أهلًا بك!

للكاتبة الأمريكية هارييت سومرز (١٩٦٦م)
Hello, baby by Harriet Sommers 1966

(١) فورت ميلو، هافانا، يوليو ١٩٦٠م

هذه المرة، لم تكن هناك نوادٍ ليلية، ولا رقص، أو تسابُق مجنون إلى الشواطئ، أو رجال زنوج، طوال القامة، أثرياء، يدعونني في تهذيبٍ إلى قضاء بعض الوقت في سياراتهم. وصلت المطار وحيدةً وقلقة، أخشى الحديث مع أحد، خريطتي في جيبي، وعلى عينَي نظارة سوداء، غامضة بشكلٍ لافت.

شيءٌ ما بدأ في داخلي ذات ليلة سكرى، منذ شهرَين، شيء ما لا يُلحَظ. أقل أثرًا ولا يُقاس بحجم أزمة الحُب التي بدأت حينذاك، وانتهت الآن، وكانت تستحوذ على كل اهتمامي.

وأنا أنتظر الأتوبيس. سألني رجل ناحِل، مُقنَّع هو الآخر، (كنَّا في آخر الليل)، عما إذا كنتُ في حاجة إلى طبيب. وأجابه زجاج قناعي الصامت. فقد حذَّروني من سماسرة الإجهاض الذين ينتظرون في المطار. كنتُ أعرف وجهتي جيدًا. وكان موعدي في الصباح التالي.

استقبلتْني الابتسامات في بهو فندق «ماريبوسا». فقد كان الجميع، من موظفة الاستقبال، إلى صَبي المصعد الزنجي الظريف الذي حمل حقيبتي إلى حُجرتي، يعرفون بالضبط سبب مجيئي وما أحمله معي، وكيف ستكون حالتي عندما أُغادرهم.

وفيما بعد خرجتُ أتناول العشاء في كافيتريا صينية. شربتُ كأسَين من كوكتيل باكاردي، واحدة طلبًا للحظ، والثانية وداعًا للغريب الفاتح. وفي الصباح، حملتُ خريطتي، وارتديتُ ثوبًا صيفيًّا عاديًّا، يصعُب تمييزه، كما أمروني أن أفعل. بل إني حملتُ آلة تصوير ومشَيت إلى كاتدرائية لا أهمية لها على الإطلاق، وتظاهرتُ بتفحُّصها، والتقطتُ لها صورة (دون فيلم). ثم تسللتُ إلى مكتب الدكتور «إنكاتو»، غير مرئية مثل عنكبوت أسفل أوراق الأشجار.

يا لبراءة غرفة الانتظار تلك! الصور العائلية المُصفرة داخل إطاراتها القذرة، والمناشف المطرَّزة فوق الموائد وظهور المقاعد، والمجلات، وأناس كل يوم، المرضى الحقيقيون، ورجل عجوز وطفل ينتظران الطبيب. كانت السيدة البدينة التي ترتدي ثوبًا كوبيًّا ملونًا بفتحة واطئة عند الصدر، والتي تقدَّمت لتحيتي، حقيقيةً أيضًا. قادتني إلى الغرفة الداخلية دون أن تصدُر عن أحدٍ من الجالِسين شكوى. وهناك كان كل شيءٍ أبيض كالمألوف، وإن كانت الغرفة مُعتمة قليلًا. وكانت للطبيب نظارة سميكة وابتسامة رقيقة. كنتُ بلا سراويل (وفقًا للتعليمات) ومستعدة بقدميَّ في الركاب (جميل أنكِ تتحدَّثين الإسبانية! وابتسم)، وقلبي يدق بسرعة، وعيناي تنطبقان بتأثير الحقنة، بسرعةٍ لم تسمح لي بأن أرسم شارة الصليب، استعدادًا للرحلة.

في البدء ألَم شديد في مركز جسدي، ثم أصوات غامضة بلُغات مجهولة، ثم وجوههم، وكأس من عصير البرتقال البارد، ومزحة رقيقة، والطبيب يؤنِّبني في رفق: «كان أكبر ممَّا قلتِ يا سنيوريتا» (لغز غامض للتفكير فيما بعد) ثم حان وقت الذهاب، وأنا ملفوفة باﻟ «كوتكس»، وثوبي النايلون دون تجعيدة واحدة. تصافحنا. كانت لِزَوجته ثلاث أسنان ذهبية في مُقدمة فمها. قالت «أديو» ولم تقُل «هاستا لافيزتا». أصبحتُ في الشارع المُلتهِب أتلمَّس مُترنحة الطريق إلى الفندق. أمامه كان بائع مُتجول خلف أهراماتٍ دقيقة التكوين من البرتقال. اشتريتُ منه دستة. ولم يبدُ أن أحدًا لحظ ما جرى لي. (كيف كنتُ أبدو؟) وأخذني صَبي مصعد لا مُبالٍ إلى حُجرتي. كنا في الظهر، كما قال، بعد ساعتَين وطفل واحد، عندما عدت إلى الفراش واستغرقتُ في النوم.

الخادمة الحلوة التي جاءت تسألني في رقَّة، ما إذا كنتُ أحتاج شيئًا، أخبرتْني أن الساعة دقت الثالثة. وعندما تركتني تذكَّرتُ أنه يجب أن آخُذ حبةَ دواء، ونظرتُ إلى نفسي في مرآة الحمَّام الزرقاء. بدا وجهي شاحبًا قليلًا، لكن رقيقًا، حسن القسمات. لم يشعر جسدي بشيء (يا للمسكين، ألم يُدرِك ما حدث؟) وانتصب نهداي في جرأة، جميلَين، مُتضخِّمين، ما زالا مُستعِدَّين، يترقَّبان. شعرت بالأسف لأجله، ذلك الجسد أسفل الوجه. لكن يا إلهي، كم شعرت بالراحة. أنا حُرة مرة أخرى.

عدتُ إلى الفراش. قشَّرت برتقالة وأكلتُها، وأنا أتذكَّر من أنا، والرجل الذي ينتظرني، الحُب الجديد الذي يبدأ الآن، الذي يمكنه أن يبدأ الآن بعد أن أصبحتُ حُرة.

(٢) واشنطون. د. س. فبراير ١٩٦١م

على الهاتف: «كيف سأعرفكم؟»

– «لا تقلقي، سنعرفك نحن.» لم تكن لهم أسماء أو أرقام. كانوا غير مرئيين. أنا فقط كنتُ معروفة، أنا «المجرم». وهم أعوان الشيطان الخفيُّون.

كان صباحًا غائمًا بالضباب والجليد، وجيمي غارِق في النوم، بينما كنتُ أرتدي ملابسي. أعددتُ القهوة، وأحدثتُ صوتًا بالصحون والفناجين، آمِلةً أن يستيقظ. لكنه لم يفعل؛ لأنه قال كل ما كان سيقوله، تاركًا الأمر لي كلية. عندما ارتديتُ معطفي، وجذبتُ حقيبتي باﻟ ٣٠٠ دولار التي تم تدبيرها بشقِّ الأنفس، توهَّج الألم داخلي كاللَّهَب. أن أذهب هكذا، وحدي دون وداعٍ .. إنه طفله هو أيضًا.

– «جيمي!»

– «هم، ييه؟»

– «جيمي!»

– «هم، ييه؟»

– «جيمي، أنا ذاهبة الآن، ذاهبة إلى واشنطون، أتذكُر؟»

– «أجل، ييه». واعتدل جالسًا: «ييه … حسن، اعتني بنفسك، واتَّصِلي بي حالَما ينتهي الأمر. سأُقابلك في المحطة. كل شيءٍ سيكون على ما يرام.»

الحُب الجبان. حُبي الجبان. كم تمنَّيتُ لو لم أكن أنا الأخرى جبانة.

من هم كل هؤلاء الذاهبون إلى واشنطن في هذا الصباح؟ لا يمكن أن يرغب أحد في الذهاب إلى هناك. يا للمساكين، لا بد أنهم، مِثلي، مرغمون. اشتريتُ صحيفة «نيو يوركر» لأجلس خلفها. وجلستُ قرب نافذة، وانكمشتُ في معطفي الأسود، بوجهي الأبيض الجامد الذي يقشعِرُّ بردًا. كانت هناك حقول ساطعة من الجليد تعكس منازل صغيرة أنيقة، وأطفال يلعبون على المُنحدرات، وكلاب مجنونة تنبح، وبرك مُتجمِّدة يتزلَّق فوقها أناس في قمصانٍ صوفية حمراء.

كانت المحطة رمادية وباردة، الردهة الكابية المؤدية إلى المقبرة الضخمة بشواهد قبورها الهائلة. وقفتُ قُرب مكتب الاستعلامات، وحقيبة يدي الجلدية السوداء الكبيرة مُدلَّاة أمامي، كما طُلب منِّي، وياقة معطفي الأسود مرفوعة. دخَّنتُ ثلاث سجائر. يا إلهي، ألم يتعرَّفوا عليَّ بعد؟ كل من كان يتقدَّم من مكتب الاستعلامات ليسأل عن شيء يبدو لي الرسول المنتظر. وعندما يتجاوزني ألقي به جانبًا، وأتحوَّل إلى الشخص التالي. وأخذَتْ يدي الحاملة للسيجارة ترتعش.

ثم تقدَّمَت امرأة منِّي مباشرة وابتسمت قائلة: «هاللو»، وهي تأخذ ساعدي في مودة كأنها عمَّتي. أجبتُ «هاللو» وأنا أتنفَّس الصعداء. لم تكن تبدو كإحدى عمَّاتي. كانت تضع طبقةً كثيفة من المساحيق، وطلاءً مُتشقِّقًا على الأظافر والشفتَين، ولم تكن رائحتها تُشبه في شيءٍ رائحة أحدٍ من أُسرتي؛ فما هبَّ من ناحيتها لم يكن غير رائحة الخمر. قادتني في ثقةٍ إلى الخارج عبر قاعة الانتظار، نحو عربة ستيشن واجون فاغرة الباب، وحشرتني في المقعد الخلفي إلى جوار ثلاث فتياتٍ أخريات لهنَّ وجوه شابَّة مذعورة. ولم تنظر أي منَّا إلى الأخرى.

استقرَّت عمتُنا في المقدمة قُرب شخص من النوع الجامعي، أمسك بالمِقود. «هذا هو ابني يا أطفال وهو يعرف كل شيءٍ عن الأمر.» وأرانا الصبي لمحة من جانب وجهه المُنمَّش وعليه تعبير غريب بارد (استنكار؟)

«أطفال»، هكذا أسمتنا. وقبِلنا في خجلٍ التصنيفَ المشترك. كانت إحدانا شقراء، جميلة وجريئة. أما الأخريان فكانتا مُتشابهتَين بصورةٍ غريبة، نحيفتَين، شاحبتَين، بنفس الابتسامة المذعورة. عبرت بنا السيارة وسط واشنطون، مرورًا بتمثالي واشنطن ولينكولن، اللذين اكتسى بياضهما بالرماد في غبشة الغروب. ثم غادَرْنا المدينة إلى ما بدا أشبه بضاحية، و«العمة» تُواصِل ثرثرتها المرحة عن العميلات السابقات، والحالات الغريبة، وكيف أننا محظوظات حقًّا لأننا وقعْنا في أيدٍ ماهرة، إلخ. وعندما مرَرْنا بمقبرة، قالت في مرح، إن واحدة من عميلاتها لم ينتَهِ بها الأمر إلى هذا المكان. عبرنا حدود الولاية-ماريلاند. وفكرتُ بحسٍّ سياحي غريب أني لم آتِ إلى هنا من قبل. أشرفنا أخيرًا على ما يُشبه ضاحية جديدة. منازل من ثلاث طبقات، وجاراجات. كانت جديدة ولم تُستخدَم بعد. أشباح منازل لمُستأجِرين لا يأتون.

صاحت العمة: «وصلْنا. اقفزوا يا أطفال». وَلَجنا طابقًا أرضيًّا مؤثثًا، وإن بدا غير مسكون. وأخذتْنا إلى غرفة نوم، لم ينَم فيها أحد من قبل. «اخلعنَ كل الثياب والسراويل والسوتيانات، واذهبن إلى الحمام. احتفظن فقط بالقمصان الداخلية.» وألقت علينا ابتسامتها الصفراء، كأنما تدعونا إلى حفل.

تبادلنا حديثًا مُقتضبًا. كانت الشقراء سويدية، بطنها أكثر بروزًا من بطوننا. وكانت الفتاتان الأخريان زميلتَين في غرفة واحدة بالجامعة، حملت إحداهما من شقيق الأخرى.

ظهرت العمة عند الباب، مرحة ومُتوهِّجة، وقالت: «والآن، من منكن تريد أن تكون الأولى؟» لا بد أنها تناولت قليلًا من الخمر عندما تركتنا. أضافت: «لا داعي للخجل.»

قلت: «سأذهب أنا.» كنتُ أريد أن أنتهي. فأنا الوحيدة بينهن المُجربة.

قالت العمة وهي تربت على ذراعي: «أنت فتاة طيبة.» وانتقلنا إلى الحجرة الأمامية. كان هناك جهاز تلفزيون يتعثر في الإرسال. ومائدة مطبخ كبيرة تُغطيها ملاءة. تمَّت الإجراءات المالية بسرعة، وأصبحت فوق المائدة، وقد ثُبِّت قدماي في الركنَين. صاحت: «كل شيء على ما يُرام يا دكتور.» فظهر هو، رجل بلا رأس، يطل مصباح كهربائي عارٍ من حيث يجب أن يكون وجهه. غمغم: «استريحي.» وأدار شخص ما خلفي جهاز التلفزيون عاليًا. كان يتحدَّث دون لُغة. حاولت أن أنصت لكني لم أفهم شيئًا. وقفت العمة قُربي تربت على ذراعي وتتنفَّس خمرها في وجهي، بينما الرأس الكهربائية تعبث بين فخذَيَّ. لم أشعر بألم. لكن ما شعرت به كان غريبًا، كأن هناك من ينفخني من الداخل (منفاخ درَّاجة) وفجأةً أدركتُ أنهم لم يُخدِّروني، لكن فات أوان الشكوى. وفكرتُ بعقلي العملي الذي ما زال يقظًا: ٣٠٠ دولار ولا تخدير؟ وسرعان ما نسيت اﻟ ٣٠٠ دولار؛ لأنه كان ينفخني وينفخني حتى أصبحتُ مثل البالون، على وشك الانفجار، بينما ألصقَتِ العمة قناع أوكسجين بوجهي وقالت: «تنفَّسي»، فتأوَّهتُ ودفعته بعيدًا لأني أوشكتُ أن أختنق، وفكرتُ أنهم سيفجرون جسدي فتأوَّهت، وعلا صوت التلفزيون الذي لا يُفهَم، والعمة قابضة على يدي تقول: «تماسكي، تماسكي، أوشكْنا أن ننتهي.» ثم رأيتُ بين رُكبتَي المصباحَ الكهربائي يرتفع، تتبعه اليدان المُقفَّزتان، مُغطَّاتَين بدماء سوداء تنزُّ منهما في بطء، وبدا كأنه يغسل عنه دمائي، يغسل قفازَيه. وساعدتني العمة على الترجُّل والذهاب إلى الحمَّام، برفقة «كوتكس» القديمة المعهودة، بينما الأجراس تدق داخلي. ثم قادتني إلى غرفة نظيفة مُجردة من أي أثر للحياة، مثل غرفة نوم في موتيل، حيث وضعتْني في فراش، وضغطَتِ الأغطيةَ من حولي، وأعطتْني قُرصًا، فسقطتُ في السكينة، حيث نزَّ منِّي الألم في بطء، ولم أنزف تقريبًا. بعد ذلك انضمَّت الفتاة السويدية إليَّ في الفراش، وتبادَلْنا ابتسامةً باردة. ثم أيقظتنا العمة، وقد ارتدت معطفها وقُبعتها، قائلة: «هيا يا فتيات، سنُعيدكن إلى حيث التقطناكن. عندئذٍ تُصبحن حُراتٍ، ولا بد أنكن ترغبنَ في العودة إلى بيوتكن.»

في المحطة، وقد سرني أني أصبحت وحدي أخيرًا، تلفنت لجيمي. قال إنه سيُقابلني في محطة جراند سنترال. تكوَّمتُ على جانبي، فوق مقعد القطار الليلي الساطع، وروحي المعنوية عالية، بفضل جرعة من الكودايين، بينما كانت حافظة نقودي الفارغة ملقاةً في إهمال على الأرض، ورحمي الفارغ مجرد من كل إحساس، ونِمتُ حتى نيويورك.

كان الوقت مُتأخرًا بالليل، وكنت عائدةً من مكانٍ بعيد جدًّا، ودون أن يدري فعلًا رحَّب بي في خجل. شربنا كأسَين احتفالًا بخسارتنا، وكنا نشعر بالحرَج كأننا غريبان التقيا في جنازة شخصٍ ثالث. وفي الصباح بدأت آلامي، وارتفعت درجة حرارتي. وقضيتُ أسبوعًا أصرخ وأنا أقرأ «ألِيس في بلاد العجائب» بصوتٍ عالٍ بين صرخاتي، وأنزف قطعًا كبيرة مُخيفةً من الحطام.

(٣) هذه المرة: الآن

«أوه، سأنطلق في هذه الطريق الكبيرة وحدي، سأنطلق فيها وحدي. وإذا لم تأت معي يا طفلتي، سآخُذ شخصًا آخر.»

قال الزنجي الثمل في حديقة ميدان واشنطن: «يبدو أنك في مأزقٍ يا فتاتي. وقعتِ هذه المرة بالتأكيد.»

وصاح الصِّبية من سيارة في الشارع الثامن: «نحن نعرف ماذا كنتِ تفعلين.» وابتسمتُ في كل جزءٍ منِّي، لأن ذلك النتوء الغريب كان يسير أمامي. في الليل، في فراشي، أشعر بك تلكزني وتستدير لترقُب الارتعاشة المجنونة في كوخ جسمي المُستقل، حيث ترقص وتصطاد وتستحم في دمائي، وتتدحرج في الكهف المظلم الذي بنيتُه لك، لا تُفكر في غير وجودك، وترقب نفسك وأنت تصير حمامتي الأنانية.

في مكانٍ آخر، ينام جيمي إلى جوار فتياتٍ غريبات، وصيحات ثَملى: «سوف يُصبح لي طفل.» وأحلام عن رجال عواجيز ومحيطات تجري بعيدًا. أيامه مُجردة من أي فكر، وأحلامه تتزاحم، أو هكذا أتخيَّل.

كيف يمكن لامرأةٍ أن تُصور لكم، أيها الرجال الأغبياء، متبلدي الحس، متابعة العنكبوت الدقيق وهو يبني من جديدٍ نسيجَه الذي حطَّمَته الأمطار، وشجيرات البلوط الصغيرة ترتفع متطاولة نحو الشمس؟ في البدء، كنتُ أنا، أيضًا، خائفة.

جيمي يزفر، والمحلل النفسي يُطمئنني، أصدقاء يُبدون قلقهم، ورجال غريبو الأطوار يُعربون عن دهشتهم، وغرباء يُحنون رءوسهم فوق بطني ليسمعوا ما يجري في الداخل. في البارات. قال أحدهم: «كنتُ أظنُّك بُنيَّةً عاقلة. ما الذي أوقع بك هذه المرة؟»

صديق: «يا للشجاعة!» آخر: «أنت مجنونة.» كيف يمكن لامرأة أن تشرح لكم (العالم البارد المؤلَّف من الظروف، وربما، ولماذا) هذا الاستسلام الذي يُحيِّرني أنا أيضًا؟

في الليلة التي أخبرتُ فيها جيمي وكنتُ ثملة. كنَّا في بار. وكان ثملًا هو الآخر. قال: «ليس منِّي.» وغادرَني ثم عاد بعد دقائق لأنه كان يعرف أو أراد أن يعرف. تصايَحْنا، وبكيتُ واهتزَّ في الساقي قلبُ رجل الأسرة الإيطالي فحمل على جيمي ووقف إلى صفِّي.

تصارعنا طويلًا، وكنتَ أنت طوال ذلك الرعب تبني نفسك داخلي، هادئًا، وادعًا، كسمكة، مشغولًا بنفسك.

هكذا قلتُ لك: «نعم.» وأنا تحت تأثير المارجوانا أو الخمر بعثتُ إليك برسائل مجنونة. وأنا وحيدة أو في حفل، كنتَ تتحرَّك داخلي، تُذكرني … بعد الأورجازم قفزتَ أنت من الفرح.

تَمُطُّني فأفقد شكلي. أنظر إلى هذه الصورة. مأواك المُحدَّب يرتفع أمامي، وابتسامة بلهاء كبيرة على وجهي. سُرَّة بطني، التي كانت عميقة، مضمومة وغامضة، أصبحَت فجوةً ضحلة. وثدياي يوشكان على الانفجار وقد خططتهما عروق زرقاء لامعة. لا بيكيني هذا الصيف. أجلس في رصانةٍ فوق الصخور الباردة، العجوزة، المباركة. زكيبة فضفاضة من الفخذين حتى عظمة الكتِف. أنا، عاشقة العري، والعُنف والزحام، دجاجة أخرى الآن.

وأنت تُبحِر في قنوات دمائي، ملَّاحًا صغيرًا، ونحن الآن أنت وأنا، أنت وأنا. وأنا أتعلَّم، فقط أتعلَّم، كيف أُحِب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤