِ بالمعروف عرضك من الأذى.

    وسُمِّيت بذلك؛ لتجريدها عن بعض المبالغة، لبعد المشبه حينئذ عن المشبه به بعض بُعد؛ وذلك يبعد دعوى الاتحاد الذي هو مبنى الاستعارة.

    ثم اعتبار الترشيح والتجريد إنما يكون بعد تمام الاستعارة بقرينتها، سواء أكانت القرينة مقالية أم حالية، فلا تعد قرينة المصرحة تجريدًا ولا قرينة المكنية ترشيحًا، بل الزائد على ما ذكر.

    واعلم أن الترشيح أبلغ من غيره؛ لاشتماله على تحقيق المبالغة بتناسي التشبيه، وادعاء أن المستعار له هو نفس المستعار منه «لا شيء شبيه به» وكأن الاستعارة غير موجودة أصلًا، والإطلاق أبلغ من التجريد، فالتجريد أضعف الجميع؛ لأن به تضعف دعوى الاتحاد.

    وإذا اجتمع ترشيح وتجريد فتكون الاستعارة في رتبة المطلقة؛ إذ بتعارضهما يتساقطان، كما سبق تفصيله.

    وكما يجري هذا التقسيم في «التصريحية» يجري أيضًا في «المكنية».

(١١) المبحث الحادي عشر: في المجاز المرسل المرَكب

المجاز المرسل المركب: هو الكلام المستعمل في غير المعنى الذي وُضع له لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة معناه الوضعي.

ويقع أولًا في المركبات الخبرية المستعملة في الإنشاء وعكسه، لأغراض:
  • (١)

    منها: التحسُّر وإظهار التأسف، كما في قول الشاعر:

    ذهب الصبا وتولت الأيام
    فعلى الصبا وعلى الزمان سلام

    فإنه وإن كان خبرًا في أصل وضعه، إلا أنه في هذا المقام مستعمل في إنشاء التحسر والتحزن على ما فات من الشباب.

    وكما في قول جعفر بن عُلبة الحارثي:

    هواي مع الركب اليمانين مصْعَدٌ
    جنيب وجثماني بمكة موثق

    فهو يشير إلى الأسف والحزن الذي ألمَّ به من فراق الأحبة، ويتحسَّرُ على ما آل إليه أمره، والقرينة على ذلك حال المتكلم، كما يُفهم من الشطر الثاني في قوله «هواي … إلخ».

  • (٢)

    ومنها: إظهار الضعف، كما في قوله:

    ربِّ: إني لا أستطيع اصطبارا
    فاعف عني يا من يقيل العثارا
  • (٣)

    ومنها: إظهار السرور، نحو: كُتِبَ اسمي بين الناجحين.

  • (٤)

    ومنها: الدعاء، نحو: نجَّح الله مقاصدنا … أيها الوطن لك البقاء.

وثانيًا: في المركبات الإنشائية ﮐ «الأمر، والنهي، والاستفهام» التي خرجت عن معانيها الأصلية، واستُعملت في معانٍ أُخَر، كما في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»؛ إذ المراد «يتبوأ مقعده» والعلاقة في هذا «السببية والمسببية»؛ لأن إنشاء المتكلم للعبارة سبب لإخباره بما تتضمَّنه، فظاهره أمر، ومعناه خبر.

(١٢) المبحث الثاني عشر: في المجاز المرَكب٥٤ بالاستعارة التمثيلية

المجاز المركب بالاستعارة التمثيلية: هو تركيب استعمل في غير ما وضع له؛ لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة معناه الوضعي، بحيث يكون كل من المشبه والمشبه به هيئة منتزعة من متعدد؛ وذلك بأن تشبه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور «بأخرى» ثم تدخل المشبه في الصورة المشبهة بها؛ مبالغة في التشبيه، ويسمَّى بالاستعارة التمثيلية،٥٥ وهي كثيرة الورود في الأمثال السائرة، نحو: «الصيف ضيَّعت اللبن» يضرب لمن فرَّط في تحصيل أمر في زمن يمكنه الحصول عليه فيه، ثم طلبه في زمن لا يمكنه الحصول عليه٥٦ فيه.

ونحو: «إني أراك تقدم رِجْلًا وتؤخرُ أخرى» يضرب لمن يتردد في أمر، فتارة يقدم وتارة يحجم. ونحو: «أحشفًا وسوء كيلة» يُضرب لمن يظلم من وجهين، وأصله أن رجلًا اشترى تمرًا من آخر، فإذا هو رديء، وناقص الكيل، فقال المشتري ذلك. ومثل ما تقدم جميع الأمثال السائرة «نثرًا ونظمًا».

فمن النثر قولهم لمن يحتال على حصول أمر خفي، وهو مستتر تحت أمر ظاهر: «لأمر ما جدع قصير أنفه»، وقولهم: «تجوع الحرَّة ولا تأكل بثدييها»، وقولهم لمن يريد أن يعمل عملًا وحده وهو عاجز عنه: «اليد لا تُصفق وحدها»، وقولهم لمجاهد عاد إلى وطنه بعد سفر: «عاد السيف إلى قرابه، وحل الليث منيع غابه»، وقولهم لمن يأتي بالقول الفصل: «قطعت جهيزة قول كل خطيب».٥٧

ومن الشعر قول الشاعر:

إذا جاء موسى وألقى العصا
فقد بطل السحر والساحر

وقول آخر:

إذا قالت حَذامِ فصِّدقوها
فإن القول ما قالت حَذامِ

وقول آخر:

متى يبلغ البنيان يومًا تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرُك يهدِمُ٥٨
وإذا فشت وشاعت الاستعارة التمثيلية،٥٩ وكثر استعمالها — تكون مثلًا٦٠ لا يُغير مطلقًا، بحيث يخاطب به المفرد، والمذكر، وفروعهما بلفظ واحد من غير تغيير ولا تبديل عن مورده الأول، وإنْ لم يطابق المضروب له.

ولذا كانت هذه الاستعارة محط أنظار البلغاء، لا يعدلون بها إلى غيرها إلا عند عدم إمكانها، فهي أبلغ أنواع المجاز مفردًا أو مركبًا؛ إذ مبناها تشبيه التمثيل الذي قد عرفت أن وجه الشبه فيه هيئة منتزعة من أشياء متعددة.

ومن ثم كانت هي والتشبيه المبنية عليه غرض البلغاء الذين يتسامون إليه، ويتفاوتون في إصابته، وقد كثر ذلك في القرآن الكريم كثرة كانت إحدى الحجج على إعجازه.

والاستعارة ميدان فسيح من ميادين البلاغة، وهي أبلغ من التشبيه؛ لأنها تضع أمام المخاطب بدلًا من المشبه صورة جديدة تملك عليه مشاعره، وتذهله عما ينطوي تحتها من التشبيه، وعلى مقدار ما في تلك الصورة من الروعة، وسمو الخيال — تكون البلاغة في الاستعارة.

وأبلغ أنواع الاستعارة «المرشحة» لذكر ما يناسب المستعار منه فيها، بناء على الدعوى بأن المستعار له هو عين المستعار منه.

ثم تليها «المطلقة» لترك ما يناسب الطرفين فيها؛ بناء على دعوى التساوي بينهما.

ثم تليها «المجردة» لذكر ما يناسب المستعار له فيها؛ بناء على تشبيهه بالمستعار منه.

ولا بد في الاستعارة، وفي التمثيل على سبيل الاستعارة — من مراعاة جهات حسن التشبيه: كشمول وجه الشبه للطرفين، ومن كون التشبيه وافيًا بإفادة الغرض، ومن عدم شم رائحة التشبيه لفظًا، ويجب أن يكون وجه الشبه بين الطرفين جليًّا؛ لئلا تصير الاستعارة والتمثيل تعمية.

أسئلة على الاستعارة يطلب أجوبتها

ما هي الاستعارة؟ ما هي أركانها؟ كم قسمًا الاستعارة باعتبار ذكر الطرفين المشبه به والمشبه؟ ما أصل الاستعارة؟ ما هي الاستعارة التصريحية؟ كم قسمًا الاستعارة التصريحية؟ كم قسمًا الاستعارة باعتبار ذكر ملائم المستعار له، والمستعار منه؟ ما هي الاستعارة المرشحة؟ ما هي الاستعارة المجردة؟ ما هي الاستعارة المطلقة؟ كم قسمًا للاستعارة باعتبار إمكان اجتماع طرفيها في شيء؟ ما هي الاستعارة الوفاقية؟ ما هي الاستعارة العنادية؟ كم قسمًا للاستعارة باعتبار الجامع؟ ما هي العامية؟ ما هي الخاصية؟ ما هي التمليحية؟ ما هي التهكمية؟ ما مثال الحسيين والجامع حسي؟ ما مثال الطرفين الحسيين والجامع عقلي؟ ما مثال الطرفين العقليين والجامع عقلي؟ ما مثال المستعار منه الحسي والمستعار له العقلي؟ ما مثال المستعار منه العقلي والمستعار الحسي؟ ما هي الاستعارة بالكناية عند الجمهور؟ ما هي الاستعارة بالكناية عند السكاكي؟ ما هي الاستعارة بالكناية عند الخطيب؟ كم قسمًا للاستعارة بالكناية؟ ما هي المكنية الأصلية؟ ما هي المكنية التبعية؟ ما هي الاستعارة التخييلية عند الجمهور؟ لِمَ سميت استعارة؟ لِمَ سميت تخييلية؟ ما هي الاستعارة المكنية المرشحة؟ ما هي الاستعارة المكنية المجردة؟ ما هي الاستعارة المكنية المطلقة؟ كم قسمًا للمكنية باعتبار إمكان اجتماع طرفيها في شيء؟ ما هي العنادية؟ ما هي الوفاقية؟ ما هو المجاز المركب؟ ما هي الاستعارة التمثيلية؟ ما هو المجاز المركب بالاستعارة؟ ما هي محسنات الاستعارة؟

تمرين آخر على كيفية إجراء الاستعارات

(١) فسمونا والفجر يضحك في الشرق
إلينا مبشرًا بالصباح
(٢) عضنا الدهر بنابه
ليت ما حلَّ بنا به
(٣) لسنا وإن أحسابنا كرمت
يومًا على الأحساب نتكلُ
(٤) دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
(٥) بكت لؤلؤًا رطبًا ففاضت مدامعي
عقيقًا فصار الكل في نحرها عقدا
(٦) إن التباعد لا يضر
إذا تقاربت القلوب

(٧) ذم أعرابي رجلًا فقال: يقطع نهاره بالمنى، ويتوسَّد ذراع الهمِّ إذا أمسى.

(٨) قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
طاروا إليه زرافات ووحدانا
(٩) جاء الشتاء واجثأل القُبِّرُ
وطلعت شمس عليها مغفر
(١٠) سأبكيك للدنيا وللدين إن
أبت يد المعروف بعدك شلت

(١١) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ.

(١٢) سقاه الردى سيف إذا سُل أو مضت
إليه ثنايا الموت من كل مرقد

(١٣) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ.

(١٤) إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.

(١٥) فتًى كلما فاضت عيون قبيلة
دمًا ضحكت عنه الأحاديث والذكر

(١) شبه الفجر بإنسان يبتسم، فتظهر أسنانه مضيئة لامعة، والقدر المشترك بينهما «البريق واللمعان»، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم حذف المشبه، وأشار إليه بشيء من لوازمه وهو الضحك على طريق الاستعارة بالكناية، وإثبات الضحك استعارة تخييلية.

(٢) شبه حوادث الدهر بالعض، بجامع التأثير والإيلام من كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، واشتق من العض وهو المصدر — عض بمعنى آلم — على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، وذكر الناب ترشيح.

(٣) في كلمة «على» استعارة تصريحية تبعية؛ فقد شبه مطلق ارتباط بين حسب وحسيب بمطلق ارتباط بين مستعلٍ ومستعلًى عليه، بجامع التمكن والاستقرار في كلٍّ، ثم استعيرت «على» من جزئي من جزئيات الأول لجزئي من جزئيات الثاني على سبيل الاستعارة التبعية التصريحية.

(٤) شبه الدلالة بالقول، بجامع إيضاح المراد في كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، واشتق من القول بمعنى الدلالة «قائل» بمعنى دالٍّ، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة نسبة القول إلى الدقات.

(٥) شبه المتساقط من فيها ﺑ «اللؤلؤ» بجامع البياض والتنسيق في كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم شبه الدمع النازل من عينيه ﺑ «العقيق» بجامع الحمرة، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، والقرينة كل منا بكت وفاضت، وذكر العقد ترشيح.
 كذا بالأصل وهو سهو والصواب أن يقال شبه الدمع المتساقط من عينيها باللؤلؤ، إلخ.

(٦) شبه التواد ﺑ «التقارب» بجامع الألفة في كل منهما، ثم استعير التقارب للتواد، واشتق منه تقارب بمعنى تواد، والقرينة كلمة القلوب، وهي استعارة مطلقة.

(٧) شبه المنى ﺑ «سكين قاطع» بجامع الإجهاز وإنهاء المقطوع في كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، وحذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو يقطع، على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية المطلقة، ويقطع استعارة تخييلية.

وكذا شبَّه الهم ﺑ «إنسان» واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، وحذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الذراع على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية المرشحة، والقرينة كلمة الذراع، ويتوسد ترشيح.

(٨) شبه الشر ﺑ «أسد متحفز للوثوب» فيكشر عن أنيابه، بجامع الاستعداد للهجوم في كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، وحذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الناجذان على طريق الاستعارة المكنية المرشحة، والقرينة كلمة ناجذيه، وكلمة أبدى ترشيح، ثم شبه مشيهم ﺑ «الطيران» بجامع السرعة في كل منهما، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، واشتق من الطيران طار بمعنى أسرع، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية المطلقة، والقرينة إسناد الطيران إليهم.

(٩) شبه السحاب الذي يستر الشمس بالمغفر الذي يستر الرأس، بجامع التستر في كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية المطلقة، والقرينة كلمة شمس.

(١٠) المشبه المعروف بإنسان له يد تعطي، والجامع الإعطاء في كل منهما، وحذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو اليد على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية المرشحة، والقرينة كلمة يد، وهي الاستعارة التخييلية، وشلت ترشيح.

(١١) شبه تمكنه عليه الصلاة والسلام من الهدى والأخلاق الشريفة والثبوت عليها ﺑ «تمكن مَن علا دابة يصرفها كيف شاء» بجامع التمكن والاستقرار في كل، فسرى التشبيه من الكليين للجزئيات التي هي معاني الحروف، فاستعير لفظ «على» الموضوع للاستعلاء الحسي للارتباط والاستعلاء المعنوي على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

(١٢) شبه لحاق الموت به ﺑ «السقي» بجامع الوصول في كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم اشتق من السَّقْي سَقَى على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة على ذلك نسبة السقي إلى الردى، وأيضًا قد شبه الموت بإنسان له ثنايا يضحك منها فتلمع وتضيء، والجامع البريق واللمعان، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم حذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الثنايا، على سبيل الاستعارة المكنية الأصلية المرشحة، والثنايا استعارة تخييلية، وأومض ترشيح.

(١٣) شبه القصد إلى الشيء والتوجه له بالفراغ والخلوص من الشواغل، بجامع الاهتمام في كلٍّ، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم اشتق من الفراغ بمعنى الخلو «تفرغ» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة حالية.

(١٤) في كلمة «في» استعارة تصريحية تبعية، فقد شُبهت «في» التي تدل على الارتباط «بفي» التي تدل على الظرفية، بجامع التمكن في كلٍّ، فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات، فاستعيرت في من الثاني للأول على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة على ذلك كلمة الضلال.

(١٥) شبه العيون بالنهر بجامع الصب الكثير في كل منهما، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم حذفه، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو فاض، على سبيل الاستعارة الأصلية المكنية، وفاض قرينتها وهي الاستعارة التخييلية، وكذا شبه السرور والأريحية بالضحك بجامع ما تجده النفس عند كلٍّ من المسرة، واستعار اللفظ الدال على المشبه به للمشبه، ثم اشتق من الضحك بمعنى السرور ضَحِكَ بمعنى سُرَّ، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

(١٣) بلاغة الاستعارة بجميع أنواعها

سبق لك أن بلاغة التشبيه آتية من ناحيتين:
  • الأولى: طريقة تأليف ألفاظه.
  • والثانية: ابتكار مشبه به بعيد عن الأذهان، لا يجول إلا في نفس أديب، وهب الله له استعدادًا سليمًا في تعرف وجوه الشبه الدقيقة بين الأشياء، وأودعه قدرة على ربط المعاني، وتوليد بعض إلى مدًى بعيد لا يكاد ينتهي.

و«سر بلاغة الاستعارة» لا يتعدى هاتين، فبلاغتها من ناحية اللفظ أن تركيبها يدل على تناسب التشبيه، ويحملك عمدًا على تخيل صورة جديدة تنسيك روعتها ما تضمنه الكلام من تشبيه خفي مستور.

انظر إلى قول البحتري في الفتح بن خاقان:

يسمو بكف على العافين حانية
تهمي وطرف إلى العلياء طماح

ألست ترى كفه وقد تمثلت في صورة سحابة هتانة، تصب وبلها على العافين والسائلين، وأن هذه الصورة قد تملكت عليك مشاعرك فأذهلتك عما اختبأ في الكلام من تشبيه؟!

وإذا سمعت قوله في رثاء المتوكل وقد قُتل غيلة:

صريع تقاضاه الليالي حشاشة
يجود بها والموت حمر أظافره٦١

فهل تستطيع أن تبعد عن خيالك هذه الصورة المخيفة للموت، وهي صورة حيوان مفترس، ضرجت أظفاره بدماء قتلاه؟!

لهذا كانت الاستعارة أبلغ من «التشبيه البليغ»؛ لأنه وإن بُني على ادعاء أن المشبه والمشبه به سواء، لا يزال فيه التشبيه منويًّا ملحوظًا، بخلاف «الاستعارة» فالتشبيه فيها منسي مجحود، ومن ذلك يظهر لك أن الاستعارة المرشحة أبلغ من الاستعارة المطلقة، وأن الاستعارة المطلقة أبلغ من الاستعارة المجردة.

أما بلاغة الاستعارة من حيث الابتكار، وروعة الخيال، وما تُحدثه من أثر في نفوس سامعيها؛ فمجال فسيح للإبداع، وميدان لتسابق المجيدين من فرسان الكلام.

انظر إلى قوله — عز شأنه — في وصف النار: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ترتسم أمامك النار في صورة مخلوق ضخم، بطاش، مكفهر الوجه، عابس، يغلي صدره حقدًا وغيظًا. (عن البلاغة الواضحة بتصرف)

هوامش

(١) أقول: إن المخلوقات كلها تفتقر إلى أسماء يُستدل بها عليها؛ ليُعرف كل منها باسمه، من أجل التفاهم بين الناس، وهذا يقع ضرورة لا بد منها، فالاسم الموضوع بإزاء المسمى هو حقيقة له، فإذا نُقل إلى غيره صار مجازًا.
واعلم أنه ليس لكل مجاز «حقيقة» يتفرع عنها، فلفظ «الرحمن» استعمل مجازًا في المنعم، ولم يُستعمل في معناه الوضعي، وهو: الرقيق القلب، ولكن الغالب أن يتفرع المجاز عن الحقيقة.
(٢) القرينة: هي الأمر الذي يجعله المتكلم دليلًا على أنه أراد باللفظ غير ما وُضع له، فهي تصرف الذهن عن المعنى الوضعي إلى المعنى المجازي، وبتقييد القرينة بمانعة … إلخ خرجت «الكناية» فإن قرينتها لا تمنع من إرادة المعنى الأصلي. والقرينة: إما لفظية أو حالية، فاللفظية: هي التي يُلفظ بها في التركيب، والحالية: هي التي تُفهم من حال المتكلم أو من الواقع.
وأما القرينة التي تعين المراد من المجاز فليست شرطًا.
واعلم أن كلًّا من المجاز والكناية في حاجة إلى قرينة، ولكنها في المجاز مانعة، وفي الكناية غير مانعة.
(٣) العلاقة هي المناسبة بين المعنى المنقول عنه والمنقول إليه، وسميت بذلك؛ لأن بها يتعلق ويرتبط المعنى الثاني بالأول، فينتقل الذهن من الأول للثاني، وباشتراط ملاحظة العلاقة يخرج الغلط، كقولك: «خذ هذا الكتاب» مشيرًا إلى فرس مثلًا؛ إذ لا علاقة هنا ملحوظة.
(٤) سمي «مرسلًا» لإطلاقه عن التقييد بعلاقة واحدة مخصوصة، بل له علاقات كثيرة، واسم العلاقة يستفاد من وصف الكلمة التي تُذكر في الجملة، وليس المقصد من العلاقة إلا بيان الارتباط والمناسبة، فالفطن يرى ما يناسب كل مقام. وقيل: سمي «مرسلًا»؛ لأنه أُرسل عن دعوى الاتحاد المعتبرة في الاستعارة.
(٥) وكقول الشاعر:
له أيادٍ إليَّ سابغة
أعد منها ولا أعددها
وكقوله:
قامت تظللني من الشمس
نفس أحب إليَّ من نفسي
قامت تظللني ومن عجب
شمس تظللني من الشمس
فائدة: القصد من العلاقة إنما هو تحقق الارتباط، والذكي يعرف مقال كل مقام. ثم إن «العلاقة» قيل: تعتبر من جهة المعنى المنقول عنه، الذي هو الحقيقي، وقيل: تعتبر من جهة المعنى المنقول إليه؛ لأنه المدار، وقيل: تعتبر من جهتهما؛ رعاية لحقيهما.
واعلم أن اللفظ الواحد قد يكون صالحًا بالنسبة إلى معنًى واحد لأنْ يكون مجازًا مرسلًا واستعارة باعتبارين.
(٦) سُمي عقليًّا؛ لأن التجوز فهم من «العقل» لا من «اللغة» كما في المجاز اللغوي.
(٧) أبا المسك: كنية كافور الإخشيدي، والبيض: السيوف، يقول: أرجو منك أن تنصرني على أعدائي، وأن توليني عزًّا أتمكن به منهم، وأخضب سيوفي بدمائهم.
(٨) يقول: وأرجو أن أبلغ بك يومًا يغتاظ فيه حسادي؛ لما يرون من إعظامك لقدري، وكذلك أرجو أن أبلغ بك حالة تساعدني على الانتقام منهم، فأتنعم بشقائي في حربهم.
(٩) يعوذها: يحصنها، ورقية: ما يُرقى بها الإنسان من عين حاسد.
(١٠) يجوز أن تكون «عاصم» مستعملة في حقيقتها، ويكون المعنى لا شيء يعصم الناس من قضاء الله إلا من رحمه الله منهم، فإنه تعالى هو الذي يعصمه.
(١١) المجاز المرسل: يوسع اللغة، ويعين على الافتتان في التعبير، ويساعد الكاتب والخطيب على إيراد المعنى الواحد بصور مختلفة، وقد تدعو إليه كما في «الطراز» حلية لفظية: من تقفية، أو ضرورة شعرية، أو مشاكلة، أو اختصار، أو خفة في لفظه، وكثيرًا ما يكون الداعي إليه راجعًا إلى المعنى.
(١٢) الأنافي: عظيم الأنف، عن البلاغة الواضحة.
(١٣) تمطى: تمدد، والصلب: عظم في الظهر من لدن الكاهل إلى العجب، والعجز: مؤخر الجسم، والكلكل: الصدر أو ما بين الترقوتين.
(١٤) الأرزاء: المصائب. والغشاء: الغِلاف. والنبال: السهام.
(١٥) النصال: حدائد السهام.
(١٦) فأصل الاستعارة: تشبيه حذف أحد طرفيه ووجه شبهه وأداته، ولكنها أبلغ منه؛ لأن التشبيه مهما تناهى في المبالغة فلا بد فيه من ذكر المشبه والمشبه به، وهذا اعتراف بتباينهما، وأن العلاقة ليست إلا التشابه والتداني، فلا تصل إلى حد الاتحاد، بخلاف الاستعارة ففيها دعوى الاتحاد والامتزاج، وأن المشبه والمشبه به صارا معنًى واحدًا، يصدق عليهما لفظ واحد، فالاستعارة «مجاز لغوي» لا عقلي، علاقته المشابهة.
واعلم أن حسن الاستعارة «غير التخييلية» لا يكون إلا برعاية جهات التشبيه؛ وذلك بأن يكون وافيًا بإفادة الغرض منه؛ لأنها مبنية عليه، فهي تابعة له حسنًا وقبحًا.
(١٧) يعني أن الاستعارة تقتضي إدخال المشبه في جنس المشبه به؛ ولذلك لا تكون علمًا؛ لأن الجنس يقتضي العموم، والعلم ينافي ذلك بما فيه من التشخص، إلا إذا كان العلم يتضمن وصفية قد اشتهر بها «كسحبان» المشهور بالفصاحة، فيجوز فيه ذلك؛ لأنه يستفيد الجنسية من الصفة، نحو: «سمعت اليوم سحبان»؛ أي: خطيبًا فصيحًا، وهلم جرًّا.
(١٨) «معنى تصريحية»؛ أي: مصرح فيها باللفظ الدال على المشبه به المراد به المشبه، وتُسمى أيضًا تحقيقية، و«معنى مكنية»؛ أي: مخفي فيه لفظ المشبه به؛ استغناء بذكر شيء من لوازمه، فلم يذكر فيها من أركان التشبيه سوى المشبه.
(١٩) أي: وهذا مذهب السلف، وكذا «الزمخشري» صاحب الكشاف، وأما مذهب «السكاكي» فظاهر كلامه يُشعر بأن الاستعارة بالكناية لفظ المشبه.
أي: كلفظ المنية في نحو: «أظفار المنية نشبت بفلان» المستعمل في المشبه به بادعاء أنه عينه عين المشبه به، وحينئذ يصير للمشبه به «فردان» أحدهما حقيقي، والآخر ادعائي، فالمنية مراد بها السبع، بادعاء السبعية لها، وإنكار أن تكون شيئًا آخر غير السبع بقرينة إضافة الأظفار التي هي من خواصر المشبه به وهو السبع.
وأنكر «السكاكي» «التبعية» بمعنى أنها مرجوحة عنده، واختار ردها إلى قرينة المكنية، ورد قرينتها إلى نفس المكنية، ففي: «نطقت الحال» مثلًا: يقدر القوم أن «نطقت» استعارة تبعية، والحال قرينة لها، وهو يقول: إن الحال استعارة بالكناية، ونطقت قرينتها، وفي كلامه نظر من وجهين:
  • الأول: أن لفظ المشبه لم يُستعمل إلا في معناه الحقيقي، فلا يكون استعارة.
  • الثاني: أنه صرح بأن «نطقت» مستعارة للأمر الوهمي؛ أي: المتوهم إثباته للحال؛ تشبيهًا بالنطق الحقيقي، فيكون استعارة، والاستعارة في الفعل لا تكون إلا تبعية، فيلزمه القول بالتبعية، وأجيب عنه بأجوبة تطلب من المطولات.
وأما مذهب «الخطيب» فإنه يقول: إن الاستعارة بالكناية هي التشبيه المضمر أركانه سوى المشبه المدلول عليه بإثبات لازم المشبه به للمشبه، ويلزم على مذهبه أنه لا وجه لتسميتها استعارة؛ لأن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة، أو استعمال اللفظ المذكور، والتشبيه غير ذلك، بل هو فعل من أفعال النفس.
«تنبيه»: المشبه في مواد الاستعارة بالكناية لا يجب أن يكون مذكورًا بلفظ المشبه به، فيجوز ذكره بغير لفظه، كأن يشَبَّه شيء كالنحافة واصفرار اللون بأمرين كاللباس والطعم المر البشع، ويستعمل لفظ أحد الأمرين فيه، ويثبت له شيء من لوازم الآخر، كما في قوله تعالى: فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ فإنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من النحافة واصفرار اللون باللباس؛ لاشتماله على اللابس، واشتمال أثر الضرر على من به ذلك، فاستعير له اسمه، وشبه ما غشي الإنسان عند الجوع «أي ما يدرك من أثر الضرر والألم باعتبار أنه مدرك من حيث الكراهية» بما يدرك من الطعم المر البشع، حتى أوقع عليه الإذاقة، فتكون الآية مشتملة على الاستعارة المصرحة نظرًا إلى الأول، والمكنية نظرًا إلى الثاني، وتكون الإذاقة تخييلًا بالنسبة للمكنية، وتكون تجريدًا بالنسبة إلى المصرحة؛ لأنها تلائم المشبه، وهو النحافة والاصفرار؛ لأنها مستعارة للإصابة، وكثرت فيها حتى جرت مجرى الحقيقة.
ويقال: شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر باللباس بجامع الاشتمال في كل، واستعير اسم المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية، وطريق إجراء الاستعارة الثانية أن يقال: شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر بالطعم المر البشع، بجامع الكراهة في كل، واستعير لفظ المشبه به للمشبه، ثم حذف، وأثبت له شيء من لوازمه، وهو «الإذاقة» على سبيل الاستعارة المكنية، وإثبات الإذاقة تخييل.
وطريق إجراء الاستعارة الثالثة أن يقال: شبهت الإذاقة المتخيلة بالإذاقة المتحققة، واستعيرت المتحققة، للمتخيلة على سبيل التخييلية على مذهب «السكاكي».
(٢٠) اعلم أن المذاهب في التخييلية أربعة:
  • الأول: مذهب السلف والخطيب: هو أن جميع أفراد قرينة المكنية مستعملة في حقيقتها، والتجوز إنما هو في «الإثبات لغير ما هو له» المسمى استعارة تخييلية، فهما متلازمان، وهي من المجاز العقلي.
  • الثاني: مذهب السكاكي: وهو أن قرينة المكنية، تارة تكون تخييلية؛ أي مستعارة لأمر وهمي، كأظفار المنية، وتارة تكون تحقيقية؛ أي مستعارة لأمر محقق «كابلعي ماءك»، وتارة تكون حقيقية «كأنبت الربيع البقل» فلا تلازم بين التخييلية والمكنية، بل يوجد كل منهما بدون الآخر. وقد استدل السكاكي على انفراد التخييلية عن المكنية بقوله:
    لا تسقني ماء الملام فإنني
    صب قد استعذبت ماء بكائي

    فإنه قد توهم أن للملام شيئًا شبيهًا بالماء، واستعارة اسمه له استعارة تخييلية غير تابعة للمكنية، ورده العلامة «الخطيب» بأنه لا دليل له فيه؛ لجواز أن يكون فيه استعارة بالكناية، فيكون قد شبه الملام بشيء مكروه له ماء، وطوى لفظ المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الماء على طريق التخيل.

    وأن يكون من باب إضافة المشبه به إلى المشبه، والأصل: «لا تسقني الملام» التشبيه بالماء، وأيضًا لا يخفى ما في مذهب السكاكي من التعسف؛ أي الخروج عن طريق الجادة؛ لما فيه من كثرة الاعتبارات؛ وذلك أن المستعير يحتاج إلى اعتبار أمر وهمي، واعتبار علاقة بينه وبين الأمر الحقيقي، واعتبار قرينة دالة على أن المراد من اللفظ الأمر الوهمي، فهذه اعتبارات ثلاثة لا يدل لها دليل، ولا تمس إليها حاجة.

  • الثالث: مذهب صاحب الكشاف: وهو أنها تكون تارة مصرحة تحقيقية، وتارة تكون تخييلية؛ أي مجازًا في الإثبات.
  • الرابع: مذهب صاحب السمرقندية: وهو مثل مذهب صاحب الكشاف، غير أن الفرق بينهما أن مدار الأقسام عند صاحب الكشاف على الشيوع وعدمه، وعند صاحب «السمرقندية» على الإمكان وعدمه.
«تنبيه»: الفرق بين ما يُجعل قرينة للمكنية وبين ما يُجعل نفسه تخييلًا على مذهب السكاكي، أو استعارة تحقيقية على مذهب صاحب الكشاف في بعض المواد، وعلى مختار صاحب السمرقندية كذلك أو إثباته تخييلًا على مذهب «السلف وصاحب الكشاف» في بعض المواد، وعلى مختار «صاحب السمرقندية» كذلك، وبين ما يجعل زائدًا عليها «قوة الاختصاص»؛ أي: الارتباط بالمشبه به، فأيهما أقوى ارتباطًا به فهو «القرينة» وما سواه «ترشيح» وذلك كالنشب في قولك: «مخالب المنية نشبت بفلان» فإن «المخالب» أقوى اختصاصًا وتعلقًا بالسبع من «النشب»؛ لأنها ملازمة له دائمًا، بخلاف النشب.
(٢١) يقال في إجراء الاستعارة في الآية الأولى: شبهت الضلالة بالظلمة بجامع عدم الاهتداء في كلٍّ، واستعير اللفظ الدال على المشبه به — وهو الظلمة — للمشبه وهو الضلالة على الاستعارة التصريحية الأصلية.
(٢٢) ويقال في إجراء الاستعارة في الآية الثانية: شبه الذل بطائر، واستعير لفظ المشبه به وهو الطائر للمشبه وهو الذل على طريق الاستعارة المكنية الأصلية، ثم حذف الطائر، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الجناح.
(٢٣) مثال الاستعارة التصريحية في الفعل: «نطقت الحال بكذا» وتقريرها أن يقال: شبهت الدلالة الواضحة بالنطق بجامع إيضاح المعنى في كل، واستعير النطق للدلالة الواضحة، واشتق من النطق بمعنى الدلالة الواضحة «نطقت» بمعنى «دلت» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ونحو: «يحيي الأرض بعد موتها» يقدر تشبيه تزيينها بالنبات ذي الخضرة والنضرة بالإحياء، بجامع الحسن أو النفع في كلٍّ، ويستعار الإحياء للتزيين، ويشتق من الإحياء بمعنى التزيين يحيي بمعنى يزين، استعارة تبعية لجريانها في الفعل تبعًا لجريانها في المصدر. هذا إذا كانت استعارة في الفعل باعتبار مدلول صيغته؛ أي «مادته وهو الحدث» وأما إذا كانت باعتبار مدلول «هيئته وهو الزمن» كما في قوله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللهِ فتقريرها أن يقال: شبه الإتيان في المستقبل بالإتيان في الماضي، بجامع تحقق الوقوع في كلٍّ، واستعير الإتيان في الماضي للإتيان في المستقبل، واشتق منه أتى بمعنى يأتي على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ونحو وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ؛ أي ينادي، شبه النداء في المستقبل بالنداء في الماضي بجامع تحقق الوقوع في كل، واستعير لفظ النداء في الماضي للنداء في المستقبل، ثم اشتق منه نادى بمعنى ينادي، ونحو قوله تعالى: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا إن قُدر المرقد مستعارًا للموت فالاستعارة أصلية، وإن قُدر لمكان الرقاد مستعارًا للقبر فالاستعارة تبعية؛ لأنها في اسم المكان، فلا يُستعار المرقد للقبر إلا بعد استعارة الرقاد للموت.
ومثال الاستعارة في اسم الفاعل: «لزيد قاتل عمرًا» إذا كان عمرو مضروبًا ضربًا شديدًا.
ومثالها في اسم المفعول: «عمرو مقتول لزيد» إذا كان زيد ضاربًا لعمرو ضربًا شديدًا، وإجراء الاستعارة فيهما أن يقال: شبه الضرب الشديد بالقتل بجامع شدة الإيذاء في كلٍّ، واستعير اسم المشبه به للمشبه، واشتق من القتل بمعنى الضرب الشديد قاتل أو مقتول، بمعنى ضارب أو مضروب على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثالها في الصفة المشبهة: «هذا حسن الوجه» مشيرًا إلى قبيحه، وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبه القبح بالحسن بجامع تأثر النفس في كل، واستعير الحسن للقبح تقديرًا، واشتق من أحسن بمعنى القبح حسن بمعنى قبيح، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية التهكمية.
ومثال الاستعارة في أفعل التفضيل: «وهذا أقتل لعبيده من زيد»؛ أي: أشد ضربًا لهم منه.
ومثال اسم الزمان والمكان: «هذا مقتل زيد» مشيرًا إلى مكان ضربه أو زمانه.
ومثال اسم الآلة: «هذا مفتاح الملك» مشيرًا إلى وزيره، وإجراؤها أن يقال: شبهت الوزارة بالفتح للأبواب المغلقة، بجامع التوسل إلى المقصود في كلٍّ، واستعير الفتح للوزارة، واشتُق منه مفتاح بمعنى وزير.
ومثال اسم الفعل المشتق: «نَزالِ» بمعنى انزل، تريد به ابعد، فتقول: شبهه معنى البعد بمعنى النزول بجامع مطلق المفارقة في كلٍّ، واستعير لفظ النزول لمعنى البعد، واشتق منه نزال بمعنى ابعد.
ومثال اسم الفعل غير المشتق: «صه» بمعنى اسكت عن الكلام، تريد به اترك فعل كذا، فتقول: شبه ترك الفعل بمعنى السكوت، واستعير لفظ السكوت لمعنى ترك الفعل، واشتق منه اسكت بمعنى اترك الفعل، وعبر بدل اسكت بصه.
ومثال المصغر: «رُجَيل» لمتعاطي ما لا يليق.
ومثال المنسوب: «قرشِي» للمتخلق بأخلاق قريش، وليس منهم.
ومثال الاستعارة في الحرف قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا وإجراؤها أن يقال: شُبهت المحبة والتبني بالعداوة والحزن اللذين هما العلة الغائبة للالتقاط بجامع مطلق الترتيب، واستعيرت اللام من المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية التبعية. واعلم أن اللام لم تستعمل في معناها الأصلي وهو العلة؛ لأن علة التقاطهم له أن يكون لهم ابنًا، وإنما استعملت مجازًا «لعاقبة الالتقاط» وهي كونه لهم عدوًّا، فاستعيرت العلة للعاقبة بجامع أن كلًّا منهما مترتب على الالتقاط، ثم استعيرت اللام تبعًا لاستعارتها، فالمستعار منه العلة والمستعار له العاقبة، والترتب على الالتقاط هو الجامع، والقرينة على المجاز استحالة التقاط الطفل ليكون عدوًّا.
وكقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وإجراؤها أن يقال: شبه مطلق استعلاء بمطلق ظرفية بجامع التمكن في كلٍّ، فسرى التشبيه من الكليين للجزئيات التي هي معاني الحروف فاستعير لفظ «في» الموضوع لكل جزئي من جزئيات الظرفية لمعنى «على» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثال المكنية التبعية في الاسم المشتق: «يعجبني إراقة الضارب دم الباغي» وإجراء الاستعارة أن يقال: شبه الضرب الشديد بالقتل بجامع الإيذاء في كلٍّ، واستعير القتل للضرب الشديد، واشتق من القتل القاتل بمعنى ضارب ضربًا شديدًا، ثم حُذف وأُثبت له شيء من لوازمه وهو الإراقة على سبيل الاستعارة المكنية التبعية.
ومثالها في الاسم المبهم قولك لجليسك المشغول عنك: «أنت مطلوب منك أن تسير إلينا الآن» شبه مطلقًا مخاطبًا بمطلق غائب فسرى التشبيه للجزئيات، واستعير الثاني للأول، ثم استعير بناء على ذلك ضمير الغائب للمخاطب، وحذف وذكر المخاطب، ورمز إلى المحذوف بذكر لازمه، وهو طلب السير منه إليك، وإثباته له تخييل.
واعلم أن استعارة الأسماء المبهمة — أعني الضمائر وأسماء الإشارة والموصولات — تبعية؛ لأنها ليست باسم جنس لا تحقيقًا ولا تأويلًا، ولأنها لا تستقل بالمفهومية؛ لأن معانيها لا تتم ولا تصلح لأن يُحكم عليها بشيء ما لم تصحب تلك الألفاظ في الدلالة عليها ضمنية تتم بها، كالإشارة الحسية والصلة والمرجع، فلا بد أن تعتبر التشبيه أولًا في كليات تلك المعاني الجزئية، ثم سريانه فيها؛ لتبني عليه الاستعارة.
مثلًا في استعارة لفظ «هذا» لأمر معقول: يشبه المعقول المطلق في قول التمييز بالمحسوس المطلق، فيسري التشبيه إلى الجزئيات، فيستعار لفظ هذا المحسوس الجزئي للمعقول الجزئي الذي سرى إليه التشبيه، فهي استعارة تبعية، والاستعارة في الضمير والموصول المؤنث أو بموصولها عنه لشبهه بها أو عكسه، فتشبه المذكر المطلق بالمؤنث، كالتعبير عن المذكر بضمير المطلق، فيسري التشبيه، فتستعير الضمير أو الموصول للجزء الخاص.
(٢٤) يقال في إجرائها: شبه اللزوم الشديد بالركوب، بجامع السلطة والقهر، واستعير لفظ المشبه به وهو الركوب للمشبه وهو اللزوم، ثم اشتق من الركوب بمعنى اللزوم ركب بمعنى لزم، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
(٢٥) يقال في إجرائها: شبه مطلق ارتباط بين مهدي وهدًى بمطلق ارتباط بين مستعلي ومستعلًى عليه بجامع التمكن في كلٍّ، فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات ثم استعيرت «على» من جزئي من جزئيات المشبه به لجزئي من جزئيات المشبه على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
(٢٦) يقال في إجرائها: شُبهت الإذاقة بالإلباس، واستعير الإلباس للإذاقة بجامع الاشتمال في كلٍّ، واشتق منه ألبس بمعنى أذاق، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، ثم حذف لفظ المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو اللباس، على طريق الاستعارة المكنية.
(٢٧) قد يراد بالاستعارة المعنى المصدري؛ أي: استعمال اللفظ في غير ما وضع له، فيكون اللفظ مستعارًا، والمشبه به مستعارًا منه، والمشبه مستعارًا له.
(٢٨) إذا لم يكن اللازم كذلك اعتُبر ترشيحًا، فالفرق بين الترشيح والتخييل:
  • (أ) أن الترشيح يكون في المصرحة والمكنية، والتخييل إنما يكون في المكنية.
  • (ب) أن التخييل به كمال المشبه به، أو قوامه في وجه الشبه، ولا يكون إلا كذلك.
(٢٩) وعلى مذهبهم لا تكون التخييلية «مجازًا لغويًّا»؛ لأنها فعل من أفعال النفس وهو الإثبات، والمجاز اللغوي من عوارض الألفاظ، وعلى مذهبهم أيضًا تتلازم المكنية والتخييلية، إلا أن أحدهم وهو «الزمخشري» انفرد من بينهم بأن قال: إن قرينة المكنية قد تكون تحقيقية إذا كان للمشبه لازم يشبه لازم المشبه به، نحو: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ فقد شبه العهد بالحبل، بجامع أن كلًّا يصل بين شيئين ويربطهما، فالعهد يربط المتعاهدين كما يُربط الشيئان بالحبل، ثم حذف لفظ المشبه به وهو الحبل، واستعير النقض وهو فك طاقات الحبل لإبطال العهد، بجامع الإفساد في كل «استعارة أصلية تحقيقية» ثم اشتق من النقض ينقضون بمعنى يبطلون، على سبيل الاستعارة «التحقيقية التبعية».
فالزمخشري يجمع بين المكنية والتحقيقية أحيانًا، على أن التحقيقية ليست مقصودة لذاتها، وإنما جاءت تبعًا للمكنية؛ للدلالة عليها، فلا تلازم عنده بين المكنية والتخييلية، إلا أن يدعي أن القرينة «تصريحية» باعتبار المعنى المقصود في الحالة الراهنة «تخييلية» باعتبار الإشعار بالأصل. أما غيره من السلف فتقول: شبه العهد بالحبل، وحذف لفظ الحبل، ورمز إليه بلازمه، وهو النقض وإثبات النقض للعهد تخييل.
(٣٠) من هذا التعريف نفهم أولًا أن «القزويني» يخالف السلف في تعريف المكنية، ويتفق معهم في قرينتها، ونفهم ثانيًا أن المكنية والتخييلية عند القزويني فعلان من أفعال النفس هما التشبيه والإثبات، فليسا من المجازي اللغوي؛ لأنه من عوارض الألفاظ، وتكون التخييلية عند القزويني والقوم «مجازًا عقليًّا»، لما فيها من إثبات الشيء لغير ما هو له. وإنما سموها «استعارة» لما فيها من نقل اللام من ملائمه الأصلي، وهو المشبه به إلى المشبه. وسموها تخييلية؛ لأن اللازم لما نقل من المشبه به إلى المشبه صار السامع يخيل إليه أن المشبه من جنس المشبه به. ونفهم ثالثًا أن لفظ اللازم في المكنية حقيقة عند «القزويني».
(٣١) تقرير الاستعارة على مذهب «السكاكي» أن يقال: شبهنا المنية التي هي الموت المجرد عن ادعاء السبعية بالسبع الحقيقي، وادعينا أنها فرد من أفراده، وأن للسبع فردين: فردًا متعارفًا وهو الحيوان المفترس، وفردًا غير متعارف وهو الموت الذي ادعيت له السبعية. واستعير اسم المشبه وهو المنية بمعنى ذلك الفرد غير المتعارف؛ أعني الموت الذي ادعيت له السبعية، فصح بهذا أنه قد أطلق اسم المشبه وهو المنية، وأريد به المشبه به وهو السبع.
(٣٢) يرى «السكاكي» أن التخييلية قد توجد من غير المكنية كقولهم: «أظفار المنية التي كالسبع نشبت بفلان»، ففي أظفار «استعارة تخييلية» وجدت مع تشبيه صريح، ولكن هذا بعيد؛ إذ لم يوجد له نظير في الكلام العربي، فالفرق بين السكاكي وغيره أن السكاكي يرى أن كل مكنية معها تخييلية ولا عكس، وغيره «إلا الزمخشري» يقول: إنهما متلازمان.
(٣٣) كذلك يدخل فيه الاسم المبهم، فقد جعل بعضهم استعارة الإشارة والضمير والموصول من التبعية؛ لأن كلًّا من هذه المبهمات ليس من اسم الجنس لا تحقيقًا ولا تأويلًا؛ إذ إن معانيها جزئية، والأصلية مختصة باسم الجنس، فإذا قلت: «هذا رأي حسن» فقد استعرت اسم الإشارة من المحسوس للمعقول، ويقال: شبه المعقول مطلقًا بالمحسوس مطلقًا في قبول التميز والتعبير، فسرى التشبيه من الكليات إلى الجزئيات، فاستعير لفظ «هذا» من جزئي المشبه به لجزئي المشبه استعارة تبعية؛ لقصد المبالغة في بيان تعيين المعقول، وإذا قلت لنسوة: «إني منتظركم» فقد شبهت مطلق مخاطبة فيها عظمة بمطلق مخاطب فيه عظمة، بجامع العظمة في كل، فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات، فاستعير ضمير جماعة الذكور من جزئي المشبه به لجزئي المشبه استعارة تبعية، وكذا إذا استعملت في المؤنث ما وضع من أسماء الموصول في المذكر.
وإذا عاد الضمير أو اسم الإشارة على مجاز نحو: «زارني هذا الأسد فأكرمته» فليس فيهما تجوز بناء على أن وضعهما أن يعودا على ما يراد بهما من حقيقة أو مجاز، وقيل: فيهما تجوز تبعًا لما يرجعان إليه، ويكونان مستعارين بناء على التشبيه والاستعارة في مرجعهما، فيدخلان في التبعية.
(٣٤) لو دخلت أن المصدرية على فعل مستعار نحو: «يسوءني أن يطغى الماء على قريتي» فالحق أنها تبعية، وأن المستعار هو الفعل وحده، وهو الذي حل محل يكثر أو يعلو، والعبرة باللفظ، والمصدر غير ملفوظ به، و«أن» إنما هي آلة في السبك أُتي بها لغرض هو تأويل مدخولها بمصدر، فإذا أدى بها هذا الغرض طُرحت كما تُطرح الآلة إثر إتمام العمل الذي يُؤدى بها. وقال بعضهم: إنها أصلية نظرًا للمصدر المؤول.
(٣٥) يراد بالصفة: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، ويلحق بها المصغر والمنسوب: «كرُجَيل» إذا أريد به رجل كبير يتعاطى ما لا يليق به، وكقرشي لمصري يتخلق بأخلاق القرشيين؛ فإن استعارتهما تابعة لاستعارة مصدرين لمشتقين، يؤدي هذان اللفظان معناهما «وهما صغير ومنتسب إلى قريش» شبه فعل ما لا يليق بالصغر، بجامع أن كلًّا يسقط الهيبة، واستعير لفظ الصغر لفعل ما لا يليق، ثم اشتق منه صغير بمعنى فاعل ما لا يليق، ثم عبر عن فاعل ما لا يليق بلفظ رجيل، أو شبه رجيل أو شبه مطلق فعل ما لا يليق بمطلق الصغر، فسرى التشبيه إلى فردي المشبه والمشبه به، وهما فاعل ما لا يليق ورجيل، ثم استعير بناء على التشبيه الحاصل بالسريان رجيل للكبير الذي يفعل فعل الصغير، وشبه التخلق بأخلاق قريش بالانتساب إليهم، واستعير الانتساب للتخلق، واشتق منه المنتسب بمعنى المتخلق بأخلاقهم، ثم عبر عن هذا بلفظ يؤديه وهو «قرشي» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
(٣٦) شبه الضرب بالقتل بجامع شدة الإيذاء في كلٍّ، ثم استعير للضرب الشديد على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، ثم اشتق منه «مقتال» بمعنى آلة الضرب على سبيل الاستعارة التبعية، وشبه الإعراض عن سوء القول وعدم سمعه بالصمم بجامع عدم تأثر النفس بالقول في كلٍّ، وكذلك شبه الإغضاء عن العورات بالعمى، بجامع عدم تأثر النفس بالمرئي في كلٍّ.
(٣٧) لأن كلًّا من الطغيان والنطق من شأن الإنسان.
(٣٨) لأن الضرب من شأن الخيام، لا من شأن الذلة التي هي أمر معنوي.
(٣٩) لأن القتل والإحياء لا يقعان إلا على ذي روح، والبخل والسماح معنويان لا روح فيهما؛ فدل هذا على أن المراد بالقتل الإزالة، وبالإحياء الإكثار، شبه الإزالة بالقتل بجامع ما يترتب على كل من العدم، والإكثار بالإحياء بجامع إظهار المتعلق في كلٍّ.
(٤٠) القرينة تعلق الفعل «صبح» بمرهفات وهي مفعول به ثانٍ، يقال: صبحه كقطع سقاه الصبوح، وهو شراب الغداة. ومرهفات؛ أي: سيوفًا مرهفات، يقال: أرهف السيف إذا حدده ورققه. وأباده: أهلكه. والأرومة الأصل. والضمير في أرومتها للخزرجية، وفي «ذووها» للمرهفات. يقول: أبدنا أصول هذه القبيلة بسيوفنا المرهفات. ونزل التضاد منزلة التناسب، فشبه الإساءة إلى الخزرجية صباحًا بالإحسان إليهم، وتقديم الصبوح لهم بجامع إدخال السرور على النفس في كلٍّ، وإن كان ادعائيًّا في المشبه، ثم استعار لفظ المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية العنادية التهكمية، ثم اشتُق من الصبوح بمعنى الضرب بالمرهفات «صبح» بمعنى ضرب بها على سبيل الاستعارة التبعية.
(٤١) الجفن غطاء العين وغلاف السيف، استعير لأكمام الزهر بجامع التغطية في كلٍّ، وكنى بسريان النوم فيها عن ذبولها، وإيقاظ مصدر أيقظ، مصدر مستعار لتفتيح الزهر، وإيجاد النضرة والبهجة فيه. وقد حسن التعبير بالإيقاظ مجيئه بعد النوم والأجفان. والمعنى: تهب الرياح على بساتين الحزن فتكسوها تفتيحًا وحسنًا ونضارة.
(٤٢) قوله: «بعذاب» قرينة على أن «بشر» مستعار؛ لأن التبشير بما يسر فلا يناسب تعلقه بالعذاب. وقوله: بِمَا تُؤْمَرُ كذلك؛ لأنه معنوي والصدع للمحسوس، كما أن الحق معنوي أيضًا، فكل منها كان صارفًا عن المعنى الأصلي للفعل إلى المعنى المجازي.
(٤٣) هذا على أن مرقد اسم مكان، وإلا فالاستعارة أصلية كما تقدم.
(٤٤) إيضاح: مثل الابتداء والظرفية والاستعارة معانٍ كلية، يصح أن تكون مستقلة بالفهم، يُحكم بها وعليها، وتكون مقصودة لذاتها، ولكن الابتداء المفهوم من لفظ «من» ابتداء مخصوص لم يقصد لذاته، بل الغرض منه الربط بين معنيين مستقلين بالفهم، هما السير والبصرة في قولك: «سرت من البصرة»؛ ولذا كان جزئيًّا بالنسبة للابتداء الأول، وما قيل في الابتداء يقال نظيره في الظرفية، والعلة الغائية والاستعلاء، وغيرها من المعاني التي تستفاد من الحروف نحو: «في، واللام، وعلى».
فأي معنًى يستفاد من الحرف في جملة ما يعتبر جزئيًّا من كلية، غير مقصود لذاته، بل للربط بين معنيين مستقلين، وتعتبر الحروف حينئذ روابط بين المعاني المقصودة.
(٤٥) العداوة والحزن علة واقعية للالتقاط.
(٤٦) العلة الغائية لفعل هي التي تحمل على تحصيله لتحصل بعد حصوله، كتبني فرعون لموسى، ومحبة موسى إياه؛ لأن فرعون وآله إنما كفلوه بعد التقاطه لذلك.
(٤٧) إلا أن الترتب في الغائية «رجائي أو تقديري»، وفي العداوة والحزن «واقعي».
(٤٨) جزءا المشبه هنا هو ترتب العداوة والحزن الخاصين المتعلقين ﺑ «موسى».
(٤٩) جزءا المشبه به هنا هو ترتب علة الالتقاط الخاصة، وهي تبني موسى والمحبة؛ لأنهما متقدمان على كفالته بعد الالتقاط، ومرتبان عليه في الخارج.
(٥٠) شبه مطلق ارتباط بين مستعلٍ ومستعلًى عليه بمطلق ارتباط بين ظرف ومظروف بجامع التمكن، أو مطلق الارتباط في كلٍّ، فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات، فاستعير لفظ «في» من جزئيات المشبه به لجزئي من جزئيات المشبه استعارة تبعية.
(٥١) شبه مطلق ارتباط بين مهدي وهدًى بمطلق ارتباط بين مستعلٍ ومستعلًى عليه، بجامع مطلق الارتباط في كل، فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات، فاستعير لفظ «على» من جزئيات المشبه به لجزئي المشبه استعارة تبعية.
(٥٢) شبه مطلق ملابسة الإنسان للنعمة بمطلق ملابسة بين ظرف ومظروف بجامع مطلق الملابسة في كلٍّ، فسرى التشبيه من الكليين إلى الجزئيات، فاستعير لفظ «في» من جزئيات المشبه به لجزئي من جزئيات المشبه استعارة تبعية.
(٥٣) الجامع في الاستعارة بمثابة «وجه الشبه» في التشبيه، وهو ما قُصد اشتراك الطرفين فيه، وسُمي جامعًا؛ لأنه جمع المشبه في أفراد المشبه به تحت مفهومه، وأدخله في جنسه ادعاء. ولا بد أن يكون في المستعار منه أقوى؛ لأن الاستعارة مبنية على المبالغة في التشبيه، والمبالغة فيه توجب إبلاغ المشبه لما هو أكمل.
وينقسم الجامع إلى داخل وخارج:
  • فالأول: ما كان داخلًا في مفهوم الطرفين، نحو قوله تعالى: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا فاستعير التقطيع الموضوع لإزالة الاتصال بين الأجسام الملتصق بعضها ببعض لتفريق الجماعة وإبعاد بعضها عن بعض، والجامع إزالة الاجتماع، وهي داخلة في مفهومها، وهي في القطع أشد.
  • والثاني: وهو ما كان خارجًا عن مفهوم الطرفين، نحو: «رأيت أسدًا»؛ أي: رجلًا شجاعًا، فالجامع وهي الشجاعة أمر عارض للأسد، لا داخل في مفهومه.
وينقسم الجامع أيضًا باعتباره وباعتبار الطرفين إلى ستة أقسام؛ لأن الطرفين إما حسيان، وإما عقليان «أو المستعار منه حسي والمستعار له عقلي أو بالعكس» والجامع في الأول من الصور الأربع تارة يكون حسيًّا وتارة يكون عقليًّا وأخرى مختلفًا، وفي الثلاث الأخيرة لا يكون إلا عقليًّا.
مثال ما إذا كان الطرفان حسيين والجامع كذلك قوله تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فإن المستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان المصوغ من «حلي القبط» بعد سبكها بنار السامري، وإلقاء التراب المأخوذ من أثر فرس جبريل عليه السلام، والجامع لهما الشكل والخوار، فإنه كان على شكل ولد البقر، مما يدرك بحاسة البصر «وبحث بعضهم بأن إبدال جسدًا من عجلًا يمنع الاستعارة».
ومثال ما إذا كان الطرفان حسيين والجامع عقلي قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ؛ أي: نكشف ونزيل الضوء من مكان الليل، وموضع ظلمته، فإن المستعار منه — أعني السلخ — وهو كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها، والمستعار إزالة الضوء عن مكان الليل وموضع ظلمته، وهما حسيان.
والجامع لهما ما يعقل من ترتب أمر على آخر بحصوله عقبه، كترتب ظهور اللحم على السلخ والكشط، وترتب حصول الظلمة على إزالة ضوء النهار عن مكان ظلمة الليل، والترتب عقلي، وإجراء الاستعارة شبه كشف الضوء عن الليل بكشط الجلد عن نحو الشاة، بجامع ترتب ظهور شيء على شيء في كلٍّ، واستعير لفظ المشبه به وهو «السلخ» للمشبه، وهو كشف الضوء، واشتق منه «نسلخ» بمعنى نكشف، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثال ما إذا كان الطرفان حسيين، والجامع بعضه حسي وبعضه عقلي قولك: «رأيت بدرًا يضحك» تريد شخصًا مثل «البدر» في حسن الطلعة وعلو القدر، فحسن الطلعة حسي، وعلو القدر عقلي.
ومثال ما إذا كان الطرفان عقليين — ولا يكون الجامع فيهما إلا عقليًّا كباقي الأقسام — قوله تعالى: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا، فإن المستعار منه «الرقاد»؛ أي النوم، والمستعار له الموت، والجامع بينهما عدم ظهور الأفعال الاختيارية «والجميع عقلي» وإجراء الاستعارة: شبه الموت بالنوم بجامع عدم ظهور الفعل في كلٍّ، واستعير لفظ المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية.
وقال بعضهم: عدم ظهور الفعل في الموت أقوى، وشرط الجامع أن يكون في المستعار منه أقوى، فليجعل الجامع هو «البعث» الذي هو في النوم أظهر، وقرينة الاستعارة أن هذا الكلام كلام الموتى مع قوله: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ، وعلى هذا يقال: شبه الموت بالرقاد، بجامع عدم ظهور الفعل في كلٍّ، واستعير الرقاد للموت، واشتق منه «مرقد» اسم مكان الرقاد، بمعنى قبر؛ اسم مكان الموت، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثال ما إذا كان المستعار منه حسيًّا والمستعار له عقليًّا قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ، فإن المستعار منه كسر الزجاجة، وهو أمر حسي، باعتبار متعلقه، والمستعار له التبليغ جهرًا، والجامع التأثير الذي لا يمكن معه رد كل منهما إلى ما كان عليه؛ أي: أُظهر الأمر إظهارًا لا ينمحي، كما أن صدع الزجاجة لا يلتئم.
وإجراء الاستعارة: شبه التبليغ جهرًا بكسر الزجاجة، بجامع التأثير الشديد في كلٍّ، واستعير المشبه به وهو «الصدع» للمشبه وهو التبليغ جهرًا، واشتق منه «اصدع» بمعنى «بلغ جهرًا» على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثال ما إذ كان المستعار منه عقليًّا والمستعار له حسيًّا قوله تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ فإن المستعار له كثرة الماء كثرة مفسدة وهي حسية، والمستعار منه التكبر، والجامع الاستعلاء المفرط، وهما عقليان.
وإجراء الاستعارة: شبهت كثرة الماء المفرطة بمعنى الطغيان وهو مجاوزة الحد، بجامع الاستعلاء المفرط في كلٍّ، واستعير لفظ المشبه به وهو الطغيان للمشبه وهو الكثرة المفرطة، واشتق منه «طغى» بمعنى «كثر كثرة مفرطة» على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
«تنبيه»: الاستعارة المكنية تنقسم أيضًا «إلى أصلية … وإلى تبعية» و«إلى مرشحة … وإلى مجردة … وإلى مطلقة» كما انقسمت التصريحية إلى مثل ذلك.
فالمكنية الأصلية: هي ما كان المستعار فيهما اسمًا غير مشتق، كالسبع المتقدم، والتبعية هي ما كان المستعار فيها اسمًا مشتقًّا، فلا تكون في الفعل ولا في الحرف، ومثالها في الاسم المشتق: «يعجبني إراقة الضارب دم الظالم» فقد شبه الضرب الشديد بالقتل بجامع الإيذاء في كلٍّ، واستعير القتل للضرب الشديد، ثم حذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الإراقة، على طريق الاستعارة المكنية التبعية.
فالاستعارة التخييلية عند الجمهور: هي نفس إثبات اللازم المستعمل في حقيقته، وهي من المجاز العقلي، وإنما سميت استعارة؛ لأنه استعير ذلك الإثبات من المشبه به للمشبه، وسميت تخييلية؛ لأن إثباته للمشبه خيل اتحاده مع المشبه به، فقولنا: «أظفار المنية نشبت بفلان» فلفظ «أظفار» في هذا التركيب مستعمل في حقيقته «وإنما التجوز في إثباته للمنية»؛ أي أن ذلك الإثبات إثبات للشيء إلى غير ما هو له، فعند الجمهور: التخييلية لا تفارق المكنية؛ لأنها قرينتها.
والاستعارة المكنية المرشحة: هي ما قُرنت بما يلائم المشبه فقط، نحو: «نطق لسان الحال بكذا» شبهت «الحال» بمعنى الإنسان، واستعير لفظ المشبه به للمشبه، وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «لسان» وإثبات اللسان للحال تخييل، وهو القرينة، والنطق ترشيح؛ لأنه يلائم المشبه به فقط، وترشيح المكنية فيه خلاف مبسوط في المطولات.
والمكنية المجردة: هي ما قُرنت بما يلائم المشبه فقط، نحو: «نطقت الحال الواضحة بكذا» فالوضوح تجريد؛ لأنه يلائم المشبه لا المشبه به، أو قُرنت بما يلائهما معًا، نحو: «نطقت الحال بكذا» ونطق لسان الحال الواضحة بكذا، ففي الأول شبهت الحال بإنسان واستعير لها اسمه، وحُذف ورُمز إليه بشيء من لوازمه وهو النطق، وإثبات النطق للحال تخييل، وهي مجردة؛ لأنها لم تقترن بشيء يلائمها.
وفي الثاني شبهت الحال بإنسان واستعير له اسمه، وحذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو «لسان» وإثباته للحال تخييل، وهو القرينة، والنطق ترشيح؛ لأنه يلائم المشبه به، والوضوح تجريد؛ لأنه يلائم المشبه، ولما تعارضا سقطا.
وتنقسم المكنية أيضًا إلى: عنادية، نحو: «أنشبت المنية أظفارها بفلان»؛ لأنه لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد «يكون منية وسبعًا».
ووفاقية، نحو: «نطقت الحال بكذا»؛ لأنه يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد كالحال مع الإنسان.
(٥٤) المجاز المركب: هو تركيب استُعمل في ما يشبه بمعناه الأصلي «تشبيه التمثيل».
(٥٥) سميت تمثيلية مع أن التمثيل عام في كل استعارة؛ للإشارة إلى عظم شأنها، كأن غيرها ليس فيه تمثيل أصلًا؛ إذ الاستعارة التمثيلية مبينة على تشبيه التمثيل، ووجه الشبه فيه هيئة منتزعة من متعدد، لهذا كان أدق أنواع التشبيه، وكانت الاستعارة المبنية عليه أبلغ أنواع الاستعارات،؛ ولذلك كان كل من تشبيه التمثيل والاستعارة التمثيلية غرض البلغاء.
(٥٦) أصل المثل: أن امرأة كانت متزوجة بشيخ غني، فطلبت طلاقها منه في زمن الصيف لضعفه، فطلقها وتزوجت بشاب فقير، ثم طلبت من مطلقها لبنًا وقت الشتاء، فقال لها ذلك المثل.
وإجراء الاستعارة في المثل الأول أن يقال: شُبهت هيئة من فرط في أمر زمن إمكان تحصيله بهيئة المرأة التي طلقت من الشيخ للابن، ثم رجعت إليه تطلب منه اللبن شتاء، بجامع التفريط في كلٍّ، واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
وإجراء الاستعارة في المثل الثاني أن يقال: شبهت هيئة من يتردد في أمر بين أن يفعله وألا يفعله بهيئة من يتردد في الدخول، فتارة يقدم رجله، وتارة يؤخرها بجامع الحيرة في كلٍّ، واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
وإجراء الاستعارة في المثل الثالث: شبهت هيئة من يظلم من وجهين بهيئة رجل باع آخر تمرًا رديئًا وناقص الكيل، بجامع الظلم من وجهين في كل، واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
وإجراء الاستعارة في المثل الرابع: شبهت هيئة الرجل المتستر تحت أمر ليحصل على أمر خفي يريده بهيئة الرجل المسمى «قصيرًا» حين جدع أنفه ليأخذ بثأر «جذيمة» من «الزباء» بجامع الاحتيال في كلٍّ، واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
وإجراء الاستعارة في المثل الخامس أن يقال: شبهت هيئة الرجل الكريم الأصل العزيز النفس — الذي لا يفضل الدنايا على الرزايا عندما تزل به القدم — بهيئة المرأة التي تفضل جوعها على إجارتها للإرضاع عند فقرها، بجامع ترجيح الضرر على النفع في كلٍّ، واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
وإجراء الاستعارة في المثل السادس: شبهت هيئة من يريد أن يعمل عملًا وحده وهو عاجز عنه بهيئة من يريد أن يصفق بيد واحدة، بجامع العجز في كلٍّ، واستعير الكلام الموضوع للمشبه به وللمشبه على سبيل الاستعارة التمثيلية.
وإجراء الاستعارة في المثل السابع: شبهت هيئة الرجل الذي يحصل بوجوه فصل المشكلات بهيئة نبي الله موسى عليه السلام مع سحرة فرعون، بجامع حسم النزاع في كلٍّ، واستمر الكلام الموضوع للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
وإجراء الاستعارة في المثل الثامن: شبهت هيئة الرجل الذي لا يقول إلا الحق ولا يخبر إلا بالصدق بهيئة المرأة المسماة «حذامِ» بجامع الصدق في كلٍّ، واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه، على طريق الاستعارة التمثيلية.
(٥٧) أصل هذا المثل أن قومًا اجتمعوا للتشاور في الصلح بين حيين من العرب، قتل رجل من أحدهما رجلًا من الآخر، وبينما خطباؤهم يتكلمون إذا بجارية تُدعى «جهيزة» أقبلت فأخبرتهم أن أولياء المقتول ظفروا بالقاتل، فقتلوه، فقال أحدهم: «قطعت جهيزة قول كل خطيب» فذهب قوله مثلًا.
(٥٨) وإجراء الاستعارة في المثل التاسع: شبهت حال المصلح يبدأ الإصلاح ثم يأتي غيره فيبطل عمله بحال البنيان ينهض به حتى إذا أوشك أن يتم جاء من يهدمه، والجامع هو الحالة الحاصلة من عدم الوصول إلى الغاية؛ لوجود ما يفسد على المصلح إصلاحه، ثم حذف المشبه، واستعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه.
(٥٩) الأمثال: هي عبارات موجزة مأثورة، تشبه الناس بها جديد أحوالهم بقديمها، وهي نوعان: حقيقة، وفرضية.
  • فالحقيقية: هي ما حدث موردها في الوجود.
  • والفرضية: ما لم يحدث موردها في الوجود، وإنما اخترعت على لسان حيوان أو غيره.
ولكل مثل «مورد» وهو الحالة القديمة التي قيل فيها لأول مرة.
ولكل مثل «مضرب» وهو الحالة الجديدة التي استعير لها.
وكما تكون الأمثال نثرًا تكون شعرًا، وتضرب كما وردت دون تغيير في لفظها.

•••

 «للأمثال الحقيقية أسباب ونتائج تفيد المجتمع الإنساني:
منها: كونها مرآة صقيلة للمواعظ والعبر.
ومنها: كونها مقياسًا لرقي الأمة ولسان أخلاقها.
ومنها: كونها مجموعة نفيسة من السلف إلى الخلف.
أما الأمثال الفرضية فهي عظة للعاقل ومسلاة للجاهل.
وأشهر الكتب الجامعة للأمثال:
  • «كتاب مجمع الأمثال» للميداني.

  • «جمهرة الأمثال» لأبي هلال العسكري.

  • «العقد الفريد» لابن عبد ربه.

  • «كتاب كليلة ودمنة» لابن المقفع؛ وغيرهم.

ولا يُسمى القول مثلًا إلا إذا سار وذاع بين الناس جميعًا.
ومما تقدم شرحه في تشبيه التمثيل، والاستعارة التمثيلية — يُعلم الفرق بين كل منهما في الجدول الآتي للموازنة بينهما.»
تشبيه التمثيل الاستعارة التمثيلية
(١) تشبيه التمثيل: يذكر فيه المشبه والأداة. (١) الاستعارة التمثيلية: لا تكون إلا في التراكيب.
(٢) تشبيه التمثيل: يجوز أن يكون بين مفردين، مثل: المنافق كالحرباء. (٢) الاستعارة التمثيلية: نوع من المجاز فهي لذلك أبلغ منه.
(٣) تشبيه التمثيل: لا يصلح استعارة دون حذف. (٣) الاستعارة التمثيلية: تحتاج إلى قرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي.
(٤) تشبيه التمثيل: لا يحتاج إلى قرينة معه تدل على حقيقته. (٤) الاستعارة التمثيلية: يحذف منها المشبه والأداة، ولا يبقى فيها من أركان التشبيه إلا ما كان مشبهًا به فقط.
(٥) تشبيه التمثيل: نوع من الحقيقة. (٥) الاستعارة التمثيلية: تصلح مشبهًا به دون حذف، والتشبيه معها أكثر ما يكون غير تمثيل.
(٦٠) وتنقسم التمثيلية إلى قسمين: تحقيقية وتخييلية:
  • فالتحقيقية: هي المنتزعة من عدة أمور متحققة موجودة خارجًا، كما في الأمثلة السابقة.
  • والتخييلية: هي المنتزعة من عدة أمور متخيلة مفروضة لا تحقق لها في الخارج ولا في الذهن.
وتُسمى الأولى «تمثيلية حقيقية» والثانية «تخييلية» كقوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا الآية على احتمال فيها، فإنه لم يحصل عرض وإباء وإشفاق منها حقيقة، بل هذا تصوير وتمثيل، بأن يفرض تشبيه حال التكاليف في ثقل حملها وصعوبة الوفاء بها بحال أنها عرضت على هذه الأشياء — مع كبر أجرامها، وقوة متانتها — فامتنعن وخفن من حملها، بجامع عدم تحقق الحمل في كلٍّ، ثم استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه استعارة تمثيلية.
ونحو قوله تعالى: فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فإن معنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فكانتنا كما أراد، فالغرض تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما عنها، وتمثيل ذلك بحالة الآمر المطاع لهما، وإجابتهما له بالطاعة فرضًا وتخييلًا من غير أن يتحقق شيء من الخطاب والجواب. هذا أحد وجهين في الآيتين كما في «الكشاف» فارجع إليه.
(٦١) الصريع: المطروح على الأرض. وتقاضاه: أصله تتقاضاه بحذف إحدى التاءين، وهو من قولهم: «تقاضى الدائن دينه إذا قبضه». والحُشاشة: بقية الروح في المريض والجريح. يصفه بأنه ملقًى على الأرض يلفظ النفس الأخير من حياته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤