يوم حافل

في صباح اليوم التالي كان عند المغامرين الخمسة عمل كبير يجب إنجازه … فيجب أن يبحثوا عن طبيب أتى إليه الجاسوس ليلة الاختطاف، أو صباح اليوم التالي لإخراج شظايا الزجاج من يده.

لقد تأكدوا أن فكرة «لوزة» معقولة … المهم أن يصلوا إلى شيء.

اتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» وأخبره بنتيجة ما قاموا به، وشجَّعهم المفتش «سامي» على الاستمرار، ووعدهم أن يقوم رجال الشرطة — بما لهم من إمكانيات — بمحاولة الوصول إلى الطبيب الذي قد يكون عالج الجاسوس.

لم تكن المهمة سهلة … ولكن الدكتور «مختار» قريب «عاطف» ساعدهم كما ساعدهم من قبل في لغز «الساق الخشبية»، فقد اتصل بأصدقائه الأطباء في المعادي واحدًا وراء الآخر، وكان اثنان من الأصدقاء — هما «لوزة» و«عاطف» — يجلسان بجواره وهو يتصل تليفونيًّا، لكن هذا البحث لم يصل إلى نتيجة. ومرت الساعات وليس هناك طبيب واحد يقول إنه قد عالج الجاسوس، فقد قالوا جميعًا إنهم لم يعالجوا شخصًا أُصيب في يده بشظايا زجاج، ووضع الدكتور «مختار» سماعة التليفون والتفت إلى «لوزة» و«عاطف» قائلًا: للأسف، إن الدليل الذي تسيرون خلفه لم يؤدِّ لنتيجة. إنني كما تعرفون من هواة حل الألغاز البوليسية، وكنت أتمنى أن أشترك معكم في الحل، ولكن فكرة شظايا الزجاج برغم أنها معقولة … لن تؤدي إلى نتيجة.

وسكت الدكتور «مختار» قليلًا وهو ينظر في كشف أسماء الأطباء التي وضعها أمامه ثم قال: هناك طبيب واحد هو الدكتور «مكرم» ليس موجودًا في عيادته … وسيعود بعد ساعة، ولكني للأسف سأخرج الآن لموعد في القاهرة ولن أستطيع انتظاره.

قالت «لوزة» وقد عاودها الأمل: أعطِنا خطابًا له، وسنذهب نحن وننتظره.

الدكتور «مختار»: إنك لا تفقدين الأمل أبدًا!

لوزة: إن هذا هو الأثر الوحيد الذي يمكن أن يؤديَ إلى شيء … ويجب ألا نترك أي أمل دون أن نسير خلفه للنهاية.

عاطف: إنني شخصيًّا غير مقتنع … ولن أذهب إلى الدكتور «مكرم»!

لوزة: قل لي يا دكتور … هل يمكن أن يترك الرجل شظايا الزجاج في يده دون أن يُخرجها؟

الدكتور «مختار»: سيؤدي هذا إلى التهاب كبير في يده، وقد يتلوث بالميكروبات ويؤدي هذا إلى خطورة على حياته.

لوزة: أي إنه يجب أن يخرج هذه الشظايا؟

الدكتور «مختار»: طبعًا، ولا بد من تطهير الجرح وأخذ حقن مضادة للجراثيم وغير ذلك من الاحتياطات … ولا بد أن يتم ذلك بسرعة.

لوزة: إذن لا بد أن يكون هذا الشخص قد لجأ إلى طبيب!

الدكتور «مختار»: نعم، ولكن قد لا يكون هذا الطبيب في المعادي، ربما في القاهرة أو الإسكندرية أو أي مكان آخر … فهناك عشرات الآلاف من الأطباء، ومن الصعب جدًّا أن نصل إلى الطبيب الذي قام بإسعافه.

لوزة: إنني لن أفقد الأمل أبدًا … وسأذهب إلى الدكتور «مكرم».

عاطف: أما أنا فسأعود إلى البيت فورًا.

وخرج الاثنان بعد أن كتب الدكتور «مختار» توصيةً للدكتور «مكرم» ليستمع ﻟ «لوزة» …

مشت «لوزة» وحدها في الطريق إلى عيادة الدكتور «مكرم» تُقدِّم رِجْلًا وتؤخر رِجْلًا … لقد كان الأمل ضعيفًا جدًّا، والشمس حارقة … وهي عطشَى ومُتعَبة، وعندما جاءت عند مُفتَرق الطرق بين عيادة الدكتور «مكرم» ومنزلهم فكرت أن تعود إلى البيت، ولكن شيئًا في نفسها دفعها إلى الذهاب إلى العيادة.

صعدت السلالم وهي تتصبب عرقًا … وكانت العيادة خاليةً إلا من عجوز مخيف الشكل استقبلها في ضيق قائلًا: الدكتور غير موجود!

قالت «لوزة» في شجاعة: سأنتظره.

الممرض: هل جئتِ وحدك؟ إن الدكتور «مكرم» ليس إخصائي أطفال … ألم يحضُر معكِ شخص كبير؟

لوزة: إني لا أريده أن يكشف عليَّ.

الممرض: إذن لماذا جئتِ؟

لوزة: إنني أريد أن أتحدث إليه قليلًا.

قال الممرض في ضيق: تتحدثين معه؟! في أي شيء؟

ارتبكت «لوزة» وبدأت تقف، ولكن جرس التليفون دقَّ في هذه اللحظة وأسرع الممرض إلى جهاز التليفون ليتحدث … ووجدتها «لوزة» فرصة للفرار فوقفت وبدأت تتقدم إلى الباب. وفي هذه اللحظة حدث ما لم يكن في الحسبان … فقد دخل شخص إلى العيادة في هدوء وحذر … كان أجنبيَّ المنظر … كبير الرأس بالنسبة إلى جسمه … وكانت يده مربوطة بالشاش.

أُصيبت «لوزة» بدهشة بالغة … وأخذت تنظر إلى الرجل وكأنها ترى مخلوقًا قد أتى من القمر … إن هذا الرجل بالتأكيد أحد الجواسيس الثلاثة الذين خطفوا الدكتور «عرفان». إنها تذكر جيدًا حديث المفتش «سامي» ووصْفَه للرجال الثلاثة … من المؤكد أن هذا الرجل هو المصاب في يده الذي تبحث عنه.

وخرج الممرض من غرفة الطبيب، وقال في خشونة موجهًا حديثه إلى «لوزة»: إن الدكتور «مكرم» … لن يحضر اليوم … فقد جاءته عملية جراحية عاجلة ولن يستطيع الحضور.

وتقدَّم الممرض يرحِّب بالرجل الغريب ثم دخل به إلى غرفة الكشف … وكانت «لوزة» تدرك أن المغامرة كلها متوقفة على ما تفعله في اللحظات التالية … ماذا يجب أن تفعله بالضبط؟ نزلت السلالم مسرعة إلى الشارع، وجدت سيارة تاكسي تقف أمام باب العيادة، كانت إشارة العداد تدل على أن التاكسي في الانتظار … وقالت «لوزة» في نفسها: إن هذا التاكسي لا بد في انتظار الرجل الغريب … ماذا تفعل الآن؟ وأخذت تنظر حولها في حيرة … لو كان هناك تليفون قريب لتحدثت إلى الأصدقاء ولكن الشارع كان خاليًا من المحلات تمامًا. هل تستطيع الاختفاء داخل شنطة التاكسي ومعرفة مكان الرجل؟ إن السائق يقف بجانب التاكسي فلا تستطيع ذلك … ماذا تفعل؟ إن المصادفة الطيِّبة وضعتها أمام الرجل الذي تبحث عنه، ولكنها لا تستطيع التصرف …

كان ذهنها يعمل بسرعة … ولكن دون أن تعثر على حل معقول … ثم قررت أن تحفظ رقم التاكسي، إنه على كل حال شيء خيرٌ من لا شيء … أخذت تحفظ الرقم «٦٢١١» أجرة القاهرة … وكررت الرقم في ذهنها بضع مرات «٦٢١١» أجرة القاهرة، وكان سائق التاكسي قد لاحظ وقوفها الطويل وأخذ ينظر إليها نظرات مريبة، ووجدت أنه لا فائدة من الانتظار، فانطلقت مسرعة في الشوارع تجري إلى المنزل …

عندما وصلت «لوزة» إلى منزلها كان الأصدقاء يجلسون معًا يقطعون الوقت باللعب والحديث، فلم تكد تدخل ويرون آثار التعب والإرهاق على وجهها حتى أدركوا أن وراء «لوزة» أخبارًا هامة.

لم تجلس «لوزة»، ولكنها قالت بصوت مرتجف وأنفاسها تتلاحق: انطلقوا بالدراجات بسرعة إلى شارع ٨٥ أمام عيادة الدكتور «مكرم» رقم ١٩ قد تجدون تاكسي أجرة القاهرة رقم «٦٢١١» فيه أحد الجواسيس الثلاثة، أسرعوا … إنه الرجل المصاب في يده … ذو الرأس الكبير.

قفز «تختخ» و«محب» و«عاطف» إلى دراجاتهم بسرعة البرق، وانطلقوا كالعاصفة إلى الشارع رقم ٨٥ وهم جميعًا يرددون في أذهانهم الأرقام التي قالتها «لوزة» … شارع رقم ٨٥ رقم ١٩، سيارة رقم «٦٢١١».

أما «لوزة» فجلست بجوار «نوسة» … التي أسرعت تُحضر لها كوب ماء وأخذت «لوزة» تهدأ تدريجيًّا وتروي ما حدث في عيادة الدكتور «مكرم» ﻟ «نوسة» التي استمعت إليها في اهتمام شديد.

في الطريق انقسم الأصدقاء الثلاثة إلى قسمين «تختخ» في ناحية و«محب» و«عاطف» في ناحية أخرى، وقد اتفقوا على أن يدخلوا الشارع رقم ٨٥ من طرَفين لمحاصرة السيارة التاكسي إذا كانت موجودة.

ووصلوا بعد نحو خمس دقائق إلى الشارع … ولكن الطير كان قد أفلت … فلم تكن هناك سيارة تاكسي أمام العيادة … قال «تختخ» ﻟ «محب» و«عاطف»: انطلقا أنتما في الشوارع المجاورة، فقد تعثران على التاكسي، أما أنا فسوف أصعد إلى العيادة، فلي حديث مع من فيها.

عاود الصديقان «محب» و«عاطف» الجري بالدراجتين، أما «تختخ» فقد ترك دراجته أمام العيادة بعد أن أغلق قفلها ثم صعد إلى فوق.

كان الممرض ذو السَّحنة المخيفة يجلس وحده، وعندما شاهد «تختخ» عاجله بالسؤال: ماذا تريد؟

قال «تختخ»: إنني أبحث عن شخص مجروح اليد كان هنا منذ دقائق.

الممرض: ولماذا تبحث عنه؟

تختخ: أريد أن أتحدث إليه.

الممرض: لقد خرج منذ فترة … ولكن لماذا تريد الحديث إليه؟

تختخ: هذه المسألة لا تهمك.

قال الممرض بلهجة مُنذِرة: هل تتحرَّش بي؟ ما معنى أنها لا تهمُّني؟

تختخ: لا تهمُّك فعلًا.

الممرض: إذن اخرج من هنا فورًا.

تحرك «تختخ» ناحية الباب ثم التفت إلى الممرض قائلًا: سأخرج الآن ولكن سوف أعود، وسأجعلك تتكلم كما أريد.

وقبل أن يجيب الممرض كان «تختخ» قد خرج ونزل السلالم مسرعًا، ثم قفز إلى دراجته وانطلق في شوارع المعادي الساكنة ينظر حوله لعله يرى التاكسي … ولكنه كان يعرف أنه أمل واحد في المليون أن يجد التاكسي الآن، ففضَّل أن يتجه إلى حديقة منزل «عاطف» ليقابل «لوزة» ويستمع إلى قصتها كاملة … وخاصة أن المساء كان قد هبط.

عندما وصل «تختخ» إلى الحديقة وجد «عاطف» و«محب» قد سبقاه إلى هناك، ولم يكد يدخل حتى سمع «محب» يصيح: لقد عثرنا على التاكسي يا «تختخ» …

دقَّ قلب «تختخ» سريعًا؛ فقد كثرت الأخبار الهامة ويبدو أنهم في الطريق الصحيح، فقال: وهل عرفتم أين ذهب الرجل؟

محب: عرفنا المنطقة التي نزل فيها ولكن السائق لم يعرف عنوان المنزل بالضبط.

تختخ: وأين نزل؟

محب: قرب الاستاد الرياضي في آخر المعادي.

تختخ: في إمكاننا أن نعثر عليه وخاصة إذا أخطرنا المفتش «سامي».

وأسرع «عاطف» يحضر التليفون ﻟ «تختخ» الذي أدار القرص ثم طلب المفتش «سامي» وأخبره بالمعلومات الهامة التي وصلوا إليها، ولكن المفتش «سامي» قال له جملة واحدة جعلت سماعة التليفون تسقط من يده.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤