لا شيء

في صباح اليوم التالي كان ثلاثة من الأصدقاء يدورون حول فيلا الدكتور «عرفان» بعد أن عرفوا العنوان من المفتش «سامي». كان الثلاثة هم «تختخ» و«عاطف» و«نوسة» … وكانوا يتظاهرون بأنهم يلعبون، ولكنهم في الحقيقة كانوا يراقبون الفيلا الساكنة والتي كان يحرسها أحد رجال الشرطة. لقد حذَّرهم المفتش «سامي» من أن يتظاهروا بأنهم يعرفون شيئًا وكان عليهم أن يجمعوا معلوماتهم دون أن يحس أحد.

كانت الفيلا صغيرة مبنية بالطوب الأحمر المصقول ومكونة من دَوْر واحد يرتفع عن الأرض بأعمدة رخامية، وملحق بها مبنًى صغير أدرك الأصدقاء أنَّه معمل الدكتور «عرفان» …

قال «تختخ» وهو يقترب من «عاطف»: إنني أتمنى أن أدخل هذه الفيلا بأي ثمن.

ردَّ «عاطف»: ذلك شيء صعب للغاية، فهناك حارس وهناك تعليمات المفتش «سامي» بأن نكون في غاية الحذر.

واقتربت «نوسة» … قائلة: إنني لا أجد فائدة من هذا اللف والدوران حول الفيلا، ولا أظن أننا سنحصل على أيَّة معلومات.

تختخ: لقد خطر ببالي سؤال … هل كان اللصوص الثلاثة أو الجواسيس الثلاثة يبحثون عن أوراق معينة؟

عاطف: طبعًا، بدليل أنهم فتَّشوا الفيلا.

تختخ: ومعنى أنهم أخذوا الدكتور «عرفان» معهم أنهم لم يعثروا على الشيء الذي كانوا يبحثون عنه.

نوسة: هل تقصد أنهم قد يعودون إلى تفتيش الفيلا؟

تختخ: هذا ما أتصوره … إذا لم يدلَّهم الدكتور «عرفان» على ما يريدون.

عاطف: وماذا تقصد بهذا؟

تختخ: أقصد أن علينا مراقبة الفيلا ليلًا ونهارًا، فقد يحضُر أحدهم أو كلهم لتفتيشها مرة أخرى.

نوسة: ولكن هناك حراسة على الفيلا.

تختخ: إنهم جواسيس في غاية الجرأة، وقد خطفوا الدكتور «عرفان» بطريقة بسيطة، ولكنها في غاية الدقة فلم يتركوا خلفهم آثارًا هامة، ولم يلفتوا إليهم الأنظار ولم يرهم أحد من المارَّة، ومثل هؤلاء الجواسيس لا يترددون في عمل أي شيء ليحصلوا على ما يريدون.

كان الأصدقاء الثلاثة منهمكين في الحديث فلم يلتفتوا إلى دراجة كانت تقترب منهم في هدوء، وفجأة سمِعوا صوتًا يعرفونه جيدًا يصيح: ماذا تفعلون هنا؟

ماذا نفعل هنا؟ … لقد نسيت! ردَّ «تختخ»: وأنا أيضًا!

عاد الشاويش وكأنه سينفجر: هل تسخرون مني؟ … هل … هل تسخرون من مُمَثِّل القانون؟!

تختخ: أبدًا يا حضرة الشاويش … إننا نحترم القانون.

الشاويش: إذن … ماذا تفعلون هنا؟

تختخ: إننا لا نفعل أي شيء كما ترى.

الشاويش: إنكم لم تأتوا هنا بالمصادفة … فأنتم تعرفون أن حادثًا هامًّا قد وقع …

وقبل أن يُكمل الشاويش جملته رفع «عاطف» أصبعه إلى فمه محذرًا وقال: حاسب يا شاويش إنك تُفشي أسرارًا في غاية الأهمية وتُعرِّض نفسَك للمتاعب.

اصفرَّ وجه الشاويش بعد احمراره الشديد وأخذ يتلَّفت حوله ثم أرخى عينيه في ندم وقال: أنتم إذن تعلمون؟

قال «عاطف»: نحن لا نعلم أيَّ شيء، وليس عندنا معلومات عما تتحدث عنه ولن نقول للمفتش «سامي» شيئًا.

وقبل أن ينطق الشاويش بحرف، أطلق الأصدقاء الثلاثة الدراجات وابتعدوا مسرعين إلى حديقة «عاطف» كما اعتادوا.

عندما اجتمع المغامرون الخمسة ومعهم «زنجر» لم يكن عندهم شيء يقولونه، فلم يحصلوا على معلومات أو أدلة يمكن أن ينطلقوا خلفها … وفجأة قالت «نوسة»: هناك شيء لم يقُلْه لنا المفتش «سامي»!

عاطف: ما هو؟

نوسة: هذا الجرح الذي أُصيب به أحد الرجال الثلاثة، هل كان كبيرًا بحيث يحتاج لعلاج من طبيب؟

محب: وكيف يعرف المفتش «سامي» حجم الجرح وهو لم يره؟ لقد قال فقط إنه نزف كثيرًا بدليل وجود دماء في أكثر من مكان، فهذا يدل على أن الجرح لم يكن صغيرًا … ولكن هل يحتاج إلى طبيب أو لا يحتاج، فهذا ما لم يقُلْه وما لا يستطيع تحديده.

تختخ: دعونا نسير خلف استنتاجات «نوسة» … فإذا عرفت أن الجرح يحتاج لطبيب فماذا يعني هذا؟

نوسة: يعني أن على رجال الشرطة أن يسألوا الأطباء، فقد يحصلون على معلومات هامة تؤدي إلى الوصول إلى بعض الأدلة أو أي شيء بدلًا من الغموض الذي يحيط بالحادث.

لوزة: هل يمكن أن أقول شيئًا ولا تضحكون؟

والتفت الأصدقاء إليها في انتظار ما ستقوله فقالت: إننا نستطيع أن نعرف ما إذا كان الرجل قد ذهب إلى الطبيب أو لا إذا حصلنا على الزجاج المتخلِّف من الأنبوبة التي كسرها الجاسوس.

عاطف: كيف أيتها العبقرية؟

لوزة: إن الزجاج الرفيع عندما ينكسر يدخل في جسم الشخص المصاب، وفي هذه الحالة لا بد أن يذهب إلى طبيب ليُخرج له الشظايا التي دخلت في يده.

كان «تختخ» يستمع في صمت وهو ينظر إلى «لوزة» وهي تتحدث حتى إذا انتهت من حديثها قال: إنني أوافق على كل كلمة قالتها «لوزة»، وسأتصل بالمفتش «سامي» فورًا.

ابتسمت «لوزة» في سعادة ونظرت إلى بقية الأصدقاء في زهو، فقال «عاطف»: هل أمسكتِ الذئب من ذيله؟

تختخ: إن الإمساك بذيل الذئب هو أحسن طريق للإيقاع بالذئب نفسه.

وأسرعت «نوسة» تُحضر التليفون، وتحدَّث «تختخ» إلى المفتش «سامي»، وشرح له فكرة «لوزة» ثم قال: هل سنجد بقية الزجاج عندكم؟

قال المفتش: نعم إن البقايا موجودة بالمعمل الجنائي لرفع بعض البصمات التي وجدت عليها.

تختخ: هل القطع التي عندكم هي كل ما تخلَّف من الأنبوبة المكسورة؟

المفتش: أعتقد هذا، فقد جمَعنا كلَّ ما وجدنا من قطع الزجاج ووضعناها في كيس وأُرسل إلى المعمل.

تختخ: هل يمكن أن ترسلها لنا؟

المفتش: إذا كان المعمل الجنائي قد انتهى منها فسوف أرسلها لكم، وإن كنت غير مقتنع تمامًا بفكرة «لوزة».

تختخ: إنها على كل حال أفضل من البقاء بلا عمل، فليس عندنا أية استنتاجات أو أدلة يمكن أن نبحث فيها.

المفتش: سوف أرسل لك الزجاج المكسور على كل حال … فإننا على استعداد للسير خلف أي دليل مهما كانت تفاهته!

وضع «تختخ» السماعة فقالت «نوسة»: أفكِّر أن نأخذ «زنجر» وندخل فيلا الدكتور «عرفان» ثم يقوم «زنجر» بشمِّ أي شيء من ثيابه ثم نُطلقه لعله يصل إليه.

تختخ: إنها فكرة طيبة لو كان الدكتور في مكان قريب من الفيلا، ولكنه بالطبع نُقل بعيدًا، كما أن مرور فترة على اختفاء الدكتور سوف يُضعف من أمل تتبُّع رائحته.

وقضى الأصدقاء الوقت في مناقشات حول اللغز الغامض، وفي المساء أحضر أحد رجال الشرطة كيس الزجاج المكسور إلى «تختخ» الذي جمع الأصدقاء ثم اتجهوا جميعًا إلى غرفة العمليات في منزله، وهي الغرفة التي يضع فيها كل أدوات التنكُّر وغيرها. وعلى المكتب فرشوا ورقة بيضاء كبيرة ثم وضعوا قطع الزجاج عليها، وأحضر «تختخ» أنبوبة من «الأوهو» الذي يلصق الأشياء المكسورة والتفُّوا جميعًا حول الأنبوبة المكسورة.

كان الزجاج دقيقًا وقد تكسَّر إلى عشرات الشظايا الصغيرة وأخذوا جميعًا يُجرِّبون … هذه القطعة بجوار الأخرى … وهذه القطعة الصغيرة التي تشبه المثلث يمكن أن تُركَّب على هذه القطعة … والشرائح الرفيعة تدخل في هذا المكان …

وبلغت الساعة العاشرة وهم ما زالوا يعملون، ثم انصرف «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» وبقي «تختخ» وحده يعمل ويعمل، كان يريد بأي شكل أن يصل إلى طرَف خيطٍ يقوده إلى الجواسيس الثلاثة حتى لو كانت هذه الفكرة البسيطة … إن أحد الرجال الثلاثة ربما ذهب إلى طبيب … وبواسطة هذا الطبيب يمكن الوصول إلى الجاسوس … وقد لا يصلون، ولكن ما دام هناك أمل ولو ضئيلًا فيجب أن يعملوا.

ومرَّت الساعات و«تختخ» يضع قطعة بجوار قطعة ويلصقها … شيئًا فشيئًا، تكوَّنت الأنبوبة الزجاجية … عندما انتهى من عمله تمامًا اتضح له أن فكرة «لوزة» كانت صحيحة تمامًا … لقد كانت هناك قطع كثيرة ناقصة ولا بد أنها دخلت يد أحد الرجال الثلاثة … لقد أصبح هناك أمل في الوصول إلى شيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤