أنا الغريبة الجميلة

للكاتبة الأمريكية روزالين دريكسلر (١٩٦٥م)
I am the beautiful Stranger by Rosalyn Drexler 1965

مَن يُحبني الآن وأنا أكره العالم؟ ليس غير علبتي الحجرية. أوه، أعرف أنها لا تفعل في الحقيقة، لكني أُخرجها من حقيبة المُخيَّم القديمة، وأضعها على قاعدة النافذة. أقول لها: «تبدين في ميعة الصبا. لم يتقدَّم بك العمر على الإطلاق. سأُريك معنى المعاناة.»

رفعتُ صخرتي من يدٍ إلى يدٍ مُتلمِّسةً ثقلها، وفجأة أفلتت منِّي لتستقرَّ فوق إصبع قدمي. حطَّمَتْه وظهرت آثار الدماء على جوربي. (ما زلت أتألَّم عندما أرتدي حذاءً بكعبٍ مُرتفع). بكيتُ وفعلت كما أفعل في المدرسة. قولي لي يا تعويذتي: هل تُريدينني أن أبكي؟ الذين يريدون بكائي هم: هاري فلتر، ديانا فلتر، أمي، أبي، ومسز فوركين.

أختي لوسيل تكره بكائي. فهو يُصيبها بالهوَس. إنها شديدة الحساسية. سمِعَتْ صوت الضجَّة التي أحدثْتُها، فجاءت وجلست بالقُرب منِّي. أينما ذهبتُ في الحجرة تتبعني محاولةً أن تربت على يدي. قلتُ لها أن تذهب إلى الجحيم وتكف عن السير في أعقابي كالكلب، وعندما لم تفعل سألتُها: «أتُريدين حقًّا أن تُخفِّفي عني؟ أتُريدين أن تكوني قديسة؟» وقبل أن تُخيِّم فوقي من جديد، أسقطت الصخرة فوق إصبع قدمِها، فجرَتْ عاوية، وهو أسلوبها هي أيضًا. سيُلقِّنها هذا درسًا. لا أريد أن أكون أختها الكبرى أو أي شيءٍ كبير بالنسبة إلى أي شخصٍ أو أي شيء.

•••

يبعثون بي إلى المُخيَّم مرةً أخرى. لا يعرفون ماذا يفعلون بي.

كانت أمي التي بدأت جمع التبرُّعات من أقاربنا تحت شعار «أرسلوا سلمى إلى المُخيَّم». ليس أقاربنا بالكرماء، لكن أمي تمكنت من جمع القدْر الكافي. فهي تُحب أن تتوفَّر لي أفضل الفرص. وأعزُّ أحلام يقظتها (وأنا أيضًا) هو أن تتبناني أُسرة ثرية.

لم أعُد أتحدَّث مع ديانا. يؤلِمني هذا أكثر من الصخرة. هاري أيضًا أصبح بعيدًا عنِّي. اتصل بي البارون. يعرف ما يريد. أكره رغباته. تصوَّروا، ظن أن بوسعي أن أجد فتاةً أخرى لموعد مزدوج. أرفض هذا. سأتقيأ من قبل ومن بعد. فضلًا عن أنه ليست لي صديقات، ولو كان لي ما قَبِلنَ بالخروج مع كهول أثرياء وتحقير أنفسهن. أريد أن أقتُل نفسي مرة أخرى، ومرة أخرى لن أفعل. أفكر في شارلي روجن: لم تُتَح له فرصة، لكنه يضع الخطط للمُستقبل. أُتيحت لي كل الفرص، لكن الأمر يبدو لي كأنه سقوطي.

•••

المخيَّم الذي سأذهب إليه أشبه بمُخيمات النقابات. رخيص. اقترحه العم جريشا. كعقابٍ على طردي من المدرسة. لن أسمح لنفسي بالكتابة. على الأقل حتى عودتي. أمس بكَتْ أمي على مائدة المطبخ. أعدَّت لي ساندوتشًا من السلامي عندما دخلت. قالت إن أبي لا يُطلِعها على المكان الذي يعمل به الآن. تعتقد أنها تعرف رقم الهاتف، وأنه يُغير صوته ولهجته، عندما تتصِل به، ليبدو إيطاليًّا. تقول إنه يحتفظ بمجموعةٍ كاملة من الملابس في منزل آخر.

•••

عدت من المُخيَّم. كان الوقت قصيرًا. ماذا حدث؟ انتبهوا الآن. كلَّا، ما لم تكونوا على استعداد. لأي شيء؟ الحب العظيم. ماذا كان شكله؟ كان؟ كان مُمثلًا.

كان رثًّا باليًا: رائحة فمٍ كريهة، رأس أصلع، وأحذية من القماش لها نعل من المطاط بلون الملبن. ورغم ذلك كانت له جاذبية جنسية. كانت حوله هالة منها. أول ليلة أقُيم حفل راقِص في الكازينو. رقصت الفالس نصف ساعة مع أحد المُنظمين النقابيين. وبينما كنَّا نرقص، كان يتحدَّث عن الفوائد الصحية لعصير الجزر وعسل النحل. رقصت بأسرع ما يمكن حتى أصبحتُ أقوده، آمِلةً أن أتغلب عليه. لكنه صمد. قدم جون (المُمثل) نفسه إليَّ بعد الرقصة بينما كنتُ عاكفة على تهوية إبطيَّ ونفخ الهواء البارد فيهما.

قال: «لا يجِب أن تفعلي ذلك.»

سألته: «لِم؟»

أجاب: «الأظرف أن يقوم رجل بذلك .. هكذا.»

قلتُ مُحرجة: «لم أعرق هكذا من قبل.»

قال: «أنت حيوان صغير في صحة جيدة.» ووضع ذراعه حولي: «ما رأيك بنزهةٍ في القارب؟»

غمغمت موافقة، فذهبنا.

ووقعتُ من القارب.

قال: «كل هذه الملابس ستتسبب في غرقك.» ونزع عنِّي ملابسي بينما كنتُ أعبث بالماء، وألقى بها في القارب، ثم عانقني وهو يعبث بالماء أيضًا، وسألني: «تنامين معي الليلة؟»

قلتُ وأنا أهزُّ رأسي: «ما رأيك في الرابعة غدا؟»

وافق: «غدًا في الرابعة إذن.»

•••

في الرابعة تمامًا وصلتُ وأيقظتُه من قيلولته، كان الفراش جميلًا ودافئًا ومُتهدلًا في الوسط.

قال: «انتظري. سأضع وسادة تحت ساقيك.»

قلت: «لستَ رومانسيًّا على الإطلاق. ثم يجب ألا تتحدَّث إليَّ بهذه الطريقة.»

قال: «كما تشائين يا سيدتي. لن تنبس شفتاي مرةً أخرى بالألفاظ التي تؤذي مسامعك.»

ضحكتُ ساخرة لأن كل ما أمكنني منه كان رأسه الأصلع .. وربما يتعيَّن على المرء أن يُربِّي ذوقه على أشياء مثل هذه (كما نفعل مع أصناف الطعام).

كانت هناك نافذة صغيرة تُغطيها ستارة فوق الفراش، تسلَّلَت منها أشعة الشمس. وقال إني أُذكِّره بصباحات أبريل. وقال أيضًا إني ناعمة مثل القطيفة. تشبيهاته ليست أصيلة.

صرنا نقضي فترات القيلولة سويًّا. وذات مرة رقد زميله في الغرفة مع فتاة على الفراش المقابل. لم أنظر إليهما، لكن يا له من مسلك.

•••

كانوا يبثُّون التسجيلات الموسيقية بعد ظهر كل يوم. كنا نجلس على العشب ونُنصت. وذات مرة مارسْنا الحب ونحن نستمع إلى موسيقى «إيرويكا» تتردَّد في كل الأنحاء أسفل التل. أتذكر وقع الموسيقى على مسمعي. كم هو مُحزن أن الحياة تواصل مسيرتها. لم أكن بالضبط إنسانًا آليًّا، كنتُ مُتفرجة تشارك. كنتُ أرقب كل حركة دون أن يُحركني شيء. (يسمُّون ذلك الصيف التجريبي. ما الذي يجعل القيام بشيء ما تجربة؟) يا له من حبيب قلب، جون هذا! كاد يُمزق لي شريانًا عندما اكتشف أني استخدمتُ فرشاة شعره. كان شديد التدقيق في هذه الأمور، أبله.

ظنه الجميع شريرًا لأنه يُتلف طفلة رقيقة مثلي. لم يكن. تلك كانت حياته وطريقته. هكذا قلتُ لهم. وعلى حال، حدث لي شيء غير عادي معه. في الأسبوع الثاني كنَّا في الكازينو نشترك في غناء جماعي. وقال لي جون إن فتاة سحاقية من معارفه ستزوره وسيحاول مساعدتها على التخلُّص من هذه العادة. لم أفهم حديثه. كان يقصد أن أبتعِد عن كابينته لأنه سيكون مع واحدةٍ غيري. جئتُ أطرق الباب، فلم يفتح لي. رقدتُ على التراب وأخذت أصرخ وأبكي. كنتُ ثملةً من بضع زجاجات بيرة (أنا سكيرة رخيصة). أخذت أصرخ وأقول إنه وعدني بالزواج (فعل ولم يفعل). أردتُ أن أجعله شريرًا أكثر مما هو في الواقع. فتَحَتِ الباب تلك الأنثى الضخمة في رداء الحمَّام وقالت: «كفى عواءً يا حبيبتي. إذا أردتِ الدخول، تعالي.» قلتُ إني لن أفعل إلا إذا طلب منِّي جون ذلك. كان جالسًا فوق الفراش ولم يَفُه بكلمة. شعرتُ أني لو دخلتُ فإنهما سيُمزقانني. قمتُ واستدرتُ وعُدتُ في هدوء إلى كابينتي.

أمي، لا تبكِي من أجلي.

يوم رحيلي من المُخيَّم تناولت إفطاري مع جون على مائدة الإدارة. كان يُخفي هديةً لي أسفل غطاء المائدة. كانت جزرة بساقَين وذراعَين من عيدان الكبريت. وفوق الهدية قصاصة من الورق تقول: «في خدمتك.» وضعتُها في الجيب الداخلي لحقيبتي وبالأمس فقط عثرت عليها ثانيةً وقد تعفَّنت واكتست لونًا داكنًا واخترقت عيدانُ الكبريت غلافَ الورق الشمعي. نوع التذكار الذي يُناسِبني.

•••

مات تشارلي روجان. كتبت لي «ليلا» أنه كان في سيارة وأفلت قيادها. طول ذلك الوقت كنتُ أهدهد أملًا في أن نرتبط يومًا ما، أما الآن فالفكرة تجعلني أقشعر. أهذا إذن ما كبر من أجله، ليكون جثةً مراهِقة؟ لن يضطر بعد الآن أن يضرب أحدًا في مؤخرته بساقه ليُثبت أنه قوي الشكيمة. الموتى لا يرفعون أبدًا إصبعًا أو قدمًا، فلو فعلوا لانتصبت الأرض مثل كعكة هائلة مُتعفِّنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤