الجَمال

ثمَّ قال له شاعر: هاتِ لنا شيئًا عن الجَمال.

فأجابه قائلًا:

أين تفتش عن الجمال، وكيف تقدر أن تهتدي إليه ما لم يكن هو نفسه طريقًا لك ودليلًا؟
وكيف تستطيع أن تتحدث عن الجمال ما لم ينسج لك ثوبًا لائقًا بخطابك؟

•••

فالحزين المتألم يقول: «الجمال رقة ولطف، وهو يمشي بيننا كالأم الفتية الحيية من جلالها.»
والغَضوب يقول: «كلا، بل الجمال قوة وبطش، فهو كالعاصفة يهزُّ الأرض تحت أقدامنا والسماء فوق رءوسنا.»
والتَّعِب الْمَلُول يقول: «إن الجمال لطيف المناجاة، يتكلم في أرواحنا ويتموج صوته في سكون أذهاننا كما يرتعش النور الضئيل خوفًا من الظل الظليل.»
غير أن القَلِق المضطرب يقول: «قد سمعنا الجمال يصيح بأعلى صوته بين الجبال،
يرافق صوته وقع الحوافر، وخفقان الأجنحة وزمجرة الأسود.»
وعند انتصاف الليل يقول حارس المدينة: «سيبزغ الجمال مع الفجر من المشرق.»
وعند الظهيرة يقول العمال وعابرو السبيل: «قد رأينا الجمال يطلُّ على الأرض من نوافذ المغرب.»

•••

وفي الشتاء يقول جامعو الثلوج: «سيأتي الجمال مع الربيع وهو يقفز على التلال.»
وفي الصيف يقول الحصَّادون: «قد رأينا الجمال يرقص مع أوراق الخريف، وشاهدنا كومة من الثلج على رأسه.»
كل هذا سمعتكم تقولونه في الجمال،
غير أنكم في الحقيقة لم تقولوا فيه كلمة، وإنما تحدثتم بحاجاتكم غير المكملة، والجمال ليس بالحاجة غير المكملة، بل هو انشغاف وافتتان.
أجل، وليس الجمال فمًا متعطِّشًا أو يدًا ممدودة،
بل هو قلب ملتهب، ونفس مفتونة مسحورة.
وليس بالصورة التي ترغبون في رؤيتها أو الأنشودة التي ترجون سماعها،
بل هو صورة تبصرونها ولو أغمضتم عيونكم، وأنشودة تسمعونها ولو أغلقتم آذانكم.
وليس بالعصارة الجارية في عروق الأشجار، ولا بالجناح المتعلق بالمخالب، بل هو بستان تزينه الأزهار إلى الأبد، وجوقة من الملائكة ترفرف بأجنحتها إلى منتهى الدهور.

•••

نعم يا أبناء أورفليس، إن الجمال هو الحياة بعينها سافرة عن وجهها الطاهر النقي.
ولكن أنتم الحياة وأنتم الحجاب.
والجمال هو الأبدية تنظر إلى ذاتها في مرآة، ولكن أنتم الأبدية وأنتم المرآة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤