مهمة في «بومباي»!

هبطَت الطائرة المصرية في مطار مدينة «بومباي» بالقرب من الساحل الهندي، وبعد دقائق كان الشياطين الأربعة يغادرون المطار وقتَ الغروب.

وكانت هناك أربعُ حجرات محجوزة بأسمائهم في فندق الشيراتون الفاخر بالمدينة، فاستقلوا تاكسيًا إلى الفندق في قلب «بومباي»، وخلال الطريق طالعَتهم المدينةُ الجميلة بوجهين مختلفين؛ «بومباي» الفقيرة، ذات المنازل المتهالكة والأعشاش التي يسكنها الفقراء، في أماكنَ ملتوية الطرقات والأزقَّة التي تُشبه الثعابين … وعلى الجانب الآخر ارتصَّت المعابدُ البوذية والهندوسية ومآذنُ الجوامع، في تآلفٍ فريد لأديانٍ ومذاهب عديدة.

قال «عثمان» باسمًا وهو يتشمَّم الهواء حوله: إن لمدن الهند رائحةً خاصة، أعرفها في وسط آلاف الروائح.

أحمد: هذا صحيح؛ فجوُّ الهند الحار الرطب المعبق برائحة الرطوبة الشديدة، ورائحة التوابل هو جوٌّ لا يمكن أن تُخطئَه الأنف أبدًا!

ابتسمَت «إلهام»، وقالت وهي تنظر إلى السماء: إنها ملبَّدةٌ بالغيوم … وربما تُمطر بعد قليل.

هدى: أرجو ألَّا تمطرَ قبل وصولنا إلى الفندق؛ فإن أمطار «الهند» هي السيول بعينها … وهي تجرف كلَّ شيء في طريقها كالفيضان.

ولم تكَد «هدى» تُكمل عباراتِها، حتى بدأ ينهمر مطرٌ غزير فوق المدينة الجميلة، مطرٌ كأنه السيل، وكأن أبواب السماء قد فُتحَت في تلك اللحظة، لتُلقيَ بما في جوفها فوق رءوس الناس، وفي دقائقَ قليلةٍ خلَت الطرقات من الناس والدواب بسبب المطر، وراقب «عثمان» قطراتِ المطر المنسالة فوق زجاج السيارة التاكسي، وقال: إن مطر الصيف بلا طعم … فهو مثل احتساء زجاجة مياه غازية في الشتاء!

إلهام: ذلك لأننا اعتَدْنا على الأمطار خلال فصل الشتاء فقط في بلادنا.

وأخيرًا توقَّفَت السيارة أمام أبواب الفندق الفاخر، وغادرها الشياطين وقد حمل حقائبَهم بعضُ العاملين في الفندق … وتسلَّم الشياطين الأربعة مفاتيحَ حجراتهم، وبعد أن حصل كلٌّ منهم على حمَّامٍ باردٍ يُزيل به عناءَ الرحلة الطويلة، وبدَّلوا ملابسهم، قالت «إلهام»: إنني أقترح أن نمضيَ السهرة في ملهى الفندق، ونتناول فيه عشاءً فاخرًا.

أحمد: أعتقد أننا نستحقُّ هذا العشاء بعد ذلك السفر الطويل.

تساءلَت «هدى»: ولكن كيف سنتعرَّف على العميل رقم «٣-ب»؟

أحمد: هذه هي مهمةُ العميل، لا مهمَّتُنا نحن … فحسب التعليمات سيسعى هو للتعرُّف علينا … هيَّا بنا.

واستقلوا المصعد إلى الطابق الرابع والعشرين حيث الملهى الليلي.

وانقضى الوقتُ سريعًا وهم يشاهدون بعضَ الرقصات الهندية الوطنية والأغاني الجميلة … وتناولوا عشاءَهم على صوت الموسيقى … وألقَت «إلهام» نظرةً إلى ساعة يدها وتثاءبَت قائلةً: هيَّا بنا … لقد تأخر الوقت.

قطَّبَت «هدى» حاجبَيها قائلةً: كنت أظنُّ أن رقم «٣-ب» سيسعى للتعرُّف علينا خلال المساء، وأننا سنبدأ مهمَّتَنا في الصباح الباكر.

عثمان: ربما استجد ما تسبَّب في تأخر وصول رقم «٣-ب».

واستقلوا المصعد هابطين لأسفل … وسألهم عامل المصعد: إلى أيِّ دورٍ ستهبطون؟

أجابه «أحمد»: الدور الرابع.

ضغط العامل على زرِّ الطابق الرابع، والتفتَ إلى الشياطين قائلًا بنصفِ ابتسامة: إن الشمس مشرقة ولكن السماء تُمطر بشدة.

كانت تلك هي كلمة السر … وتبادل الشياطين نظرةً سريعة؛ فقد جاء التعارُف بطريقةٍ لم يتوقعوها، وعلى الفور أجابه «أحمد»: سيصحو الطقس بعد قليل من أجل النزهة!

مدَّ العامل يدَه يصافح الشياطين قائلًا: رقم «٣-ب» يُحيِّيكم، إن اسمي هو «زيني أمان»، وأخرج من جيبه ورقةً مدوَّنًا بها اسم أحد المقاهي، وقال: سوف نتقابل غدًا في هذا المقهى بالميناء … فمن الخطورة أن أظهرَ معكم في هذا الفندق؛ فهناك عيونٌ مسلَّطة في كلِّ مكان … أومأ الشياطين برءوسهم بالموافقة، وتناول «أحمد» الورقة من رقم «٣-ب»، وتوقَّف المصعد في الطابق الرابع، واتجهوا إلى حجراتهم … وخلال دقائق كانوا يغطُّون في نوم عميق … وفي الصباح استقل الشياطين تاكسيًا إلى منطقة الميناء … وكان الميناء غاصًّا بالبحارة والعمال المسافرين … واستفسر الشياطين عن مكان مقهى «الزهرة البنفسجية»، فدلَّهم أحدُ العاملين في الميناء عن المكان.

وهناك كان «زيني أمان» بانتظارهم … فرحَّب بهم … وراح الجميع يحتسون الشاي الأخضر دون سكر كما يفعل أهل الهند …

سألَت «إلهام» رقم «٣-ب»: هل تشكُّ أننا مراقبون؛ ولذلك طلبتَ أن نتقابل في هذا المقهى؟

أجاب «زيني أمان»: إن «راج خان» له عيونٌ في كل مكان، ومن المؤكد أنه ينتظر وصولَ بعضِ العرب الذين سيحاولون انتشالَ الذهب الغارق؛ ولذا فإن ظهوري معكم في الفندق قد يُثير الاشتباه فينا جميعًا، أما في هذا المكان فإن أحدًا لن ينتبهَ إلينا … فهناك آلاف المسافرين والزوَّار … ولن يكون وجودُنا مريبًا وسطهم.

أحمد: يبدو أن عصابة «المخلب الأسود» ذات قوة أكبر مما ظننا.

زيني أمان: إن رجال شرطة «بومباي» بأكملها مجندةٌ من أجل الإيقاع بهذه العصابة دون فائدة؛ فبالإضافة إلى قوة «المخلب الأسود» وتنظيمها، فقد استطاع رئيسُها اختراقَ بعضِ المسئولين الذين يساندونه في الخفاء، ويقومون بحمايته في الوقت المناسب.

إلهام: وهل سيُسهلون له عمليةَ انتشال الذهب الغارق؟

زيني: هذا مما لا شك فيه … إن رجال الشرطة وخفر السواحل يفرضون حصارًا حول مكانِ غرقِ السفينة، ولكن «راج خان» استطاع اختراقَ هذا الحصار، وأرسل ببعض رجاله إلى قلب الماء لاستكشاف السفينة الغارقة، وأعتقد أن استخراج الذهب من مكانه قد يستغرق يومًا أو يومين.

هدى: إن هذا يتطلَّب منَّا سرعةَ العمل قبل أن تسبقَنا هذه العصابة.

زيني: هذا ما أنصحكم به بالفعل، ولكنكم بحاجةٍ إلى غطاءٍ أولًا من أجل أن يبدوَ نزولُكم الماء وغوصُكم طبيعيًّا.

أحمد: وماذا تقترح لذلك؟

زيني: لقد جهزتُ لكم بعض الأوراق التي تُثبت أنكم بعضُ الدارسين في إحدى الجامعات الخليجية، وأنكم تقومون بدراسة التيارات البحرية المائية المتجهة من سواحل الهند حتى شاطئ عمان وأثرها على الملاحة، ومثل هذه الدراسة بالطبع تتطلَّب الغوص في الماء.

إلهام: إنها تغطيةٌ رائعة.

زيني: وقد جهَّزتُ بعضَ الأجهزة الخاصة بهذه الدراسات البحرية … وأيضًا فقد قمتُ باستئجار كابينتَين على الشاطئ، ستمكثون فيهما وقتَ المهمة … وستجدون بهما كلَّ الأجهزة الخاصة بالغوص إلى عمقٍ كبير …

هدى: لقد قمتَ بعملٍ كبير في وقتٍ قصير.

زيني: هذا هو عملي الذي أتقاضَى عنه أجري.

أحمد: وأين موقع السفينة الغارقة بالضبط.

أخرج «زيني» من جيبه خريطةً صغيرة تمثِّل منطقة الميناء وما حولها … وأشار إلى نقطةٍ فيها تقع على مسافةٍ صغيرة من الميناء جهة الجنوب، وقال: هذا هو مكان السفينة الغارقة بالضبط …

عثمان: وأين موقع الكابينتَين اللتين استأجرتَهما لنا؟

أشار «زيني» إلى نقطة تبعد عن الأولى بمسافة قليلة، وقال: هذا هو مكان الكابينتَين، وهما تبعدان عن مكان السفينة الغارقة بحوالي كيلومترين، حتى يمكنكما الغوص في قلب الماء في منطقة بعيدة لا تُثير الشبهات، ومنها تتجهون غائصين إلى السفينة الغارقة.

أحمد: هذا جيد … والآن فلنتجه إلى مكان الكبائن.

زيني: هيَّا بنا.

واتجهوا جميعًا جهةَ الشاطئ، الذي كان غاصًّا بالمصطافين، وقد تركوا منطقةَ الميناء خلفهم، وظهرَت منطقة الكبائن.

كانت كابينتَا الشياطين واسعتَين مريحتَين، وفي ركنٍ منها شاهد الشياطين عددًا من بِذْلات الغوص الخاصة بالأعماق … وعددًا من الكشافات الكهربية لإضاءة أعماق الماء، كما شاهدوا أيضًا بعضًا من بنادق الأعماق.

سأل «أحمد» العميل «٣-ب»: هل تتوقع مواجهةً تحت الماء بيننا وبين عصابة «المخلب الأسود»؟

زيني: بالتأكيد … فهم لن يسمحوا لأيِّ إنسانٍ بالاقتراب من مكان السفينة الغارقة، وسيبادرون بالهجوم سريعًا.

رفع يدَه محذِّرًا وهو يُضيف: أيضًا هناك أسماك القرش الكبيرة، إنها عادةً لا تتجه قريبًا من الشاطئ ولكن مَن يدري، قد تُصادفون واحدةً منها في طريقكم! وصمتَ لحظةً ثم تساءل: ما هي خطتكم؟

إلهام: إننا بحاجة إلى استكشاف موقع السفينة الغارقة أولًا، وبعد ذلك نقوم بمحاولتنا لانتشالِ الذهب الغارق فيها.

أحمد: إنني أقترح أن نقومَ بهذه المحاولة ليلًا حتى لا نلفتَ الأنظار إلينا.

زيني: من المؤسف أنني لا أستطيعُ مشاركتكم هذه المهمة أو البقاء معكم، وإلا لفتَ الانتباهَ غيابي عن عملي.

عثمان: إننا نشكرك على كلِّ ما قدمتَه لنا من معونة.

زيني: بعد أن ينتهيَ عملي سآتي لأطمئنَّ عليكم!

وصافحهم «زيني»، واتجه خارجًا.

نهض «أحمد» وهو يقول: هيَّا بنا نستكشف مكان السفينة الغارقة.

تساءلَت «إلهام» في دهشة: ألن تنتظرَ حتى المساء؟ إنك أنت الذي اقترحتَ ذلك.

أحمد: لقد غيرتُ رأيي؛ فالوقت لا يحتمل الانتظار … سأذهب أنا و«عثمان» للاستكشاف، وستبقيانِ أنتِ و«هدى».

أومأَت «إلهام» برأسها موافقةً في صمت.

ارتدى «أحمد» و«عثمان» بِذْلاتِ الغوص في الأعماق، وتسلَّحَا ببندقيَّتَي صيدٍ في الأعماق، وحمل كلٌّ منهما بطاريةً يدوية كبيرة، وألقى الاثنان نظرةً إلى الشاطئ الذي كان خاليًا من الرواد … وقد بدأ المطر يتساقط في عنفٍ، فاختفى بقيةُ المصطافين في كبائنهم … كان الوقت مثاليًّا، ولوَّح «أحمد» و«عثمان» ﻟ «إلهام» و«هدى»، ثم اتجهَا إلى الماء وقفزَا فيه.

ومن الخلف لمعَت عينان حادَّتان وهي تراقب ما يحدث على الشاطئ بنظارةٍ مقرِّبة، وعندما قفز الشيطانان في الماء أعطى صاحبُ العينين إشارةً خاصة بيده … وعلى الفور بدأ فريقٌ آخر عملَه … وكان فريقًا من نوعٍ خاص … فريقٌ للقتل!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤