الفصل السابع

لم تؤدِّ الحرب الدانيماركية إلى حسْم الخصام، بل زادتْه شدَّة، وأمكن الحكومةَ أن تشير إلى ما حفَّ إصلاح الجيش من فلاح بعد أن ضَنَّ النواب بموافقتهم عليه، ولكن الأحرار لم يعسُر عليهم أن يُثبِتوا أن الإصلاح لم يكَد يُبدأ، وتدورُ المسألةُ الأساسية حول معرفة أيِّ الأمرين يجب أن يسود: آلحقُّ أم القوة؟ وتبقى هذه المعضلةُ حائرةً حتى بعد النصر الذي تمَّ، حتى في بلد الطاعة، ويحلُّ شهر يناير سنة ١٨٦٥، ويفتتح بسمارك دورةَ مجلس النواب، ويظهر بسمارك أكثرَ تهذيبًا، وأقلَّ تهكُّمًا مما كان عليه قبل النصر، مما كان عليه أيام الكفاح، وما كان الأحرار ليتركوا الأمور تسير مع ذلك، فقد رفعوا عقيرتهم١ قائلين: «لم تَصنع الحكومةُ غيرَ السير مع مجرى الرأي العام.» فأدَّى هذا إلى صولة بسمارك قائلًا: «هل أوجبتُم فتحَ دُوبِل وأَلْسِن برفضكم القرضَ الأول؟ فآمُلُ — أيها السادة — أن يُسفر رفضُكم القرضَ العتيد عن تجهيز بروسية بأسطولٍ جديد.» ويدوم الخصام.
ويقعُ مثل ذلك الخصام بين الحليفتين، فقد أرادت النمسة أن تجعل من تَينك الدوكيتين المحتلَّتَين دولةً من دول الجامعة الألمانية؛ وذلك لكيلا تغدُوَا من أملاك بروسية، ويُعيَّن الكونت مِنْسدورف وزيرًا للخارجية في فِيَنَّة، وكان مِنْسدورف أريستوقراطيًّا أكثر من أن يكون قطبًا سياسيًّا، وكان رقيقَ الإحساس متشائمًا، ومع ما كان عليه منسدورف من أدبٍ جمٍّ بدَا كيَّادًا٢ كالكونت تون حين كان في فرانكفورت منذ عشر سنين، وفي برلين قال بسمارك لكاروليه: «ألا ترانا أمام الدوكيتين كالضيفَين أمام طعام فاخر؟ فالفاقد لشهوة الطعام منهما يمنع الجائعَ من مسِّ ذلك الطعام بشدة، فلننتظرْ مجيء الوقت إذن، والآن نجد أنفسنا هَزْلَى في الوضع الراهن.»

ويأتي فصل الصيف، فيبلغ القوم في فِيَنَّة من القلق الكثير ما يغدو معه قَطْع الصِّلات ببروسية قريبَ الوقوع، ويزيد نبض بسمارك، ويلوح أن غاية الحرب الأولى؛ أي غاية مجهودِ خمسَ عشرةَ سنة قد أخذتْ تدنُو من دور التحقيق، ويقول بسمارك لمجلس الدولة بدم بارد: «إن الوقت ملائمٌ لنشوب حرب، ولكن لا ينبغي للوزراء أن يشيروا بسلوك تلك الطريق، فيَصدُرَ قرار في ذلك عن غير قناعة الملك.»

بيدَ أن الملك يُبعِدُ شبحَ حرب مؤدية إلى قتل الأخ لأخيه، فيعود إلى غاستن فيأمر بسمارك بأن يتفق مع الصديق الحاقد، وكان هذا في شهر أغسطس سنة ١٨٦٥، أي بعد محادثات شُونْبُرْن بعام واحد؛ أي بعد مؤتمر الأمراء بعامين، والآن «يُصلَح الفَلْح٣ في الصَّرح»، وتُقسَم المغانم، فتأخذ النمسة هُولْشتَاين ولُويِنْبرغ وتأخذ بروسية شِلِيسْوِيغ على أن تكون السيادةُ مشتركةً في كلَا البلدين، ويسقط الدوك أُوغُوسْتنبرغ تحت المائدة، وتسأل أوروبة بين ضاحك وغاضب: «إلى متى؟» ويقول بسمارك: «لعبتُ في ذلك الوقت خمسَ عشرةَ للمرة الأخيرة في حياتي، وقد بلغتُ في لَعِبي ذلك من الطيش ما دُهِش منه كلُّ إنسان، وكان الكونت بلوم قد قال إن أحسن وسيلة لمعرفة أخلاق الناس هو أن يُلعَب معهم خمسَ عشرة، وأرى أن أُريَه لعبي! لقد خسرتُ مئاتٍ من التاليرات كان يمكنني أن آخذَها من حساب الخدمة، وقد وُفِّقت في خدعه؛ وذلك لاعتقاده أنني مجازفٌ أكثر مما أنا عليه، فأذعَن.» ويُمضَى العقد فيُفترض أن بسمارك قال لبلوم: «ما كنتُ أظنُّ وجودَ دبلمي نمسوي يُمضي تلك الوثيقة!» والحقُّ أن النمسة كانت مضطربة في الداخل، وليس لها حليفٌ بين الدول الأجنبية، فأمضت النمسةُ وثيقةً أفيدَ لبروسية مما لها إلى أبعد حدٍّ من حيث وضْعُ بروسية وقيمةُ حصَّتها، وتبيع النمسةُ دوكيَّة لوينبرغ من بروسية ﺑ ٢٥٠٠٠٠٠ تالير دانيماركي فيُسَرُّ بسمارك بذلك، فيقول: «قَلَّ ما للنمسة من حُرمة لدى الجميع؛ فالذي يبتاع هو رجلٌ وجيه، والذي يبيع بثمن بخس هو رجلٌ كريه!»

ويجعل الملك بسمارك كونتًا بعد «توسيع رُقعة الدولة» الأول ذلك، ويُنعم الملك على بسمارك بعد الحرب الدانيماركية بوسام النسر الأسود، فيُعبِّر بسمارك عن مشاعره تعبيرًا صادقًا في كتاب يُرسله إلى زوجه حيث يقول: «إن الذي هو أحبُّ إليَّ من ذلك هو ما كان من معانقة الملك إياي عناقَ محبة ووداد.» وما كان ليباليَ حتى بأسمى وسام منحه إياه وِلْهلم، وعكسُ ذلك ما كان من شدة كلَفه بلقب كونت الذي ناله، فقد وجَد بهذا اللقب مكافأةً لشعوره الأُسريِّ الذي هو أقوى صفاته الموروثة، وبسمارك ما انفكَّ يفاخر بصُوَر أجداده المعلقة على جُدُر شُونْهاوْزِن، وبسمارك كان قد قال مباهيًا إن حكم آبائه في بلاد المارش أقدمُ من حكم آل هُوهِنْزُلِّرن فيها، ولكنك تجد بين «أبناء عمه» وأصحابه مَن هم أعرقُ منه، فكانت صُوَرُهم تساور ذهنه دومًا كلما حفزه طموحه إلى المعالي فكان يرغب في الظهور بما يليق أمامهم حَذَر كِبْرِهم.

وما كان محتاجًا إلى شعار شرف، فهو بسمارك، هو ذلك الرجل الذي أخذ صِيتُه يُطبِّق أوروبة، ولكن الذي راقه هو تلقيبُ زوجه بالكونتس بعد استخفاف الأوساط العالية بها وبعد أن كانت ابنةً لوجيهٍ بوميراني، ولكن الذي راقه هو تلقيب أبنائه وأبناء أبنائه بالكونتات، وهذا قد سرَّ الشريفَ «بسمارك» أكثرَ من جميع المميزات والمناصب التي نالها فيما مضى، وهذا قد سرَّه أكثر من التفات الملكات والإمبراطورات، وما يبغي بسمارك، فقد تقدَّم أقربُ الناس إليه وأعزُّهم عليه خُطوةً إلى الأمام، وبسمارك كان في الخمسين من سِنِيه آنئذٍ، وبسمارك كان في الخامسة والعشرين من عمره حينما غادر الخدمة العامة فرسَمَ مستقبله في كتاب أرسله إلى صديق له حيث قال: «أبيع صوفي بثمن أقلَّ مما يجب بثلاثة تاليرات عندما أُخاطَب بالسيد البارون.»

ويقرأ بسمارك تفسيرَ الملك وِلْهِلْم الودِّيَّ حول مَنْحه ذلك اللقبَ فيضحك قلبيًّا من زهْو الملك؛ وذلك لِما كان من اتباع الملك إياه خطوةً بعد خطوةٍ في العامين الماضيين، ثم لِما كان من قول الملك حول فتحٍ «ناشئ عن إدارتي للأمور بطرازٍ اتبعتموه بحذرٍ كبير أثير.٤ مليككم المحب: ولهلم.»
وفيما كان وقت الحساب الأكبر يقترب كان بسمارك يرقب نابليون الثالث، وكان هذا الإمبراطورُ والقوم الذين يملكهم ينظرون شَزْرًا إلى ما تمَّ من توفيق بين دولتَي ألمانية المتنافستين اللتين كان خصامُهما المزمن يسرُّ أوروبة، وكانت إنكلترة في الحقيقة قد بدأتْ تفكِّر في إقامة حِلْفٍ قويٍّ ضدَّ ألمانية الموحَّدة، ويُقلِّب بسمارك الأمور، ويلوح لبسمارك أن الطريقة الوحيدة لمعرفة ماذا يدور في خَلَد نابليون الثالث هي الاجتماع به، ويُهرَع بسمارك، الذي كان قد حادث إمبراطورًا في غاستن، من هذا المنهل إلى منهل آخرَ، إلى بِياريتز، ليَنفِثَ٥ إمبراطورًا آخر، ويَشعر بأن سفره ذلك هو إلى بلدٍ مُعادٍ تقريبًا، ويتخذ لنفسه منزلًا قريبًا من مَغنى٦ «أوجيني» حيثُ مقرُّ نابليون الثالث في الصيف، وإذا عدَوتَ زوجة بسمارك التي ساءتْ صحتُها، فحمله هذا الانحراف على سفره العجيب ذلك ظاهرًا، لم تجدْ أحدًا يعتقدُ صِدْق هذا، ومن بِيارِيتْز تكتب زوجته حنَّة قولَها: «ساورني الحزن في الأيام الأولى لائمةً نفسي على ما كان من تحميلي بسمارك المسكينَ نفقاتٍ كثيرةً من غير أملٍ في أيِّ تحسين! ويلوح لي أن صحتي في هُنبُرغ خيرٌ مما هي عليه هنا بدرجات.» فهذه الكلمة الساذجة تدلُّ على مقدار كتْم بسمارك لخططه السياسية عن زوجه منذ سنوات زواجه الأولى.
أفلم يكن أكثرَ هناءةً في السنة الماضية حينما كان وحده في بِيارِيتْز؟ كان بسمارك بعد مصالحته دانيماركة قد زار ذلك السيف٧ زيارةً قصيرة فلم يكن هنالك إمبراطور، ولم تكن معه زوجه، وإنما كانت تُرافقُه هنالك السيدة الفاتنة أُورْلوف وزوجُها فقضى معهما وقتًا في السباحة وركوب الخيل وتشنيف٨ الآذان بالموسيقى، وبسمارك في العامين اللذَين مَرَّا بعد استدعاء نفير رون إياه من بِيارِيتْز قد اجتمع بتلك الروسية الحسناء ستَّ مرات، وهي في كتبها لم تَدْعُ نفسَها بسوى كاتي الذي هو اسمٌ لا يُوحي بأنها أميرة روسية، ويقضي أولئك ساعات سرورٍ، ويكتب إلى زوجه مرتين بشرود فكرٍ غريب عن طبيعته — كما يلوح — «وأجدُني هنا في حُلم يا حبيبتي؛ فالبحر أمامي، وكاتي تمارس ألحانَ بتهوفن فوقي، ولم نرَ مثل هذا الجوِّ في جميع الصيف، ولا قطرة مِداد في البيت! سأفرُّ إلى جبال البرانس إذا ما أبرقوا إليَّ ولن أشتريَ لوبن (القريبة من رينفيلد)، بل أَبْتاع إيشوكس أو أرضًا أخرى قريبةً من داكس، وإني إذ أُفكِّر في ضرورة التدفئة ببادن، وبباريس أيضًا، وفي حمْل الشمس إيَّانا على خلع المعاطف والسراويل الثقيلة، وفي استلقائنا حتى الساعة العاشرة من ليلة أمس على الشاطئ وتحت نور القمر، وفي تناولنا الغداء في الهواء الطَّلق؛ أُبصر مقدار ما يحبو به الله أهلَ الجنوب من الجوِّ الرائع، ولا يعوز مسرَّتي غيرُ أخباركِ.»

وهكذا يَخِفُّ فؤاد ذلك الألمانيِّ عندما يكون في صحبة غرباء، ولا سيما امرأةٌ جميلة تَفْتنُه، وهكذا يَخِفُّ فؤاد ذلك الألمانيِّ عندما يُمتع نفسَه بساحل البحر كسولًا عدَّة أسابيع، فلا يتفق له مثلُ ذلك في غابات وطنه؛ ففي الآفاق الواسعة والأيام اللامعة والأجواء الزُّرق الساطعة والبحار البرَّاقة والشمس الحارَّة وثياب النساء الزاهية واللغة المُطربة؛ يتجلَّى خيالُ الألمانيِّ.

والآن حين تُرافقُه زوجتُه وابنتُه المتوجعتان، وحين يخلو المكان من السيدة الروسية، وحين يمتلئُ ذهنُه بالخطط، يبدو الساحل ذا منظر مختلف، والآن يُقيم الكاتب المشهور بروسبير مِرِيمه بِبْيَارِيتْز، وعلى ما كان من أجنبية بسمارك عنه يَنفُذ أخلاقَه أكثر من أيِّ ألمانيٍّ كان، فاسمع قوله: «إن بسمارك أنبَهُ من أيِّ ألمانيٍّ كان، إن بسمارك هو هانبولْدُ الدِّبلُمِيُّ، هو ألمانيٌّ عظيم مهذَّب، هو عاطل من البهجة كما يلوح، هو يفيض ذكاءً.» واسمعْ قوله بعد عام: «إن هذا الرجل العظيم كاملُ العُدَّة، فلا ينبغي لنا أن نُثيرَه، وخيرٌ لنا أن نُغَصَّ بسببه حتى يكونَ لدينا مِثلُ إبَرِ بنادقه.» ولا يَسَعُ الإنسان إلا أن يُعجبَ بذلك القطبِ السياسيِّ أكثر مما أُعجِبَ به ذلك الكاتب؛ فبسمارك متفننٌ قادرٌ على إبداء شيءٍ من التحوُّل، فكان الذي أظهرَه من انتحال بعض أوضاع ذلك البلد انتحالًا كان في أشدِّ الاحتياج إليه، فهل يقدر على خَدْع الإمبراطور؟

كلَا الرجلين يمشي على الرصيف قريبًا من البحر، ويبدو بسمارك قويًّا صحيحَ البنية حادَّ البصر فلا يغيب عن باله أن يسير في كلِّ عودة عن شمال الإمبراطور، ويبدو الإمبراطور أصفرَ أحدبَ أشيبَ قبل الأوان، وإن كان عمره لا يزيد على عمر بسمارك بسوى سنوات قليلة، فيظهر قصيرَ الخُطَا حائرَ البصر، ويسير الكلب نيرو وراءَهما رويدًا رويدًا، ومَن يقدر أن يُبصر الحرب التي ستقعُ بين الرجلين بعد خمس سنوات يمكنه أن يرى نتيجتها من خلال نظراتهما.

بيدَ أن مَن يسمعهما يشكُّ في احتمال نشوب الحرب بينهما ذات يوم، وكان كلاهما راغبًا عن القتال، وكان الإمبراطور مُصابًا بالكُباد٩ فلا يخاف شيئًا خوفَه من حرب جديدة، وإن وَدَّ في أيام صحته «اشتعالَ حرب في كلِّ سنتين»، وإذا ما وجب عليه أن يُحارب الآن رأى الخيَر في وقوع ذلك على شواطئ البحر المتوسط أو في البندقية حتى يُنزِلَ ضربةً في سبيل إيطالية وانتصارًا لمبدأ حرية الأمم ونَيلًا لشيءٍ من السلطان وتحقيقًا لآمال الفرنسيين. وأهدافٌ كهذه إذ كانت لا تُبلَغ بغير حرب ضدَّ النمسة، رأى الإمبراطور مظاهرةَ بروسية وصولًا إليها، وماذا يطلب من بروسية في مقابلة هذه الخدمة العظيمة؟
وماذا يطلب نابليون الثالث؟ ذلك ما سأله بسمارك في نفسه غيرَ مرة، ولا يستطيع بسمارك أن يُقطِعَه أرضًا ألمانية، ولا يدور في قلب الفرنسيِّ أن يضمَّ إليه أملاكًا نمسوية، ويكلمه بسمارك في أمر بلجيكة، ويتحفَّظ نابليون فيُلخِّص الوضعَ على الطريقة المِيفيسْتوفِلية١٠ فيقول: «إن من الصعب أن تُعرض أملاكٌ أجنبية على رجل راغب عنها.» ثمَّ يكلمه بسمارك عن سويسرة الفرنسية وعن أراضٍ ألمانية واقعةٍ على ضفة الرَّين وعن تريف ولَنْدو، ويحدث ذلك كلُّه حين سَير الرجلين ذهابًا وإيابًا، ويحدث ذلك كلُّه ضمن معنى الكلمة القائلة «لا نعرض عليك أرضًا، ولكنك إذا ما استوليتَ عليها لم تجدْ أحدًا يعترض دونك.» ويدَعُ الإمبراطور أمرَ الضمِّ غير صريح، وينطق بقوله العام: «نُرحِّب ببروسية الموسَّعة المحرَّزة من أيَّة عبودية.»
بسمارك : تُعلِّق بروسية الطَّموح أهميةً كبيرة على صداقة فرنسة، وتَنشُد بروسية اليئوس محالفاتٍ ضدَّ فرنسة، ولا نستطيع أن نُوجد الحوادثَ، ولكننا نستطيع أن ندعَها تأخذ مجراها.
الإمبراطور : إذا ما قضتِ الأحوالُ بائتلافٍ أشدَّ وثاقةً وأعظمَ صداقة؛ أمكن مليككم أن يكتب إليَّ ذلك سِرًّا.

ولا يسير بسمارك إلى ما هو أبعدُ من ذلك ولو أراد ذلك، فقد منعه الملك وِلْهِلْم من الارتباط في حِلف، وهل يُبلِّغ بسمارك إلى مليكه جميعَ تلك المحادثة؟ يُبلِّغ بسمارك إلى الملك ما يراه مناسبًا وبالمقدار الذي يستطيع الملكُ أن يستوعبَه، وبسمارك قد أضحى غيرَ صريحٍ بعد أن قبض على ناصية السلطة، وبسمارك لا يُطلِع المستمعَ على غير ما يمكنُه إدراكُه، وبسمارك يُعامل الملك كما يعامل سواه فلا يراه مستعدًّا لشهر حرب على آل هابِسْبرغ، «والذي يظهر لي أن عاطفةَ البلاط الفرنسيِّ ملائمةٌ لنا تمامًا»، وهكذا يضع تقريره بصيغة مبهمة مناسبة للحديث المنوَّه به، ونُبصر من خلف اللثام سِهامَ روحه الوثَّابة، فنرى كيف ينوي هذا القطبُ السياسيُّ محاربةَ إخوانه الألمان متحديًا رغائبَ قومه ومليكه وأوروبة، ونرى كيف يُحاول تسكينَ فرنسة العُظمى الطَّموحَ بالوعود الناقصة.

وكلَا الرجلين — بسمارك ونابليون الثالث — كان يقصد الخداع فلم يُعلَم بالضبط أيُّهما غَرَّ الآخر في بِيارِيتْز، وقد أسفر انتصارُ المدفعية في سنة ١٨٧٠ عن ختام المبارَزة بين ذينك الرأسين من غير تعيين.

١  رفعوا عقيرتهم: رفعوا أصواتهم.
٢  الكياد: الكثير الكيد.
٣  الفَلْح: الشق.
٤  الأثير: المكين.
٥  ينفث: يسحر.
٦  المغنى: المنزل، وتقابله كلمة Villa.
٧  السيف: ساحل البحر.
٨  التشنيف: أصله من شنف الجارية، أي جعل لها شنفًا وقرطها به، والشنف هو القرط الأعلى.
٩  الكباد: وجع الكبد.
١٠  نسبة إلى مِيفيسْتوفِل، وهو عفريتٌ من أشخاص رواية فاوست لغوتة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤