مناهج التفسير ومصالح الأمة١

أولًا: مقدمة

إن القرآن هو منبع تراث الأمة وأساس حضارتها ومصدر معرفتها، والباعث على معظم الحركات الاجتماعية والسياسية على مدى أربعة عشر قرنًا من تاريخها.

وإن كل حركات التجديد المعاصرة التي أحدثَت أثرًا في عالمنا الإسلامي المعاصر إنما خرجَت كلها من فهم القرآن ومنهج تفسيره. وقد ارتبطَت الحركة الوطنية والدعوة إلى الاستقلال في المغرب العربي بالإسلام في ثورة الريف بالمغرب، وحركة التحرر الوطني بالجزائر، والسنوسية وعمر المختار بليبيا، وبرابطة علماء الجزائر، وبعلماء الزيتونة وجامع القرويين بتونس. كما ارتبطَت به أيضًا في المشرق العربي في الحركة المهدية بالسودان، والوهابية بالحجاز، وبالكواكبي في الشام، وبالأفغاني في مصر. وتعدَّى الأمر إلى العالم الإسلامي ككل، في باكستان وتصوُّرها كدولة في شعر إقبال، وأخيرًا في الثورة الإسلامية بإيران.

ولما كان فهم القرآن لا يتأتى إلا بمنهج في التفسير عن وعي أو لا وعي، فإن مناهج التفسير كانت هي المقدمة الضرورية لفهم القرآن، ولتحويله من وحيٍ إلهي إلى مقصدٍ إنساني، ومن كلام الله المنزل على النبي إلى كلام البشر الموجَّه إلى الجماعات الإنسانية المختلفة. ولمَّا كان هذا التفسير لا يتم في فراغ بل في زمانٍ ومكانٍ معينَين، في لحظةٍ تاريخية محدَّدة فرض ذلك علينا منهجًا معينًا في التفسير، يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأمة، وحاجات المسلمين، ويواجه قضايا العصر الأساسية؛ لذلك ارتبط منهج التفسير الجديد بالمنهج الفقهي القديم لما كان الفقه هو استنباط الأحكام ومواجهة الواقع الجديد. كذلك ارتبط بحركات الإصلاح الديني، يشد أزرها ويقوِّيها ويعيد صياغتها ويطوِّرها. كما ارتبط بحركات التجديد المعاصرة التي تودُّ نقل الإصلاح خطوةً أخرى، من الإصلاح الديني إلى النهضة الشاملة، ثم من النهضة الشاملة وما يتبعها من عقلانية وتنوير إلى الثورة الاجتماعية والسياسية.

وتُستعمل ألفاظ اتجاه، ونظرية، ومنهج بمعنًى واحد تقريبًا خشية الدخول في تفريعاتٍ نظرية خالصة لا ينتج عنها أثرٌ عملي. والحقيقة أن التفسيرات القديمة اتجاهاتٌ لم تتحول بعدُ إلى نظرياتٍ محكمة أو مناهجَ مرتَّبة، تقوم كلها على مبدأ واحد هو التأويل قبولًا أو رفضًا، وما يتبعه من قول بالمأثور أو بالرأي، واعتماد على النقل أو العقل، ووقوع في التشبيه أو دفاع عن التنزيه. وسيتم الإشارة إليها كمناهج في التفسير، أملًا في أن تتحول على أيدي الباحثين من اتجاهات إلى نظريات إلى مناهجَ محكَمة. وقد كُتب هذا البحث بطريقة الترقيم للأفكار إمعانًا في الوضوح والدقة، وتجنبًا لفصاحة الخطباء وإحساسات الشعراء وبلاغة الأدباء، وحتى تسهُل مراجعتها ومناقشتها، وتأسيسًا لعقلانيتنا المعاصرة، وحرصًا على بداهة الرؤية وصدقها.

ثانيًا: مناهج التفسير في تراثنا القديم

ويمكن إحصاء اتجاهات التفسير ونظرياته في تراثنا القديم في عدة مناهج رئيسية هي:

(١) المنهج اللغوي

وقد ظهر هذا المنهج في عدة تفسيراتٍ لغوية نظرًا لأن العصر كان عصر لغة وبلاغة وفصاحة وبيان.٢ وكان العرب أهل خطابة وشعر، فكان من الطبيعي أن يظهر التفسير اللغوي كطابع للعصر، خاصة وأن القرآن نفسه كتاب بلاغة، ويمكن استعماله كشواهدَ لغوية؛ مثل الشعر العربي القديم، وخطب العرب، وأمثالهم. وقد آمن بعض المسلمين بالإسلام ابتداءً من اللغة وفصاحة القرآن، وظهرَت نظريات إعجاز القرآن للباقلاني والجرجاني وغيرهم ابتداء من الإعجاز اللغوي. وقد قام بهذه التفسيرات، اللغويون وليس المفسرين، باعتبار أن القرآن كتاب بلاغة. ويمتاز هذا المنهج بالآتي:
  • (أ)

    التأكيد على أهمية اللغة كمدخل لفهم الوحي؛ فالوحي ليس تاريخًا مقدسًا، أو واقعة مميزة فريدة، أو شخصًا، أو حادثة، بل هو كلامٌ مكتوب ومقروء ومسموع ومدوَّن، بلغةٍ إنسانيةٍ معيَّنة هي اللغة العربية؛ فالوحي كلام يحمل معاني تحملها الكلمات. وهنا تبدو أهمية الكلام واللفظ.

  • (ب)

    الحرص على الدقة في فهم الألفاظ، ومعرفة معاني العبارات، مما يجعل المفسر متمكنًا من النص، وهو الأصل؛ لذلك اشترط القدماء معرفة اللغة العربية كأحد شروط التفسير؛ وبالتالي أمكَن تحاشي الأهواء والانفعالات من تفسير النصوص.

  • (جـ)

    معرفة دقيقات المعاني بمعرفة أساليب البيان العربي في التقديم والتأخير ودلالات الحروف وأنواع الأسماء والأفعال، والمعاني الاشتقاقية للألفاظ مما يجعل اللغة مدخلًا دقيقًا ومضبوطًا للمعاني، والمعاني رؤًى للأشياء والوقائع. واللغة على ما يقول المعاصرون «منزل الوجود».

  • (د)
    الحفاظ على سلامة اللغة العربية وعلى حيويتها واستمرارها في التاريخ، ودوام لغة القرآن بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (٢٦: ١٩٥)، وقوفًا أمام مظاهر الانهيار اللغوي والإهمال والتسيُّب، التي أدت إلى نشأة العامية، وسيادتها في الأسواق، واستعمالها في الحياة اليومية، وانزواء لغة القرآن في المساجد والزوايا والمعاهد الدينية.
  • (هـ)

    الاقتراب من الصور الفنية ووظيفة «التخييل» في القرآن الكريم، وإدراك أهمية ما سمَّاه المحدَثون «التصوير الفني» في القرآن، وظهور البعد النفسي، وأهمية إيصال المعاني عن طريق إحداث الأثر والتأثير في النفوس، عن طريق الصورة الفنية واستعمال الخيال.

ومع ذلك، فإن هذا المنهج له عدة عيوب؛ أهمها:

  • (أ)

    الوقوع في التفسيرات الحرفية التي تُغفل المعنى كلية، وتجعل المعركة كلها تدور حول الألفاظ ودلالات الألفاظ ودقيقات المعاني اللفظية، وتُغفل المقاصد الكلية للوحي، ونحن معروفون بثقافة اللفظ وبحضارة الكلمة، وبسياسة الخطاب الأجوف، وبخلافات الكلمات الرنانة، وبنظم «الميكروفونات» العالية، وبدخول الحروب بمنطق الناي والربابة، وبالعنتريات التي ما قتلَت ذبابة.

  • (ب)

    الوقوع في المماحكات اللفظية، والشواهد التاريخية المتعارضة، والخلاف بين النحاة، بين البصريين والبغداديين، والاعتماد على لهجات القبائل، والاحتكام إلى لهجة قريش؛ وبالتالي استحالة فهم القرآن إلا من اللغويين والنحاة، ولمَّا بعُد العهد علينا لم يبقَ أمامنا إلا بدو الصحراء والعُربان.

  • (جـ)

    إن اللغة ليست ألفاظًا فقط، بل هي أيضًا معانٍ، بل إن الألفاظ مجرد وسائل لحمل المعاني؛ فبالرغم من أهمية ألفاظ القرآن وعباراته إلا أنها مجرد أدوات للتعبير عن المعاني المستقلة، التي يمكن إدراكها مباشرةً فيما وراء الألفاظ؛ فالمنهج اللغوي يعطي الأولوية للألفاظ على المعاني من حيث الفهم، في حين أن المعاني من حيث الإدراك لها الأولوية على الألفاظ.

  • (د)

    إغفال الواقع الاجتماعي والتاريخي الأول الذي نزلت فيه النصوص، وهي المسماة في علوم القرآن باسم «أسباب النزول»، وإغفال تطوُّر الشريعة، والمسمَّى أيضًا في علوم القرآن باسم «الناسخ والمنسوخ»، وكأن النص لا زمان له ولا مكان، وإغفال الفرق بين المكي والمدني، ودلالات علوم القرآن.

  • (هـ)

    إغفال واقع المسلمين الحالي، وكأن النص ليس خطابًا موجهًا لهم، وكأن حياة المسلمين ليست هي موضوع الخطاب ومقصده، وكأن الناس تأكل اللغة، وتسكن في البلاغة، تحل مشاكلها وأزماتها بالكلمات، حتى حل الشعر الحديث محل ألفاظ القرآن؛ لأنه يُصوِّر مآسي الناس.

  • (و)

    استحالة تطبيق المنهج اللغوي اليوم نظرًا لأن إبداع العرب الآن لم يعُد في اللغة، بل ربما في حركات التحرر الوطني، وثوراتهم ضد الاستعمار، وسعيهم للوحدة، وبدايتهم للنهضة، وأصالتهم كشرط لإبداعهم، وتميُّزهم وهويَّتهم التي لم تتميع أو تتغرَّب بعدُ.

(٢) المنهج التاريخي

وهو المنهج السائد في كتب التفاسير الضخمة، التي غلب عليها منهج النقل والرواية.٣ ومعروف عن القدماء باسم «التفسير بالمأثور». وقد ظهر هذا الاتجاه في عصرٍ كانت المعرفة فيه تأتي عن طريق النقل والرواية، وتبجيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأهمية الأوائل على الأواخر، وفضل السلف على الخلف، والحرص على التدوين، وذكر المآثر وحفظ التراث. وتمتاز هذه التفسيرات بالآتي:
  • (أ)

    المعلومات التاريخية الواسعة في موضوعات الوحي، وتدوين القرآن والسنة، وحياة الرسول والصحابة، وكيفية نشأة الدولة الإسلامية والفتوح، حتى إنه ليصعُب التمييز بينها وبين كتب التاريخ. وقد قام بها المؤرِّخون مثل الطبري وابن كثير، وكأن التفسير هو إعطاء أكبر قدْرٍ ممكن من المعلومات حول الموضوع.

  • (ب)

    الموضوعية والنزاهة والحياد والتقوى الباطنية نظرًا لأنهم كانوا يروون عن الصحابة والتابعين؛ فلا يوجد أثرٌ كبير للخلافات المذهبية والعقائدية إلا القليل، وظهرَت الثقافة العربية الممثَّلة في الشعر القديم كأحد شواهد التفسير، وكانت تظهر به أحيانًا بعض الجوانب الفقهية واللغوية.

ولكن عيوب هذه التفسيرات أكثر؛ فمنها:

  • (أ)

    احتمال وقوع الخطأ في منهج الرواية والنقل؛ وبالتالي يكون التفسير كله خطأ، وعدم وجود مقياسٍ آخر لصدق المعرفة مثل العقل أو الحس والمشاهدة لصحة النقل، بالرغم من أنها مقاييس موجودة سلفًا في شروط التواتر؛ فالاعتماد على الصدق الخارجي وحده لا يكفي لإيجاد الصدق الداخلي.

  • (ب)

    دخول كثيرٍ من الإسرائيليات نتيجةً للنقل والرواية، ونظرًا لعدم التمييز بين مصادر النقل؛ وبالتالي دخول كثيرٍ من أساطير الأولين وقصص الأنبياء وتفصيلاتٍ لم يذكرها القرآن، وفي كثيرٍ من الأحيان موضوعة من الأدب الشعبي.

  • (جـ)

    تحويل الوحي إلى أشياء ووقائع وحوادث وشخصيات، في حين أن الوحي حقائق وتجارب بشرية. ويُصاب الإنسان سريعًا بالملل والضجر من هذه التفسيرات نظرًا لعدم وجود أي بناءٍ روحي ذاتي، كما هو الحال في التفسير الصوفي. وكثير من المعلومات غير موجَّهة لغاية أو لهدف، وكأن المعلومات وسيلةٌ وغاية في نفس الوقت.

  • (د)

    ربط القرآن بظرفٍ تاريخي واحد، في حين أن التاريخ متجدد وحوادثه متغيرة؛ وبالتالي تحويل الوحي إلى تاريخ حقبةٍ معيَّنة من الزمان، لشعبٍ معيَّن، في منطقةٍ جغرافية بعينها، وهذا إنكار لحقائق الوحي العامة.

  • (هـ)

    عدم الاعتماد على العقل، والنَّيل من التفسير بالرأي، واعتباره هوًى؛ وبالتالي يكون أقل قيمةً من التفسير بالمعقول، وإغفال المعاني المستقلة عن التاريخ التي يدركها العقل، وتكشف عنها التجارب الإنسانية.

  • (و)

    إغفال الواقع التاريخي الحالي، الذي لا يمكن للمؤرخ المفسِّر القديم أن يتنبأ به؛ فالتفسير هنا يتعامل مع الماضي وليس مع الحاضر، ويتعامل مع التراث القديم وليس مع الإبداع الحالي؛ فكأن الوحي موضوع القدماء لا شأن للمحدَثين به.

(٣) المنهج الفقهي

وهو المنهج الغالب على التفسيرات الفقهية للقرآن لرصد أحكام الشريعة٤ وقد نشأَت في وقت تدوين الشريعة، وذكر الخلافات بين المذاهب، وظهور فقه الفِرق الدينية، ومحاولات تأسيس دويلاتٍ مذهبية في حاجة إلى نظام سياسي واجتماعي. وتمتاز هذه التفسيرات بالآتي:
  • (أ)

    إعطاء أهمية قصوى للجانب التشريعي في الوحي، وبيان أن الوحي ليس مجرد عقيدة بل شريعة، وأن الشريعة ليست فقط من استنباط الفقهاء، بل منصوص عليها في الوحي، وأنها قادرة على تنظيم مجتمع وتأسيس دولة.

  • (ب)

    تجاوز الخلاف المذهبي العقائدي إلى نوعٍ من وحدة التشريع للأمة الإسلامية، ومحاولة الاجتماع على الحد الأدنى من الاتفاق العملي على تسيير حياة الناس، بعد الوقوع في الحد الأعلى من الخلافات النظرية.

  • (جـ)

    تنوُّع التفسير الفقهي طبقًا للمذاهب الكلامية، وبيان كيف أن الشريعة بالرغم من أنها نظامٌ عملي إلا أنها تخضع لفلسفة التشريع؛ أي للعقائد النظرية؛ فالقانون أساسًا تصوُّر للقانون يقوم على غاية، ويخدم مصلحة.

ومع ذلك فلهذه التفسيرات بعض العيوب؛ منها:

  • (أ)

    ابتسار الوحي وتقليصه، وردُّه إلى أحد جوانبه، وهي الشريعة، والوحي عقيدة وشريعة، تصوُّر ونظام، نظر وعمل.

  • (ب)

    سيادة الخلافات المذهبية والعقائدية على التفسير، وتوريث هذا الخلاف حتى الآن لعشرات الأجيال؛ وبالتالي ضياع الوحدة الباطنية في الشريعة التي تعبِّر عن وحدة الأمة. لقد اختلفَت الآراء وكشفَت عن درجة من التعصُّب والتحامل. وأصبح يُضرب بها المثل الآن على التشتُّت والتفرُّق بقولنا سخريةً لحل أي معضلة «فيها قولان»!

  • (جـ)

    عدم بيان الحكمة من الشريعة ومقاصد الوحي، والوقوع أحيانًا في الصورية الفقهية، وكأن القانون لا هدف له ولا غاية؛ وبالتالي غياب التفسير بالمقاصد والغايات؛ ومن ثم ظهرَت بعض القوانين منتفية الحكمة، ضارة بالناس خاصة في فقه الفِرق.

  • (د)

    ارتباط الشريعة بالظروف التاريخية القديمة التي كانت وراء استنباطها، وتغيُّر هذه الظروف الآن، ووجود ظروفٍ تاريخيةٍ أخرى، تجعل الفقه القديم بغير ذي دلالةٍ أو نفعٍ في كثيرٍ من الحالات.

  • (هـ)

    عدم تطوير الشريعة طبقًا لظروف كل عصر، وبقاؤها في نفس الظروف القديمة، وتثبيتها على ذلك حتى تحولَت من فقهٍ تاريخي خاص إلى فقهٍ كلي وشامل لكل العصور فتحجَّرت، وضاعت حياتنا، وبحثنا لمجتمعاتنا عن نظمٍ وشرائعَ أخرى أكثر تطورًا أو ملائمة.

  • (و)

    اختلاف الحكم النظري الفقهي عن الواقع العملي، مهما حدث تجديدٌ في الجانب الأول، مثل قانون الأحوال الشخصية، وقوانين الربا، وتشريعات العمل، وكأن الواقع يفرض تشريعه الخاص طبقًا للمصلحة العامة، ويجُبُّ كل تشريع مستنبط سلفًا.

(٤) المنهج الصوفي

وقد ظهر هذا المنهج في التفسيرات الصوفية الكلية أو الجزئية.٥ وقد ظهَرَت هذه التفسيرات في ظروفٍ تاريخية خاصة، بعد تكوين جماعات الرفض السلبية، وانتهاء جماعات الرفض الفعلية وتصفيتها، واستئصال مقاومة آل البيت والشيعة والخوارج، ولجوئها إلى الرمز والإشارة تخفيًا عن الأعين، وإنقاذها النفس دون الغير، والباطن دون الظاهر، ووقوعها في الحب الإلهي كتعويضٍ عن الكره الإنساني، وقد امتاز هذا المنهج بعدة أشياء؛ منها:
  • (أ)

    البدء بالتجربة الحية وليس بالنص، وتجاوز منهج النقل والرواية إلى منهج التجربة الباطنية: عن قلبي عن ربي أنه قال … والبحث عن التجربة الحية وراء النص، التي خرج منها، حتى يمكن تأويله بإعادة نفس التجربة، وفهمه ابتداءً منها.

  • (ب)

    تحويل الوحي إلى تجاربَ إنسانيةٍ عامة بصرف النظر عن إيمان الفرد ومذهبه وملته، وهي التجارب التي تشارك فيها الإنسانية جمعاء، حقائق وجدانية بديهية تكشف عن جوهر الإنسان والحياة، وتكون معادلة للوحي؛ فالوحي كشف للطبيعة ورؤية للوجود، وليس قهرًا لها أو إدانة له.

  • (جـ)

    النظر بعين الوحدة إلى كل شيء؛ إلى قوى الإنسان النظرية والعملية، اللغوية والفكرية، القولية والفعلية، النظرية والوجدانية، الذاتية والموضوعية، الأنانية والغيرية، والوصول إلى نظريةٍ عامة في الوحدة؛ وحدة الشهود، وحدة الوجود، وحدة الأديان تكشف عن أحد معاني التوحيد.

  • (د)

    إعطاء الأولوية للجانب العملي على الجانب النظري، والبداية بالعمل من أجل الوصول إلى النظر، والتركيز على أهمية الرياضة والمجاهدة؛ مما يجعل الصوفي نشطًا متحمسًا فاعلًا عاملًا مؤثِّرًا مجاهدًا.

  • (هـ)

    أهمية الارتقاء والحركة والتطور والاتجاه نحو القصد والهدف، أو ما يُسمَّى بالغائية، وتحقيق هذا الهدف على مراحل، وتدبُّر بناء على خطة يتم إنجازها في الزمان، والقدرة على الانتظار، والتخطيط البعيد المدى.

  • (و)

    أهمية الصراع والتنافس والتقابل والتعارض في أحوال النفس، ومن هذا الصراع ينشأ جدل العواطف والانفعالات من غيبة وحضور، صحو وسكر، هيبة وأنس، خوف ورجاء، فقد ووجد.

ومع ذلك فالمنهج الصوفي له بعض العيوب؛ منها:

  • (أ)

    الوقوع في التأويل بلا شروط من اللغة أو أسباب النزول حتى ابتعد التفسير عن واقعه الأصلي، وأصبح غايةً في ذاته يهدف إلى إشباع الذوق النظري والوجداني، واستحالة المعنى الواضح، وتحويل المحكَم إلى متشابه، والظاهر إلى مؤَوَّل، والمبيَّن إلى مجمَل، والحقيقي إلى مجازي.

  • (ب)

    الإيغال في التحليلات النظرية، خاصة في التصوف النظري، وتحويل الوحي إلى تأملات الهيئة ونظرياتٍ ميتافيزيقية ابتعدَت عن الحياة العملية، وليس لها أي أثرٍ على الأوضاع الاجتماعية والسياسية.

  • (جـ)

    التطرف في الجانب الوجداني في التصوف العملي، بعد تحوله إلى علم لبواطن القلوب، حتى أصبح التصوف تيارًا معاديًا للعقل والنظر، وغلب عليه الكشف والإلهام والعلم اللدني، وحل الخيال محل الفعل، والوهم محل الواقع، وتخيل الصوفي واهمًا أن التوحيد قد تحقَّق في الوحدة بالفعل.

  • (د)

    إعطاء الأولوية المطلَقة للداخل على الخارج وللباطن على الظاهر، وللقلب على الجوارح، وللذاتية على الموضوعية، وللأخلاق الباطنية على النظم السياسية والاجتماعية الخارجية، حتى استحال العمل في العالم الخارجي.

  • (هـ)

    الوقوع في العزلة وترك المشاركة، وإعطاء الأولوية للفرد على الجماعة وللأنا على الآخر؛ وبالتالي استحال العمل مع الجماهير وفي التاريخ، باستثناء الطرق الصوفية كجماعاتٍ مغلَقة.

  • (و)

    إسقاط التدبير، والوقوع في الجبرية المطلَقة، وإسقاط الشرائع والتكاليف، ومحو الفروق بين الأحكام الشرعية طبقًا لمنظور الوحدة الشاملة، تحريم المباح، وردُّ المكروه إلى المحرَّم، والمندوب إلى الواجب، ثم إسقاط المحرَّم والواجب في حالة الفناء.

(٥) المنهج الفلسفي

ويظهر هذا المنهج في التفسيرات الفلسفية والاعتزالية التي تقوم على العقل دون النقل، وتشارك المنهج الصوفي في التأويل وإن كانت تختلف معه في منهج التأويل العقلي أم الباطني.٦ وقد ظهرت هذه التفسيرات بعد عصر الترجمة، واطلاع المسلمين على الثقافات المجاورة، ثم تمثُّلها وفهمها والرد عليها بالاعتماد على العقل والنظر وليس على النص الحرفي. وشارك في ذلك المعتزلة أولًا، ثم الفلاسفة ثانيًا، نظرًا لما بينهما من اتفاق حول منهج العقل والنظر.

وقد كان لهذه التفسيرات عدة مزايا أهمها:

  • (أ)

    تجاوز منهج النص والنقل والرواية، ومحاولة التعرف على المعاني المستقلة وإدراكها، وإيجاد الأدلة على صدقها من داخل المعنى وليس من خارجه، حتى أصبح الوحي مرادفًا للفلسفة، لا فرق بين الدين والفلسفة، أو بين النبوة والعقل.

  • (ب)

    البعد عن التعصب وتكفير الخصوم وإيثار التسامح واتساع الأفق والنظرة الشمولية، وضم الخصوم كحالاتٍ جزئية في تصورٍ أعم وأشمل، والدفاع عنهم، ومحاولة إقالتهم من عثراتهم، وإيجاد الأعذار لهم.

  • (جـ)

    القدرة على التعامل مع الحضارات الأخرى واحتواؤها وتمثُّلها والرد عليها، وأخذ الحقائق من أي حضارة ومن أية أمة، بل والدفاع عن فلسفة الأمم الأخرى ومفكريهم وشرحهم وتعميقهم، وجعلهم روادًا للفكر البشري.

ومع ذلك فهناك بعض العيوب؛ مثل:

  • (أ)

    الوقوع في التأمل النظري الخالص والشطحات الفلسفية، والنظريات البعيدة عن التصديق؛ إذ إن العقل قادر على تبرير كل شيء، وعلى السير في كل طريق، وأصبح البحث عن الحكمة غاية في ذاتها.

  • (ب)

    الإيغال في تحليلات العقل حتى أصبح حاويًا لكل شيء مقياسه الاتساق. تحوَّل الواقع كله إلى معقول، ولم تعُد هناك تجربة أو واقعة أو أمرٌ يند عن العقل. المنطق عقلي، والطبيعيات عقلية، والإلهيات عقلية، والشر عقلي، والموت عقلي.

  • (جـ)

    تسرُّب بعض آثار الفلسفات القديمة من الحضارات المجاورة من فارس واليونان، وتحويلها إلى نظريات إسلامية؛ مما أحدث تغييرًا في بعض محاور الحضارة الإسلامية ومراكزها؛ مثل الألوهية، وخلق العالم، وخلود النفس، في حين أنها حقائقُ واضحة بذاتها في الوحي لم تكن بحاجة إلى كل هذا العناء.

  • (د)

    ظهور بعض الجوانب الإشراقية بالرغم من سيادة العقل، كما ظهر في نظريات الاتصال بالعقل الفعال ونظريات الفيض أو الصدور، التي تكشف عن الإشراق في المعرفة وفي الوجود، ثم انتقال ذلك إلى السياسة والمجتمع، فنشأ الإشراق الاجتماعي والسياسي في «المدينة الفاضلة» من القمة إلى القاعدة.

  • (هـ)

    سيادة التصور الحيوي في الطبيعة والفلك، وظهور نظريات العقول العشرة والنفوس والأفلاك، وشوق الطبيعة وسعيها نحو معشوقها. الأفلاك لها عقول ونفوس، وبتحركاتها وأدوارها تتحكَّم في كل شيء على الأرض، تسجد لله، وتسبح بحمده، وهو من نتائج الإشراق العلمي.

  • (و)

    غياب الواقع الاجتماعي والمشاكل اليومية، وكأن هذه النظريات كانت فلسفة الخاصة الدائرة في بلاط الحكام وحلقات العلماء، لا شأن لها بفلسفة العامة وبمشاكل الناس. تنشأ في فراغ، وتدور في فراغ، كما كانت فلسفات القدماء.

(٦) المنهج العقائدي

وهو المنهج السائد في تفسيرات المتكلمين وعلماء أصول الدين وكتب العقائد والفِرق.٧ وقد نشأَت هذه التفسيرات كجزء من المعارك السياسية، التي أخذَت طابعًا عقائديًّا طالما كانت العقيدة في المجتمعات الإسلامية تقوم بوظيفة الأيديولوجية السياسية. وتمتاز هذه التفسيرات بالآتي:
  • (أ)

    الالتزام بالقضايا السياسية والاجتماعية دون أن تقع في الترَّهات النظرية والتأمُّلات الميتافيزيقية، وتوجيه العقيدة للعمل السياسي، وفرض العمل السياسي نفسه على العقيدة.

  • (ب)

    التعبير عن المواقف السياسية، التي تعبِّر بدَورها عن صراع القوى الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، والكشف عن تاريخ الصراع الاجتماعي في أسسه النظرية في العالم الإسلامي.

  • (جـ)

    صياغة مبادئ الأيديولوجية الإسلامية، وظهور إرهاصات هذه الصياغات في الأصول الخمسة عند المعتزلة، أو في مبادئ التوحيد والعدل عند الخوارج، أو في عقائد الشيعة الإمامية.

  • (د)

    استطاع البعض منها تكوين دول؛ مثل الدولة الأموية على عقائد المرجئة، والدولة الفاطمية على عقائد الشيعة، والدولة الحجازية اليوم على الدعوة الوهابية، والجمهورية الإسلامية بإيران على الثورة الإسلامية.

ومع ذلك يُعاب على هذه التفسيرات عدة أمور؛ منها:

  • (أ)

    الوقوع في الشيئية في العقائد والتفسير الحرفي للنصوص، وتصور العقائد على أنها أشياء وليست بواعث للسلوك، والجنة والنار على أنها أماكن، واليوم الآخر على أنه نهاية الزمان، والتقوى على أنها شعائر، والإيمان على أنه مظاهر.

  • (ب)

    الاعتماد على النص، وجعل العقل لاحقًا للنص، كما هو الحال عند الحشوية وأهل الظاهر خاصة وأهل السنة عامة؛ مما جعل وظيفة العقل في تبرير المعطيات اعتمادًا على سلطة الكتاب، وليس في تحليل الواقع اعتمادًا على نفسه.

  • (جـ)

    الدخول في معارك نظرية لا ينتج عنها أثرٌ عملي مباشر؛ مثل الذات والصفات وخلق القرآن، ولو أن دلالاتها الحضارية معترفٌ بها؛ مما دعا البعض إلى «إلجام العوام عن علم الكلام» واعتباره هوًى، يُبعد الإنسان عن العمل، ويُوقعه في المحظور منه أو المشكوك فيه.

  • (د)

    إخراج بعض النظريات لتبرير النظم القائمة؛ مثل القضاء والقدَر لتبرير شرعية الدولة الأموية، والرضوخ لها، والتسليم بها، وعقائد الإمامة من قريش، وتأجيل العمل على الإيمان استبعادًا للمعارضة القومية، أو لترك العمل السياسي.

  • (هـ)

    تركيز المشكلة السياسية كلها حول موضوع الزعيم أو الإمام وصفاته، دون التعرض للجوانب الأخرى؛ مثل التنظيمات الشعبية، والمؤسسات الدستورية، وكأن السلطة السياسية هي محور الدولة، وأداة التغيير، دون غيرها.

  • (و)
    القضاء على وحدة الأمة من خلال التفرق والتشيع والتحزب كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٠: ٣٢)، وتكفير بعضها البعض، فاستحال الحوار، وسالت الدماء، أخذ أصحابها لقب أهل الأهواء، والبدع والزيغ، وليس أهل الفكر والنظر والبرهان.
  • (ز)

    سادت فرقة واحدة هي فرقة أهل السنة، التي تتصور التاريخ على أنه انهيارٌ مستمر من الوحدة إلى الفُرقة، ومن الإيمان إلى الكفر، ومن الهداية إلى الضلال؛ فالسلف خير من الخلف مما دفع بالشيعة إلى التصور المعارض وهو الخلاص في المستقبل، على يد المهدي المنتظر؛ فالتاريخ تقدُّم وازدهار وتفجُّر وثورة.

(٧) المنهج العلمي

وهو المنهج الذي ظهر أخيرًا بعد أن بدأَت الأمة الإسلامية دورتها الحضارية الثانية فترجمَت عن الغرب من جديد. ولمَّا كان الغرب قد أقام حضارته هذه المرة على العلم فقد بدأتَ ترجمات الكتب العلمية والترويج للنظريات العلمية، حتى أصبح العلم أحد المحاور الجديدة في حياتنا الثقافية تقليدًا للغرب، وتمثلًا لنظرياته العلمية، وليس تأصيلًا للعلم القديم، فكان من الطبيعي أن تنشأ التفسيرات العلمية للقرآن مُتبنِّيةً بعضَ نظريات العلم، ورافضة للبعض الآخر، بناءً على تصورنا الإسلامي المحافظ للإسلام، ونقلنا للعلم الغربي دون الحصول على مقدماته وشروطه.٨

ولهذه التفسيرات بعض المميزات؛ أهمها:

  • (أ)

    الرغبة في التحديث والجرأة على الجديد والإقبال على منجزات العصر، وخروج من التقوقع على الذات، وإعادة التعلم من الغير، وأخذ الحكمة من أي مصدر كانت، حتى ولو كانت من الأمم القاصية عنا؛ مما يعطي هذا التفسير ميزة على تفسير القدماء.

  • (ب)

    احترام العلم نسبيًّا، وتوجيه العقل نحو العلم؛ مما يساعد على إعادة التوازن في حياتنا القومية بين العلم والدين، ومواجهة لونٍ آخر من ألوان الفكر البشري من جهد العلماء، وليس فقط من عطاء الأنبياء.

  • (جـ)

    اللحاق بآخر إنجازات العلم، وإعادة التفسيرات طبقًا لآخر النظريات العلمية؛ وبالتالي الاتجاه أكثر فأكثر نحو التفسير الزمني التاريخي المتغير، في مقابل التفسير الأبدي الدائم الصالح في كل زمان ومكان.

ومع ذلك فإن عيوب هذه التفسيرات كثيرة؛ منها:

  • (أ)

    البداية من الآخر وليس من الذات إحساسًا بالدونية أمامه، فينشأ مركب النقص لدينا أمام الغير، ونتحول إلى مستهلكين لحضارة الغير لا مبدعين، ناقلين لا مكتشفين، تلاميذ إلى الأبد دون أن نكون أساتذة.

  • (ب)

    استمرار النقل المستمر إلى فترة طويلة دون اللحاق بالنظريات العلمية؛ لأن معدل إنتاج الحضارة العلمية أسرع بكثير من معدل الترجمة عنها، فنظل لاهثين، وتصيبنا الصدمة الحضارية، وكلما ترجمنا تتسع الفجوة بين الأنا والغير، ويكون التخلف هو قدَرنا.

  • (جـ)

    اقتلاع العلم من جذوره في الغرب، وأخذ آخر منجزات العلم دون التصور العلمي للعالم، الذي ينشأ بناء على تطور العلم وظروف نشأته وتغييره للوعي الاجتماعي القومي لدى الشعوب، والشهادة في سبيله؛ فأخذ العلم دون التصور العلمي يجعل العلم مجرد ترجمات ومعارف، دون أن تُحدث إعادة بناء لتصورنا للعالم على أساس تصورٍ علمي، ونكون كالحمار يحمل أسفارًا، مثقفين وعلماء يحملون المعارف، وعاجزين عن تحليل الواقع علميًّا.

  • (د)

    الانقطاع عن تراث الأمة العلمي والجهل به والانفصال عنه، وهو الذي قام على تصورٍ علمي للعالم لم يُقدَّر له أن يعيش في وعينا القومي، وهو الذي ساهم في تطور العلم الغربي، وفي إحداث التصور العلمي المصاحب له، ولا يكفي في هذه الحالة مجرد الفخر بالإنجازات العلمية للآباء والأجداد صُنَّاع الحضارة، ومعلِّمي البشرية.

  • (هـ)

    الإعجاب بالعلم دون غيره من إنجازات الحضارة الغربية في الفن والسياسة والاقتصاد والاجتماع وأساليب الحياة، في حين أن العلم الغربي أحد مظاهر الحضارة الغربية، ومرتبط بها ارتباط الجزء بالكل؛ فأخذنا العلم دون حضارة العلم، وزرعناه في بيئة ثقافية ليست بيئته، فحدث التجاور في حياتنا بين الحاسب الآلي وضريح الولي.

  • (و)

    البداية بالعلم وتفسير الدين طبقًا لآخر اكتشافاته يعطي العلم زمام المبادرة، ويجعل الدين مجرد لاحق بالعلم، فيكون الفضل للعلم على الدين، ويكون السبق للعلماء على الأنبياء، ويكون النبي هو العامل المحرِّك للمطلَق، مما يعطي العلم أكثر مما يستحق والدين أقل مما يستحق.

  • (ز)

    التوفيق بين الدين والعلم وأخذ ما يتفق من العلم مع الدين ورفض ما يخالفه «التفسير المحافظ»، أو أخذ ما يتفق من الدين مع العلم «التفسير التقدمي»؛ وبالتالي ابتسار العلم والدين معًا، وتأويل أحدهما بالآخر؛ مما يؤدي إلى سوء فهم للدين والعلم على حدٍّ سواء.

  • (ﺣ)

    سوء فهم العلم حتى يمكنه تأييد الدين، خاصة الإيمان بالغيبيات، وسوء فهم الدين لتأييد العلم الذي يسمح بتأويل الغيبيات، وسوء تفسير العلم، واتهام بعض نظرياته بالإلحاد أو الكفر، وسوء تفسير الدين لإدانة العلم أو لإعلان براءته، والوقوع نهائيًّا في ازدواجية المعرفة والمنهج.

  • (ط)

    تحويل الأمر كله إلى مكسب وتجارة من أجهزة الإعلام، في مجتمعاتٍ أميةٍ أنصاف متعلمة، تتعجب من حكمة الله في المخلوقات ومن إيمان العلماء بالغيبيات، فيرسخ إيمانها المحافظ الذي يؤيده العلم، ولا ترى في العلم إلا تأييدًا لعقائد الإيمان.

  • (ي)

    إغفال القضايا الاجتماعية والسياسية التي تشغل بال الجماهير، والتي عليها تتوقف حياتها، وتزييف الوعي القومي بشغله بموضوعاتٍ تُبعده عن واقعه الاجتماعي والسياسي، وكأن الله لا يظهر إلا في الطبيعة دون المجتمع.

(٨) المنهج الإصلاحي

وهو المنهج الذي ظهر في تفسيرات المصلحين الدينيين منذ القرن الماضي تعبيرًا عن أوضاع الأمة الاجتماعية والسياسية، ومحاولة تغييرها والنهوض بها، والقضاء على مظاهر التخلف فيها، من احتلال وتفكك وتسلط وفقر وجهل وفتور، وهو آخر المناهج صياغةً وتقدمًا وإرهاصًا وتجاوزًا لمناهج القدماء.٩ ويمتاز هذا المنهج بالآتي:
  • (أ)

    الالتزام بقضايا الأمة الإسلامية، ومحاولة النهوض بها، والمساهمة في عمليات التغير الاجتماعي، وعدم تحويل التفسير إلى مهنة أو وظيفة، بل هو رسالة ودعوة وقضية، وسلاح ضد التسلط والقهر والفقر وجميع مظاهر التخلف.

  • (ب)

    كان أصحاب هذا التفسير من النشِطين سياسيًّا في مجتمعاتهم، مثل محمد عبده ورشيد رضا؛ وبالتالي نشأَت تفسيراتهم من خِضَم تجاربهم السياسية والاجتماعية، ومن خبرات كفاحٍ طويل ونضالٍ ضد الاستعمار والتخلف والتجزئة.

  • (جـ)

    تجاوز التفسيرات القديمة اللغوية والتاريخية والفقهية، والكلامية والصوفية، والفلسفية والعقائدية، وظهور التفسير الاجتماعي والسياسي فيها؛ مما جعل هذه التفسيرات صورةً حيةً لأوضاع الأمة الإسلامية.

  • (د)

    الارتباط بجيلٍ معين، وبلحظةٍ تاريخيةٍ محدَّدة، وفي زمانٍ ومكانٍ معينَين، فبطل الادعاء بوجود تفسيرٍ صالح لكل زمان ومكان؛ وبالتالي اكتشاف أهمية التاريخ وقوانين التاريخ وحركة المجتمعات وتطوُّرها، والتحق التفسير من جديد بعلم العمران.

ومع ذلك، فقد ظلت هذه التفسيرات ناقصة لعدة أسباب؛ منها:

  • (أ)

    لم تكن للقضايا الاجتماعية والسياسية الأولوية المطلقة على الموضوعات العقائدية، وما زالت أحد موضوعات التفسير وليس موضوعه الرئيسي، بالإضافة إلى إلحاقها بالأخلاق وبالإيمان، دون تحليلها كموضوعاتٍ اجتماعية مستقلة، لها أبنيتها المستقلة.

  • (ب)

    ما زال منهج النص غالبًا عليها مما نال من استقلال الموضوعات العلمية، كظواهر إنسانية مستقلة عن النص؛ وبالتالي لم يكن الواقع هو البداية المطلَقة، وكان التفسير مقدمة للواقع وليس الواقع مقدمة للتفسير.

  • (جـ)

    ما زال يغلب عليه التفسير الطولي وليس الموضوعي، سورة بسورة، وآية بآية، مما يشتِّت الموضوعات ويُجزِّئها ويجعلها متناثرة، دون أي بناءٍ نظري أو مادي يجمعها، وكأن الغاية هو التفسير وليس معرفة الواقع.

  • (د)

    أنها إصلاحية محدودة الأثر، لم تتحول بعدُ إلى نهضةٍ شاملة تقوم على مبادئ التنوير، من عقل وحرية وديمقراطية وطبيعة وإنسان وتاريخ؛ وبالتالي ظلت قابعة في ميدان العقائد حتى نشأَت حركات نهضةٍ علمانية من خارجها.

  • (هـ)

    أنها حركات إصلاحية وليست ثورية تهدف إلى الفهم الصحيح للعقائد، وليس إلى إحداث انقلابٍ أساسي في البنية الاجتماعية؛ لذلك قامت الثورات الاجتماعية من خارجها، أو حاولَت الانتساب إليها في لحظات تعثُّرها.

  • (و)

    ما زال بعض جوانب المحافظة الدينية التقليدية سواء في العقائد أو في التشريعات مثل «الرد على الدهريين»، مما فتَّت الحركات الوطنية الاجتماعية، وجعل أمر الوحدة الوطنية عسيرًا، بل وانتهى الأمر إلى الصدام الدموي بينها وبين الحركات الوطنية الأخرى.

  • (ز)

    لم يستمر قادتها في الثورة إلى ما لا نهاية، وتراجع البعض منهم ونكص على عقبيه (محمد عبده)، كما تحولَت بعض الحركات الإصلاحية إلى نظمٍ دينية محافظة؛ مثل الوهابية في الحجاز، والمهدية في السودان، والإخوان في مصر.

  • (ﺣ)

    لم تتم صياغتها بعدُ صياغةً علمية في نطاق العلوم الاجتماعية والإنسانية والتاريخية، وظلت أقرب إلى الدين منها إلى العلم، تنبع من الحركات الدينية وليس من الحركات الاجتماعية.

ثالثًا: المنهج الاجتماعي في التفسير

وقد أفادت مناهج القدماء في ظروف عصرهم وفي مواطن إبداعهم؛ اللغة والرواية والفقه والتصوف والفلسفة والعقائد، ولكن هذه الظروف قد تغيرت، ولم يعُد عصرنا عصر لغة أو رواية أو فقه أو تصوف أو فلسفة أو عقائد، بل عصر علوم اجتماعية، وفي مقدمتها العلوم السياسية والاقتصادية، التي بدأ المنهج الإصلاحي في الانتباه إليها، مهمة جيلنا إذن هي تطوير هذا المنهج، وأن يبدأ بواقع الأمة وبمصالح المسلمين.

ويتصف هذا المنهج الاجتماعي في التفسير بالآتي:

  • (١)

    أنه تفسير جزئي للقرآن الكريم وليس تفسيرًا كليًّا له على الأقل في هذه المرحلة؛ أي إن المطلوب تفسيره هو رؤية حاجات المسلمين داخل القرآن، وليس تفسير القرآن كله بصرف النظر عن حاجات المسلمين ومطالبهم؛ فإذا كانت مشكلتنا الرئيسية حتى الآن هي تحرير الأرض ومواجهة الاستعمار، فإن آيات الجهاد والقتال والحرب والإعداد هي التي يكون لها الأولوية في التفسير، وليست آيات الدعة وحسن العيش والتمتع بزينة الحياة الدنيا. وإذا كانت مشكلتنا اليوم هي التسلط والقهر والطغيان، فإن آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهر بالحق والتمسك به، ورفض النفاق والثورة على الذلة والمهانة، يكون لها الأولوية المطلقة في التفسير، على آيات الطاعة والأمر بالعبودية، وإذا كانت مشكلتُنا أيضًا هي الفقر والجوع والبؤس والشقاء والحرمان وسوء التغذية والعُري والبطالة، مشاكل المعذَّبين في الأرض، فإن آيات القرآن عن الملكية العامة والغنى والفقر، ومنع تداول المال بين الأغنياء، والاستخلاف، وحق الفقراء في أموال الأغنياء، والمساواة والعدالة الاجتماعية، هي التي يكون لها الأولوية المطلقة على آيات التجارة والربح والرزق والطبقات والدرجات والكسب الحلال. وإذا كانت مشكلتنا الرابعة هي لامبالاة الناس وفتور الجماهير وخنوعها واستسلامها وكسلها ورضوخها واستكانتها وترك مصائرها بيد غيرها وقدرتها، فإن آيات الحث على النهوض، ورفض الإثقال إلى الأرض، والدعوة إلى الهجرة في أرض الله الواسعة، وخلافة الإنسان لله في الأرض، والشهادة، والعزة للمؤمنين، والعلو للأمة، تكون لها الأولوية المطلقة على آيات القضاء والقدَر والتسليم والتفويض والإرجاء والانتظار والتوفيق والهداية والدعاء وطلب البركات. نقرأ إذن حاجاتنا في القرآن، وما لا نحتاجه لا يقرؤه جيلنا، بمعنى لا يفسِّره لأنه لن يفهمه؛ فالفهم لا يتم إلا طبقًا لحاجة؛ أي تجربةٍ اجتماعية وأزمةٍ مُعاشة؛ فإذا كنا ندعو إلى العلم فإننا نفسِّر آيات العلم وليس آيات الفيض والإلهام والكشف والفتح والبصر الحديد. وإذا كنا ندعو إلى الواقع فإننا نعطي الأولوية لآيات التنزيل وليس لآيات التأويل، ولعالم الشهادة وليس لعالم الغيب. وإذا كنا ندعو إلى العقل فإنا نعطي الأولوية المطلقة لآيات العقل. وإذا كنا ندعو للعمل فإننا نُبرز في حياتنا آيات العمل قبل آيات الإيمان والتفكر والتدبر والتأمل والنظر. وإذا كانت التنمية هي مشكلتنا الرئيسية بغزو الصحراء واستخراج المياه الجوفية، وبتخزين لمياه الأمطار، وإقامة السدود والخزانات والبحث عن ثروات الأرض، فإن آيات الأرض والماء والزراعة والخضرة والفواكه والأعناب والشجر الباسقات والأوراق والثمار تكون لها الأولوية المطلَقة في وجداننا الديني القومي. وإذا كانت مأساتنا في نقص الثروة الحيوانية، اللحم واللبن والبيض، فإن آيات الأنعام والأسماك واللحم الطري والطير تبرُز في وجداننا القومي تحثنا على زيادة الثروة الحيوانية. وإذا كانت مشكلتنا هي أزمة الإسكان، فان آيات السكن والبيت المستقر تجد صدًى في نفوسنا. وهكذا نجد في القرآن حاجاتنا ونفسِّر آياته طبقًا لها؛ وبالتالي يصبح القرآن كتابًا مقروءًا في الأسواق في حياة الناس اليومية، ويأخذ معنًى في جيلنا ويُوفي بالغرض.

  • (٢)
    والتفسير الموضوعي للقرآن هو الأقدر على الوفاء بمقتضيات المنهج الاجتماعي وليس التفسير الطولي، ونعني به تفسير القرآن جزءًا بعد جزء، حزبًا بعد حزب، سورةً بعد سورة، آيةً بعد آية، لفظًا وراء لفظ، حرفًا إثر حرف، ابتداءً من الفاتحة والبقرة حتى سورة العلق والناس.١٠ نفسِّر ما نعرفه وما لا نعرفه، ما نحتاجه وما لا نحتاجه، تفسير لا في زمان ولا في مكان؛ وبالتالي يكون الاعتماد أساسًا على المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وتفسير الآيات كلها حول موضوع واحد نحتاجه في عصرنا، ويسبِّب لنا أزمة، ويجثُم على صدورنا كهمٍّ ثقيل يكتم الأنفاس. ويُبنى الموضوع بطريق تحليل المضمون للآيات من حيث:
    • (أ)

      البناء الصوري والشكل اللغوي للآية، وذلك من حيث ذكر الموضوع اسمًا وفعلًا، مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا، مذكرًا أو مؤنثًا، مفردًا أو جمعًا، مضافًا أو غير مضاف، وكيفية الإضافة بالضمائر أم بالأسماء، والضمائر متكلم أو مخاطب أو غائب، ومدى تكرار اللفظ حتى يمكن تحديد الموضوع ابتداء من الشكل؛ فالفعل غير الاسم، الفعل حركة والاسم ثبات، والرفع غير النصب غير الجر؛ فالرفع فاعلية، والنصب المفعولية، والجر اللحاق والتبعية … إلخ.

    • (ب)

      تحليل المعاني وتصنيفها في مجموعاتٍ رئيسية حتى يمكن بناء الموضوع، والتمييز بين المعاني الرئيسية والمعاني الفرعية، بين الإيجابية والسلبية، بين الإلهية والإنسانية، بين المعنوية والمادية، بين الفردية والاجتماعية، حتى يمكن معرفة رأي الوحي في الموضوعات الرئيسية.

    • (جـ)

      إعطاء الأولوية للموضوعات التي تلبي حاجة العصر؛ مثل: الأرض، المال، الفقر، الغنى، التقدم، التخلف، الأمة، العمل، الإنسان، الجهاد، إسرائيل؛ بحيث يتحول وجداننا المعاصر إلى نظرياتٍ وتصوراتٍ قادرة على تحليل أزمات العصر.

    • (د)
      تكوين الموضوعات كلها في نسقٍ عقليٍّ محكَم واحد؛ بحيث يكون تصورًا إسلاميًّا للعالم، وحتى يمكن لمنهجٍ إسلامي واحد أن يظهر ويتكون، يدور حول الإنسان والمجتمع والطبيعة والتاريخ، وهو يلبي حاجة المسلمين في البحث عن منهاجٍ مستقل، وتصورٍ للكون، ومنهاجٍ للحياة، ونظامٍ اجتماعي وسياسي.١١
  • (٣)

    التفسير الزمني قادر على إعطاء صورة للقرآن لجيلٍ بعينه، وليس لكل الأجيال، وفي عصرٍ بعينه وليس في كل العصور؛ فالقرآن الأبدي الذي يتجاوز العصور والأجيال موجود في العلم الإلهي، ولكن لا وجود له في صدور الناس، أو في حركة التاريخ، أو في كتب المفسرين، أو في أقوال الخطباء، أو في نظريات العلماء. التفسير الزمني هو تفسير العصر، ولا شأن له بالعصور السابقة، ولا يلزم الأجيال اللاحقة؛ فمثلًا هو تفسير أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر، مهمَّته الدفاع عن الإنسان في عصرنا وليس عن الله في كل العصور، ليس فقط في العمليات بل أيضًا في النظريات. ولمَّا كانت مشاكل الحياة متجدِّدة، فإن التفسيرات القديمة وليدةُ عصرها، كما أن تفسيرنا وليد عصرنا، ولا تُلزم الأجيال المستقبلة بأي حال. وأي دعوى أخرى دون ذلك ادعاءٌ باطل وغرورٌ إنساني، ورغبة في التسلط على رقاب الناس واحتكار معارفهم واجتهاداتهم، ونفاق وإرهاب وتعصُّب وجهل يُخفي أخطاء التفسير أكثر مما يُبيِّن صدقه.

    والتفسير على هذا النحو له غاية عملية وليس غاية نظرية، يهدف إلى تغيير أحوال المسلمين وليس إلى اكتشاف حقائق نظرية؛ فالصدق في التفسير هو التغيير والأثر فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (١٣: ١٧)؛ فالتفسير مرتبط بالمسلمين في التاريخ، ولا يبحث عن الإسلام كحقيقةٍ أبدية خارج التاريخ؛ فهذه الحقيقة لا تُوجد إلا في بطون المسلمين. لقد نشأ الوحي نفسه في الزمان، وتطور في الزمان، من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام. وتطوَّرَت الكتب المقدسة في الزمان من صحف إبراهيم ومزامير داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى والقرآن الذي نزل على محمد. كما أن القرآن نزل مُنجَّمًا على ثلاثة وعشرين عامًا، بادئًا بالعقيدة ثم الشريعة، بالآيات المكية ثم المدنية، بل إن الشريعة ذاتها بها ناسخ ومنسوخ طبقًا للقدرة، والزمان داخل في الشريعة الإسلامية في العبادات؛ الصلاة في أوقات، وجوبًا أو قضاءً، على الفور أو على التراخي، والصيام في أوقاتٍ معلومة، والحج في أشهرٍ معلومة، والشهادة في كل وقت، والتكليف في الحياة، وما نحتاجه هو تفسير زمني لجيلنا، ينفعنا، ويحل مشاكلنا، ويتوجه إلى مآسينا.
  • (٤)

    التفسير الواقعي الذي يبدأ من واقع المسلمين وحياتهم ومشاكلهم ومآسيهم وأحزانهم ومصائبهم وهزائمهم لا يبدأ من فراغ بل يبدأ من مشكلة؛ فالوحي لا يُعطى مجانيًّا بلا فائدة، بل لحل قضية حارت فيها العقول والأفهام، ولم يقدر إلا القليل على حلها برؤيةٍ صائبة وحسٍّ مرهف، كما كان الحال مع عمر بن الخطاب. وهذا مشهود في «أسباب النزول»؛ أي أولوية الواقع على الفكر، والحركة على الثبات؛ فالحل مغيِّر للواقع، وليس مثبتًا له، أو مبررًا إياه. والتفسير الواقعي لا يتحدث عن الإسلام العام الخالد الذي ليس له مكان ولا زمان، والذي يطير فوق الواقع ولا يحل مشاكل الناس. التفسير الواقعي لا يقوم بالدفاع عن الله؛ فالله غني عن العالمين أو عن الإسلام؛ فإن لهذا الدين ربًّا يحميه، بل يدافع عن المسلمين الذين لا يدافع عنهم سواهم؛ فما أسهلَ الحديثَ عما ينبغي أن يكون، وما أصعبَ تغييرَ ما هو كائن. وقد يهدف التفسير العام إلى التعمية والتغطية والتمويه على ما يدور في الواقع، وعلى إيثار السلامة والحرص على لقمة العيش خشية وخفية وسلامة. كما قد يدل على العجز عن المواجهة ما دامت البضاعة لا تتعدى الكلام، ويضع الناس في نظامٍ مثالي ينعمون به، ويرنون إليه، يجدون فيه تعويضًا وعزاءً عن واقعهم المُضني الأليم.

  • (٥)

    التفسير بالمعنى والقصد، وليس بالحرف واللفظ؛ فالوحي مقاصد كما يقول الأصوليون القدماء، وبواعث واتجاهات وأهداف كما يقول المحدَثون؛ فالكليات الخمس، المحافظة على النفس والعقل والدين والعرض والمال هي مقوِّمات الحياة الخمس؛ فالمصلحة أساس الشرع، لا ضرر ولا ضرار، والضرورات تبيح المحظورات، والأشياء في الأصل على الإباحة، والأشياء قبل ورود الشرع على البراءة الأصلية، والإنسان خيِّر بالفطرة، والإسلام دين العقل والطبيعة، ودين الحرية والمساواة، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى، وأن العمل وحده مصدر القيمة، وأن البشر سواسية كأسنان المشط، وأنْ لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، وأن الإنسان حر ومختار ومسئول، وأنه قادر على إدراك الحقائق بالعقل، وأنه قادر على التمييز بين الخير والشر … إلى كل ذلك من مبادئ إنسانية عامة، وحقائق موحًى بها تطابق العقل والطبيعة، وتكون أساسًا للتفسير، وتقوم فيه مقام البديهيات والأوليات والمصادرات؛ فما الفائدة من تناول التحسينات أو الحاجيات دون الضروريات باصطلاح القدماء؟ وما الفائدة في المماحكات اللفظية والتفريعات الجزئية والكليات الأساسية غائبة عن الأذهان؟

  • (٦)

    التفسير بالتجارب الحية التي يعيشها المفسر؛ فالتفسير جزء من الحياة، والحياة مادة علم التفسير، ولا تفسير إن لم يكن لدى المفسِّر تجارب، يعيش حياته، ويحياها بصدق، يتأزم ويتألم، يفرح ويحزن، يشقى ويسعد؛ فالتفسير ليس مهنة أو بضاعة أو تجارة، بل هو أزمة في المعرفة، وحَيْرة في السلوك، وبحث عن المعنى، وتغيير للأوضاع؛ لذلك كانت تفسيرات الصوفية بالرغم من عيوبها تفسيراتٍ صادقة تتم بناءً على تجارب. وهنا أيضًا تأتي أهمية التفسيرات الإصلاحية التي تعبِّر عن تجارب الإصلاح والثورة والتغير الاجتماعي. والنصوص الدينية في أصلها تجارب معاشة، استشهاد الأنبياء، وخوف الأتقياء، وطغيان الملوك والأمراء، وصراع القوى الاجتماعية المتعارضة، والشد والجذب بين قوى التخلف وقوى التقدم؛ فيعقوب تبيَض عيناه من الهم فهو كظيم، ويوسف في غيابات الجب، ومع امرأة العزيز، وفي السجن، وموسى هاربٌ يترقب، ويونس في بطن الحوت، وعيسى نفسه حزينة حتى الموت، ونوح يدعو على قومه، وإبراهيم في النار، ومحمد باخع نفسه على أن يؤمن قومه، والمؤمنون يمسُّهم القرح، يحزنون ويخافون. وقد عبَّر الصوفية عن ذلك أصدق تعبير في الأحوال والحالات النفسية المتعارضة مثل القبض والبسط، الخوف والرجاء، الصحو والسكر، الهيبة والأنس، الغيبة والحضور … إلخ. أما التفسير المهني الوظيفي الذي يتم من فوق المنابر ومن أعلى المصاطب، ويملأ الصفحات لإظهار المعارف والعلوم، فكلها تفسيراتٌ لا تخرج من القلب، ولا تُكتب بالدم، ولا تغيِّر قيدَ أنملةٍ من حياة الناس.

  • (٧)
    رصد مشاكل الواقع حتى يمكن بدأ التفسير منها. ويحدث ذلك على النحو الآتي:
    • (أ)

      إذا كان نهج التفسير الاجتماعي يبدأ من واقع المسلمين، … عن مصالح الأمة وحلًّا لأزماتها، ومواجهًا قضاياها الأساسية، كان لا بد أولًا من رصد مشاكل الواقع. ولا يتم ذلك إلا بتعاون علماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد؛ أي باشتراك العلوم التي تقوم بإحصاء مشاكل الواقع الاجتماعي، وهي بالنسبة لنا؛ تحرير الأرض من الصهيونية والاستعمار، الحرية والديمقراطية ضد التسلط والطغيان، التنمية ضد التخلف والفقر، تجنيد الجماهير ضد السلبية والفتور.

    • (ب)

      وضع نظام للأولويات لهذه المشاكل، دون أن يمنع ذلك من السير في جميع الجبهات؛ فمثلًا يأتي أولًا تحرير الأرض، وما يتطلبه ذلك من إقامة جبهة وطنية، وتأجيل الصراع الاجتماعي إلى حين؛ فحركة التحرر الوطني تحتاج إلى جهد الجميع. ثانيًا الحرية والديمقراطية مما يسمح بحرية الرأي والتعبير للجميع، والسماح بتعدُّد الآراء واختلاف وجهات النظر، ويكون المحك في النهاية لأكثر الحلول قدرةً وشمولًا وعمقًا وبقاءً. ثالثًا، التنمية ضد جميع مظاهر التخلف من فقر وأمية وجهل، وما يتطلبه ذلك من إعادة توزيع ثروة البلاد، وتحقيق أكبر قدرٍ ممكن من المساواة والعدالة الاجتماعية. رابعًا، تجنيد الجماهير ضد السلبية والفتور واللامبالاة، وأخذ مصائرها بأيديها، وتوجيه حكامها، وقيامها بمهمة المراجعة والرقابة.

    • (جـ)

      الاعتماد على التحليل العلمي، وتبنِّي الحلول الواقعية التي تقوم على التطور والتدرج، والاقتداء بالمنهج الأصولي في تحليل العلل، والبحث عن العلة الفاعلة أو المؤثِّرة أو الملائمة أو المناسبة، واتباع طرق السبر والتقسيم، وهو أكثر المناهج علمية، ويقوم على التجريب والإحصاء، كما وضعه علماء الأصول القدماء.

    • (د)

      السماح باختلاف الآراء، وتعدُّد الاتجاهات، وعادةً ما يكون الرأي الإسلامي أوسع الآراء أفقًا وأشملها نطاقًا، وأبقاها زمانًا، وأكثرها عمقًا، وأقواها أثرًا وفاعليةً، وأقصرها وقتًا، وأقلها جهدًا. وتعدُّد الحق في العمليات وارد على رأي القدماء؛ فالوحدة الوطنية يرعاها الإسلام، ويقويها، ويحرص عليها.

    • (هـ)

      تحقيق ذلك بالفعل؛ فلا فرق بين باحث ومناضل، بين عالم ومكافح، النظرية للعمل والنظر للتطبيق. وقد كان الفقهاء من هذا الطراز، رجل علم وعمل، فقيه دين وقائد أمة.

  • (٨)
    الوضع الاجتماعي للمفسِّر هو في النهاية الذي يحدِّد نوعية التفسير؛ فالخلافات بين التفسيرات هي في نهاية الأمر اختلافات بين الأوضاع الاجتماعية للمفسِّرين؛ فكل مفسر ينتمي إلى طبقةٍ اجتماعية، وكل تفسيرٍ يكشف عن ولائه لطبقته. والذي يحدد موقفه الكلي هو الآتي:
    • (أ)

      موقف المفسرين من الواقع، هل هو مبرِّر له أم ثائر عليه؟ يبغي التعايش والارتزاق أم له رسالة وعليه مسئولية قيادة الأمة؟ يرتكن إليه ويؤثر السلامة وحسن الختام أم يتصدى لمصالح المسلمين مدافعًا عنها لا يخشى في الله لومة لائم؟

    • (ب)

      هل هو جزء من النظام السياسي مستفيد منه باعتباره موظفًا أم هو خارج النظام غير مرتبط به؟ هل هو موظَّف أم مواطن؟ يأخذ من الدولة أم يعطيها؟ تفرض عليه من حتميتها أم يفرض عليها حريته؟

    • (جـ)

      هل هو من الطبقة العليا أم من الطبقة الدنيا؟ هل يدافع عن مصالح طبقة أو فئة أو قوم، أو أنه يعبر عن مصالح المسلمين، ويلبي احتياجات جماهير الأمة؟ وهذا لا يمنع من أن ينتسب بدخله إلى طبقة وبوعيه إلى طبقةٍ أخرى؛ فليس المهم هو الدخل الطبقي، بل الوعي الطبقي.

    • (د)

      هل يبغي جاهًا أو منصبًا أو شهرةً أو مالًا أم يبغي التجرد التام ورعاية مصالح الأمة والنزاهة المطلقة والعمل لوجه الله؟ فالعلماء ورثة الأنبياء؟ هل يبغى الرئاسة في الدنيا أم الخلود في التاريخ؟

رابعًا: خاتمة

قد يقال إن المنهج الاجتماعي في التفسير عليه عدة محاذير، أو يؤدي إلى عدة مخاطر، أو تُثار عليه بعض الشبهات، أو تُوجَّه إليه بعض الاتهامات.١٢ وهي كلها أوهام تعلق بذهن العامة من جرَّاء أجهزة الإعلام وآثار الثقافة الغربية في بلادنا، وتخويفنا من مفاهيم التقدم حتى يبقى مفهومنا للدين محافظًا تقليديًّا، تستغله النظم الحاكمة لصالحها ضد مصالح الشعوب. وأهم هذه المخاطر:
  • (أ)

    العلمانية، وذلك لأن المنهج الاجتماعي يبدأ من واقع المسلمين، ولا يبدأ من الدين، ويغوص في مشاكل الدنيا، ويعتبر العقائد كتصورات للعالم وكبواعث للسلوك، ويجعل الإسلام في خدمة المسلمين. والحقيقة أن هذه ليست علمانية، بل ليس الوحي الإسلامي الذي لا يفرق بين الدين والدنيا. العلمانية لفظٌ غربي خالص يعبِّر عن مسألةٍ غربية خالصة، وهي رفض سلطة رجال الدين. والإسلام دينٌ علماني منذ البداية؛ لأنه ليس به رجال دين، علمانيةٌ معطاة من الداخل بوضعٍ إلهي، وليست مكتسبة من الخارج بجهدٍ إنساني.

  • (ب)

    الإلحاد، وذلك لأن المنهج الاجتماعي لا يتطرق إلى موضوعاتٍ دينية مستقلة عن الأوضاع الاجتماعية، ولا يتناول موضوعات الله والإيمان واليوم الآخر، بل لا يتعرض إلا لموضوعات تحرير الأرض والحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية وتجنيد الجماهير، لا يتعرض لعالم الغيب، ويقتصر على عالم الشهادة، وينظر إلى الدين من منظورٍ إنساني خالص. والحقيقة أن الإلحاد، كالعلمانية، مفهومٌ غربي خالص، الهدف منه العودة إلى الدنيا، واكتشاف عالم الحس والشهادة، بعد أن غالت الديانات التي سادت الغرب ممارسة أو ثقافة في عالم الغيب والأسرار. الإسلام منذ البداية دينٌ يقوم على الحس والمشاهدة ومجرى العادات، وليس به أسرار أو غيبيات تندُّ عن العقل، وليس به آخرةٌ منفصلة عن الدنيا، أو روح منفصل عن المادة.

  • (جـ)

    الماركسية، وذلك لأن المنهج الاجتماعي في التفسير يبدأ من المشاكل الاجتماعية للناس، ويواجه قضايا التحرر الوطني، والمساواة والعدالة الاجتماعية والتحرر من القهر والتسلط، ويعمل على تجنيد الجماهير في حزبٍ طليعي، ويعي معارك القوى الاجتماعية وصراع الطبقات ومراحل التاريخ، وأهمية العوامل المادية في تفسير سلوك الأفراد والجماهير، والحقيقة أن هذه ليست ماركسية. ولماذا نعطي الماركسية أكثر مما تستحق ونعطي مفكرينا القدماء من علماء أصول الفقه أقل مما يستحقون وهم الذين بحثوا عن العلل المادية المؤثِّرة في السلوك؟ لقد كان أول من اعتنق الإسلام هم العبيد والفقراء والمساكين والمعذَّبون في الأرض؛ فقد وجدوا في الإسلام الحرية والعدالة والمساواة، وحرَّرهم من الخوف والتسلط والقهر من أشراف مكة وأغنيائها، وجنَّدهم في جيوش المسلمين لفتح البلدان وتحرير البشر من الطاغوت.

  • (د)
    التغريب، ما دام المنهج الاجتماعي له هذه الصفات، فإنه يكون مماثلًا لما تم في الغرب من حركاتٍ علمانية وإلحادية وماركسية وعقلانية وحرية وطبيعية وديمقراطية، وإن ذلك منافٍ لما عليه مجتمعاتنا من تدين وإيمان وروحانية وإلهامية وغيبية وطاعة لأولي الأمر. والحقيقة أن كفاح الغرب في العصور الحديثة ضد التسلط الفكري والديني في العصر الوسيط، الذي دفع ثمنه من دماء العلماء والمفكرين، هو كفاح في سبيل مُثل الإسلام ومبادئه التي وضعها قبل ذلك بأربعة عشر قرنًا من الزمان؛ فإذا كان الغرب قد بدأ نهضته بالإحياء في القرن الرابع عشر وبالإصلاح الديني في الخامس عشر، وبالنهضة في السادس عشر، وبالعقلانية في السابع عشر، وبالتنوير في الثامن عشر، وبالعلم والثورة الصناعية في التاسع عشر، وبالوجود الإنساني والثورة التكنولوجية في القرن العشرين، فإن الإسلام قد ضم هذه المبادئ كلها في الوحي، فاعترف بالآداب والديانات القديمة، وأنكر سلطة رجال الدين والرهبانية والكهنوت، وجعل الإنسان في علاقة مباشرة بينه وبين الله دون وساطة، وجعل الإنسان خليفة الله في الأرض، وجعل للعقل سلطانًا على كل شيء، وأقام المجتمع الإسلامي على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، واعترف بقوانين الطبيعة وقدرة الإنسان للسيطرة عليها وتسخيرها لمنفعته في الدنيا، وأثبت رسالة الإنسان في الحياة، وبأنه محور الكون وصورة الحقيقة في الوجود وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (١٧: ٧٠).١٣
١  الملتقى الخامس عشر للفكر الإسلامي في الجزائر، ذو القعدة ١٤٠٠ﻫ/سبتمبر ١٩٨١م.
٢  الزجَّاج، إعراب القرآن، ثلاثة أجزاء، تحقيق ودراسة إبراهيم الإبياري، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر. ١٣٨٢-١٣٨٤ﻫ/١٩٦٣-١٩٦٥م.
٣  ابن جرير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، المطبعة الأميرية، القاهرة ١٣٢٣ﻫ؛ الحسين بن مسعود البغدادي، معالم التنزيل، القاهرة، المنار، ١٣٤٥ﻫ؛ الحافظ عماد الدين بن كثير، تفسير القرآن العظيم، المطبعة التجارية، القاهرة، ١٣٥٦ﻫ؛ عبد الرحمن الثعالبي، الجواهر الحسان، الجزائر، ١٣٢٣ﻫ؛ جلال الدين السيوطي، الدر المنثور، المطبعة الحسينية، القاهرة، ١٣١٤ﻫ؛ أبو طاهر الفيروزآبادي، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، المطبعة الأزهرية، القاهرة، ١٣٤٤ﻫ؛ أبو الليث السمرقندي، بحر العلوم، مخطوطة بدار الكتب، رقم ٣؛ أبو إسحاق الثعالبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، مخطوطة بالأزهر رقم (١٣٦) ٥٥٦١؛ ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، مخطوطة بدار الكتب، رقم ١٠ / ٣٥٦.
٤  الجصاص، أحكام القرآن، الهيئة المصرية، القاهرة، ١٣٤٧ﻫ (حنفي)؛ أبو بكر بن العربي، أحكام القرآن، السعادة، القاهرة، ١٣٣١ﻫ (مالكي)؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب، القاهرة، ١٩٣٥–١٩٤٥م (مالكي)؛ مقداد السيوري، كنز العرفان في فقه القرآن، تبريز، ١٣١٤ﻫ (اثنا عشري)؛ الكيا الهراسي، أحكام القرآن، مخطوطة بمكتبة الأزهر، رقم (٣٩٨) ٧٨٦٦ (شافعي)؛ الجلال السيوطي: الإكليل في استنباط التنزيل، مخطوطة بمكتبة الأزهر، رقم ١٧٨٥ (شافعي)؛ يوسف التلاني، الثمرات اليانعة، مخطوطة بدار الكتب، رقم ٤١ (زيدي).
٥  سهل التستري، تفسير القرآن الكريم، السعادة، القاهرة، ١٣٠٨ﻫ؛ أبو محمد روزيهان، عرائس البيان في حقائق القرآن، الهند، ١٣١٥ﻫ؛ عبد الرازق القاشاني، تفسير ابن عربي «تأويلات القاشاني»، الأميرية، القاهرة، ١٢٨٣ﻫ؛ أبو عبد الرحمن السلمي، حقائق التفسير، مخطوطة بمكتبة الأزهر، رقم ١٠٩٣؛ نجم الدين داية وعلاء الدولة البيانانكي، التأويلات النجمية، مخطوطة بدار الكتب، رقم ٣٦.
٦  من تفسير الفلاسفة: الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، الأميرية، القاهرة، ١٢٨٩ﻫ؛ البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، دار الكتب العربية، القاهرة، ١٣٣٠ﻫ؛ النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، السعادة، القاهرة، ١٣٢٦ﻫ. الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، التقدم، القاهرة، ١٣٢١ﻫ؛ أبو حيان، البحر المحيط، السعادة، القاهرة، ١٣٢٨ﻫ؛ الجلال المحلي والجلال السيوطي، تفسير الجلالين، دار إحياء الكتب، القاهرة، ١٣٤٥ﻫ؛ النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان، الأميرية، القاهرة، ١٣٢٢ﻫ؛ الخطيب الشربيني، السراج المنير، الأميرية، القاهرة، ١٢٩٩ﻫ؛ الآلوسي، روح المعاني، إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة.
ومن تفسير المعتزلة: القاضي عبد الجبار، تنزيه القرآن عن المطاعن، الجمالية، القاهرة، ١٣٣٩ﻫ؛ الشريف المرتضى، آمالي الشريف المرتضى، السعادة، القاهرة، ١٣٢٥ﻫ؛ الزمخشري، الكشاف، مطبعة محمد مصطفى، القاهرة، ١٣٠٨ﻫ.
٧  «تفسيرات الإمامية الاثني عشرية»: عبد اللطيف الكارزاني، مقدمة مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، طبع العجم، ١٣٠٣ﻫ؛ الحسن العسكري، تفسير العسكري، طبع تبريز، ١٣١٤ﻫ؛ أبو علي الطبرسي، مجمع البيان، طبع طهران، ١٣١٤ﻫ؛ ملا محسن الكاشي، الصافي، طبع فارس، ١٢٤٤ﻫ؛ السيد عبد الله العلوي، تفسير القرآن، طبع طهران، ١٣٥٢ﻫ؛ سلطان الخراساني، بيان السعادة، طبع طهران، ١٣١٤ﻫ؛ الشوكاني، فتح القدير، الحلبي، القاهرة، ١٣٤٩ﻫ «زيدي»؛ محمد أطفيش، هميان الزاد إلى دار المعاد، زنجبار، ١٣١٤ﻫ «خارجي».
٨  طنطاوي جوهري، الجواهر في تفسير القرآن الحكيم، مصطفى الحلبي، القاهرة، ١٣٤٠–١٣٥١ﻫ؛ أبو زيد الدمنهوري، الهداية والعرفان، مصطفى الحلبي، القاهرة، ١٣٤٩ﻫ.
٩  الشيخ محمد عبده، تفسير جزء عم، مطبعة مصر، القاهرة، ١٣٤١ﻫ؛ الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا، تفسير سورة الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن، المنار، القاهرة، ١٣٥٣ﻫ؛ الشيخ رشيد رضا، تفسير المنار، القاهرة، ١٣٤٦ﻫ؛ الشيخ محمد مصطفى المراغي، الدروس الدينية، مطبعة الأزهر، القاهرة، ١٣٥٦–١٣٦٤ﻫ؛ الإمام الشهيد سيد قطب: في ظلال القرآن، مطبعة الشروق، القاهرة.
١٠  ظهر عند القدماء بدايات التفسير الموضوعي، مثل «التباين في أقسام القرآن» لابن القيم، «مجاز القرآن» لأبي عبيدة، «مفردات القرآن» للراغب الأصفهاني، «الناسخ والمنسوخ» لأبي جعفر النحاس، «أسباب النزول» للواحدي، «أحكام القرآن» للجصاص. ولكنها تفسيراتٌ لا تظهر فيها الموضوعات الاجتماعية والسياسية. وظهر عند المحدَثين كثيرٌ من هذه الموضوعات دون تحليلٍ شاملٍ لآيات القرآن وبنائها، في أكثر ما كُتب عن الاقتصاد الإسلامي، والنظم المعرفية في الإسلام، وملكية الأرض، والثروة في الإسلام، وأحكام الربا، وقوانين العمل والعمال، وفي الاجتماع والسياسة ونظم الحكم.
١١  انظر نموذجًا لذلك في مقالنا «المال في القرآن»، قضايا عربية، ١٩٧٨م. وهو منشور أيضًا في هذا الجزء.
١٢  انظر كتابنا: «التراث والتجديد، موقفنا من التراث القديم»، ص٥٦-٧٤، المركز العربي للبحث والنشر، القاهرة، ١٩٨٠م.
١٣  انظر دراساتنا الثلاث السابقة عن التفسير؛ «هل لدينا نظرية في التفسير؟»، «أيهما أسبق: نظرية التفسير أم منهج في تحليل الخبرات؟»، «عَودٌ إلى المنبع أم عَودٌ إلى الطبيعة؟» قضايا معاصرة (١) في فكرنا المعاصر، ص١٧٥-١٧٦، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٧٦م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥