أخبار مثيرة

كان الأصدقاء الخمسة وبجوارهم الكلب «زنجر» يجلسون في حديقة منزل «عاطف» حيث اعتادوا الاجتماع كلما دخلوا مغامرة جديدة. لم يكن أحد منهم يتحدث بل كانوا جميعًا يقرءون الصحف الصباحية الثلاثة: الأهرام والأخبار والجمهورية.

كانت أنظارهم جميعًا مركزة على موضوع واحد منشور في الصفحة الأولى دليلًا على أهميته البالغة.

وكان عنوان الأهرام: اختفاء عالم مصري في ظروف غامضة.

وكان عنوان الأخبار: عالم مصري يختفي دون أن يترك أثرًا.

وكان عنوان الجمهورية: قصة مثيرة عن اختفاء عالم مصري.

كانت العناوين كلها متشابهة، وكان «تختخ» يقرأ وخلفه «لوزة» واقفة تقرأ معه، وكانت «نوسة» تقف خلف «عاطف»، وكان «محب» يقرأ، ولكنهم جميعًا كانوا يتابعون السطور باهتمام شديد والصحف الثلاث تصف كل ما حدث … ولم يكن ما حدث كثيرًا، فرجال الشرطة أنفسهم لم تكن عندهم معلومات كافية عن اختفاء العالم الدكتور «عرفان» … ولم يكن ما روته الصحف الثلاث يزيد على هذه المعلومات.

إن العالم الدكتور «عرفان» يقوم بأبحاث هامة.

إنه يسكن وحيدًا مع رجل عجوز يُدعى «موسى» يقوم على خدمته.

إنه يسكن فيلا منعزلة في المعادي.

إنه تخلَّف منذ يومين عن الذَّهاب إلى مكتبه.

إن زملاءه عندما اتصلوا بمنزله ولم يجدوه شكُّوا في الأمر، وخاصة أنه لا يتغيَّب مطلقًا عن مكتبه، فاتصلوا برجال الشرطة.

وأخذ «محب» يقرأ بصوت مرتفع ما فعَله رجال الشرطة كما روته الصحيفة … عندما توجَّه رجال الشرطة إلى فيلا الدكتور «عرفان» وجدوا «موسى» مُقيَّدًا ومُكمَّمًا وفي حالة إعياء شديد، ولم يجدوا أثرًا للدكتور «عرفان» في منزله، وروى «موسى» — بعدما أصبح في حالة تسمح له بالكلام — أنه منذ يومين وفي الساعة العاشرة لیلًا حضر ثلاثة رجال يتحدثون لغة أجنبية لا يعرفها، لزيارة الدكتور الذي كثيرًا ما استقبل مثلهم بحُكْم عمله. وبعد أن دخل الرجال الثلاثة إلى المنزل وجلسوا مع الدكتور «عرفان» في قاعة مكتبه، دخل «موسى» إلى المطبخ ليقدم لهم بعض المشروبات، وبينما هو يقف في المطبخ فوجئ بشخص يقف خلفه، وقبل أن يلتفت ليعرف من هو أحس بضربة شديدة تنزل على رأسه فسقط مُغمًى عليه، وعندما أفاق وجد نفسه مُقيَّدًا ومُكممًا في المطبخ، وظل على هذه الحال حتى حضر رجال الشرطة … ووصف «موسى» الرجال الثلاثة لرجال الشرطة.

قال «عاطف»: هذه هي كل المعلومات وهناك صورة منشورة للدكتور «عرفان» ونداء إلى المواطنين أن يُدْلوا بأيَّة معلومات تُفيد رجال الشرطة في العثور عليه.

عاد الأصدقاء إلى الصمت ثم قالت «لوزة»: لقد وقعت جريمة خطف في المعادي، وهذه منطقة نعيش فيها ولا يمكن أن يقع فيها مثل هذا الحادث دون أن نتدخل.

نوسة: إنها قضية كبيرة وخطِرة، وأعتقد أننا لن نستطيع أن نفعل شيئًا.

محب: ما رأيك يا «تختخ»؟ …

تختخ: المهم أن تتوافر معلومات أخرى يمكن أن تكون دليلنا إلى العمل، فهذه المعلومات لا تكفي لمعرفة مصير الدكتور «عرفان».

لوزة: ولكن ما هي اللغة الأجنبية التي كان يتحدث بها الرجال الثلاثة؟

تختخ: هذا سؤال هام … ولكن الجرائد لم تذكر شيئًا عن هذا الموضوع!

نوسة: في إمكاننا أن نسأل المفتش «سامي».

محب: لو كان المفتش «سامي» يريد أن نتدخل لاتصل بنا.

عاطف: إنه يظن باستمرار أننا أصغر من هذه القضايا الكبيرة … ولعلكم تتذكرون لغز «القفاز الأحمر» ولغز «الوثائق السرية» ولغز «المهرب الدولي»، لقد كان يظن أننا لن نستطيع حلَّها.

لوزة: أقترح أن يتصل به «تختخ» ويعرض عليه مساعدتنا لرجال الشرطة لحل هذا اللغز، فربما اقتنع بذلك.

وتحمَّس الأصدقاء جميعًا لهذا الاقتراح وأبدى «زنجر» حماسته بهز ذيله وإطلاق نباح خافت فقال «عاطف»: إن «زنجر» موافق أيضًا … ونحن لا نستطيع أن نتجاهل العضو السادس في المغامرين.

وضحك الأصدقاء … وقالت «نوسة»: هل أحضر لك التليفون يا «تختخ»؟ تردد «تختخ» قليلًا، ولكن «نوسة» لم تنتظر موافقته، فقد انطلقت إلى داخل الفيلا وعادت ومعها جهاز التليفون، ورفعت السماعة وأعطتها ﻟ «تختخ» الذي مدَّ أصبعه وأخذ يدير رقم صديقهم مفتش المباحث الجنائية «سامي».

وركز الأصدقاء جميعًا أنظارهم وآذانهم على «تختخ» وأخذوا يستمعون إلى المكالمة.

قال «تختخ»: أنا «توفيق»!

وسكت قليلًا ثم قال: نحن جميعًا بخير … وقد قرأنا اليوم خبر اختفاء أو اختطاف الدكتور «عرفان».

وسكتَ مرة أخرى ثم عاد يقول: نعم نحن نريد أن نتدخل، فهذه الجريمة وقعت في المعادي … في منطقة اختصاصنا.

وسكت للمرة الثالثة وهو يستمع إلى حديث المفتش «سامي»، ثم قال: لا تخشَ شيئًا، سنحاول فقط أن نجمع بعض المعلومات ونقدمها لكم وعليكم الباقي.

ثم عاد للسكوت يستمع إلى المفتش ثم قال: نحن نحتاج إلى معلومات أكثر، فما نشرته الجرائد ليس كافيًا.

ثم عاد يستمع وردَّ قائلًا: نحن في انتظارك.

ووضع «تختخ» السماعة، ثم التفت إلى الأصدقاء قائلًا: لقد كان المفتش في طريقه إلى المعادي لاستكمال التحقيق، وقد اتفقت معه أن يمر علينا ويشرح لنا بتفاصيل أكثر كيف وقع الحادث.

وصفَّقت «لوزة» بحماس قائلة: سيصبح عندنا لغز ونجمع الأدلة! هزَّ «عاطف» رأسه ثم قال: لقد كنتِ تقولين عنها زمانًا إنها «أذلة» وليس «أدلة» … لقد تحسَّنت معلوماتك اللغوية.

ردت «لوزة»: إنك دائمًا تطاردني بنكاتك، وليس عندي مانع إذا كانت نكاتك ظريفة … ولكن للأسف هذه النكتة …

نوسة: لا تضيِّعوا الوقت في معركة كلامية. ادخلي يا «لوزة» وجهزي كوب عصير الليمون للمفتش.

وانصرفت «لوزة» وبقي الأصدقاء يتناقشون، ومضت ساعة ثم سمعوا صوت سيارة المفتش «سامي» … تقف عند باب الحديقة، ثم نزل المفتش بقامته الطويلة ونظارته السوداء، وأسرع الأصدقاء جميعًا يرحِّبون به، ثم جلس بينهم وخلع نظارته لحظات وأخذ يفرك عينيه … وكان واضحًا أنه مجهد وأنه لم ينم ما يكفي، وأسرعت «لوزة» تقدم له كوب الليمون المثلج فشربه ثم اعتدل ووضع نظارته على عينيه، وقال: لقد حضرت إليكم لأنني أثق فيكم … وسوف أخبركم بمعلومات هامة يجب أن تظل سرًّا بيننا … إنها معلومات لم تنشرها الصحف حتى لا يتنبَّه الخاطفون الثلاثة إلى أننا نعرف الكثير عنهم.

سأل «عاطف»: هل حددتم جنسية الرجال الثلاثة؟

ردَّ المفتش: لا، ولكننا حصرنا بعض الأفكار الهامة، منها أنهم استخدموا سيارة سوداء كبيرة ظلت دائرة في أثناء الاختطاف أمام الباب.

محب: وهل عرفتم أرقام السيارة؟

المفتش: ليس بعد، ولكننا سوف نصل إليها.

سكت المفتش قليلًا ثم عاد يقول: كانوا ثلاثة وكانوا يتحدثون اللغة الإنجليزية … وأحدهم قصير القامة بدرجة ملحوظة ورأسه كبير، والباقيان شكلهما عادي ولكن أحدهما يعرج قليلًا في مشيته. وقد فتَّشوا الفيلا كلها … والمعمل الصغير الملحق بها. وكسر أحدهم أنبوبة اختبار في المعمل وجرح يده جرحًا كبيرًا … فقد وجدنا آثار دماء كثيرة برغم أنهم حرصوا على غسل مكانها … ولكن المعمل الجنائي استطاع أن يتأكد من وجود الدماء في أكثرَ من مكان … ثم عثرنا على قطرات من الدم على الأرض والسلالم وفي الشارع؛ مما يؤكد أن الجرح كان كبيرًا.

وصمت المفتش «سامي» … والأصدقاء يستمعون إليه باهتمام كبير، ثم قال: من الواضح أنهم أجانب طبعًا … وقد فحصنا جميع سجلات الفنادق وتابعنا مئات الأشخاص، ولكن نظرًا لوجود ألوف السياح، كان من الصعب متابعتهم جميعًا.

وسأل «محب»: ألم تعثروا على بصمات؟

المفتش: عثرنا على بصمات ولكنها ليست واضحة، ويبدو أنهم عُنوا بمسح كل الآثار التي تركوها، وأعادوا ترتيب كل شيء في مكانه.

تختخ: إن العثور على شخص بيد جريحة مسألة ليست صعبة جدًّا!

المفتش: هذا إذا كانوا ما زالوا هنا … فمن المحتمل جدًّا أن يكونوا قد غادروا البلاد وخاصة أننا لم نعرف الحادث إلا بعد وقوعه بثلاثة أيام، وهي مدة كافية لكي يهربوا.

تختخ: ولكن إذا كانوا قد تركوا البلاد فلماذا لم يظهر الدكتور «عرفان» حتى الآن؟

المفتش: هذا هو السؤال الذي نبحث عن إجابته … هناك أيضًا احتمال وهم أنهم ما زالوا في البلاد … ومعهم الدكتور.

تختخ: هل تسمح لنا بالتحري والبحث؟

المفتش: ولكن كونوا في منتهى الحذر، والمعلومات التي قلتها لكم يجب أن تبقى في الكتمان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤