فلما كانت الليلة ٣١١

قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما وقع نظرُها على علي شار نظرته نظرة أعقبتها ألف حسرة، وتعلَّق قلبها به؛ لأنه كان بديع الجمال، وألطف من نسيم الشمال، فقالت: يا دلَّال، أنا لا أُباع إلا لسيدي هذا، صاحب الوجه المليح والقد الرجيح، الذي قال فيه بعض واصفيه:

أَبْرَزُوا وَجْهَكَ الْجَمِيـ
ـلَ وَلَامُوا مَنِ افْتَتَنْ
لَوْ أَرَادُوا صِيَانَتِي
سَتَرُوا وَجْهَكَ الْحَسَنْ

فلا يملكني إلا هو؛ لأن خده أسيل، ورضابه سلسبيل، وريقه يشفي العليل، ومحاسنه تحيِّر الناظم والناثر، كما قال فيه الشاعر:

فَرِيقُهُ خَمْرٌ وَأَنْفَاسُهُ
مِسْكٌ وَذَاكَ الثَّغْرُ كَافُورُ
أَخْرَجَهُ رَضْوَانُ مِنْ دَارِهِ
مَخَافَةً أَنْ تُفْتَنَ الْحُورُ
يَلُومُهُ النَّاسُ عَلَى تِيهِهِ
وَالْبَدْرُ مَهْمَا تَاهَ مَعْذُورُ

صاحب الشعر الأجعد، والخد المورد، واللحظ الساحر، الذي قال فيه الشاعر:

وَشَادِنٍ بِوِصَالٍ مِنْهُ وَاعَدَنِي
فَالْقَلْبُ فِي قَلَقٍ وَالْعَيْنُ مُنْتَظِرَهْ
أَجْفَانُهُ ضَمِنَتْ لِي صِدْقَ مَوْعِدِهِ
فَكَيْفَ تُوفِي ضَمَانًا وَهْيَ مُنْكَسِرَهْ

وقال الآخر:

قَالُوا بَدَا خَطُّ الْعِذَارِ بِخَدِّهِ
كَيْفَ التَّعَشُّقُ فِيهِ وَهْوَ مُعَذَّرُ
فَأَجَبْتُهُمْ كُفُّوا الْمَلَامَةَ وَاقْصِرُوا
إِنْ صَحَّ ذَاكَ الْخَطُّ فَهْوَ مُزَوَّرُ
جَنَّاتُ عَدَنٍ فِي جَنَى وَجَنَاتِهِ
وَدَلِيلُهُ أَنَّ الْمَرَاشِفَ كَوْثَرُ

فلما سمع الدلَّال ما أنشدته من الأشعار في محاسن علي شار، تعجَّبَ من فصاحتها، وإشراق بهجتها، فقال له صاحبها: لا تعجب من بهجتها التي تفضح شمس النهار، ولا من حفظها لرقائق الأشعار، فإنها مع ذلك تقرأ القرآن العظيم بالسبع قراءات، وتروي الأحاديث الشريفة بصحيح الروايات، وتكتب بالسبعة أقلام، وتعرف من العلوم ما لا يعرفه العالم العلَّام، ويداها أحسن من الذهب والفضة؛ فإنها تعمل الستور الحرير وتبيعها، فتكسب في كل واحد خمسين دينارًا، وتشتغل الستر في ثمانية أيام. فقال الدلال: يا سعادة مَن تكون هذه في داره، ويجعلها من ذخائر أسراره. ثم قال له سيدها: بِعْها لكلِّ مَن أرادته. فرجع الدلال إلى علي شار وقبَّل يديه، وقال: يا سيدي، اشترِ هذه الجارية فإنها اختارتك. وذكر له صفتها وما تعرفه، وقال له: هنيئًا لك إذا اشتريتَها؛ فإنه قد أعطاك مَن لا يبخل بالعطاء. فأطرق علي شار برأسه ساعة إلى الأرض وهو يضحك على نفسه، وقال في سرِّه: إني إلى هذا الوقت من غير إفطار، ولكن أختشي من التجار أن أقول ما عندي مال أشتريها به. فنظرَتِ الجارية إلى إطراقه، وقالت للدلَّال: خذ بيدي وامضِ بي إليه حتى أعرض نفسي عليه، وأرغِّبه في أخذي؛ فإني ما أُباع إلا له. فأخذها الدلال وأوقفها قدَّام علي شار، وقال له: ما رأيك يا سيدي؟ فلم يردَّ عليه جوابًا، فقالت الجارية: يا سيدي وحبيب قلبي، ما لك لا تشتريني؟ فاشترني بما شئتَ وأكون سبب سعادتك. فرفع رأسه إليها وقال: هل الشراء بالغصب؟ أنت غالية بألف دينار. فقالت له: يا سيدي، اشترني بتسعمائة. قال: لا. قالت: بثمانمائة. قال: لا. فما زالت تنقص من الثمن إلى أن قالت له: بمائة دينار. قال: ما معي مائة كاملة. فضحكت وقالت له: كم تنقص مائتك؟ قال: ما معي لا مائة ولا غيرها، أنا والله لا أملك أبيض ولا أحمر من درهم ولا دينار، فانظري لك زبونًا غيري. فلما علمت أنه ما معه شيء قالت له: خذ بيدي على أنك تقبلني في عطفة. ففعل ذلك، فأخرجت من جيبها كيسًا فيه ألف دينار، وقالت: زِنْ منه تسعمائة في ثمني، وأبقِ المائة معك تنفعنا. ففعل ما أمرته به، واشتراها بتسعمائة دينار، ودفع ثمنها من ذلك الكيس، ومضى بها إلى الدار، فلمَّا وصلت إلى الدار وجدتها قاعًا صفصفًا لا فرشَ بها ولا أواني، فأعطته ألف دينار وقالت له: امضِ إلى السوق، واشترِ لنا بثلاثمائة دينار فرشًا وأواني للبيت. ففعل ثم قالت له: اشترِ لنا مأكولًا ومشروبًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤