لقاءات وصفقات!

على مائدة جانبية تُجاور الحائطَ الزجاجيَّ للمطعمِ المطلِّ على الشارع الشهير في منطقة المهندسين … جلس «أحمد» ومعه أربعةُ زملاء من الشياطين، هم: «إلهام»، و«عثمان»، و«خالد» … وأمامهم على المائدة خمس كئوس ضخمة … تحوي ألوانًا جذابة من الأيس كريم، وكوبَين فارغَين يجاورهما زجاجتَا ماء.

وعلى ناصية شارع البطل «أحمد عبد العزيز»، عند التقائه بشارع جامعة الدول العربية … حيث يقع هذا البرج الضخم، كان السيد «مختار العزيزي» يتناول عشاءَه مع اثنين من ضيوفه في أحد المطاعم الشهيرة أسفل هذا البرج.

وفي إحدى شقق العمارة رقم أربعة بشارع سوريا بالقرب من مسجد محمود … كان السيد «نبيل البنداري» يضع اللمسات الأخيرة لاتفاقٍ مهمٍّ، يتمُّ بمقتضاه تسليمُ السيد «مختار العزيزي» ثلاثةَ أطنان من مركَّب التيتانور … وهو مركَّب كيميائي مهم … يُحسِّن بيئةَ التربة الزراعية … ويزيد من إنتاجية الفدان إلى ضعف المعدل المعروف عالميًّا. ومن جيبٍ جانبيٍّ في جاكيت «عثمان» … انطلق صوتُ سارينة يُشبه صوتَ سارينة سيارة الشرطة … فابتسم «أحمد»، وقال له: هناك مطاردةٌ تجري في جيبك.

فابتسم «عثمان»، وهو يضع يدَه في جيبه، ويقول: بل هناك اتصالٌ مهمٌّ …

فقد كانت هذه السارينة تنطق من تليفونه المحمول … وبالنظر إلى شاشته عرَف أن مَن يطلبه هي «ريما» … فضغط زرَّ الاستجابة، وقال: هاي «ريما» … ما الأخبار عندك؟

كانت «ريما» تجلس على إحدى موائد المطعم الشهير، تراقب «مختار العزيزي» وضيوفه …

ولم تكن وحدها … بل كان معها «باسم» … وقد أجابَت سؤال «عثمان» قائلةً: حتى الآن لا جديد … ولا أعرف لماذا تأخَّر «البنداري» هكذا؟

عثمان: الْزَمي مكانك ولا تُغادريه …

ولم تمضِ دقائق على الاتصال إلا وكان «البنداري» يدخل المطعم … وفتحَت «ريما» قناةَ اتصال مع «أحمد» عبرَ ساعتِها لتنقلَ له كلَّ ما يدور حولها … وقالَت وكأنها تُحادث «باسم» والابتسامة تملأ وجهها: أخيرًا حضر …

أحمد: «البنداري»؟

ريما: نعم، وقد جلس على يمين السيد «مختار»، ونظر إليه بعد أن حيَّا الجالسين معه.

أحمد: إن أحدَهم يُدعَى «مايكل دوماجو» … وهو أمريكي من أصل إيطالي.

ريما: هل هو قصير وذو لحية صفراء؟

أحمد: إنه هو …

ريما: والآخر يبدو أنه يوناني …

أحمد: إنه قبرصيٌّ من أصل يوناني ويُدعى «كاليبو».

ريما: هل تعرفونه؟

أحمد: لقد صورناهم عند دخولهم المطعم … وأرسلنا الصور عبر الموبايل إلى ذاكرة الكمبيوتر المركزي للمنظمة … وحصلنا على هذه المعلومات …

ريما: «البنداري» يحادث «مختار العزيزي» بحدَّة، ولا يلتفت إلى الضيفَين.

أحمد: قد يكون هناك خلافٌ وقع بينهم.

ريما: هل تعرفه؟

أحمد: كيف سأعرفه؟

ريما: سأطلب شايًا، هل تشرب؟

أحمد: «ريما» … هل يمكنك توجيهُ كاميرا الموبايل إليهم؟

ريما: أتريد أن تراقبَ بنفسك؟

أحمد: أريد أن أتأكد من معلومة ما …

كانت «ريما» تتحدَّث مع «أحمد» من خلال سماعات خارجية … لذا تمكَّنت من إدارة الموبايل وتوجيهه إليهم … إلى أن قال «أحمد»: أنا أرى «كاليبو» بوضوح … إنه متجهم … يبدو أنه فَهِم شيئًا … وشيئًا غيرَ سار له …

ريما: إن «البنداري» لم يوجِّه له حديثًا …

أحمد: ولكنه يتابع ما يدور بينه وبين «العزيزي» بإنصات.

ريما: تقصد أنه يفهم العربية؟

أحمد: أظن ذلك.

ريما: لقد احتدَّ النقاش جدًّا، وعلا صوتُهم جميعًا … وتجمَّع حولهم العاملون.

أحمد: أخبري «باسم» ألَّا يتدخلَ إلا في الوقت المناسب.

ولم يكَد «أحمد» يُتمُّ جملتَه حتى دوَّى صوتُ طلقات الرصاص … وانقطع الصوتُ عن «أحمد» والصورة … لقد انقطع الاتصال بينه وبين «ريما» … فهل أُصيبَت؟

انقضَت «إلهام» واقفةً ومثلها فعل «عثمان» … فقال لهما «أحمد»: إلى أين ستذهبان؟

إلهام: قد تكون «ريما» في خطر …

أحمد: إن معها «باسم».

إلهام: إننا قريبون منهم.

أحمد: هذا لا يُبرِّر سوءَ التصرف.

عثمان: وهل حسن التصرف أن نتركَهم في هذه الظروف؟

أحمد: ليس هناك ظروفٌ طارئة … ولو حدث شيءٌ لاتصل بنا «باسم».

خالد: ألَا يكون هو الآخر في خطر؟

أحمد: لا أظن … وسأتأكد الآن …

وضغط زرًّا تحت شاشة ساعته … ولم يكَد يرفع يدَه عنها … حتى أطلقَت الساعةُ صفيرًا قصيرًا … فنظر إلى شاشتها، فوجد جملةً تقول: «تحت السيطرة.»

لقد أرسل إشارةً إلى «ريما» وتلقَّى رسالة تُطمئنه … غير أنه تلقَّى رسالة أخرى من «باسم»، تقول: «يوجد قتيل.»

وضع «أحمد» يدَيه الاثنتَين على المائدة، وقال لزملائه: الشجار تطوَّر في المطعم، وأسفر عن وقوع قتيل.

وانطلق «عثمان» يسأله السؤالَ الذي تبادر إلى أذهان الجميع: مَن هو؟

ولم تكن الرسالة تحوي أكثرَ مما قاله لهم … فقال ﻟ «عثمان»: يجب أن نذهب لنعرف …

انتفض الزملاء الأربعة واقفين، ما إن سَمِعوا ما قاله «أحمد» … وغادروا المطعمَ تباعًا … وانطلقوا يُسرعون الخُطَى إلى أرض المعركة …

كان مدخلُ البرج الذي يقع به المطعم يزدحم برجالِ البوليس وحشدٍ من رجال الصحافة، وبينهم رجالُ أمنِ الفندق واقفون لا حول لهم ولا قوة …

وعندما تقدَّم «أحمد» إلى المدخل … أشار له ضابطٌ برتبةِ رائد، وهو يقول: ماذا تريد؟

أحمد: أريد الدخول …

الرائد: هل أنت من سكان البرج؟

أحمد: لا … ولكن لي هنا عملٌ أريد أن أُنهيَه …

الرائد: ليس الآن … وأَفْسِح الطريقَ؛ فالمكان لا ينقصه الزحام …

كانت لهجةُ الضابط حادة … وكان ردُّ فعل «أحمد» هادئًا للغاية … فأخرج بطاقتَه الأمنية وأشار له بها، وهو يقول: أنا مثلك أمارس عملي.

نظر له الرائد بامتعاض، وقال متأففًا: الأمر لا يستدعي تواجدَ كلِّ هذه الاختصاصات … إنها حادثةُ قتلٍ عادية. لم يتراجع «أحمد»، وقال له في صبر … ومَن أخبرك أنها حادثةُ قتل عادية؟

الرائد: هذا ما نعرفه جميعًا حتى الآن … وسننتظر جميعًا ما ستُسفر عنه التحقيقات. وفي إصرار قال «أحمد»: إذن الآن تحتاج لتواجدنا …

رضخ الضابط أخيرًا … وصاح يستدعي أحدَ الضباط الصغار لكي يصطحبَ «أحمد»، فقال له بحدة: أتفرض عليَّ رقابة؟

نظر له الضابط كاتمًا غيظَه، وقال في حذر: سأُرسله معك ليعاونَك …

أشار «أحمد» برأسه لزملائه، وقال له: إنَّ لديَّ أربعةَ معاونين.

احتدَّ الضابط، وقال بصوت مرتفع: لا … لن أسمح لغيرِك بدخول المكان …

ابتسم «أحمد»، وقال له: أنا موافق، ولكن لا تُرسل معي أحدًا …

فقال الضابط في استسلام: لك هذا … ولكن اطلب من معاونيك أن يبتعدوا عن المكان …

ابتسم «أحمد»، وقال في دهاء: ليس لي معهم شأنٌ، وعليك أن تمارسَ معهم مهامَّ وظيفتك.

أشار الضابط للشياطين كي يبتعدوا … ولم يُعجب «عثمان» هذا الأسلوب … ندفع ﺑ «إلهام» لكي تُرِيَه قلةَ حيلته معهم … فتقدمَت منه وهي تُشهر بطاقتَها الأمنية، فقال لها بانزعاج: لا … لا … لا يمكن أن أسمحَ لك بالدخول … بهذا سيعمُّ المكان الفوضى … وفي أناة شديدة قالت «إلهام» بأسلوب أكثر من مهذب: وهل تتوقع لجهة أمنية مثل التي أمثِّلها أن يعمل بها مَن لا يعرف النظام؟! وفي محاولة لتجنُّب الاصطدام بها، مع عدم التخلِّي عن موقفه بعدم السماح لها بالمرور، قال الضابط: أنا لم أَقُل هذا … ولكن زميل لكم قد مرَّ … وهذا يكفي …

وأمام إصرارِه رأَت «إلهام» أن تلجأ إلى خطة بديلة … فأومأَت برأسها ﻟ «عثمان» الذي تقدَّم من الضابط معتدلًا ومعتدًّا بنفسه، وقال له في ثقة: أرجو أن تفسحَ لي الطريق.

وفي توتُّرٍ بادٍ نظر الضابط إلى «عثمان» نظرةَ غضب، وقال له: مَن أنت، وماذا تريد؟

باغتَه «عثمان» قائلًا: أنا من فريق التحقيق.

– بطاقة تحقيق الشخصية من فضلك.

وأثناء إخراج «عثمان» لبطاقته الأمنية، احتدَّت «إلهام» قائلة: إنك تعطل العدالة عن القيام بدورها.

وقبل أن يلتفت إليها، كان «عثمان» يُشير له ببطاقته الأمنية … فصاح الضابط في ضيق قائلًا: لا … لا … لا يمكنني أن أسمحَ لك أنت أيضًا … إن زميلتَك تقف أمامي وتريد المرور … وزميلًا آخر لك في مكان الحادث الآن …

وفي محاولة لإقناعه، قال «عثمان»: نحن نتابع هذه القضية منذ وقت، ووجودُنا هنا مهمٌّ للغاية.

الرائد: لن تكونَ هناك قضية إلا بعد تقارير الطب الشرعي والنيابة … وفي ضربة قاضية، أشارت «إلهام» إلى «قيس» و«خالد»، وقالت للضابط: نحن سندخل ومعنا زميلانا أيضًا.

وهنا رأى الضابط أن يختارَ أقلَّ الحلول ضررًا … فسمح لها بالمرور هي و«عثمان» … على أن ينتظرَهم «قيس» و«خالد» بعيدًا عن مدخل البرج …

وأخيرًا، وافق الزميلان على هذا الحل … واتخذَا طريقهما إلى المصعد … فوجدَا كلَّ المصاعد معطلة بقطع التيار عنها، وهي أوامر الشرطة … وهناك مصعد واحد يعمل … غير أن الرقم الأحمر على الشاشة الصغيرة أعلى الباب الخارجي للمصعد تقول إنه في الدور الرابع عشر … إنه الدور الذي وقعَت به حادثةُ القتل … أي أن رجال الشرطة المتواجدين في هذا الدور الآن يحتجزونه … فكيف سيصعدون؟ ورأى «عثمان» أن الحلَّ الوحيد هو الصعود على السلالم … إلا أن «إلهام» لم ترضَ عن هذا الحل، وقامت بالاتصال ﺑ «أحمد» … غير أنه لم يستجِب؛ فتليفونه مغلق … فأعادَت المحاولة أكثرَ من مرة فلم تُفلح … وكان الحلُّ الأخير هو الاتصال به عبر ساعته … غير أنها تراجعَت في آخر لحظة … واكتفَت بإرسال رسالة له تقول فيها … نحن في حاجة إلى المصعد …

كان «أحمد» يقف مع ضابط صديق قديم له عندما وخزَته ساعتُه في رسغه، واستقبل رسالة «إلهام» … فسأل الضابط قائلًا: هل تحتجزون المصعد الباقي هنا؟

الضابط: نعم، لنزول رجال النيابة والجثة …

أحمد: هل يمكن لزملائي استخدامه للصعود إلى هنا؟

الضابط: بالطبع، ويمكنك أنت فعل ذلك … فقط أغلق الباب …

ذهب «أحمد» ليُغلق باب المصعد فلم يجد المصعد … ووجد الباب لا يزال مفتوحًا، كيف حدث ذلك؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤