مرة أخرى هونج كونج!

إلى أين سافر «العزيزي»؟

كان هذا هو السؤال الذي وجَّهَه الشياطين إلى رجال أمن المطار … والإجابة بالطبع لم تكن عندهم … فقد شاهدوه عند دخوله صالة السفر … ثم ذاب في زحام المسافرين.

ولكن كيف عرف رجال أمن المطار أنه مطلوب؟

كان هذا سؤال «أحمد» لأحد الضباط … وقد أجابه قائلًا: لم يكن أحدٌ يعرف أن «مختار العزيزي» مطلوب أمنيًّا … إلا عندما اتصل بنا أحدُ المسئولين وسألنا عنه …

أحمد: ولكن كيف عرفتم أنه الشخص المطلوب، وكيف لفت نظركم؟

الضابط: إن «مختار العزيزي» شخصية عامة، ومعروف لدى الجميع، بالذات لنا …

إلهام: لا أفهم لماذا هو معروف لكم أنتم بالذات؟

الضابط: لأنه كثيرُ السفر، وكثيرًا ما يكون متواجدًا بالمطار … ويستخدم قاعة كبار الزوار.

وكان لدى «عثمان» سؤالٌ يعرف إجابته … غير أنه انتظارًا لأن يسمع إجابةً مخالفة، سأله للضابط قائلًا: ومَن الذي يدلُّنا على وجهته؟

الضابط: لم يكن بالمطار في هذا الوقت غيرُ طائرتَين تستعدَّان للإقلاع … إحداهما مسافرة إلى كوريا، والأخرى مسافرة إلى هونج كونج.

أحمد: إذن؛ علينا أن نتحرك في مجموعتين … الأولى تسافر إلى هونج كونج … والثانية إلى كوريا …

إلهام: إنه الحل الوحيد الآن …

أحمد: لا أفهم ماذا تقصدين؟

إلهام: أقصد أن هناك حلولًا أخرى من الممكن مناقشتها …

أحمد: مثل ماذا؟

إلهام: لماذا لا نُرسل رسالة عاجلة بصورته إلى السلطات في مطارَي هونج كونج وكوريا.

أحمد: من المؤكد أن السلطات المصرية فعلت هذا.

عثمان: ليس بالضرورة … فحتى الآن لم يُصدر القاضي أمرًا بمنعه من السفر.

أحمد: لأنه كان مقبوضًا عليه، ولم يكن ليتمَّ إطلاقُ سراحه إلَّا بعد انتهاء القضية …

إلهام: إذن، علينا أن نطلب هذا من السلطات.

انطلاقًا من هذا الاتفاق الذي وصلوا إليه … قام بالاتصال برقم «صفر» … وأخبره بما وصلوا إليه، فقال له: لقد فعلنا هذا بالفعل.

أحمد: هل هذا يعني أن صورتَه الآن موجودة لدى سلطات أمن المطارين؟

رقم «صفر»: نعم …

أحمد: ولماذا حضرنا نحن إلى المطار إذن؟

رقم «صفر»: لأن أحد عملائنا أخبرنا أنه رآه في المطار الجديد في نفس الوقت …

دفعَت الدهشة «أحمد» إلى الابتسام، وقال له: كيف يكون موجودًا في المطار القديم والجديد في نفس الوقت؟!

رقم «صفر»: هذا ما يجب أن تضعوه في اعتباركم وأنتم تقومون بالتحرِّي … سأترككم تعلمون … وأنتظر منكم المزيد، وفَّقكم الله …

ما إن أخبر «أحمد» زملاءَه بما عرفه من رقم «صفر» … حتى اندفع «عثمان» يقول: إنه تمويهٌ … إنها لعبة الرأس الكبير … فهم يعرفون جيدًا أن سلطات المطار تعرف «العزيزي».

إلهام: سيكون على السلطات في هذه الحالة القبض على الاثنين للتأكد من أيهما «العزيزي».

عثمان: لا يمكن هذا في وجود طائرة لها ميعادٌ وله عليها حجز … ومن حقوقه القانونية حرية السفر الآمن في أيِّ وقت إن لم يكن مطلوبًا.

إلهام: ولكنه مطلوب.

عثمان: المطلوب «مختار العزيزي» فقط لا شبيهه أيضًا …

أحمد: إذن علينا أن نعرف أين سافر «مختار العزيزي» وشبيهه؛ وذلك بإرسال صورته إلى مطارات الدول التي سافرَت إليها الطائرات التي كانت موجودةً في المطارَين وقتَها.

عثمان: لماذا لا نحصل على قوائم بالمسافرين في هذا الميعاد على جميع الطائرات التي انطلقَت من المطارَين ونرجع بها إلى سلطات الأحوال المدنية … وسنعرف الاسم الذي انتحله «العزيزي» وشبيهُه.

في هذه اللحظة انطلقَت الموسيقى من تليفون «عثمان» … وعندما نظر إلى شاشته لم يرَ شيئًا، لا أرقام ولا بيانات. وعندما فتح الخطَّ سَمِع صوتًا لا يعرفه، يقول له: آلو … أنت السيد «عثمان»، أليس كذلك؟

وفي لهجة متسائلة، قال «عثمان»: نعم هو كذلك، ولكن مَن أنت؟ وكيف حصلتَ على رقم تليفوني؟ وكانت الليلة هي ليلة المفاجآت بحقٍّ؛ فقد قال له صاحب الصوت: أنا «مختار العزيزي» …

انتبهَت حواسُّ «عثمان» … واقتضبَت ملامحه، وأغمض نصفَ عين وفتح الأخرى عن آخرها، وقال له: وكيف حصلتَ على رقم تليفوني؟

صاحب الصوت: من أحد السجناء.

حتى الآن لم يعرف «عثمان» أن حيلته نجحَت … فهو الذي دسَّ هذا الرجل في غرفة الحجز بالقسم الذي احتجز فيه «العزيزي» … ولكن «العزيزي» سافر … ألم يخبرهم بذلك رقم «صفر» … إذن، مَن هذا؟ وكيف عرَف بأمر هذا العرض؟

وشعر الرجل بالقلق عندما تأخر عليه «عثمان» في الرد، فقال له: يا سيد «عثمان»، أعرف أنك تتساءل الآن عن سرِّ «العزيزي» واحد، و«العزيزي» اثنين، أليس كذلك؟

عثمان: لقد رأى رجال أمن المطار رجلَين يُشبهانك، أحدهما في المطار القديم والآخر في المطار الجديد …

مختار العزيزي: تقول رجلين يشبهاني؛ أي أنك مقتنع أني «مختار العزيزي» …

عثمان: حدْسي يقول هذا.

مختار العزيزي: ومكافأة لحدسك، سأُخبرك بسرِّ ما رأيت …

عثمان: من فضلك.

مختار العزيزي: إن مَن رآه رجال الأمن هو أنا … غير أني لم أسافر.

عثمان: أين أنت إذن؟

مختار العزيزي: أنا قريب منك جدًّا، ولكنك لن تراني …

انتفض «عثمان» واقفًا، وأخذ يتلفت حوله وسط ذهول زملائه، فصاح فيه «أحمد» قائلًا: ماذا لديك يا «عثمان»؟

كان «العزيزي» لا يزال على الخط مع «عثمان»، فاندفع يقول له: هل ستُخبر مَن معك بما قلتُه لك؟

قال «عثمان» ليُطمئنَه: لا لا … هذا الأمر لا يخصُّ أحدًا غيري … واسمح لي أن أُنهيَ المكالمة الآن، وسأتصل بك على نفس الرقم الذي طلبتني منه …

مختار العزيزي: لا لن يُجيبَك، فسأدقُّ الشريحة الآن … وسأطلبك من رقم آخر.

عثمان: وهل سأنتظرك حتى تشتريَ خطًّا جديدًا؟

العزيزي: لا تقلق لديَّ الكثير من الشرائح بأرقام مختلفة.

لاحظ «عثمان» أن هناك شخصًا يقف عن بُعد، واضعًا تليفونَه على أُذُنِه منذ أن تلقَّى هذا الاتصال … فهرول إليه وكان يُعطيه ظهره … فدار حوله … واكتشف عندما رأى وجهه أنه ليس «مختار العزيزي».

وعلى أثره كان «أحمد» يُسرع الخُطَى حتى لَحِق به، فاستوقفه وقال له: لن تتحرك من هنا حتى تُخبرَني بسرِّ هذه المكالمة …

تلفَّت «عثمان» حوله، وقال في حذر: «مختار العزيزي» في مصر …

وفي استفهام عميق، قال له «أحمد»: مَن الذي أخبرك بهذا؟

عثمان: هو …

أحمد: هو مَن؟

عثمان: «مختار العزيزي».

أحمد: وهل صدقتَه؟

شعر «عثمان» أن في سؤال «أحمد» إهانةً له … فقال مدافعًا عن نفسه: أنا واثق أنه «العزيزي».

أحمد: لماذا؟

عثمان: لأنه أخبرني بالرسالة التي أرسلتها عن طريق أحد عملائنا في قسم البوليس.

أحمد: ولكن «مختار العزيزي» سافر.

عثمان: لا … بل تخلَّف ولم يركب الطائرة …

أحمد: ولماذا لا تكون خدعة منه؟

عثمان: كيف؟

أحمد: يطلب من أحد رجاله أن يُخبرَك بكل ذلك …

عثمان: تقصد أن هذا الرجل هو أحد رجال «العزيزي».

أحمد: أقول إنه احتمال …

مرة أخرى انطلقَت الموسيقى من تليفون «عثمان» المحمول … وبالنظر إلى شاشته رأى أن الذي يطلبه هو «مختار العزيزي» مرة ثانية … فقال له: يجب أن يكون لديك جديدٌ لتطلبني.

مختار: نعم، لديَّ جديد.

عثمان: هات ما عندك …

مختار: أنا أرى أن زميلَك غيرُ مقتنع بما قلتَه له …

غمغم «أحمد» في هذه اللحظة بصوتٍ مسموع، قائلًا: لا لا … هذا الرجل قريبٌ منَّا جدًّا … إني أشعر به تحت ملابسي … تلفَّت «عثمان» حوله يتفحَّص وجوهَ مَن يقفون بالقرب منهما … وشعرَت «إلهام» أن في الأمر شيئًا، فتركَت مقعدَها واقتربَت منهما تسألهما، قائلة: ماذا حدث؟

أحمد: أشعر أننا مراقبون للغاية …

ابتسمَت «إلهام» لهذا التعبير، وقالت له: مَن الذي يراقبنا؟

أحمد: لا أعرف …

نظرَت «إلهام» ﻟ «عثمان» تطلب منه توضيحًا للأمر … فقال لها: «مختار العزيزي» يتصل بي من حين لآخر، ويعلِّق على تحركاتنا …

نظرَت «إلهام» نظرةَ اتهام بالجنون، وقالت: «مختار العزيزي»، سافر …

نظر لها «أحمد» ولم يعلِّق إلا بضمِّ شفتَيه … أما «عثمان» … فلم يُبدِ أيَّ تعليق … وفقدَ يقينَه وأصبح يشكُّ في كل شيء …

مرة أخرى انطلقَت الموسيقى من تليفون «عثمان» المحمول، فعرف أنه «مختار العزيزي» … ففتح الخط، ووضع التليفون على أُذُنِه، فسَمِع الرجلَ يقول له: لماذا أغلقتَ التليفون في وجهي؟

عثمان: أغلقتُه في وجهك، كيف؟

العزيزي: نحن لم نُنهِ حديثَنا بعدُ …

عثمان: يجب أن نلتقيَ … فلن أتمكنَ من إنهاء هذه القضية عن طريق التليفون.

العزيزي: يجب أن أعرفَ ما عندك أولًا …

عثمان: أنت تُهمُّنا يا سيد «مختار» … ونحن نريد تبرئَتَك من هذه القضية.

العزيزي: وما هو الثمن؟

عثمان: أنت تعرفه.

العزيزي: أعرف ماذا؟

عثمان: يا سيد «مختار»، ألَا تُهرِّبون النفايات الذرية إلى مصر؟

العزيزي: هذا اتهامٌ خطيرٌ … وأنا رجل أعمال محترم وخدمتُ بلدي كثيرًا …

عثمان: ولكن أفلستَ بعد تعرُّضِك لحرب ضروس من عدة شركات.

العزيزي: إن مركزي المالي جيد، ولا يمكن أن أكون مفلسًا ولديَّ كلُّ هذه الأموال.

عثمان: كيف استعدتَ توازنك ووضعك في السوق؟ وكيف استعدتَ مركزك المالي وحسَّنتَه إلى هذه الدرجة؟

العزيزي: تقصد أن كلَّ هذا حدث كثمنٍ لهذه الصفقات المشبوهة؟!

عثمان: نعم، وأكثر.

العزيزي: يؤسفني أن أُبلغَك أنك مخطئ.

عثمان: إذن؛ نلتقي ونتحاور.

العزيزي: ألقاك إذن في هونج كونج …

صاح «عثمان»، يقول له في حنَق: هل أنت مسافر؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤