في المحسنات المعنوية
(١) التورية
واصطلاحًا: هي أن يذكر المتكلم لفظًا مفردًا له معنيان، أحدهما قريب غير مقصود ودلالة اللفظ عليه ظاهرة، والآخر بعيد مقصود، ودلالة اللفظ عليه خَفِيَّة، فيتوهَّم السَّامع أنه يريد المعنى القريب، وهو إنَّما يريد المعنى البعيد بقرينة تشير إليه ولا تُظهره، وتستره عن غير المتيقظ الفطِن، كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ أراد بقوله: «جرحتم» معناه البعيد، وهو ارتكاب الذنوب، ولأجل هذا سُمِّيت التَّورية «إيهامًا وتخييلًا».
وكقول سراج الدين الورَّاق:
وكقوله:
وكقوله:
(٢) الاستخدام
- فالأول: كقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ أريد أولًا بالشهر «الهلال» ثم
أُعيد عليه الضمير أخيرًا بمعنى أيام رمضان.
وكقوله معاوية بن مالك:
إذا نزل السماء بأرض قومرعيناه وإن كانوا غضاباأراد بالسماء «المطر»، وبضميره في «رعيناه» «النَّبات»٣ وكلاهما معنًى مجازي للسماء. - والثاني: كقول البحتري:
فسقى الغضا والسَّاكنيه وإن هُموشبُّوه بين جوانحي وضلوعي
الغضا: شجر بالبادية، وضمير ساكنيه أولًا راجع إلى الغضا باعتبار «المكان»، وضمير شبوه عائد ثانيًا إلى الغضا «بمعنى النار الحاصلة من شجر الغضا» وكلاهما مجاز للغضا.
(٣) الاستطراد
الاستطراد: هو أن يخرج المتكلم من الغرض الذي هو فيه إلى غرض آخر لمناسبة بينهما، ثم يرجع فينتقل إلى إتمام الكلام الأول، كقول السموءل:
فسياق القصيدة للفخر بقومه، وانتقل منه إلى هجو قبيلتي «عامر وسلول»، ثم عاد إلى مقامه الأول وهو الفخر بقومه، وكقوله:
(٤) الافتنان
الافتنان: هو الجمع بين فنَّين مختلفين: «كالغزل، والحماسة» و«المدح، والهجاء» و«التعزية والتهنئة» كقول عبد الله بن همام السلولي — جامعًا بين التعزية والتهنئة — حين دخل على يزيد، وقد مات أبوه معاوية، وخلفه هو في الملك: «آجرك الله على الرَّزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية؛ فقد رُزئتَ عظيمًا، وأُعطيت جسيمًا، فاشكر الله على ما أُعطيت، واصبر على ما رُزيت، فقد فَقدت الخليفة، وأُعطيت الخلافة، ففارقت خليلًا ووُهِبْتَ جليلًا.
وكقول عنترة يُخاطب عبلة:
(٥) الطباق٤
الطباق: هو الجمع بين لفظين متقابلين في المعنى، وهما قد يكونان اسمين، نحو قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وكقوله تعالى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ.
أو فعلين، نحو قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا، وكقوله تعالى: ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا.
أو حرفين، نحو قوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.
ونحو قوله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ.
فيكون تقابل المعنيين وتخالفهما مما يزيد الكلام حسنًا وطرافة.
(٦) المقابلة
المقابلة: هي أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معانٍ متوافقة، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب، كقوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وكقوله تعالى: يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ.
وقال عليه الصلاة والسلام للأنصار: «إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلُّون عند الطمع.» وقال خالد بن صفوان يصف رجلًا: ليس له صديق في السر ولا عدو في العلانية.
وكقوله:
وكقوله:
وكقوله:
وكقوله:
(٧) مراعاة النظير٦
مراعاة النظير: هي الجمع بين أمرين أو أمور متناسبة، لا على جهة التضاد، وذلك إما بين اثنين، نحو قوله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وإما بين أكثر، نحو قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ.
ويلحق بمراعاة النظير ما بُني على المناسبة في «المعنى» بين طرفي الكلام، يعني: أن يُختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى، نحو قوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
فإن «اللطيف» يناسب عدم إدراك الأبصار له، و«الخبير» يناسب إدراكه سبحانه وتعالى للأبصار.
وما بُني على المناسبة في «اللفظ» باعتبار معنًى له غير المعنى المقصود في العبارة، نحو قوله تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ، فإن المراد «بالنجم» هنا النبات، فلا يناسب «الشمس» و«القمر» ولكن لفظه يناسبهما باعتبار دلالته على الكواكب، وهذا يقال له: «إيهام التناسب» كقوله:
(٨) الإرصاد
الإرصاد: هو أن يذكر قبل الفاصلة «من الفقرة، أو القافية من البيت» ما يدل عليها إذا عرف الروِي، نحو قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ.
وكقول الشاعر:
ونحو:
وقد يُستغنى عن معرفة الرويِّ، نحو قوله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ.
(٩) الإدماج
الإدماج: هو أن يُضمَّن كلام قد سيق لمعنًى، معنًى آخر لم يصرح به كقول المتنبي:
ساق الشاعر هذا الكلام «أصالة» لبيان طول الليل و«أدمج» الشكوى من الدهر في وصف الليل بالطول.
(١٠) المذهب الكلامي
المذهب الكلامي: هو أن يورد المتكلم على صحة دعواه حُجَّة قاطعة مسلمة عند المخاطب، بأن تكون المقدمات بعد تسليمها مستلزمة للمطلوب، كقوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا واللازم وهو الفساد باطل، فكذا الملزوم وهو تعدد الآلهة باطل، وليس أدل على ذلك من الحقيقة والواقع.
وكقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ، ونحو قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ؛ أي: وكل ما هو أهون عليه فهو أدخل تحت الإمكان، فالإعادة ممكنة.
وسمِّي هذا النوع «بالمذهب الكلامي»؛ لأنه جاء على طريقة «علم الكلام والتوحيد» وهو عبارة عن إثبات «أصول الدين» بالبراهين العقلية القاطعة.
(١١) حسن التعليل
يعني أن الأديب يدعي لوصف علة مناسبة غير حقيقية، ولكن فيها حسن وطرافة، فيزداد بها المعنى المراد الذي يرمي إليه جمالًا وشرفًا، كقول المعري في الرثاء:
يقصد أن الحزن على «المرثي» شمل كثيرًا من مظاهر الكون؛ فهو لذلك يدَّعي أن كلفة البدر (وهي ما يظهر على وجهه من كدرة) ليست ناشئة عن سبب طبيعي، وإنما هي حادثة من «أثر اللطم على فراق المرثي». ومثله قول الشاعر الآخر:
يقصد أن الشمس لم تصفر عند الجنوح إلى المغيب للسبب المعروف، ولكنها «اصفرت مخافة أن تفارق وجه الممدوح». ومثله قول الشاعر الآخر:
يُنكر هذا الشاعر الأسباب الطبيعية لقلة المطر بمصر، ويلتمس لذلك سببًا آخر، وهو «أن المطر يخجل أن ينزل بأرض يعمها فضل الممدوح وجوده»؛ لأنه لا يستطيع مباراته في الجود والعطاء، ولا بد في العلة أن تكون ادعائية، ثم إن الوصف أعم من أن يكون ثابتًا فيقصد بيان علته، أو غير ثابت فيراد إثباته.
-
فالأول: (أ) وصف ثابت غير ظاهر العلة، كقوله:
بين السيوف وعينيها مشاركةمن أجلها قيل للأجفان أجفان
وقوله:
لم يحك نائلك السحاب وإنماحُمَّتْ به فصبيبها الرُّحْضَاء٩وقوله:
زعم البنفسج أنه كعذارهحُسْنًا، فسلوا من قفاه لسانهفخروج ورقة البنفسج إلى الخلف لا علة له، لكنه ادعى أن علته الافتراء على المحبوب.
(ب) أو وصف ثابت، ظاهر العلة، غير التي تذكر، كقول المتنبي:
ما به قتلُ أعاديه ولكنيتقي إخلاف ما ترجو الذِّئابفإن قتل الأعادي عادة للملوك؛ لأجل أن يسلموا من أذاهم وضرهم، ولكن «المتنبي» اخترع لذلك سببًا غريبًا، فتخيل أن الباعث له على قتل أعاديه لم يكن إلا ما اشتهر وعُرف به، حتى لدى الحيوان الأعجم من «الكرم الغريزي، ومحبته إجابة طالب الإحسان» ومن ثم فتك بهم؛ لأنه علم أنه إذا غدا للحرب رجت الذئاب أن يتسع عليها رزقها، وتنال من لحوم أعدائه القتلى، وما أراد أن يخيب لها مطلبًا.
-
والثاني: وصف غير ثابت، وهو:
(أ) إما ممكن، كقول مسلم بن الوليد:
يا واشيًا حسنت فينا إساءتهنجَّى حذارك إنساني من الغرقفاستحسان إساءة الواشي ممكن، ولكنه لما خالف الناس فيه عقبه بذكر سببه، وهو أن حذاره من الواشي منعه من البكاء، فسلم إنسان عينه من الغرق في الدموع.
(ب) وإما غير ممكن، كقول الخطيب القزويني:
لو لم تكن نية الجوزاء خدمتهلما رأيت عليها عقد منتطقفقد ادعى الشاعر أن الجوزاء تريد خدمة الممدوح، وهذه صفة غير ممكنة، ولكنه عللها بعلة طريفة ادعاها أيضًا ادعاءً أدبيًّا مقبولًا؛ إذ تصور أن «النجوم التي تحيط بالجوزاء إنما هي نطاق شدته حولها على نحو ما يفعل الخدم؛ ليقوموا بخدمة الممدوح».١٠
(١٢) التجريد
التجريد لغة: إزالة الشيء عن غيره.
- (أ)
منها: ما يكون بواسطة مِن «التجريدية» كقولك: «لي من فلان صديق حميم»؛ أي: بلغ فلان من الصداقة حدًّا صح معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها.
ونحو:
ترى منهمو الأسد الغضاب إذا سطواوتنظر منهم في اللقاء بدورًا - (ب)
ومنها: ما يكون بواسطة الباء «التجريدية» الداخلة على المنتزع منه، نحو قولهم: «لئن سألت فلانًا لتسألن به البحر» بالغ في اتصافه بالسماحة، حتى انتزع منه بحرًا فيها.
- (جـ) ومنها: ما لا يكون بواسطة، نحو: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.
- (د)
ومنها: ما يكون بطريق الكناية، كقول الأعشي:
يا خير من ركب المطي ولايشرب كأسًا بكف من بخلا١١
(١٣) المشاكلة
المشاكلة: هي أن يذكر الشيء بلفظ غيره؛ لوقوعه في صحبته كقوله تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ المراد: ولا أعلم ما عندك، وعبر بالنفس «للمشاكلة».
ونحو قوله تعالى: نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ؛ أي أهملهم، ذكر الإعمال هنا بلفظ النسيان لوقوعه في صحبته.
ومن ذلك ما حكي عن أبي الرقمع أن أصحابًا له أرسلوا يدعونه إلى الصبوح في يوم بارد، ويقولون له: ماذا تريد أن نصنع لك طعامًا؟ وكان فقيرًا ليس له كسوة تقيه البرد، فكتب إليهم يقول:
وكقوله:
وكقوله:
(١٤) المزاوجة
المزاوجة: هي أن يُزاوج المتكلم بين معنيين في الشرط والجزاء، بأن يرتب على كل منهما معنًى رُتب على الآخر، كقوله:
زاوج بين النهي والإصاخة في الشرط والجزاء بترتيب اللجاج عليهما.
وكقوله:
(١٥) الطي والنشر
- (أ) إما أن يكون النشر فيه على ترتيب الطي، نحو قوله تعالى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، فقد جمع بين الليل والنهار، ثم ذكر: «السكون لليل، وابتغاء الرزق للنهار» على الترتيب.
وكقوله:
عيون وأصداغ وفرع وقامةوخال ووجنات وفرق ومرشفسيوف وريحان وليل وبانةومسك وياقوت وصبح وقرقفوكقوله:
فعل المدام ولونها ومذاقهافي مقلتيه ووجنتيه وريقه - (ب) وإما أن يكون النشر على خلاف ترتيب الطي، نحو: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ذكر ابتغاء الفضل للثاني، وعلم الحساب للأول، على خلاف الترتيب.
وكقوله:
ولحظه ومحياه وقامتهبدر الدُّجا وقضيب البان والرَّاحفبدر الدجا راجع إلى «المحيا» الذي هو الوجه، و«قضيب البان» راجع إلى «القامة»، والراح راجع إلى «اللحظ»؛ ويسمى اللف والنشر أيضًا.
(١٦) الجمع
- (أ) إما في اثنين، نحو قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، ونحو قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ.
- (ب) وإما في أكثر، نحو قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ.
وكقوله:
إن الشباب والفراغ والجدهْمفسدة للمرء أي مفسدهْوكقوله:
آراؤه وعطاياه ونعمتهوعفوه رحمة للناس كلهموكقوله:
آراؤكم ووجوهكم وسيوفكمفي الحادثات إذا دجون نجوم
(١٧) التفريق
التفريق: أن يفرق بين أمرين من نوع واحد في اختلاف حكمهما، نحو قوله تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ.
وكقول الشاعر:
وكقوله:
وكقوله:
وكقوله:
(١٨) التقسيم
التقسيم: هو أن يُذكر متعدد، ثم يضاف إلى كل من أفراده ما له على جهة التعيين، نحو: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ.
- أولهما: أن تستوفى أقسام الشيء، نحو قوله تعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى.
- وثانيهما: أن تُذكر أحوال الشيء، مضافًا إلى كل منها ما يليق به، كقوله
تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ
وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
وكقوله:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخكأنهمو من طول ما التثموا مردثقال إذا لاقوا خفاف إذا دُعواكثير إذا شدُّوا قليل إذا عُدُّواوكقوله:
ولا يقيم على ضيم يُراد بهإلا الأذلان عيرُ الحيِّ والوتدُهذا على الخسف مربوط برمتهوذا يشج فلا يرثي له أحدُ
(١٩) الجمع مع التفريق
الجمعُ مع التفريق: أن يجمع المتكلم بين شيئين في حكم واحد، ثم يفرقُ بين جهتي إدخالهما، كقوله تعالى: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.
وكقوله:
(٢٠) الجمع مع التقسيم
- فالأول: نحو: اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ
الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
وكقول المتنبي:
حتى أقام على أرباض خرشنة١٤تشقى به الروم والصلبان والبيعللرق ما نسلوا والقتل ما ولدواوالنهب ما جمعوا والنار ما زرعواونحو:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخ١٥كأنهم من طول ما الثموا مردُونحو:
ثقال إذا لاقوا، خفاف إذا دعواكثير إذا شدوا قليل إذ عُدوا - والثاني: كقول سيدنا حسان:
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهمأو حاولوا النفع في أشياعهم نفعواسجية تلك فيهم غير محدثةإن الخلائق فاعلم شرها البدع
(٢١) المبالغة
- (١) تبليغ: إن كان ذلك الادعاء للوصف من الشدة أو الضعف ممكنًا عقلًا وعادة، نحو قوله تعالى: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا.
وكقوله في وصف فرس:
إذا ما سابقتها الريح فرتوألقت في يد الريح الترابا - (٢)
وإغراق: إن كان الادعاء للوصف من الشدة أو الضعف ممكنًا عقلًا، لا عادة، كقوله:
ونكرم جارنا ما دام فيناونتبعه الكرامة حيث مالا - (٣) وغلو:١٦ إن كان الادعاء للوصف من الشدة أو الضعف مستحيلًا عقلًا وعادة، كقوله:تكاد قَسِيُّه من غير رامٍتمكن في قلوبهم النبالا
(٢٢) المغايرة
المغايرة: هي مدح الشيء بعد ذمه أو عكسه، كقول الحريري في مدح الدينار: «أكرم به أصفر راقت صفرته» بعد ذمه في قوله: «تبًّا له من خادع ممارق».
(٢٣) تأكيد المدح بما يشبه الذم
- الأول: أن يُستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها فيها،
كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهمبهن فلول من قراع الكتائب١٧
- الثاني: أن يُثبت لشيء صفة مدح، ثم يؤتى بعدها بأداة استثناء١٨ تليها صفة مدح أخرى «والنوع الأول أبلغ» كقوله:
ولا عيب فيه غير أني قصدتهفأنستني الأيام أهلًا وموطنا
وكقوله:
فتًى كملت أوصافه غير أنهجواد فما يُبقي من المال باقياوقد تقوم «لكن» مقام أداة الاستثناء في هذا النوع.
(٢٤) تأكيد الذم بما يشبه المدح
- الأول: أن يُستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء، صفة ذم بتقدير دخولها
فيها، كقوله:
خلا من الفضل غير أنيأراه في الحمق لا يُجارَى
ونحو: لا فضل للقوم إلا أنهم لا يعرفون للجار حقه.
ونحو: الجاهل عدو نفسه إلا أنه صديق السفهاء.
ونحو: فلان ليس أهلًا للمعروف، إلا أنه يسيء إلى من يُحسن إليه.
- الثاني: أن يثبت لشيء صفة ذم، ثم يؤتى بعدها بأداة استثناء٢٠ تليها صفة ذم أخرى، نحو: «فلان حسود إلا أنه نمام».
وكقوله:
هو الكلب إلا أن فيه ملالةوسوء مراعاة وما ذاك في الكلب
وكقوله:
لئيم الطباع سوى أنهجبان يهوي عليه الهوان
(٢٥) التوجيه
التوجيه: هو أن يؤتى بكلام يحتمل معنيين متضادين على السواء «كهجاء ومديح» و«دعاء للمخاطب أم دعاء عليه» ليبلغ القائل غرضه بما لا يُمسك عليه، كقول بشار في خياطٍ أعور «اسمه عمرو»:
فإنَّ دعاءه لا يُعلم هل له أم عليه؟
وقوله:
ويُحكى أن محمدَ بن حزم هنأ «الحسن بن سهل» باتصال بنته «بوران» التي تنسب إليها الأطبخة البورانية «بالخليفة المأمون العباسي» مع من هنأه، فأثابهم، وحرمه، فكتب إليه: إن أنت تماديت على حرماني قلتُ فيك «بيتًا لا يُعرف أهو مدح أم ذم». فاستحضره وسأله؟ فأقرَّ، فقال الحسن: لا أُعطيك أو تفعل. فقال:
فلم يدر: ﺑ «بنت مَنْ؟» أفي العظمة وعلوِّ الشأن ورفعة المنزلة أم في الدناءة والخِسَّة؟ فاستحسن الحسن منه ذلك.
- الأول: أن يكون الكلام بحيث يصلح لأن يراد به معنيان متضادان على السواء.
- والثاني: أن يكون الكلام بحيث يشتمل على مجموعة، أو مجموعات من مصطلحات العلوم، أو الفنون، أو الأسماء المتلائمة.
(٢٥-١) الفرق بين التورية والتوجيه
-
(أ)
التورية: تكون في لفظ واحد.
وأمَّا التوجيه: فيكون في تركيب، أو جملة أسماء متلائمة.
-
(ب)
التورية: يقصد المتكلم بها معنًى واحدًا، هو البعيد.
والنوع الأول من التوجيه لا يترجح فيه أحد المعنيين على الآخر.
-
(جـ)
لفظ التورية: له معنيان بأصل الوضع.
وألفاظ النوع الثاني من التوجيه ليس لها إلا معنًى واحد بأصل الوضع، ويكون هو المقصود من الكلام.
(٢٦) نفي الشيء بإيجابه
(٢٧) القول بالموجب
- الأول: أن يقع في كلام الغير إثبات صفة لشيء وترتيب حكم عليها، فينقلُ السامع تلك الصفة إلى غير ذلك الشيء من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم له أو انتقائه عنه، كقوله تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ٢٢ فالمنافقون أرادوا بالأعز أنفسهم، وبالأذل المؤمنين، ورتبوا على ذلك الإخراج من المدينة، فنقلت صفة العزة للمؤمنين، وأبقيت صفة الأذلية للمنافقين، من غير تعرض لثبوت حكم الإخراج للمتصفين بصفة العزة ولا لنفيه عنهم.
- والثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده بذكر متعلق له
كقوله:
وقالوا قد صفت منا قلوبلقد صدقوا ولكن عن ودادي
أراد بصفو قلوبهم «الخلوص» فحمله على الخلو بذكر متعلقه، وهو قوله: «عن ودادي».
(٢٨) ائتلاف اللفظ مع المعنى
ائتلاف اللفظ مع المعنى: هو أن تكون الألفاظ موافقة للمعاني، فتختار الألفاظ الجزلة والعبارات الشديدة للفخر والحماسة، وتختار الكلمات الرقيقة والعبارات اللينة للغزل والمدح، كقوله:
وكقوله:
وكقوله:
(٢٩) التفريع
التفريع: هو أن يثبت حكم لمتعلق أمر بعد إثباته لمتعلق له آخر، كقول الشاعر:
وكقوله:
(٣٠) الاستتباع
وكقوله:
وكقوله:
وقيل: إنه يكون أيضًا في الذم، كقول بعضهم في «قاضٍ» لم يقبل شهادته برؤية هلال الفطر:
(٣١) السلب والإيجاب
السلب والإيجاب: هو أن يقصد المتكلم تخصيص شيء بصفة فينفيها عن جميع الناس، ثم يثبتها له مدحًا أو ذمًّا، فالمدح كقول الخنساء:
والذم كقول بعضهم:
(٣٢) الإبداع
الإبداع: هو أن يكون الكلام مشتملًا على عدة أنواع من البديع، كقول الشاعر:
(٣٣) الأسلوب الحكيم
- (١)
إما بترك سؤاله والإجابة عن سؤال لم يسأله.
- (٢)
وإما بحمل كلام المتكلم على غير ما كان يقصد ويريد؛ تنبيهًا على أنه كان ينبغي له أن يسأل هذا السؤال، أو يقصد هذا المعنى.
- فمثال الأول: ما فعل القبعثري بالحجَّاج؛٢٥ إذ قال له الحجاج متوعدًا: «لأحملنك على الأدهم.» يريد الحجاجُ: القيد الحديد الأسود، فقال القبعثري: «مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب.» يعني الفرس الأسود والفرس الأبيض، فقال له الحجاج: أردت «الحديد»؟ فقال القبعثري: لأن يكون حديدًا خير من أن يكون بليدًا. ومراده تخطئة الحجاج بأن الأليق به الوعد «لا الوعيد».٢٦
-
ومثال الثاني: قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ
قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ سألوا النبي — عليه
الصلاة والسلام — عن حقيقة ما ينفقون مالهم، فأجيبوا ببيان طرق إنفاق المال؛
تنبيهًا على أن هذا هو الأولى والأجدر بالسؤال عنه.
وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.٢٧
وقال ابن حجاج البغدادي:
قلتُ: ثقلتُ؛ إذ أتيت مرارًاقال: ثقلت كاهلي بالأياديقلتُ: طولتُ! قال: أوليت طوْلاقلت: أبرمت! قال: حبل ودادي٢٨فصاحب ابن حجاج يقول له: قد ثقلت عليك بكثرة زياراتي، فيصرفه عن رأيه في أدب وظرف، وينقل كله من معنًى إلى معنًى آخر.
وقول الشاعر:
ولما نعى الناعي سألناه خشيةوللعين خوف البين تسكاب أمطارأجاب: قضى، قلنا: قضى حاجة العلافقال: مضى، قلنا: بكلِّ فخارويُحكى أنه لما توجه «خالد بن الوليد» لفتح الحيرة، أتى إليه من قبل أهلها رجل ذو تجربة، فقال له «خالد»: فيمَ أنت؟ قال: في ثيابي. فقال: علامَ أنت؟ فأجاب: على الأرض. فقال: كم سِنك؟ قال: اثنتان وثلاثون. فقال: أسألك عن شيء وتجيبني بغيره؟ فقال: إنما أجبتك عما سألت.
(٣٤) تشابه الأطراف
تشابه الأطراف قسمان: معنوي ولفظي.
-
فالمعنوي: هو أن يختم المتكلم كلامه بما يناسب ابتداءه في المعنى، كقوله:
ألذ من السحر الحلال حديثهوأعذب من ماء الغمامة ريقه
فالريق يناسب اللذة في أول البيت.
-
واللفظي: نوعان:
- الأول: أن ينظر الناظم أو الناثر إلى لفظة وقعت في آخر المصراع الأول أو
الجملة، فيبدأ بها المصراع الثاني أو الجملة التالية، كقوله تعالى:
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ.
وكقول أبي تمام:
هوًى كان خلسًا إن من أبرد الهوىهوى جلتُ في أفيائه وهو خامل - الثاني: أن يعيد الناظم لفظة القافية من كل بيت في أول البيت الذي يليه،
كقوله:
رمتني وستر الله بيني وبينهاعشية آرام الكناس رميمرميم التي قالت لجيران بيتهاضمنت لكم ألا يزال يهيم
وقوله:
إذا نزل الحجاج أرضًا مريضةتتبع أقصى دائها فشفاهاشفاها من الداء العضال الذي بهاغلام إذا هزَّ القناة سقاهاسقاها فروَّاها بشرب سجالهادماء رجال حيث مال حشاها
- الأول: أن ينظر الناظم أو الناثر إلى لفظة وقعت في آخر المصراع الأول أو
الجملة، فيبدأ بها المصراع الثاني أو الجملة التالية، كقوله تعالى:
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ.
(٣٥) العكس
- (أ)
أن يقع العكس بين أحد طرفي جملة، وما أضيف إليه ذلك الطرف، نحو: «كلام الملوك ملوك الكلام».
وكقول المتنبي:
إذا أمطرت منهم ومنك سحابةفوابلهم طلُّ وطلك وابل - (ب) أن يقع العكس بين متعلقي فعلين في جملتين، كقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ.
- (جـ) أن يقع العكس بين لفظين في طرفي الجملتين، كقوله تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.
- (د)
أن يقع العكس بين طرفي الجملتين، نحو قول الشاعر:
طويت بإحراز الفنون ونيلهارداء شباب والجنون فنونفحين تعاطيت الفنون وحظهاتبين لي أن الفنون جنون - (هـ)
أن يكون العكس بترديد مصراع البيت معكوسًا، نحو قول الشاعر:
إن للوجد في فؤادي تراكمليت عيني قبل الممات تراكمفي هواكم يا سادتي مت وجدًامت وجدًا يا سادتي في هواكم
(٣٦) تجاهل العارف
تجاهل العارف: هو سؤال المتكلم عما يعلمه حقيقة تجاهلًا؛ لنكتة «كالتوبيخ»، في قوله:
أو المبالغة في المدح، كقول البحتري:
أو المبالغة في الذم، كقول زهير:
أو التعجب، نحو: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ.
إلى غير ذلك من الأغراض البديعية التي لا تُحصَى.
تمرين
بيِّن الأنواع البديعية فيما يلي:
(١) قال بعضهم في وصف إبل:
(٢) وقيل في وصف إبل هزيلة:
(١) الضرب لفظ مشترك بين الضرب بالعصا — وهو المعنى القريب الذي لم يُقصد — والسير في الأرض وهو المعنى البعيد المقصود، والمراد بالتورية.
(٢) فيه مراعاة النظير؛ إذ وصف البحتري الإبل بالتحول، فشبهها بأشياء متناسبة، وهي: القسي، والأسهم المبرية، والأوتار.
(٣) فيه استخدام؛ إذ أراد بالغزالة الحيوان المعروف، وبضمير «نورها» الغزالة بمعنى الشمس.
(٤) فيه تقسيم؛ إذ هو قد استوفى جميع أقسام جيش العدو بحصرها في الأقسام الثلاثة.
(٥) فيه تأكيد المدح بما يشبه الذم؛ فإنه استثنى من صفة ذم منفية صفة مدح.
(٦) فيه مقابلة بين ستة وستة؛ فقد قابل بين على وفي، رأس ورجل، حر وعبد، تاج وقيد، عز وذل، يزين ويشين.
(٧) فيه استخدام؛ إذ العقيق هنا الدم الشبيه بالعقيق في الحمرة، والضمير في «منازله» يعود إليه باعتباره الوادي المعروف بظاهر المدينة ببلاد الحجاز.
تمرين آخر
(٢) رحم الله من تصدَّق من فضل أو آسى من كفاف، أو آثر من قوت.
(١) فيه مقابلة بين: الجود والبخل، يفنى ويبقى، مقبل ومدبر.
(٢) فيه تقسيم باستيفاء أقسام الشيء؛ لأن طبقات الناس هذه الثلاثة ليس غير.
(٣) فيه استخدام؛ فالعقيق أولًا معناه المكان المعلوم في بلاد الحجاز، والضمير يعود إليه بمعنى الحجر المعروف، وقد شبه دموعه به.
(٤) فيه الجمع؛ فقد جمع بين ثلاثة أشياء في حكم واحد.
(٥) فيه حسن التعليل؛ فقد جعل علة زلزال مصر طربًا من عدل الممدوح لا لمكروه نزل بها، وهي لا شك غير العلة التي يتعارفها الناس فيما بينهم.
(٦) فيه استخدام؛ إذ النجم الأول الكوكب، وأعاد عليه الضمير بمعنى النبات الذي لا ساق له.
تطبيق عام على البديع المعنوي
في هذا الكلام تورية، مهيأة بلفظ قبلها، فإن ذكر «الحسين» لازم لكون «يزيد» اسمًا بعد احتمال الفعل المضارع المورى عنه.
في هذا الكلام تورية مرشحة، فإن ذكر الرحمة ترشيح للفظ العاصي المورى به الذي هو من العصيان، والمورى عنه النهر المعروف الذي عبر حماة.
فيه التورية المرشحة، بذكر اللحية والحلق، وهما يناسبان المورى به وهو «موسى الحديد» والمورى عنه الاسم المذكور.
فيه تورية في لفظ «وترًا»؛ فإن معناه البعيد المراد هو الرؤية، والقريب أحد الأوتار، ولفظ «تسمع» هيأ قوله: «وترًا» للتورية.
فيه تورية في لفظ «خالي» فمعناه البعيد المراد النقطة السوداء في الخد، والقريب أخ الأم، ولفظة «أخي» هي التي هيأت خالي للتورية، وهي بعيدة.
«الساقية» امرأة تسقي الراح، وهذا المعنى القريب، أو ساقية الماء وهو المعنى البعيد، وكل منهما مذكور للتورية في صاحبه، ومهيئ لها فيه.
هوامش
وتنقسم التورية إلى أربعة أقسام: مجردة، ومرشحة، ومبينة، ومهيأة.
- (أ) فالمجردة: هي التي لم تقترن بما يلائم المعنيين، كقول الخليل لما سأله الجبار عن زوجته فقال: «هذه أختي» أراد أخوة الدين، وكقوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ.
- (ب) المرشحة: هي التي اقترنت بما يلائم المعنى القريب، وسميت بذلك؛ لتقويتها به؛ لأن القريب غير مراد، فكأنه ضعيف، فإذا ذُكر لازِمُه تَقَوَّى به، نحو: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ فإنه يحتمل «الجارحة» وهو القريب، وقد ذكر من لوازمه البنيان على وجه الترشيح، ويحتمل «القدرة» وهو البعيد المقصود. وهي قسمان باعتبار ذكر اللازم قبلها أو بعدها.
- (جـ)
والمبينة: هي ما ذكر فيها لازم المعنى البعيد، سميت بذلك؛ لتبيين المورَّى عنه بذكر لازمه؛ إذ كان قبل ذلك خفيًّا، فلما ذكر لازمه تبين، نحو:
يا من رآني بالهموم مطوقًاوظللت من فقدي غصونًا في شجونأتلومني في عظم نوحي والبكاشأن المطوق أن ينوح على غصونوهي أيضًا قسمان باعتبار ذكر اللازم قبل أو بعد.
- (د)
والمهيأة: هي التي لا تقطع التورية فيها إلا بلفظ قبلها أو بعدها، فهي قسمان أيضًا.
- فالأول: وهو ما تتهيأ بلفظ قبل، نحو قوله:
وأظهرت فينا من سماتك سنةفأظهرت ذاك الفرض من ذلك الندب
فالفرض والندب معناهما القريب: الحكمان الشرعيان.
والبعيد: الفرض معناه العطاء، والندب معناه الرجل السريع في قضاء الحوائج، ولولا ذكر السنة لما تهيأت التورية، ولا فهم الحكمان.
- والثاني: وهو ما تهيأت بلفظ بعد، كقول الإمام علي — رضي الله تعالى عنه — في الأشعث بن قيس: إنه كان يحرك الشمال باليمين. فالشمال معناها القريب: ضد اليمين، والبعيد: جمع شَمْلة، ولو ذكر اليمين بعده لما فهم السامع معنى اليد الذي به التورية.
- فالأول: وهو ما تتهيأ بلفظ قبل، نحو قوله:
ومن المرشحة قوله تعالى: وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فإن المراد من اليد الذلة، وقد اقترنت بالإعطاء الذي يناسب المعنى القريب، وهو العضو.
وكقوله:
وكقول الشاعر:
- أحدهما طباق الإيجاب: وهو ما لم يختلف فيه الضدان إيجابًا
وسلبًا، نحو: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ.
وكقوله:
حلو الشمائل وهو مر باسليحمي الذمار صبيحة الإرهاق - وثانيهما طباق السلب: وهو ما اختلف فيه الضدان إيجابًا وسلبًا، بحيث يجمع
بين فعلين من مصدر واحد، أحدهما مثبت مرة، والآخر منفي تارة أخرى في كلام
واحد، نحو: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا
يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ، ونحو: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ.
أو أحدهما أمر والآخر نهي، نحو: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ، ونحو: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ.
- طباق سلب: وهو أن يجمع بين فعلين، من مصدر واحد، أحدهما مثبت والآخر منفي، أو أحدهما أمر والآخر نهي.
- طباق الإيجاب: وهو ما كان تقابل المعنيين فيه بالتضاد.
وكقوله:
ومن التجريد خطاب المرء نفسه، كقول المتنبي:
ومنه ما تضمن حسن تخييل، كقول المتنبي:
وقول المعري:
ومثل ذلك قول الشاعر:
وقال الشاعر: