فلما كانت الليلة ٤٦٥

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك لما رجع إليه أرباب دولته وقالوا له: ما وجدنا في جميع المملكة مكانًا خربًا. شكر الله وقال: الآن قد تمَّتْ أمور المملكة وانتظمت الأحوال، ووصلت العمارة إلى درجة الكمال. فاعلم أيها الملك أن أولئك الملوك القدماء ما كانت همتهم واجتهادهم في عمارة ولايتهم، إلا لعلمهم أنه كلما كانت الولاية أعمر كانت الرغبة أوفر، لأنهم كانوا يعلمون أن الذي قالته العلماء ونطقت به الحكماء صحيح لا ريب فيه، حيث قالوا: إن الدين بالملك، والملك بالجند، والجند بالمال، والمال بعمارة البلاد، وعمارة البلاد بالعدل في العباد. فما كانوا يوافقون أحدًا على الجور والظلم، ولا يرضون لحشمهم بالتعدي، علمًا منهم أن الرعية لا تثبت على الجور، وأن البلاد والأماكن تخرب إذا استولى عليها الظالمون، ويتفرق أهلها ويهربون إلى ولايات غيرها. ويقع النقص في الملك، ويقل في البلاد الدخل، وتخلوا الخزائن من الأموال، ويتكدر عيش الرعايا لأنهم لا يحبون جائرًا، ولا يزال دعاؤهم عليه متواترًا، فلا يتمتع الملك بمملكته، وتُسرِع إليه دواعي مهلكته.

fig14
ويُحكى أن الملِك العادل أنوشروان أظهَرَ يومًا من الأيام أنه مريض.

حكاية القاضي الإسرائيلي وزوجته

ومما يُحكَى أنه كان في بني إسرائيل قاضٍ من قضاتهم، وكان له زوجة بديعة الجمال، كثيرة الصون والصبر والاحتمال، فأراد ذلك القاضي النهوض إلى زيارة بيت المقدس، فاستخلف أخاه على القضاء وأوصاه بزوجته، وكان أخوه قد سمع بحُسْنها وجمالها، فكَلِفَ بها، فلما سار القاضي توجَّهَ إليها، وراودها عن نفسها، فامتنعت واعتصمت بالورع، فأكثر الطلب عليها وهي تمتنع، فلما يئس منها خاف أن تُخبِرَ أخاه بصنيعه إذا رجع، فاستدعى بشهود زور يشهدون عليها بالزنا، ثم رفع مسألتها إلى ملك ذلك الزمان، فأمر برجمها، فحفروا لها حفرةً وأقعدوها فيها، ورُجِمت حتى غطَّتْها الحجارة، وقال: تكون الحفرة قبرها. فلما جنَّ الليل صارت تَئِنُّ من شدة ما نالها، فمرَّ بها رجل يريد قرية، فلما سمع أنينها قصدها، فأخرجها من الحفرة، واحتملها إلى زوجته، وأمرها بمداواتها، فداوتها حتى شفيت، وكان للمرأة ولدٌ فدفعته إليها، فصارت تكفله، ويبيت معها في بيت ثانٍ، فرآها أحد الشطار فطمع فيها، وأرسل يراودها عن نفسها، فامتنعت، فعزم على قتلها، فجاءها بالليل، ودخل عليها البيت وهي نائمة، ثم هوى بالسكين إليها، فوافَقَ الصبي فذبحه، فلما علم أنه ذبح الصبي أدركه الخوف، فخرج من البيت وعصمها الله منه، ولما أصبحت وجدَتِ الصبي مذبوحًا، وجاءت أمه وقالت: أنتِ التي ذبحتِه. ثم ضربتها ضربًا موجعًا، وأرادت ذبحها، فجاء زوجها وأنقذها منها، وقال: والله لم تفعل ذلك. فخرجت المرأة فارَّةً بنفسها لا تدري أين تتوجه، وكان معها بعض دراهم، فمرَّتْ بقرية والناس مجتمعون، ورجل مصلوب على جذع إلا أنه في قيد الحياة، فقالت: يا قوم، ما له؟ قالوا لها: أصاب ذنبًا لا يكفِّره إلا قتله، وصدقة كذا وكذا من الدراهم. فقالت: خذوا الدراهم وأطلِقوه. فتاب على يديها، ونذر على نفسه أن يخدمها لله تعالى حتى يتوفَّاه الله، ثم بنى لها صومعة أسكَنَها فيها، وصار يحتطب ويأيتها بقوتها، واجتهدَتِ المرأة في العبادة حتى كان لا يأتيها مريض أو مصاب فتدعو له إلا شفي من وقته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤